القلب ينبض بحبك يأسدنا المفدى و سيدَّ الوطنِّ و سيد الرجال و عزَّ العّرُّبّ وَفَخَّرَّ الامَّةِ

Thursday 14 July 2011

تاريخ آل سعود الجزء السادس




الجزء السادس

مجازر المدينة المنورة

كانت المدينة المنورة متقدمة كثيرا حتّى في عهد الاحتلال العثماني الذي يعتبرونه عهد تخلف وانحطاط، فقد كان العثمانيون يضعون في المدينة جهدهم للدعاية بحجة (أن من يكرم المدينة يكرم الرسول!) حتّى جاء العهد السعودي الذي دمر كل ما فيها من آثار ثورية تدل على تلك الانتصارات العظيمة لرسول الإنسانية والاشتراكية محمد بن عبد الله على اليهود من بني القينقاع وبني النضير والملوك الخونة، فحاول آل سعود هدم ضريح الرسول، وهدموا عددا من مساجدها ومآثرها وقبور الشهداء والصحابة فيها ودمروا كل أثر يدل على أي انتصار من انتصارات العرب وأمعنوا في الآمنين قتلا ونهبا لشعبنا في المدينة وقتلوا ونفوا كل رجل دين مخلص للدين الحقيقي ـ الذي هو خدمة الشعب لا سواها ـ وشوه السعوديون الآثمون كل جمال في المدينة، فتشرد الكثير من أهلها، وعملوا على الإقلال من أهميتها وأحلوا بأهلها بعد ذلك كوارث على يدي جزار سعودي اسمه عبد العزيز بن إبراهيم بعثوا به في 10 ربيع ثان 1346 هـ ، لكنه رغم هذا فقد قامت عدة انتفاضات فيها ومن حولها، منها: انتفاضة أبناء الشيعة الذين يسمونهم (النخاولة) أي الفلاحين الذين لم يصبروا على إهانات العصابة السعودية، وقبلها بمدة عندما قامت ثورة بن رفادة ومعه قبائل (جهينة وبلى والحويطات وبني عطية) فقد تمكنت أسرة بني القينقاع السعودية من إخماد تلك الثورة الوطنية ونجحت لسببين، السبب الأول هو انّه قام بالثورة عدد من القبائل في وقت كانت فيه كل القبائل الباقية في الجزيرة إما مغلوبة على أمرها واما مخدوعة بما تدعيه عصابة الغدر السعودية من مُثل كاذبة، والسبب الثاني: بريطانيا!…
بريطانيا التي بذلت كل قواها وما بوسعها لا نجاح عميلها الجديد ـ عبد العزيز… وهكذا فشلت ثورة ابن رفادة… وكيف للثائر ابن رفادة أن ينجح وقد عرفت عنه حكومة ملكية في مصر آنذاك هي نفسها محكومة للإنكليز؟… لقد خُدع الثائر ابن رفادة ولم يعلم أن كل حركة من حركاته وسكنه من سكناته كانت تصل إلى عبد العزيز من سادة عبد العزيز الانكليز في مصر… وانتهى الثائر ابن رفادة وفشلت ثورته فقتل، وقد أشاع السعوديون أن ابن رفادة كان يريد إعادة حكم الأشراف إلى الحجاز… وهذا زعم كاذب، وكانت المجزرة، إذ قتل السعوديون ما يزيد عن سبعة آلاف شخص بعد إخماد تلك الثورة، رغم أن أكثرهم لم يشتركوا فيها، وكان نصيب النساء والأطفال وافر من مجازر آل سعود.. وزاد عدد الذين فروما إلى مصر والأردن عن عشرة آلاف خلاف الذين شردوا في الأقطار العربية الأخرى أو ماتوا غيلة في السجون الوحشية السعودية في الحجاز، وكان السعوديون يعتدون على النساء عدوانا فاحشا بحجة (إنهن نساء الكفار) وكان نصيب قبائل جهينة وبلي والحويطات وبني عطية وافر من ضحايا القتل السعودي والتشريد..
لكن الذي مر على الحجاز من هذه المآسي.
مر على نجد وعسير والإحساء وحائل والجوف، على أيدي فرق القتل السعودية… وما فعله آل سعود في عهدهم الأخير فعلوه سابقا في عهد الآفاق محمد بن عبد الوهاب وشريكه محمد ابن سعود حينما قاتلوا شعبنا في الرياض واغتالوا حاكمه دهام بن دواس بحجة "أن أهل الرياض من الكفار" كغيرهم من أهل (نجد) كلها بجميع مدنها وباديتها وقراها، (و لا زالت آثارهم في نجد تشهد على جرائم آل سعود).

والمجازر السعودية في وادي الدواسر

ومن يذهب إلى وادي الدواسر ـ مثلا ـ فعليه أن يتأكد ممن عايشوا المجازر السعودية الأولى فيخبره هؤلاء عن قصص الآبار المردومة والبيوت المهدومة والنخيل والأشجار المحروقة بعد أن قتل آل سعود ثلاثة آلاف من أبناء شعبنا في وادي الدواسر بحجة أنهم "كفرة" رغم أن معظمهم قتل في المساجد غدرا وهم يؤدون صلاة الصبح وهدموا عليهم المساجد وأحرقوا جثث أبناء الدواسر المؤمنين بالنار التي أوقدها آل سعود بسقوف المساجد المهدومة على المصلين!.
ثم خرجوا على بيوت شعبنا في وادي الدواسر ونهبوها عن آخرها وكانوا يقطعون أصابع أرجل الأطفال ثم يقطعون أرجلهم ثم يقطعون أصابع أيديهم ثم يقطعون أيديهم ويتركونهم أحياء ليموتوا موتا بطيئا، وإمعانا منهم في إرهاب البقية، قاموا باستخراج عدد من عيون الأطفال بخناجر "جند الإسلام" المزعومين وسلموا عيون الأطفال للأطفال أنفسهم بأيديهم، وقد حدث هذا في عهد عبد الله بن فيصل (الأول) وذلك عام 1286 هـ وكذلك حدث مثل ذلك لشعبنا في وادي الدواسر على يدي محمد بن عبد الوهاب وزوج ابنته عبد العزيز بن محمد بن سعود عام 1179 هـ ـ 1766 م حالما تولى منصب والده محمد بن سعود الذي مات من إسهال أصابه عندما هاجمه أبناء شعبنا من قبائل نجران بقيادة حسن بن هبة الله والعجمان وبني خالد بقيادة حاكم الإحساء آنذاك عرار الخالدي، ( بعد أن تواعدوا بالزحف في آن واحد من نجران والإحساء على "درعية" بني القينقاع آل سعود)..
وما من قبيلة أو مدينة أو قرية الا واتهمتها عائلة آل سعود اليهودية وشريكتها الوهابية "بالكفر" وقاتلوها باسم الكفر بينما أهلها يصلون ويصومون ويشهدون بالله ورسوله!.. حتّى أهل الدرعية الحقيقيين من الدواسر قتلهم الجد اليهودي الأول لآل سعود واستبدل اسم أراضيهم المعروفة باسم (الجزعة وغصيبة) باسم آخر هو (الدرعية) مكايدة للعرب وتفاخرا من هؤلاء اليهود بأنهم "اشتروا" درع الرسول العربي محمد بن عبد الله من كبار بعد هزيمة النبي محمد في معركة أحد…

(الجيش السعودي الأول) يثور

ثورة الجيش السعودي، أو انقلاب الإخوان… والاخوان: هم الجيش السعودي الانكشاري الأول، فهم الذين جعل منهم الانكليز "إخوانا" وسنوا لهم دينهم من حيث لا يعلمون، وضللهم الانكليز بعدد من أصحاب الذقون المستعارة والضمائر العفنة والألسنة المشعوذة الكذابة الذين جعل منهم الانكليز علماء دين وهم عملاء… لكنهم استطاعوا خداع "الأخوان" بالفتاوى الكذابة بتكفير كل من لا يركن للإنكليز وآل سعود… إلا أن ضمائر الإخوان استيقظت أخيرا، لكنها يقظة ما بعد السقوط وفوات الأوان، أي بعد أن أصبح أكثر الشعب حضره وقبائله يكرهون الاخوان كرههم للنجاسة، حتّى أن الكثير من شعبنا تمنوا لو أتيحت له الفرصة للاغتسال بدماء "الاخوان" أو شربها نتيجة ما فعله "الاخوان" بالآمنين والمؤمنين من جرائم  لا تغتفر أبدا وهذا ناتج عن جهل هؤلاء "الاخوان" وما بذل لهم من مغريات في الدنيا والآخرة!.
وأخيرا استيقظت ضمائر "الاخوان" بعد موتها وتعفنها، بعد أن كشف لهم الانكليز عن وجوههم واكتشفوا بأنفسهم عمالة عبد العزيز وكذبه وتدجيله باسم الدين وتنكره لهم ولما كان ينادي به ضد الملكية بقوله: "ان الملكية هي الكفر بعينه"!… لكن الانكليز سلموا لعبد العزيز عرش الحجاز، وأعلنوه ملكا عضوضا…
ولهذا ثار هذا الجيش السعودي المرعب المتوحش، ثار الجيش الذي أنشأه الانكليز لعبد العزيز ضد عبد العزيز والإنكليز، ووجدها عبد العزيز والإنكليز فرصة لان يقولوا لأعداء هذا الجيش السعودي: قاتلوا هذا الجيش السعودي.
وبعد أن كانت فتاوى تجار الدين تنهال لتمهيد طرق الدنيا والآخرة لهذا الجيش الإجرامي، انهالت لتمهد ضده طريق النار!… فأفتى تجار الدين السعودي "بأن الاخوان من الكافرين"!..
وهكذا أصبح الاخوان كفاراً بعد أن كان شعبنا هو الكافر!!.
في فتاوى تجار الدين والاخوان… وتحول اسمهم من "جيش الله".. إلى "جيش الشيطان" بعد أن كانوا هم (الإسلام والإيمان بعينه) حينما كانوا يسفكون دماء الأبرياء في الإحساء ونجد وحائل والجوف والطائف والمدينة ومكة بقعة من الحجاز وعسير وتهامة اليمن وديار الشام والعراق والكويت، يباركهم رجال الدين وآل سعود والإنكليز… أما بعد أن ثاروا على الدجل السعودي الإنكليزي فانهم من الكافرين!.
وكانت فرصة للأكثرية الساحقة من بني شعبنا حضره وباديته أن يثأروا من "الاخوان" المكروهين.. نعم يثأروا لأرواح ملايين الشهداء والأحبة.. فانطلق الشعب يطارد هذا الجيش، بإجماع وتصميم للتخلص منه، فتلاقت هذه الإرادة الشعبية مع الأسف…
مع إرادة الانكليز وعبدهم عبد العزيز.. والشعب يعرف ذلك جيداً، ولكن ماذا يهمه من إرادة عبد الانكليز والإنكليز، ما دام في ذلك إبادة لشرّ البرية الذين سنحت أبادتهم؟… لكني ـ مع هذا ـ أقول: ان ضمائر شيوخ "الاخوان" قد صحت على هول ما ارتكبوه من منكرات وفواحش بقيادة عبد العزيز اسماً وقيادة الانكليز عملاً..

