من القاهرة كتب - د. رفعت السيد سعيد
من عجائب هذا الزمان ، وعجائب ما يطلق عليه هذه الأيام بـ (الثورات العربية) ، (بإستثناء الثورتين المصرية والتونسية) أن تجد أحدهم – فردأ أو منظمة أو حزباً – يوصف نفسه ، أو توصفه قناتا الخنزيرة والعبرية (مثلاً) بـ(الثائر) ، لا يجد غضاضة فى أن ينسق مع المخابرات الأمريكية وكافة أجهزة المخابرات الغربية ، والعمل السياسى أو العسكرى معهما بلا أدنى شعور بالذنب أو الحياء ، بل أحياناً – او قل فى الغالب – يفتخر بذلك ، والأغرب أن تجد بعض وسائل إعلامنا الخاص والعام ، تنطلق كالببغاوات ،
لتردد ذات النغمة ؛ (الثوار) ، (الثورة) ، دونما تمحيص لتلك العلاقة التى تربط (الثوار) بـ الـ C.I.A أو محاولة تفسير الأمر لنا نحن القراء أو المراقبين (الغلابة) ، ودونما الإجابة عن أسئلة بسيطة للغاية من قبيل : أليس ثمة تناقض مصلحى وتاريخى بين (الثورة) فى أى مكان فى الدنيا ، وفى قلبها بلادنا المنكوبة بأمريكا وإسرائيل ، وبين المخابرات الأمريكية والأوروبية ؟ وهل تحولت الـ C.I.A فجأة إلى جمعية خيرية لدعم الثوار العرب ؟ وهل يستقيم عقلاً ، وواقعاً أن تكون ثورياً ضد أنظمة مستبدة ، أو فاسدة وتابعة (مثل نظام مبارك مثلاً) وأن تعمل فى الوقت نفسه مع الـC.I.A أو غيرها من أجهزة الإدارة الأمريكية والأوروبية السياسية؟ العاقل يقول لك: طبعاً لا يستقيم الأمر،أما المنافقون من صحفيينا ووسائل إعلامنا المقروءة والمرئية ، فتجدهم يلفون ويدورون حول القضية،دون إجابة شافية،مجرد نفاق رخيص لحالة عامة،ولمزاج عام يبدو ثورياً ولكنها (ثورة مغشوشة) أو ثورات (تايوانية) غير حقيقية ، سرعان ما سنصحو بعد قليل على حجم الجُرم الذى اقترفه ثوار الـ C.I.A فى حقنا وحق أمتنا إن صمتنا عن تلك العلاقة المشبوهة.
* على أي حال دعونا نتأمل هذه "المشاهد" عن العلاقة العجيبة بين (الثوار) والـC.I.A :
أولاً : المشهد الأول من مصر ، حيث لا يتحرج بعض ممن يسمون أنفسهم بنشطاء حقوق الإنسان ، وبعض ممن يسمون بأعضاء فى ائتلافات ثورة (25 يناير) وممثل مركز كارنيجى التابع للـ C.I.A ، المدعو عمرو حمزاوى وعبد المنعم سعيد فيلسوف لجنة السياسات وسارق عمود يومى بشطارة فى الأهرام قبل أن يتم إقالته باعتباره من العهد البائد وغيرهم ؛ من أن يلتقوا المسئولين الأمريكيين والأوروبيين الذين كانوا حتى النفس الأخير ضد الثورة ، يلتقونهم بترحاب بل ويعقدون المؤتمرات لهم ، لطمأنتهم على أحوال الثورة التى غالباً لم يشاركوا فيها ، ولم يشاهدوا أسر شهدائها الأبطال وهم يزرفون الدمع على أولادهم ؛ ولعلكم تتذكرون لقاءات المسئولين الأمريكيين بهم وصور الأخ بهى الدين حسن ، والسيد عمرو موسى (الظاهرة الصوتية الذى يريد أن يصبح رئيساً لمصر بعد خدمة 30 سنة تحت جناح مبارك) والبرادعى، معهم ، وهى صور منشورة على الصفحات الأولى للصحف المصرية مع هيلارى كلينتون وباقى المسئولين الأمريكيين، والسؤال: كيف يستقيم أن تكون (ثورياً) أو مدافعاً عن الثورة أو حتى مدافعاً صادقاً عن حقوق الإنسان أو صحفى يحترم نفسه وقلمه ؛ وأنت صديق لقتلة شهداء الثورة؟
أليس الرصاص الذى قتل به أبناء ثورة 25 يناير رصاصاً أمريكياً وبريطانياً وأوروبياً،أما أننى أحلم وأرمى واشنطن بالباطل؟ أجيبونى من فضلكم!! .
