أنطوان الحايك -
في وقت غاب فيه الحدث اللبناني ما عدا بعض المواقف الرئاسية من تشكيل الحكومة واخرى صادرة عن رجال دين تنتقد التقصير في الشأن ذاته، تصدرت الاحداث السورية الاهتمامات الرسمية والشعبية خصوصا انها تحمل وجهين: تطورات سياسية مصحوبة بمحاولات سورية لاغلاق الدائرة تمهيدا لاطباق امني على مصادر التوتر، ووضع امني يتراوح بين حدي التصعيد والهدوء الحذر المصحوب بحملة اعتقالات واسعة النطاق تنفذها قوى الامن السورية في موازاة سقوط قتلى وجرحى في صفوفها في مشهد مغاير لذلك الذي عم الدول العربية التي تشهد اضطرابات مماثلة حيث تسقط غالبية الضحايا من المتظاهرين وليس العكس.
وفي هذا السياق، يروي قادمون من العاصمة السورية أنّ الأمور هناك تسلك أكثر من اتجاه، الأول محاولة الرئيس السوري بشار الاسد توسيع مروحة اتصالاته الدولية والاقليمية تمهيدا لتأمين غطاء سياسي من خلال إفهام من يعنيهم الامر أنّ المعارضة السورية لا تهدف إلى تحقيق إصلاحات، بل إلى إسقاط النظام، بدليل أنّ التنازلات التي قدمها النظام بدءا من رفع حالة الطوارئ، مرورا بقانون الأحزاب الجديد، وليس انتهاء بالسماح بحرية الإعلام، لم تلق أي ايجابيات في الشارع، بل قابلتها المعارضة بالدعوات إلى إسقاط النظام بعد أن كان المطلوب إصلاحات سياسية واجتماعية، تم التعاطي معها بايجابية مطلقة.
اما الثاني فيرى هؤلاء انه يتركز على إعادة فرض النظام بالقوة، وذلك بعد تأمين الغطاء السياسي المطلوب بدليل تركيز الاعلام الرسمي السوري على ضحايا قوى الأمن، وحجم الأعمال التي تصفها بالتخريبية التي تعتمد على مهاجمة مراكز الشرطة وإعداد الكمائن وإطلاق النار على قوى الأمن في محاولة لاستدراج عطف الشارع السوري المؤيد للرئيس بشار الأسد من جهة، ولإظهار مدى الخرق الذي حققه من وصفهم النظام بالعصابات المسلحة، وكل ذلك تمهيدا لتوجيه ضربة عسكرية قاضية لهؤلاء تبدأ بمداهمات واسعة النطاق القصد منها تعطيل مراكز القيادة لدى المعارضة، كما مصادرة أدوات التصعيد من أسلحة وذخائر.
وفي ظل هذا المشهد الملتبس، تعود مصادر دبلوماسية عربية لتؤكد أنّ الأحداث في سوريا لم تلامس بعد الخط الأحمر، وإلا لكان النظام السوري استخدم المزيد من الأوراق الرابحة التي ما زال يمتلكها وهو قادر على تحريكها، أكان في الداخل السوري ام في دول الجوار بما فيها العراق والمملكة العربية السعودية حيث ما زال الاسد يمتلك مفاتيح حل وربط قادرة على تغيير الصورة. ففي العراق هناك إمكانية لاعادة تحريك الشارع ضد الوجود الأميركي، وبالتالي ترتيب عمليات أمنية قادرة على إزعاجه، وفي المملكة كذلك فان قدرته على تحريك بعض الخلايا النائمة تتنامى بصورة مقبولة، ناهيك عن أنّ إيران لن تقف مكتوفة الايدي في حال شعرت بأنّ هناك خطراً حقيقيا على النظام يتعدى موضوع الإرباك الداخلي ويهدده بالسقوط، خصوصا أنّ طهران تتمسك بأوراقها الرابحة بما فيها الورقة السورية التي تسمح لها بلعب دور فاعل على مستوى الشرق الاوسط والدخول على خط أزماته المتلاحقة.
غير أنّ الاوساط ذاتها تعتبر أنّ كل هذا لا يعني على الإطلاق بأنّ الهدوء سيعود بسحر ساحر إلى المدن السورية، بل إنّ العملية هناك تراكمية بامتياز، وبالتالي فإنّ ذلك يسمح بالحصول على مزيد من التنازلات قد يستثمرها الغرب لإعادة تحريك عملية السلام.
No comments:
Post a Comment