أول إنذار

وكانت أول يقظة لهم بدأت بعد مجزرة الطائف ودخول مكة… فقد حضر شيوخ الاخوان يوم عيد الفطر عام 1343 هـ ـ وهو أول عيد للاحتلال السعودي لمكة لا أعاده الله.
في ذلك اليوم وقف فيصل الدويش في قصر خالد بن لؤي الذي نصبه عبد العزيز والإنكليز مؤقتا على مكة فقال: (نحمد الله يا خالد ويا "الاخوان" على نعمته فقد دخلنا بلد الله الحرام وطردنا الشريف من هذا البيت، اننا جند الله وخدم لدينه،لم نأت إلى مكة إلا بعد أن أفهمنا أن في مكة حكم للشريف كافرا بالدين يركن للإنكليز ويأتي المنكرات والبدع والشرك، وجئنا لإزالة المنكرات والبدع والشرك والحكم الملكي وتحكّم الانكليز في بلد الله الحرام!.
ولكننا اليوم رأينا قادتنا وكبراءنا اصبحوا يرتكبون البدع والمنكرات والشرك ويركنون للإنكليز ويعلنون أنفسهم ملوكاً وكانوا يقولون ان الشريف يفعل هذا، ولكن هذا السيف وهذا الجند سيعمل فيهم مثلما عمل في الشريف… قولوا اللهم آمين..)! فردد "الاخوان" آمين…
اللهم آمين… وإياك نعبد وإياك نستعين!…
وكان هذا أول إنذار يوجه من قادة الاخوان لعبد العزيز والإنكليز… واغتاظ عبد العزيز كثيراً لهذا الإنذار، لكن جون فيلبي نصحه ان لا يحرك ساكناً كي لا يثير مشاكل أخرى فيتبع الاخوان قولهم عملا… ولكن ما كان يحذره قد ظهر جلياً في مؤتمر عقده "الاخوان" بتاريخ 3 رجب 1345 هـ في الارطاوية.. إحدى الهجر التي اتخذ منها الاخوان مقرا دينياً لهم في نجد… وقد حدث هذا بعد مضي سنة تقريبا على الإنذار الأول من الاخوان، وحضر المؤتمر رؤساء لإخوان من قبائل مطير وعتيبة والعجمان، وتعاهدوا فيه "على نصرة دين الله" كما يقولون.
واتخذوا فيه القرارات الآتية:

قرارات الجيش السعودي لإدانة آل سعود وبدء الثورة

أولا: ينكر الاخوان على عبد العزيز بن سعود ركونه للإنكليز وإدخالهم البلاد المقدسة وادعاءه انهم دخلوا في دين الإسلام كما ينكر الاخوان تنصيب عبد العزيز ملكا فالإسلام يحرم الملكية.
ثانياً: ينكر الاخوان إرسال عبد العزيز ولده سعود إلى مصر لعقد اتفاق مع الانكليز.
ثالثاً: ينكر الاخوان على عبد العزيز إرسال ولده فيصل مع فيلبي إلى بلد الشرك لندن لرهن بلادنا للإنكليز وتدريبه في دوائرهم.
رابعاً: ينكر الاخوان على عبد العزيز استعماله للعطور وللسيارات وسكناه في القصور وزواجه بعدد من النساء والجواري في كل بلد يحل فيه كما ننكر لبسه وأبناءه افخر الملابس وأكلهم أفخر المأكولات وجعل أموال المسلمين كلها بأيديهم دون غيرهم، وزعم عبد العزيز وأبناءه في كل مناسبة انهم أخذوا البلاد بالسيف وحدهم ولم يروا لنا أي اعتبار بينما (نحن ذلك السيف) الذي يقولون عنه في كل زمان ولولانا لم يصلوا إلى ما وصلوا إليه…
خامساً: ينكر الاخوان على عبد العزيز أخذه للضرائب والمكوس من المسلمين وكان ينكر قبل ذلك وجود مثل هذه الضرائب والمكوس على ابن رشيد والريف مع ان ما كان يأخذه ابن رشيد والشريف أقل بكثير مما يأخذه ابن سعود الآن وهو يدعي الإسلام ويتقاضى الأموال من الانكليز.
سادساً: ينكر الاخوان على عبد العزيز منع المتاجرة مع الكويت واتهامه لأهل الكويت بالكفر لأن أهل الكويت ان كانوا كفاراً حوربوا، وان كانوا مسلمين فلماذا المقاطعة؟!… والحقيقة انّه لخلاف بين الانكليز وأهل الكويت يغضب عبد العزيز لغضب الانكليز، والإسلام من هذا براء…
سابعاً: يقرر الاخوان انّه لا عهد ولا طاعة لعبد العزيز لأنه خان العهد وأخلف الوعد وعمل للمشركين…
هذه هي بعض القرارات التي اتخذها مؤتمر الاخوان في الأرطاوية، وكان عبد العزيز وقتها في الحجاز فأسرع بالسفر إلى نجد عن طريق المدينة محاولا علاج غضبة الاخوان بالحيل والدجل، وما أن وصل الرياض حتّى دعا زعماء الاخوان إلى مؤتمر عقده في الرياض بتاريخ 25 رجب سنة 1345 هـ ـ 17 يناير 1927 وحضر الدعوة جميع زعماء الاخوان إلاّ سلطان بن بجاد، وهو القائد الذي "فتح" الحجاز، وبرر عدم حضوره بقوله: (انّه لم يعد يثق بعبد العزيز وأقواله الكاذبة وخاصة بعد أن اتخذنا قراراتنا بتجريمه وتكفيره وعزله)!…
وفي هذا الاجتماع قال عبد العزيز عن نفسه: (انّه خادم الشريعة يحافظ عليها أتم المحافظة وهو الذي يعهدونه من قبل ولم يتغير كما يتوهم بعض الناس، ولا يزال ساهرا على مصالح العرب والمسلمين)!…
وهلمجرا.. وما ان انتهى عبد العزيز من قوله المباح وغير المباح حتّى حضر "العلماء" وبيدهم الفتوى السعودية المشهورة للطعن بما اتخذه الاخوان في مؤتمر الارطاوية ثم أعلنوا تعلقهم "بإمامهم" وبايعوه على ما أراد له الانكليز أن يكون (ملك الحجاز ونجد وملحقاتها) وفيما يل نصل الفتوى المضبوطة:

الفتوى الدينية السعودية ضد الثوار

(من محمد بن عبد اللطيف، وسعد بن عتيق، وسليمان بن سمحان، وعبد الله بن عبد العزيز العتيقي، وعبد الله العنقري، وعمر بن سليم، وصالح بن عبد العزيز، وعبد الله بن حسن، وعبد الله بن عبد اللطيف، وعمر بن عبد اللطيف، ومحمد بن إبراهيم، ومحمد بن عبد الله، وعبد الله بن زاخم، ومحمد بن عثمان الشاوي، وعبد العزيز العنقري، إلى من يراه من إخواننا المسلمين سلك الله بنا وبهم الطريق المستقيم وجنبنا وإياهم طريق أهل الجحيم، آمين! سلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أما بعد.. فقد ورد علينا من الإمام عبد العزيز ـ سلمه الله تعالى ـ سؤال عن بعض (الاخوان) عن مسائل يطلب منا الجواب عنها، فأجبناه بما نصه:
أما مسألة اقتناء عبد العزيز وأولاده ورجال الدين للسيارات والجواري وغيرها دون غيرهم فهو أمر حادث في آخر الزمان!، ولا نعلم حقيقته!، ولا رأينا فيه كلاماً لأحد من أهل العلم!، فتوقفنا في مسألة الإفتاء فيه!، ولا نقول على الله ورسوله بغير علم!، والجزم بالإجابة والتحريم يحتاج إلى الوقوف على حقيقته!، واما، مسجد حمزة وأبي رشيد فأفتينا الإمام ـ وفقه الله ـ بهدمها على الفور… وإما القوانين، فان كان موجوداً منها شئ في الحجاز فيزال فورا[1].
ولا يحكم إلا بالشرع المطهر.
واما دخول الحاج المصري بالسلاح والقوة في بلد الله الحرام، فأفتينا الإمام بمنعهم من الدخول بالسلاح والقوة، ومن إظهار الشرك وجميع المنكرات، واما المحمل المصري والشامي فأفتينا بمنعه من دخول المسجد الحرام ومن تمكين أحد أن يتمسح به أو يقبله وما يفعله أهله من الملاهي والمنكرات يمنعون منها.
واما الشيعة، فأفتينا الإمام أن يلزمهم البيعة على الإسلام ويمنعهم من إظهار شعائر دينهم الباطل، وعلى الإمام أيضاً أن يلزم نائبه على الإحساء أن يحضرهم عند الشيخ ابن بشر، ويبايعوه على دين الله ورسوله، وترك دعاء الصالحين من أهل البيت وغيرهم وترك سائر البدع من اجتماعهم على مآثمهم وغيرها مما يقيمون به شعائر مذهبهم الباطل، ويمنعون من زيارة المشاهد، كذلك يلزمون بالاجتماع على الصلوات الخمس هم وغيرهم في المساجد، ويرتب فيهم أئمة ومؤذنون ونواب[2] من أهل السنة ويلزمون بتعليم ثلاثة الأصول، وكذلك تهدم محالهم المبنية لإقامة البدع في المساجد وغيرها ومن أبى قبول ما ذكر ينفى من بلاد المسلمين.
واما الشيعة من أهل القطيف، فيلزم الإمام ـ أيده الله ـ الشيخ ابن بشر ان يسافر إليهم ويلزمهم بما ذكرناه.
وأما البوادي والقرى التي دخلت ولاية المسلمين، فأفتينا الإمام أن يبعث لهم دعاة ومعلمين وإلزامهم شرائع المسلمين، واما رافضة العراق الذين انتشروا وخالطوا بادية المسلمين فأفتينا لعبد العزيز أنها من المحرمات الطاهرة! ـ فان تركها فهو الواجب عليها، وان امتنع فلا يجوز شق عصا طاعة المسلمين عليه والخروج من طاعته من أجلها، واما ضريبة الجهاد، فهي محولة إلى نظر الإمام عبد العزيز، وهو أعلم بما هو أصلح للإسلام والمسلمين ونسأل الله لنا وله ولهم التوفيق والهداية، 8 شعبان 1345 هـ)!..
هذا هو نص فتوى الدجل التي تمخض عنها مؤتمر تجار الدين أضعها كما هي، ليرى القارئ ما فيها من متاجرة رخيصة باسم الدين وما فيها من تمويه وتجاهل لمطالب جيش الاخوان وقراراتهم السابق ذكرها، وذر للرماد في العيون وتحامل على أبناء البادية عامة وعلى أبناء الشيعة بوجه خاص يظنون انهم بهذا التجاهل والتحامل بإمكانهم إطفاء غضبة "الاخوان" ولكن هيهات؟ فقد انتفض فيصل الدويش وهو الرأس الأول للإخوان الذين قاتلوا بوحشية إلى جانب ابن سعود فمكنوه كما هو رأس هذه الثورة الأخيرة ضد ابن السعود والإنكليز.. وأول شئ فعله الدويش ان أرسل قوة صغيرة هجمت على مركز بصيّة على الحدود العراقية النجدية الشمالية وقتلت من فيه من أتباع ابن سعود وذلك في 28 أكتوبر 1927، فاستنجد عبد العزيز بالطائرات البريطانية حيث وجهت انذارها بالمنشورات إلى كل عشائر  الجزيرة العربية بالابتعاد عن الحدود العراقية إلى داخل نجد!، ثم أخذت الطائرات البريطانية تشن هجماتها المتواصلة على عشائرنا العربية وباشتباكها معها نحو ثلاثة أشهر تمكنت عشائرنا من اسقاط طائرتين بريطانيتين وأرسل عبد العزيز عدداً من الرسل لاقناع الاخوان بأنه سينفذ كل ما يريدون وأنه سيبتعد عن الانكليز ويرسل " المسلمين من الانكليز والذين لم يسلموا بعد والذين هم بطريقهم إلى الإسلام!، إلى ديارهم" وانه سيجعل فيصل الدويش نائباً له وسلطان بن بجاد نائباً للنائب الدويش وان المشاكل كلها لا تحل بالقوة وإنما تحل بالتفاهم!،… لكن الدويش  وابن بجاد وابن حثلين اجمعوا قائلين: (اننا نعرف غدر اليهودي ومكره وعاهدنا الله اما أن يقضي علينا أو نقضي عليه)! وبعد ذلك دعا عبد العزيز إلى عقد مؤتمر، عام 1347 الموافق 1928 حضره نحو 800 من تجار الدين ورؤساء الحضر والبدو، ورفض الدويش وابن بجاد أن يحضرا هذا المؤتمر.
وافتتح عبد العزيز هذا المؤتمر واختتمه بالحديث عن نفسه (ووجوب اختيار غيره من آل سعود) ثم قال: (والله وتالله وآمان الله انني سأساعد من يختارونه وان الدويش هو المسؤول عن هذه الفوضى)!.. لكن اكثر الذين حضروا هذا المؤتمر قالوا: (ان عبد العزيز لم يأت بجديد من الدجل فكل ما قاله قديم الا موضوع تنازله عن العرش حتّى ولو لواحد من اهله فهو لم يقل ذلك الا ليرى من يطالب بذلك فيطلب رأسه!..) ورغم ذلك فقد تكلم بعض رؤساء العشائر مؤيدين فكرة تنازل عبد العزيز عن العرش لانه هذا هو مطلب من مطالب الاخوان، وقالوا: (انك لو تنازلت فسوف تهدأ ثائرة الاخوان فافعل ذلك يا عبد العزيز).. ولكن عبد العزيز سل سيفه وهدد وتوعد وزعم انّه اخذها بالسيف… بالسيف … أي سيف هذا؟!…

رد الثوار

أما جيش الاخوان الثائرون خلف الدويش وابن بجاد وابن حثلين وابن مشهور فقد أعلنوا في الهجر (انهم لا يخشون ابن سعود ولا الانكليز لانهم ـ أي الاخوان ـ قائمون بأمر الدين واقامة الشريعة التي هدمها ابن سعود، وان ابن سعود خائن للوعود والعهود وطالب مُلك وموالٍ للكفار[3]، وشريك للانكليز في جميع أعمالهم وهو الذي دفعنا لتقتيل الاطفال والنساء والمسلمين في الطائف وحائل وبقية بلاد المسلمين بعد أن خدعونا بفتاويهم التي تقول بأنهم من الكفار وان من قتل واحداً منهم فله الاجر في الدنيا والجنة والحور العين في الآخرة، وهكذا تحولت الحور العين من آخرتنا إلى دنيا آل سعود يمارسون فيهن لذاتهم كل يوم وكل ليلة فهم يعيشون في الدنيا عيشة المترفين والكفار ولولا سيوفنا ما صار هذا، ولهذا فان ثورتنا على الظلم مستمرة بقتال ابن سعود)..
واتبع الاخوان ذلك بشن الهجمات على مراكز ابن سعود، فطلب ابن سعود من "العلماء" اصدر فتوى تكفّر الاخوان.. وصدرت الفتوى "حسب اللازم" تهدر دم الاخوان وتكفّرهم وتعدِهم بالنار في الآخرة وتحرّم عليهم الزواج بالحور العين في الآخرة وتبشر كل من قتل واحداً منهم بالجنة والحور العين الرعابيب.
فاستجاب أهالي نجد لقتال الاخوان ـ كما قلنا ـ بدافع من النقمة الشديدة على ما سبق أن ارتكبه الاخوان من أعمال وحشية بهم وبديارهم وأهليهم … وانتقل عبد العزيز إلى بريدة وجعل منها منطقة تجمّع لجيوش نجد الجديدة.. وعلم الاخوان بذلك وأخذوا بالتجمع أيضاً وأخذ ابن سعود يتقرب لهم ويرسل لها مفاوضين باسمه وهو يزحف عليهم حتّى تقارب الجيشان في "السبلةـ قرب بلدة الزلفى.. عند ذلك أرسل سلطان بن بجاد رسولاً من عنده إلى ابن سعود في معسكره، بناء على اتفاق من قادة الاخوان، بغية الاستطلاع عن قوات ابن سعود، فدخل الرسول يحمل كتابا من ابن بجاد إلى ابن سعود وسلم الرسالة لابن سعود دون أن يسلّم عليه لايمان "الرسول" أن ابن سعود أصبح ملكا ومنحرفا وعدواً للدين، واستكبر عبد العزيز بن سعود هذه الاهانة أمام جيشه الجديد فقال بحدة: (من انت يذا الذي ما تسلّم؟. الست ماجد بن خثيلة؟) وأخذ يسرد عليه تاريخه ويقذفه بالمسبات، ويقول له: (كيف تدخل علي ولا تسلم؟… اخرج وارجع إلى الذي ارسلك وقل له اننا قادمون للهجوم غدا) وعاد ماجد بن خثيلة ليخبر الاخوان بما جرى، وقال فيصل الدويش (انني سأذهب بنفسي لارى جلية الامر وإذا لم ارجع اليكم يالاخوان يكون ابن سعود قد اعتقلني أو قتلني) وكان قصد الدويش من هذه المغامرة ان يستحث الاخوان على الهجوم على ابن سعود قبل ان يهاجمهم، إذا اعتقله ابن سعود، اما إذا لم يعتقله فانه يستطيع تطمين ابن سعود وجيشه ويطلب منه ان يبيت في ضيافته حتّى الصباح وبذلك يظن الاخوان ان الدويش قد اعتقل فيهجمون ليلا وتكون مباغتة لابن سعود فيسحقه الاخوان.. ولكن" مجلس الربع" الانكلو ـ سعودي تنبه لهذه الخطة.. ووصل فيصل الدويش إلى المعسكر السعودي واخذ يبدي تودده لابن السعود و"مجلس الربع" واظهر استعداده للتسليم وانه ليس على رأي ابن بجاد وانه سيبيت عندهم!…
فقال له ابن سعود: (قم فنم عند قومك وان كنت صادقا فتنح عن جماعتك والا فموعدكم غدا بعد شروق الشمس)..
وذهب الدويش إلى قومه وأخذ يعدهم للمعركة وأقنعهم بضعف ابن سعود رغم ضعف اسلحة الاخوان وفي يوم 30 مارس سنة 1929 م هاجمت جيوش عبد العزيز جنود الاخوان هجمات لم يقدروا على صدها لكثرة عددها وعتادها واقدامها الحاقد المنتقم من الاخوان ولم ينتصف نهار ذلك اليوم حتّى قضى على الاخوان وهرب القليل منهم أما البقية فقد ابيدوا عن آخرهم وقد عرفت وارخت تلك المجزرة السعودية الشهيرة باسم (وقعة السبلة) أو (سنة السبلة) حيث ملئت ارض السبلة على وسعها بالجماجم والجثث ولا زالت بقايا هياكل الأجسام والجماجم والاظافر موجودة على تلك الأرض.. وكان عدد الجند السعودي/ 40.000 / وعدد جند الاخوان /4000/ كما ذكر حافظ وهبة.
أما فيصل الدويش فقد سقط جريحاً وحمل على عبد العزيز بن سعود بين الموت والحياة، فتركه، بعد أن أبلغه أحد أطباء عبد العزيز الانكليز ان الدويش سيموت بين عشية وضحاها ولكنه لم يمت…
اما سلطان ابن بجاد فقد فر من الموت ولكنهم طاردوه وغدروا به فاستسلم في بلد شقراء بعد أن عاهده عبد العزيز انّه لن يناله بسوء، ولكن عبد العزيز الغادر غدر به وأمر بادخاله السجن وتركه مقيداً بالحديد والحطبة بلا طعام ولا ماء حتّى مات موتا بطيئا من شدة الجوع والظمأ… وكذلك بقية الأسرى فقد قتلهم عبد العزيز في السجون وقتل 70 منهم بسيفه والقيود بايديهم.. ثم أرسل جمعاً من الجيش "المستحدث" يقوده ابن جلوي لمطاردة قبائل العجمان في الإحساء.. وتأكد الدويش ان الطاغية عبد العزيز سيلحقه بزميله سلطان بن بجاد، فهرب من حيث كان يضمد جراحه في الارطاوية واستقر بين الكويت والإحساء وانضم إليه العجمان بعد أن قتل عبد العزيز بن سعود زعيمهم ضيدان بن خالد بن حثلين بيد فهد بن جلوي الذي قتله العجمان هو الاخر انتقاما لزعيمهم.