ثانياً : كيف يستقيم أن تكون (ثورياً) ضد نظام بشار الأسد – مثلاً -
الذى يساند حماس والجهاد الإسلامى والمقاومة العراقية ، واللبنانية ويمدها بالدعم المادى والمعنوى ، ويحتضن قيادتهم فى دمشق والذين يديرون أنبل عملية جهاد عربى معاصر من قلب دمشق ؛ ويحتضن معهم نصف مليون فلسطينى فى مخيم اليرموك ، بدمشق ، ومليونى عراقى هجر بسبب الاحتلال ، وفى الوقت نفسه ، يمد هؤلاء الثوار ونشطاء حقوق الإنسان ، يد التعاون مع هيلارى كلينتون ، ويرحبون بتصريحات أوباما والمخابرات الأمريكية المساندة لأهل (درعا) و(اللاذقية) ؟ كيف ؟
أنا هنا طبعاً لا أعترض أن يرفض الناس الاستبداد والفساد فى سوريا وفى غيرها من الدول العربية ، بل أدعوهم إلى أن يعلنوا هذا الرفض وبقوة ، ولكنى لا أفهم – وأرجو أن يفهمنى أحد – كيف يكون من يتصدى لهذا الاستبداد ، ثورياً وواشنطن وباريس تقف خلفه وتضع يدها فى يده ؟
ألا يجعلنا هذا الأمر نتردد فى إطلاق كلمة (ثورى) عليه ؟
أليس الأليق أن يتطهر أولاً من رجز العلاقة مع واشنطن وأن يناضل بصدر عارى ،وقلب وطنى شريف، بعيداً عن وصايتها حتى نثق فى طهارته واستقلاليته وعدم عمالته المبكرة ؟ .
ثالثاً : نفس الأمر يقال على من أسماهم إعلام الغرب وإعلام " الخنزيرة والعبرية " بـ(ثوار ليبيا) .. كيف يكونون ثواراً وهم يتحالفون مع فرق المخابرات الأمريكية والبريطانية التى بدأت تعمل على الأرض ، بعد أن عملت لـ20 يوماً فى السماء عبر طائرات التحالف فقتلت 650 مدنياً ليبياً فى طرابلس وبنازى_معا_ وباقى المدن ؟ كيف يستقيم أن يكون هؤلاء (ثواراً) وفرق من الجيش الأمريكى تدربهم على إطلاق صواريخ جراد (انظر صحيفة الشروق المصرية 4/4/2011) ، كيف يكونون (ثواراً) وهم يصدرون البترول عبر قطر إلى إسرائيل ؟ كيف يكونون "ثواراً" وهم لا يجدون حرجاً فى أن يقود عملياتهم ضد قوات القذافى ضباط من الـ C.I.A ويعتبرون ذلك – وياللعجب – تعاون وتنسيق مطلوب وبقوة ؟ كيف يكونون (ثواراً) وبرنار ليفى الصهيونى الفرنسى يقود عملياتهم السياسة والعسكرية فى بنغازى ؟ (وبرنار ليفى هذا جاسوس فرنسى شهير له قصة خطيرة سنحكيها فيما بعد !!) ؟ هل اختلت قيم (الثورة) ومفاهيمها إلى هذه الدرجة ؟ هل أضحى كل من قال( لا )ضد نظام الحكم فى بلده (ثائراً) حتى لو كان الذى يقوده ضابط فى الـ C.I.A ؟ هل صارت المخابرات الأمريكية بقيادة سفارة بلادهم فى مصر (كما سبق وأشرنا فى مقالات سابقة) حنونة وبلا أجندة نفطية أو إسرائيلية ، وطيبة القلب ، والروح إلى هذه الدرجة التى تدفعهم إلى حد رعاية الثورات العربية الجديدة وبخاصة فى ليبيا وسوريا ولبنان والسودان ؟ أم أن فى الأمر خلل ، وخطأ جسيم ، يحتاج من كل ثورى حقيقى ، أن يشير وبقوة إلى موضعه، وأن يقول وبأعلى صوت : نأسف جداً .. لا يمكن أن تكون ثائراً وأنت تعمل مع الـ C.I.A أو الإدارة الأمريكية والأوروبية فى نفس الوقت ؟ فإن الله لم يجعل للمسلم (الثائر) من قلبين فى جوفه ؟ فإما أن تكون ثائراً .. وإما أن تكون (C.I.A) ، هكذا نفهم ، وهكذا نتمنى من المخلصين من إعلاميينا وسياسيينا أن يفهموا ثم أن يختاروا – بعد ذلك - أى الطريقين يسلكون؟؟؟؟؟
No comments:
Post a Comment