نبذة عن ثورات العجمان ومصرع فهد الجلوي

وألقى فهد بن جلوي القبض على ضيدان ببن خالد بن حثلين أثر مطاردته له في مكان بالإحساء يطلق عليه اسم ـ عوينة كنهر ـ وقتله ، وكان يقف إلى جانب فهد بن جلوي احد حراسه ويدعى نايف بن حثلين ـ وهو من ابناء العجمان الشجعان ـ فأطلق النار على ابن جلوي ثأرا لابن عمه ضيدان بن حثلين رغم أن نايفاً كان خصما لابن عمه ضيدان بل انّه خرج مع ابن جلوي في تلك الحملة التأديبية ضد ابن عمه ضيدان ولكن الغيرة الوطنية دفعته لقتل فهد بن جلوي بعد أن رأى دم أبن عمه فأعلن الثورة على آل سعود في ذلك اليوم 19 ذي القعدة سنة 1347 واستمر يقود قبائل العجمان الثائرة حتّى تمكن السعوديون من القاء القبض عليه بعد ان سلمهم الانكليز وقتله الطاغية عبد العزيز مع رفاقه الدويش وجاسر بني لامي وغيرهم من الثوار عام 1352 فاستشهد نايف بن حثلين، أما عن مقتل فهد بن جلوي على يد هذا البطل نايف فكانت طعنة من اكبر الطعنات التي وجهها العجمان الأبطال لابن سعود وللطاغية عبد الله بن جلوي بقتل ابنه فهد الذي يعتمد عليه أكثر مما يعتمد على الطاغية الابن الثاني سعود الجلوي.
ولم يكن فهد بن جلوي الطاغية هو أول من قتله أبناء العجمان الشجعان فقد قتلوا عام 1333 هـ قبله الأمير سعد بن عبد الرحمن آل سعود شقيق الملك عبد العزيز وحاولوا ان يقتلوا معه شقيقه عبد العزيز ولكنه هرب بعد أن أصابوه بجرح في بطنه… ولم يكن هذا فقط.. فقد جرت للعجمان ثورات كثيرة ضد طغيان آل سعود وعدوانهم وكان النصر فيها دائماً لقبيلة العجمان على الأعداء آل سعود، ففي عام 1278 هـ غدر الامام فيصل آل سعود (الأول) برئيس قبيلة العجمان بن حثلين، وادخله السجن ثم ارسله "الامام" ابنه عبد الله بن فيصل آل سعود فهجم على العجمان سنة 1278 في مكان اسمه (ملح) قرب الكويت فقتل منهم 57 بعد ان هاجمهم غدراً ولكنهم انتصروا عليه وقتلوا 136 سعوديا وهرب فيصل، واعاد الكرة عليهم عام 1279 في مكان اسمه كاظمة وكان معه عدد يفوق عدد العجمان مما اضطر العجمان إلى اللجوء إلى ساحل البحر فكانت فرصة للسعوديين ان يطوقوا العجمان من كل مكان مما نتج عنه غرق عدد من العجمان في البحر واطلق على ذلك العام اسم (عام الطبعة) وعندما رأى قائد العجمان الشجاع راكان بن حثلين أن لا مفر لهم من الموت براً أو بحراً وقف البطل في قومه العجمان وقفة أعادت إلى تاريخ الجزيرة العربية ذكرى طارق بن زياد حينما وقف في العرب والمؤمنين الأول وقال: (العدو أمامكم والبحر وراءكم فاختاروا بين الموت في البحر أو النصر) فانتصر المؤمنون الأول على الاعداء رغم قلة المؤمنين وكثرة الاعداء...
هكذا فعل راكان بن حثلين حيث ركب ظهر جواده وأردف زوجته وراءه وراح يهتف في قومه يستحثهم: إما على التخلص من الاعداء السعوديين أو الموت الفطيس في البحر، ويردد قولاً اشبه بما قاله طارق بن زياد تماماً حينما اخذ راكان بن حثلين ينادي ربعه بأعلى صوته في انشودته الشعبية الشهيرة مخترقاً صفوف الاعداء:
يا ربعنا ما من مَطِير       جمعين والثالث بَحر
بايماننا نفتح طريق                 لعيون مصقول النّحر
هنالك.. التحم العجمان مع السعوديين الاعداء وانتصر العجمان بالحق على اعداء الحق رغم كثرة الاعداء وقلة عدد العجمان آنذاك..
ولقد كانت للعجمان مواقف مشرّفة ضد الغزاة العثمانيين حينما تعاون آل سعود مع الاتراك وادخلوهم الإحساء… لكن الاتراك تغلبوا بما لديهم من قوة على العجمان وأسروا البطل راكان بن حثلين فنقلوه أسيرا إلى الاستانة في تركيا ولم يهدأ العجمان حتّى اعاد الاتراك قائدهم البطل بن حثلين من تركيا (ولهذا حديث آخر).
وهكذا استمرت ثورات العجمان ضد كل محتل ودخيل وتواصلت ثوراتهم طيلة مدد الاحتلالات السعودية المتعددة، وكان ثوار العجمان يتعاونون مع كل قبيلة ثائرة ضد آل سعود، وهو ما جعل العجمان يثورون مع الاخوان اخيراً بقيادة ضيدان بن حثلين الذي قتله الطاغية الفاسد فهد بن عبد الله الجلوي مما دعا نايف بن حثلين ليثأر لابن عمه ضيدان فيقتل فهد بن جلوي ويرفع علم الثورة من ذلك المكان عام 1347 هـ مع قبائل مطير وعتيبة الثائرة على آل سعود اعداء الوطن…
وانتشر الثوار من قبائل مطير وعتيبة والعجمان في انحاء نجد والإحساء والشمال، ورغم ضعف وسائلهم الا انهم اصبحوا يهددون العرش السعودي الآثم، لكن هذا العرش الفاسد استطاع أخيراً أن يبث الشقاق والتفرقة بين ابناء هذه القبائل الثائرة نفسها.. فارسل قسماً من قبيلة عتيبة الموالية للعرش السعودي لضرب عتيبة الثائرة عليه فتمكن آل سعود بهذا الخداع اليهودي من جعل عتيبة تقتل عتيبة، ومطير تقتل مطير ابناء عمهم الذين ثاروا على العرش الفاسد وسلبوهم كل ما كانوا يعيشون منه وما كانوا يركبونه من ابل واغنام ثم ارسل الطاغية عبد العزيز آل سعود ـ ابن عمه ـ عبد العزيز بن مساعد ومعه عدد كبير من نجد لمطاردة الثوار "الاخوان" فالتقوا بعبد العزيز الدويش (ابن سلطان الدويش) وعضده الايمن، وكان في طريقه إلى ام ارضمة ـ وفيها مورد ماء كان ينوى الورد منه وقد علموا به مسبقا فسبقوه إلى الماء واستولوا عليه وما ان وصل عبد العزيز الدويش إلى الماء ظمآنا حتّى منعوه من الماء وهاجموه وجرى تبادل اطلاق النار في معركة كان الخاسر فيها عبد العزيز الدويش الذي قُتل في مجزرة ام ارضمة أو مجزرة (المسعري) حيث قتل السعوديون كل جند الدويش الابن وكان للظمأ دور كبير في جعل آل سعود وجنودهم يرتكبون تلك المجزرة في احسن مجموعة من رجال مطير الحربيين، وهاتان الضربتان قد جعلتا فيصل الدويش يهتز هزة عنيفة فتقهقر إلى حدود الكويت بعد أن أخذ السعوديون يضايقونه من الداخل.
وهنا جاء دور الانكليز ليلعبوا لعبتهم القذرة، فاخرجوا السيارات المصفحة والمدافع الرشاشة والطيارات لمحاصرة فيصل الدويش على طول حدود الكويت ـ العراق ـ الأردن، ومن ناحية أخرى هاجمه محسن الفرم رئيس قبيلة حرب، ومعه ابن طواله وابن سويط وعدد من عربان العراق وكانوا موتورين جميعا من الدويش والتقوا به في يوم 30 ديسمبر 1929 قرب الحفر في شمال الجزيرة العربية وهاجموه واشعلوا النار في خيمته فهرب منهم متجها إلى الكويت ولم تتركه القوات الانكليزية بل طاردته حتّى استسلم لها بالجهرة في 9 يناير 1930 م.
وفي 19 يناير 1930 أوفدت حكومة بريطانيا الكولونيل بيسكو رئيس قناصل الخليج يساعده الكولونيل ديكسون قنصل الكويت.
وفي 28 يناير 1930 أقلتهما الطائرة البريطانية فيكتوريا إلى حيث كان ينتظرهم عبد العزيز آل سعود ومجلس الربع في مكان اسمه خبارى واضحة جنوب الكويت حيث عقد مؤتمر بين الانكليز وعبدهم عبد العزيز املوا فيه كل ما يريدون من شروط بصم عليها عبد العزيز وكان من بين الشروط ضياع فلسطين، وانتهوا على تسليم فيصل الدويش وأبو الكلاب وجاسر بن لامي ورفاقهم إلى عبد العزيز بن سعود، وقد زعم الانكليز انهم قد اتفقوا مع عبدهم عبد العزيز على أن يبقي على حياتهم، وما اكذب من المستعمرين الانكليز إلاّ عبد العزيز وآل سعود… فماذا حدث في هذا اليوم؟…
وفي يوم 28 يناير 1930 وصل الكولونيل ديكسون وقائد البارجة الحربية في طيارة انكليزية ومعه الدويش ورفاقه المعتقلون، وكان الدويش ورفاقه قد طلبوا اعتبارهم لاجئين سياسيين لحكومة العراق وتظاهر الانكليز لهم بذلك وقالوا لهم (اننا نرى ان ننقلكم بالطائرة إلى العراق فاركبوا الطائرة) فركبوها ولم تذهب بهم للعراق وانما ذهبت بهم إلى مطية الانكليز المستعمرين الذي لا ضمير لهم…
وادخل الدويش ورفاقه إلى خيمة الملك المنتظر قدومهم على أحر من جهنم، وتقدم الكولونيل ديكسون وقال: (بالنيابة عن حكومة بريطانيا اسلم لجلالتكم فيصل الدويش واصحابه)، فقال الملك عبد العزيز حرفيا: (الف شكر لكم والف الف شكر لبريطانيا العظيمة الحبيبة الصادقة في صداقتها ومودتها، انها كل يوم تقيم لي برهاناً جديداً على موتها الوطيدة وحبها.
انها صاحبة الفضل الأول في تكوين عرشنا وفضلها دائم علينا) ثم انصرف الكولونيل البريطاني وبقي الدويش ورفاقه دون أن يسمح له بالقعود!.
والان، اقرأوا ما قاله عبد العزيز بن سعود بكل وقاحة لفيصل الدويش في هذه المقابلة غير الشجاعة وغير المتكافئة.. قال: (يا فيصل الدويش، انت تعلم ما قصرت معكم في شئ… فهل تريدون الملك؟! من منكم له الفضل علي؟ من منكم لم آخذه بسيفي ؟!
ليس منكم الا من قتلت اباه أو أخاه!، وكيف تطلب الهجرة واللجوء من جلوب والانكليز للعراق.
هل تظنون انكم بعيدين عن يدي عندما تكونون تحت حكم الانكليز بالعراق ولم يمكننا إلاً الله والانكليز من هذا الملك؟!)… وتكلم الدويش…

الدويش يخاطب عبد العزيز بشجاعة الثوار

قال فيصل الدويش: (يعلم الله يا عبد العزيز انك لم تقصر معنا في الدراهم والهدايا والعطايا من الأحذية إلى حبال الآبار إلى الجواري…
ولكن يا عبد العزيز الهدايا والعطايا ليست كل شئ في الحياة وانا أعلم أنك ستذبحني هذه المرة، ولكنني أقول لك أنت تعلم أن سيوفنا هي التي مكنتك من هذا الملك وليسوا الانكليز.. صحيح ان الانكليز اعطوك المال والسلاح والخبراء والخطط الجهنمية ولكنهم لم يعطوك رجالا غيرنا، وكنا نظن اننا نسير معك على ملّة محمد العادلة، ولكنا وجدنا في آخر الطريق الذي سويناه لك ، يا عبد العزيز، اننا نسير، وياللأسف، على ملة الانكليز معك لأنك بعت البلاد للإنكليز، ولم يبدأ خلافنا عندما كنت تحمل لقب الأمير فقط وتأكل مثلما نأكل وتلبس مما نلبس وتعيش كأنك واحداً منا، ولكنا اختلفنا معك عندما أخذ الانكليز يقلدونك قلائد السلطنة ويبدلوا مناصبك ووظائفك من اسم إلى اسم، واشتد الخلاف معك بعد أن دخلنا مكة وأشار عليك الانكليز بأن تعلن نفسك ملكا على الحجاز وسلطانا لنجد ثم ملكاً للحجاز ونجد، ثم اختلف عبد العزيز الذي كنا نظنه ما يختلف، وعندما كنا نطلب منك الابتعاد عن الانكليز كنت تقول لنا ان الانكليز يريدون الدخول في الإسلام ليساعدونا على جهاد الكفار من أهل حائل والحساء ونجد والكويت والحجاز حتّى اصبحت تعمل للإنكليز وكأنك واحداً منهم، ولقد حاربناك لا من أجل زيادة في الهدايا والعطايا ولكن من أجل ابعاد الانكليز عن بلادنا ومن أجل أن لا تعلن نفسك ملكاً فنحن نعرف الدين الذي يحارب الملوك ونحن لم نحارب حسين الشريف الا لأنه فاسد ويتعاون مع الانكليز، واشتد حقدنا عليه عندما أعلن نفسه ملكاً على المسلمين، فكيف نحارب حسيناً ونضع مكانه عبد العزيز وانت تعرف اننا نؤمن بالقرآن والقرآن يقول: "ان الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها" فكيف تريد أن نترك شريعة القرآن ونتبع شريعة الملوك التابعين للانكليز؟ اما طلبنا الهجرة إلى العراق فنحن لم نطلبها الا هربا من وجهك يا عبد العزيز بعد ان قاتلناك اتباعاً لديننا وتغلبت علينا بخطط الانكليز وطيارات وسيارات وذهب وسلاح الانكليز، ولم نطلب الهجرة إلى العراق إلا لأن العراق بلداً من بلاد العرب والاسلام وطلبناها بعد أن ألقى الانكليز القبض علينا، وقلنا لهم اننا لاجئين عند الشريف فيصل مع أن بيننا وبين الشريف فيصل
ووالده واخوانه عداوة ولكن هجرتنا إلى بلد عربي وليست هجرتنا للانكليز، ولو اننا راكنين للانكليز لرحبوا بنا وساعدونا كما يساعدوك وحافظوا على أرواحنا بدلا من أن يسلمونا لك يا عبد العزيز، ولكننا لم نركن للانكليز ولعنة الله على من يركن لهم.
لقد حملونا اليك في واحدة من طياراتهم الانكليزية، لعنة الله على الكفار، قاتل الله الانكليز واعوانهم.)!…[4]
هنا قاطعه الملك الجبان العميل، بعد أن جنّ جنون عبد العزيز لهذا القول الذي سبق أن أرسل له الدويش بمثله في عدد من الرسائل قبل ان يقع بين يديه ولم يغير شيئا منه عندما وقع بيد العميل الطاغية…
فأمر بربط يدي الدويش ورجليه ومعه جماعته ووضعوهم في خيمة مجاورة له أحاطها بحراسة مشددة أقاموا فيها ثلاثة أيام حتّى اتخذ اجراءات قتلهم بطريقة لا تثير اشتباه انصار الدويش من مطير وعتيبة ممن هم مع ابن سعود، وكان لم يزل ذلك الوقت يخشى منهم، فاتفق مع عبد الله بن جلوي بأن يضرب عدداً من الخيام في رمال الدهناء بين الإحساء والرياض واتفق معه على طريقة التخلص منهم، فأرسلهم من خبارى واضحة مشيعا انهم سيرسلون إلى سجن الرياض، وفي الطريق عدل بهم الحرس إلى حيث يخيم ابن جلوي، وأطلقوا عليهم النار ودفنوهم في حفرة واحدة جمعتهم جميعا في الدهناء، وقد اختلفت الروايات عن طريقة قتلهم البشعة لكنهم قتلوا… وما أن بلغ الخبر إلى عبد العزيز آل سعود حتّى أخذ يرقص رقصة العرضة "أو الحرب" ويقول: (سنحيا اليوم حياة جديدة)!.
آمرا بدق الطبول واقامة العرضة، وأخذ يرقص مع حراسه في عرضتهم قائلين:
نحمد اللي خذل عدواننا     وانتصرنا على قوم الدويش!
ذي بريطانيا يا خواننا      إشكروها وقولوا له تعيش!
نعم!… قولوا لها تعيش!.. انهم يحمدون بريطانيا.
انهم يشكرون بريطانيا، ولا سواها عندهم يستحق الحمد والشكر ولتعيش، فلولاها ما عاشوا وما عاثوا وما كان العملاء وما كانت إسرائيل!…
ولا شك أن الطاغية عبد العزيز وذريته واخوته وآله وحريمهم قد "كتبت لهم الحياة من جديد!" كما قال عبد العزيز ـ بموت الدويش ورفاقه، وبدأت الاجور تدفع لشعراء الاجرة والتملّق، وبدأ نفس الشعراء الذين كانوا يمدحون الدويش حينما كان قائدا للجيش السعودي يذمونه أخيرا!…
واستطاعت هذه العائلة السعودية أن تفرق بين أبناء القبيلة الواحدة كما فعلت مع قبائل عتيبة ومطير والعجمان وحرب.
وكما فعلت مع بقية القبائل وأبناء الشعب معتمدين على المخابرات الانكليزية أولا والمخابرات الامريكية أخيرا…
لقد عاش السعوديون حياة جديدة!.
ولكن على حساب الشعب وموت القبائل… لقد عاشت عائلة آل سعود ـ مالكة كل شئ ـ لتعيث فسادا في أرضنا، بينما قتلت قبائلنا.. القبائل التي حاربت حتّى سلمت آل سعود هذا المُلك الفاسد!… وليس هذا وحده ما فعله آل سعود بقبائل عتيبة ومطير وحرب وقحطان والدواسر وسبيع وكل القبائل التي حاربت من أجلهم حتّى ركبوا على أمنانها صهوات المظالم!.. لقد أمات بآل سعود هذه القبائل بمجرد أن انتهوا منهم… لقد أهملوا هذه القبائل، وما أن راحت هذه القبائل تشكو الفقر والجوع لابن السعود…
حتّى شاور الانكليز عما يفعل بها؟.. فأشاروا عليه بارسال بعثات انكليزية تسمى "بعثة مكافحة الجراد" فأخذت تبث السموم في المراعي بحجة مكافحة حشرة الجراد، وتكّب هذه المادة السامة بكثرة على مراعي الابل والاغنام، وبما أن هذه المادة تتكون من نخالة الحبوب المسمومة فقد أخذت الابل والاغنام تقبل على التهامها وتموت بمجرد التهامها لهذه المادة…
فأقعدت هذه القبائل على بساط الفقر وراحت تصرخ من الفقر… فأمر عبد العزيز الطاغية باحضارها إلى المدن، وأخذ يوزع الطحين على هذه القبائل ويضع في هذا الطحين السم…
فمات معظم هذه القبائل قتلا بالسم الزعاف بعد أن ماتت مواشيهم… وهرب من تبقى منهم إلى الصحراء ليجدوا في فقر الصحراء وجهلها وجوعها وعرائها كرامة لهم ورحمة أكثر من خونة آل سعود الوحوش معدومي الكرامة والرحمة.
ولكن كيف يرجو العرب من آل سعود اليهود رحمة بالعرب… وهم الذين اتخذوا لهم من مبادئ عبد العزيز وأهله وسيلة للغدر؟ ومنها: "قل ما لا تفعل وافعل ما لا تقول"، " ومن يعادي آل سعود يعادي الله، فخذ عدو الله بعهد الله واغدر به"… الخ..

قبيلة العجمان الشجاعة هي التي انجبت أبنها

القائد الشجاع راكان بن حثلين

راكان بن حثلين … بطل انجبته العجمان… والعجمان قبيلة شجاعة أنجبت العديد من الابطال ولعبت أدواراً بارزة في حياتها الطويلة وكفاحها الشجاع ضد الاستعمار العثماني والانكليزي والسعودي وكان من قادتها البارزين الشجاع المعروف راكان بن حثلين، الذي قاوم مع قبيلته أنواع الاحتلال، فبعد أن استولى الاحتلال العثماني على منطقة الإحساء قام الاحتلال بتعيين (فيصل بن سعود الأول) اماما!..
وألقوا القبض على (الشيخ راكان بن حثلين) ثم نفوه إلى تركيا واعتقلوه في سجن استانبول، وكان ضابط السجن اسمه حمزة فمكث راكان بن حثلين بين جدران السجن 12 سنة، فربطته سنوات السجن هذه وذلك السجان (حمزة) بصلة شبه وثيقة! وفي احدى الليالي رأى الشيخ راكان برقاً يلوح بعيداً من خلف نوافذ سجنه فترنح بقصيدة شعبية يظهر بها مواجع ألمه على وطنه المستباح، وأكد في قصيدته (أن ذلك البارق قد يمطر على مراعي بلاده ليسقي ربوعها، وتفاءل راكان بن حثلين بذلك البارق خيراً ـ فيمطر ناراً تطهر البلاد من رجسها السعودي واحتلالها العثماني كما توعد راكان بن حثلين أولئك المعتدين بأنه لن يتركهم في حال الافراج عنه)!…
وأثناء ما كان راكان بن حثلين ينشد قصيدته بأعلى صوته كانت دموع الامل والالم على وطنه تمطر خديه، مما لفت ضابط السجن (حمزة) الذي ألح على راكان وترجاه أن يترجم له ما ينشده في تلك القصيدة، ووعده السجّان أنه سيساعده في تحقيق امنيته، فترجم له راكان قصيدته التي كان مطلعها موجّه إلى ضابط السجن ـ إياه ـ حمزة:

بارق الثورة

رأيت ـ يا حمزة ـ سنأ: نور بارق        يفري من الظمأ حناديس سودها
على ديرتي رفرف وأمطر وقد سقأ         بلادي وطهّر أرضنا من سعودها
فيارب يا معبود يا قائد الرجأ                يا عالم بالنفس قاسي لهودها
انك توفقنا على رد عزنا                    ما دام باق الروح مامات عودها
يا سعد من يشتم في أنفه الهواء             ويدرج بريضان تنافس ورودها
لنا عادة في أرضنا أن نصونها              ولا نترك الظالم يقّرب حدودها
وإن ضامنا الاعداء في كثر عدّهم           صبرنا.. ولكن.. لين نقوي ردودها
أرعودها البارد والموت ووبلها              وحدب مقاييس البلأ في حدودها
وأنا ذخيرتهم إذ شعّلت بهم                  شهب النواصي والنشامى شهودها
عسى جواد ما تعرّج بخلفهم                 السيف يبتر في ملاوي عضودها
أنا أرجوك (يا حمزة) توصّل رسالتي       لشخص فهيم في معاني بنودها
ماذا يفيد (التُرك) من سجن عاشق           لأرض… تغنّى في محاسن انجودها
قنصتوا با آل سعود فيها، وفاتكم            بأنّ قنّاص البُؤم خاب فودها
لابد ما ينكر عليكم عميلكم                  ولن تشوفون السّعد من سعودها

أفرجوا عن راكان بشرط … أن يقتل البطل المسكوفي!

وما أن استمع ـ حمزة ـ ضابط السجن التركي في استنبول إلى قصيدة البطل الشيخ راكان بن حثلين، وأدرك معانيها، حتّى أخذها منه وتعهد له بايصالها إلى "الباب العالي"!.
ووعد الضابط السجان، الشيخ راكان بن حثلين: (أنه سيطلب الافراج عنه للاستفادة من قدراته  البطولية)!.
وهكذا صدق ضابط السجن (حمزة) بما وعد به راكان إذ طلب من المسؤولين الاتراك (أن لا يهملوا أمثال هذا القائد العظيم راكان بن حثلين في السجن لأن له مقدرة خارقة في القتال يجب الاستفادة منها في الحروب بعيدا عن بلاد راكان) هكذا قال السجان الضابط حمزة للمسؤولين الاتراك، وكان قصد السجان: ضرب هدفين بسهم واحد، الهدف الأول هو إلباس الشيخ راكان بن حثلين "معروفهم" بالافراج عنه، أما الهدف الثاني فهو: استخدام الشيخ راكان كسلاح قوي يقاتل الحكم العثماني به خصومه، ولا خسارة في ذلك، فامّا أن يُفنى راكان وإما أن يُفني العديد من خصوم الحكم العثماني!…
وعاد الضابط حمزة (بالبشرى) إلى البطل راكان بن حثلين في سجنه بموافقة (الباب العالي) للإفراج عنه على أن يعمل في صفوف الجيوش العثمانية!… لكن الضابط حمزة فوجئ كما فوجئ "بابه العالي" برفض راكان بن حثلين لفكرة الخروج من السجن والقتال في صفوف الجيوش العثمانية قائلا: (أما أن أخرج من السجن لأنني لا أستحق السجن وهذا هو الصحيح واما أن أبقى في السجن بدون وجه حق)…
فأعاد الضابط حمزة الكّرة على الشيخ راكان، قائلا: (أرجوك أن تنقل للباب العالي مطلبي هذا فقط وهو: انني لا اريد أن أقاتل في صفوف الجيش التركي خاصة بعد أن كنت أقود جموع العجمان ضد هذا الجيش وضد آل سعود وأعوانهم وان كان لابد لي من القتال فيجب أن تحدد لي معركة معيّنة واحدة فقط أخوضها فان نجحت في هذه المعركة يطلق سراحي وأذهب إلى بلدي وان فشلت فيها أعاد إلى السجن أو أقتل في ساحة هذه المعركة أشرف لي من حياة أحرم فيها من رؤية وطني وقومي، انني أرفض الخروج من سجني لأقاتل في معارك طويلة لا أومن بالقتال من أجلها ولا يدفعني لخوضها الايمان بالدفاع عن أرضي وعن قومي) فوافق الضابط حمزة على فكرة الشيخ راكان بن حثلين ووعده بأنه سيبدي للمسؤولين الاتراك "محاسن" الفكرة لصالح راكان!.. وتمت موافقة المسؤولين الاتراك على فكرة الشيخ راكان بن حثلين وحددوا له القيام بمعركة في القفقاز يقابل فيها أحد الابطال المقاومين للاحتلال العثماني (اناتولي المسكوفي) وقد يكون هذا الاسم نسبة لكونه من "موسكو"…
فوافق راكان على ملاقاة "المسكوفي" وطلب منهم أن يعرّفوه به وبمنطقته ليتأكد منه، فذهب مع راكان من أراه إياه، ولم يكن "المسكوفي" وحده بل كان معه مجموعة من أبطال المقاومة، فنازله راكان ونازل معه جماعته فصرعه وصرح عدداً آخراً معه وهرب البقية، وبذلك طبق راكان قول الشاعر (مصائب قوم عند قوم فوائد!)…
وعاد البطل راكان إلى اسطنبول لتعلِّق القيادة العثمانية فوق صدره وسام الشجاعة ويخلى سبيله!.. وأثناء الاحتفاء بفوز راكان بل الاحتفاء بقتله مرغما للبطل "المسكوفي" المسكين على الاصح!…
شكره المسؤولون الاتراك على شجاعته وقالوا له: (لقد عجزت قبلك ـ يا راكان ـ قوات كثيرة عن القضاء عليه فقضى الزعيم القفقازي على كل هذه القوات ولم تقض عليه، بينما صرعته وقوته وحدك فما هو سرّ هذه القوة الخارقة لديك!).. فأجابهم راكان بقوله: (ان كل من أرسلتموهم لقتال هذا الزعيم لايدفعهم الايمان بأهداف ـ حب الأرض ـ فيتغلب الزعيم عليهم لكونه يؤمن بهدف، وهذا الهدف هو الدفاع عن وطنه، أما أنا فقد ذهبت إليه لأموت بيده أشرف لي من سجنكم أو أقتله فأعود إلى أرضي، وأثناء صراعي معه كاد يقتلني حينما ارتخى السيف في يدي لحظة أمام هذا الشجاع، لسبب واحد ارتخى السيف في يدي وهو أنني تذكرت أن هذا الزعيم يقاتل فوق أرضه دفاعا عن أرضه التي أقاتله عليها مقابل وعدكم بعودتي إلى أرضي، ولكنني في ذات اللحظة تذكرت أن هذا الزعيم لا يفهم من أنا ولا يدرك أنني بطل مثله وأنه سيقتلني لا محالة لو تراخيت عن قتله!.
وبين لمعان هذه الأفكار في تلك اللحظة ارتخى السيف في يدي!.
لكن ذلك البارق الذي رأيته يلمع وأنا في السجن ليمطر فوق ارضي في الإحساء، لمع مرة أخرى بي دماغي، فتذكرت السجن!.
وتذكرت العودة إلى أرضي فاندفعت في دمي طاقة جبارة هائلة فاقت طاقة هذه الشجاع المسكين البرئ الذي أصبح خصمي ـ بدون ارادتي ـ فتغلب حب بلادي على كل عاطفة وعبأني حبي لبلدي لحظتها بطاقة من القوة خلته أمامي فيها أصغر من العصفور فصرعته، ووفيت بوعدي لكم فهل تفون بوعدكم لي؟!.)…
قالوا له: (اتجه إلى أي جهة تراها!. أنت طليق).. فاتجه الشيخ راكان من تركيا بحرا إلى مصر ـ حسبما نعتقد ـ إلاّ أنه اتجه من هناك إلى ينبع البحر، في غرب الجزيرة العربية، وقبل أن يذهب ليرى أهله وقبيلته ذهب إلى حائل لمشاهدة صديقه محمد العبد الله آل رشيد الذي حكم منطقة نجد فيما بعد وأخذ آل سعود اسرى عنده في حائل…
وفي طريقه إلى حائل قال قصيدته الشعبية الشهيرة (يا فاطري خبي جوانب طمّيه) وقد حاكى في هذه القصيدة ناقته العجوز ـ وطلب منها كما تحكي القصيدة ـ ايصاله إلى (برزان) أو قصر (اخو نوره) كما قال: محمد العبد الله آل رشيد (لأن سلامه عليه واجب قبل الأقصى والأدنى) ـ كما قال في قصيدته ـ وقال: (انّه بعد هذا السلام سيتجه إلى ديرة العسوجية زوجته الغالية)… وفعل ذلك، فقابل محمد العبد الله آل رشيد واحتفى به وأكرمه وتوجه بعد ذلك لمشاهدة قبيلته وأهله إلا أنه صدم بزوجته! ـ الشقحاء بنت حزام ـ التي تسرّعت ولم تنتظره حتّى يخرج من السجن أو يموت!، فتزوجت بسلطان الدويش شيخ قبيلة مطير وأنجبت منه فيصل الدويش ـ القائد الشهير الذي مكن عبد العزيز آل سعود فيما بعد (مكّنه ـ بعد الانكليز طبعا) من احتلال الجزيرة العربية[5]
تألم راكان بن حثلين حينما علم بزواج زوجته! وغضب عليها!… كما غضب على المتزوج لزوجته التي فسخت دون معرفته بينما كان سجينا في تركيا.. وما أن علمت هي الاخرى حتّى اتجهت للسلام عليه وطلبت منه أن يقبلها كزوجة لأنها ستترك زوجها الثاني وتعود إليه!، لكنه صّدها بعنف كما توضح هذا قصيدته التي بدأها بالسلام على محمد العبد الله آل رشيد واختتمها بالرد على زوجته بقوله (انّه لا يأخذ الفضلات إلا الردئ) وقال: (انني لا ألومك وانما ألوم صاحبي الدويش الذي لم ينتظرني حتّى أموت أو أعود، ألومه كيف يتزوج زوجتي وأنا على قيد الحياة؟)… وفيما يلي معظم أبيات القصيدة:

يا فاطري

يا فطري خبي جوانب طميّه        من حيث بانت مثل خشم الحصاني
خبّي طميّة والديار العذيه           تنحرّى برزان زين المباني
سلام أخو نوره لزوم مجيّه          قبل الحبيب وقبل قاصي وداني
وإذا قضيت اللازم اللي عليّ        اللازم اللي ما قضاه الهداني
الجدى احطه خلف ظهر المطيّة     واجعل نحرها في سهيل اليماني
شفّى نروح ـ الديرة ـ العسوجيه اللي نسمها كالزباد العماني!
كان هذا هو آخر القصيدة، لكنه حينما بلغه زواج زوجته بالدويش أكمل الابيات التالية بلوعة وأسى يقول:
لومي على الطيب ولومه عليّ      وراه يأخذ عشقتي ما تناني؟!
ليته صبر عامين وإلاَ ضحيّه       والا تنبأ صاحبي ويش جاني!
أمّا هفى راكان ذيب السريه         والا لفى يصهل صهيل الحصاني!
وفي هذا الاثناء وصلت إليه زوجته السابقة "الشقحاء" تطلب منه العفو عنها من أجل العودة إليه! فرفض بإباء وشمم بالبيت التالي الذي أكمل به القصيدة بقوله:
روحي… وانا راكان زبن الونيه    ما يأخذ العقبات[6] غير الجباني!
خرّي … وانا راكان زبن الونيه    ما يأخذ الفضلات غير الهداني

قبيلة العجمان وتاريخ صراعهم للاحتلال السعودي

وحكوماته المتعاقبة على مر السنين

سنة 1177 هـ كانت ذروة غزوات المذابح التي قادها محمد بن سعود أمير الدرعية حينما تعاقد معه (مفتي المذابح) الشيخ محمد بن عبد الوهاب ـ في شراكة المذابح ـ تذبح الناس ـ آلاف الناس… تنهب القرى والمدن النجدية والعشائر العربية وتقتل ما تشاء من العرب تحت ستار "الدعوة الوهابية لاخراج الكفر والشرك واللالحاد من قلوب العباد"!!.
وقد استغلتها العائلة السعودية لصالحها بشكل لم يسبق له مثيل في التاريخ؟… الا تاريخ اليهود… وبينما غزاة السعوديين بقيادة عبد العزيز بن محمد بن سعود عائدة ـ من احدى المذابح البشرية والنهب ـ إلى الدرعية (الثانية) عاصمة السعوديين آنذاك، بلغهم بأن ثواراً من العجمان قد انتقموا لعرب الجزيرة العربية من أتباع السعودية فشنوا غارة على قسم من قبيل سبع الموالية للسعودية ـ آنذاك ـ[7].
ولما علم عبد العزيز بن محمد بن سعود بهذه الحادثة لا حقهم حتّى أدركهم في (قذلة) بين بلد القويعية والنفوذ، فأحاط بهم وقتل منهم خمسين رجلا منهم ابن طهيمان، وقتل من المجاذمة عشرين رجلا وأسر نحو المائة واستولى على نحو أربعين فرسا، فكانت هذه الواقعة هي سبب مسيرة أهل نجران للفتك بالسعوديين.

واقعة "حاير اسبيع" المشهورة

بين العجمان وأهل نجران وآل سعود

وفي ربيع الاخر سنة 1178 هـ، كانت واقعة الحاير المشهورة المسماة (وقعة النجرانيين)، والحائر هو المعروف بحاير اسبيع الكائن بن الخرج والرياض، وقصة هذه الواقعة بدأت حينما قتل "السعوديون عددا من العجمان وأسروا عددا آخر ـ كما سلف ذكره ـ ذهبوا إلى نجران لاستنفار أبناء عمهم أهل نجران فاتصلوا بالشيخ حسن بن هبة الله المكرمي (ومذهبه شيعي اسماعيلي) فشكوا إليه والى سائر قبائلهم المعروفين ـ بالوعلة ـ نسبة إلى جدهم وعيل بن هشام شقيق عجيم (علي) بن هشام والى سائر قبيلة يام الهمدانية القحطانية الكبرى واستنجدوهم للمسير معهم إلى ابن السعود واتباعه الذين استكلب خطرهم وكبر بغيهم في الجزيرة العربية وملأ رعبهم وكرههم كل نفس شريفة بريئة… فاستجاب أهل نجران للعجمان وتقدم من أهل نجران 1200 مقاتل وفارس واتجهوا لسحق
ـ الاعداء السعوديين ـ ولتطهير البلاد من الوباء السعودي فوصلوا إلى حاير اسبيع وحاصروا الحاميات السعودية، حاميات محمد بن سعود ومحمد بن عبد الوهاب، وسيطر أهل نجران على المنطقة وبدأوا يعدون العدة لسحق الوهابية السعودية في جحرها، في الدرعية، فعلم محمد بن سعود والشيخ محمد بن عبد الوهاب وعبد العزيز بن محمد بن سعود بما جرى فتباحثوا في هذا الامر الخطير! وأصدر محمد بن عبد الوهاب  أمره إلى عبد العزيز بن محمد بالتوجه بكل قواته ورجاله الذين بلغ عددهم أربعة آلاف مقاتل إلى مواجهة (أبناء يام) أهل نجران والعجمان وأوصاه بقوله: (أنا ذاهب إلى هؤلاء القوم حتّى لا يظنوا بنا ضعفا أو خورا فيسعون بنا وتفر من حولنا القبائل ولكن اياك ان تناوشهم القتال لان هؤلاء القوم الذين أتوا من اليمن مستهينين بأمرنا وبقواتنا وبهيبتنا التي ملأت نفوس الناس لا شك أنهم مصممون على سحقنا وابادتنا وان دخل هؤلاء إلى الدرعية فيسقضي على هيبتنا ويجب أن نفاوضهم بعيدا عن الدرعية لنسلمهم أسراهم وما يريدون لدينا ونشيع بعد ذلك للناس أننا انتصرنا عليهم ودحرناهم لان الله معنا وهم كفرة شيعة!) وارتحل عبد العزيز بن محمد بكل قواته إلى الموضع المذكور ـ حاير اسببيع ـ وحط رجاله وأمر باقامة خيامه.
غير أن العجمان وأهل نجران لم يهملوه ولم يمهلوه وعاجلوه القتال وتلاحموا مع قواته الكثيرة في معركة رهيبة لم يسبق للسعوديين أن شهدوها في معاركهم السابقة مع أعدائهم ونظرا لكثرة بنادق وذخائر السعوديين فقد وقف زعيم العجمان حسن بن هبة الله مخاطبا قومه قائلا: (يا ياقوم لقد مضى نصف النهار ولم نصل إلى نتيجة مع هؤلاء الاعداء والقتال معهم بالبنادق والذخيرة لن يجدي نظرا لكثرة عددهم وعتادهم ونظرا لقلة عددنا، فردوا لسيوفكم وخناجركم واهجموا هجمة صادقة ظافرة تنصرون)… ونفذ أهل نجران والعجمان أمر قائدهم فتقدموا إلى صفوف السعوديين ليقاتلوهم بالسلاح الابيض بعد أن رموا ببنادقهم أرضا (يالها من خطة رائعة!).
وبدأ التلاحم بالسلاح الابيض بين الفريقين واشتد وطيس المعركة وتطايرت رؤوس السعوديين في الهواء ولم يتراجع أبناء يام عن أهدافهم، وكانت طبيعتهم كطبيعة العجمان أن لا يرجعوا إلى الوراء في القتال، وتمت الهزيمة السعودية الماحقة والانكسار الشنيع على عبد العزيز بن محمد بن سعود وجيوشه الجرارة فقتل من الجيش السعودي ما ينيف عن الالف وأسر العجمان مئتين وأربعين رجلا كما غنموا الجنود والسلاح ولاذ بقية السعوديين الوهابيين بالفرار فوصلت فلول الجيش السعودي إلى (الدرعية) وعلى رأس الهاربين قائدهم عبد العزيز ابن محمد بن سعود، وذكر ابن بشر السعودي في كتابه "عنوان المجد" يقول (ان عبد العزيز بن محمد لما دخل ومن معه على الشيخ محمد بن عبد الوهاب بعد مجيئه من هذه المعركة لم يبادرهم الشيخ إلاّ بقوله تعالى "ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين ان يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله ـ وتلك الايام نداولها بين الناس ـ وليعلم الله الذين آمنوا وليأخذ منكم شهداء والله لا يحب الظالمين، وليمحص الله الذين آمنوا ويمحق الكافرين"!!…
… وهكذا يتصرف الطغاة بالقرآن الكريم زاعمين أن العجمان وأبناء يام وأبناء الشعب كفرة!… فما هي مواصفات الايمان إذا؟ هل مواصفات الايمان محصورة بالطغاة فقط وسلالة بني القينقاع اليهودية بوجه خاص؟!.

وكادت تكون نهاية الطغيان السعودي الوهابي

على أيدي أهل نجران والعجمان من أبناء يام لو لم يخدعهم محمد بن عبد الوهاب  بحيله

هذا النصر الذي أدركه العجمان وأبناء يام بل أدركه شعب الجزيرة والعرب أجمعين بقيادة الشيخ حسن هبة الله المكرمي ـ تقدم الثوار نحو الدرعية لهدمها على رؤوس الوهابيين السعوديين لو لم يتدارك الامر شيخ الضلال والحيل محمد بن عبد الوهاب  فيوسط الوسطاء ويجزل الهدايا والعطاء ويرسل بالاسرى عنده من العجمان، ويبعث بهذا كله مع الشيخ فيصل بن شهيل آل صويط شيخ قبيلة الظفير (وينتسب هذا الشيخ إلى الهاشميين) ولهذا أرسله الخبيث محمد بن عبد الوهاب  على أساس أن قسما من أبناء يام بقيادة المكرمي من الشيعة وعواطف الشيعة مع الهاشميين ـ كما يزعم محمد بن عبد الوهاب  في تبريره لتوسيط (الهاشمي ـ ابن سويط للمكرمي!) وقد أرسل مع الوسيط ابن سويط بأطيب الخيول العربية المحملة بالذهب التي بعثها محمد بن عبد الوهاب  إلى قائد المعركة الشيخ حسن هبة الله المكرمي (والمعونات والهدايا عادة سعودية وهابية قديمة لشراء الذمم)…
وتم لهم بذلك ما يريدون بعد أن ارتشى بها حسن هبة الله وعدد من قادة حملته وثبطوا عزائم الثوار من العجمان وأهل نجران بفتواهم (ان شيم العرب تقضي بالعفو عند المقدرة!)… والمقدرة هي الذهب الاحمر السعودي طبعا!..
والمسروق من دم الشعب الاحمر ومن أرزاق البؤساء التعساء!.. وتوقف زحف الثائرين بعد أن وصلوا إلى (قصر معروف) الواقع على بضعة أميال يقرب الدرعية.
وأوقف الثوار عند مشارق الدرعية التي جاؤوا مدفوعين بقوة ايمانهم (بهدم قلعة اليهود على رؤوس اليهود) كما كان عدد من العجمان وأبناء نجران يهتفون بذلك… وحصلت خلافات بين بعض زعماء العجمان والشيخ حسن هبة الله، مفادها أن العجمان وعددا من أبناء نجران يريدون التقدم إلى الدرعية (لهدم قلعة اليهود على رؤوس اليهود) كما كانوا يقولون، والشيخ حسن هبة الله ومعه الوسطاء وفي مقدمتهم الشيخ فيصل السويط يثبطون العزائم بالنصح والفتاوى عن "العفو عند المقدرة"!…
والحقيقة أنها كانت خدعة من محمد بن عبد الوهاب  انطلت على حسن هبة الله بعد أن طلب الوسيط ابن سويط من هبة الله وهو يقدم "الهبة السعودية!" ايقاف الزحف نحو الدرعية وتعهد له وللعجمان وأبناء نجران بتنفيذ كل ما يريدون، ومنها: أن لا يعترض آل سعود وآل عبد الوهاب لاحد من ـ أبناء يام ـ العجمان وأهل نجران وأتباعهم ومؤيديهم وقال ابن سويط (انني أطلب منكم الصفح عن ابن السعود وابن عبد الوهاب وهؤلاء هم أسرى العجمان في معركة قذلة، وما هذه الهدايا الا اعتراف لكم بالجميل على آل سعود و محمد بن عبد الوهاب  لانكم تركتموهم في أماكنهم أحياء بعد مقدرتكم على انهاء وجودهم)…

وعاد هبة الله عن ثورته… والعود غير أحمد!

عاد العجمان وأهل نجران وزعيمهم الشيخ حسن هبة الله المكرمي.
ولما كان الشيخ حسن هبة الله المكرمي قد اتفق (مع حاكم الإحساء وبلاد هجر) الشيخ عريعر بن وجيه بن غرير آل حميد الخالدي (أن يهاجما معا محمد ابن سعود ومحمد بن عبد الوهاب ليقضيا على الوباء السعودي الوهابي المنتشر من الدرعية) كما هو الاتفاق، وأن تكون نقطة اللقاء بين حسن هبة الله وبين الشيخ عريعر الخالدي (العارض) وليس (حاير اسبيع) فقد اختلف الموعد، واختلف مكان اللقاء، الا أن بني خالد وقائدهم عريعر حينما عرفوا بالمعركة التي حصلت في (الحاير) توجهوا حالا إلى حاير اسبيع ولكنهم وصلوا متأخرين وبعد أن قبض حسن هبة الله الهدايا السعودية الوهابية وغادر جماعته منطقة الدرعية إلى ديارهم… فتألم عريعر الخالدي وتألم بنو خالد على اختلاف الوعد من المكرمي وقال عريعر: (كيف يعدني المكرمي أن أتوجه من الإحساء إلى العارض وأن يتوجه المكرمي من نجران إلى العارض ثم يذهب إلى حاير اسبيع ولا يخبرني بتغيير موعد اللقاء من قبله؟.
هل يريدها هدايا فقط ونحن قد اتفقنا على تخليص العرب والمسلمين من هذا الوباء اليهودي؟.
هل يريد الفخر له وحده من دوني ودون بني خالد في هذا القتال؟.
لكن المكرمي لم يحصل على أي فخر؟!)… وفي الحال بعث الشيخ عريعر الخالدي برسول معه رسالة إلى الشيخ حسن المكرمي يناشده فيها العودة لمساعدته على السعوديين مرة أخرى وقال: (ان غدر اليهود معروف ومكرهم كبير، والقضاء عليهم وهم في حالتهم الضعيفة هذه أكثر فائدة من تركهم حتّى تقوى أجسامهم من أكل لحومنا فيقضون علينا جميعا… انني أناشدك العودة معي للقضاء النهائي عليهم)!.

رسالة من المكرمي إلى عريعر يرفض طلبه

بالعودة للقضاء على السعوديين لانه أخذ ثأره منهم!

فأجابه الشيخ المكرمي (بأنه أخذ ثأره من السعوديين) ـ وكأن المسألة مسألة ثأر! وقال المكرمي: (ان السعوديين قد استسلموا لنا!… وقدموا الخضوع!.
وطلبوا العفو. فعفينا عنهم!. وان شيمتي تفرض عليّ عدم نقض العهد الذي أعطيتهم!) وأضاف الكرمي: (ولكن إذا عاد السعوديون للعدوان فسأهجم عليهم حتّى أقتلهم بسيفي أو أموت!).. وقال الشيخ حسن في كتابه للشيخ عريعر الخالدي: (أما أنت فانك مخيّر في مقابلة الوهابي لقتاله حسبما يراه رأيك)!..

كتاب آخر من الشيخ عريعر إلى الشيخ المكرمي يبلغه فيه انّه سيدفع له مائة الف جنيه من الذهب كل عام إذا رجع وساعده في القضاء على السعوديين!

لكن الشيخ حسن المكرمي رفض طلب الشيخ عريعر، وقيل يومها ان الشيخ حسن لم يأبه للهدايا الوهابية السعودية والخيول والاموال وانما اعتبر المسألة مسألة ثأرية وانتهت!… بينما الشيخ عريعر الخالدي لا ينظر لها إلا أنها ثورة قطع دابر السعودية الوهابية اليهودية..
فعاد الشيخ عريعر الخالدي إلى الإحساء، وبعد فترة وجيزة أخذت أصابع محمد بن عبد الوهاب  تتحرك ضد الشيخ عريعر،فمات الشيخ عريعر ـ مسموما ـ بطريقة غادرة اتهم بتدبيرها الشيخ محمد بن عبد الوهاب  … وبعد موت عريعر تولى ابنه سعدون بن عريعر على حكم الإحساء، فحرك محمد بن عبد الوهاب  ضد سعدون عددا من أبناء عمه وافراد قبيلة بني خالد فخعلوه.
من سخرية القدر، أن يهرب سعدون بن عريعر من أبناء عمه وقبيلته ليلجأ إلى خصمه اللدود عبد العزيز بن محمد بن سعود ـ و محمد بن عبد الوهاب  ـ في آخر حياته، وكانت نصيحة عبد العزيز بن محمد بن سعود لسعدون بن عريعر أن يتجه إلى قبيلته فيقاتلها بقوله:
(خذ السلاح منا والرجال وعاود الكرة على قبيلتك بني خالد وأشرع في قتلهم حتّى يدينون لك بالطاعة، فقد أوصانا شيخنا محمد بن عبد الوهاب  بالقتل المريع وعدم رحمة خصومنا والفتك بهم وإلباسهم أي تهمة للتخلص منهم وعدم اللجوء إلى الاخلاق في هذا السبيل وعدم التمييز بين امرأة وشيخ وطفل وحيوان أو برئ أو مذنب، ولا تقل هذا من "عربي" وذاك من ديرتي وهذا ابن عمي وذاك من قبيلتي، وهذا كان صاحبي وذاك من أهلي)!… انها وصية لا تعرف القيم والاخلاق…

وصية اجرامية رهيبة

ويقال ان سعدون بن عريعر لم يتقبل هذه الوصية الاجرامية التي قصد منها اليهود آل سعود أن يقوم ابن عريعر بسنها وتطبيقها في قبيلته العربية بني خالد ليوقع بينهم ويصفي بعضهم بعضا وتكون النتيجة استيلاء آل سعود عليهم وعلى بلادهم، وهي طريقة درج عليها آل سعود ومحمد بن عبد الوهاب  منذ نشوء هاتين الاسرتين، فكم من البيوت خربوا وكم من القرى هدموا وكم من دماء عشرات الالوف سفكوا، لا لهدف ـ من كل هذه الجرائم ـ إلا إبادة الجنس العربي وازالة اسم الجزيرة العربية وتحقيق مآرب اليهود في سفك الدم وخدمة الشهوات الحيوانية بل يرحم الله الحيوان فكم ظلمناه حينما نشبه أعمال آل سعود وآل الشيخ محمد بن عبد الوهاب  بأعمال الحيوان!، بينما أعمال الحيوانات من الاعمال الخيرة التي لا يقدر حتّى الإنسان على فعلها، فالانسان هو الآكل للحوم الحيوان وليست الحيوانات هي الآكلة للحوم البشر!.. وحينما نقيس أعمال الحيوانات بأعمال همج اليهود ـ أمثال آل سعود ـ.
نرى أن أعمال الحيوانات أعمال انسانية!…

عجز آل سعود عن اصطياد العجمان في الحروب فاصطادوهم في الخداع السياسي

ولما مات عبد العزيز بن محمد بن سعود، حل من بعده ابنه سعود بن عبد العزيز بن محمد بن سعود، وكان لا يقل همجية ووحشية وغطرسة عن أسلافه، لكن هناك من الوهابيين من لا يقل عنه خبثا، حينما نصحوه أن يستخدم اللين مع بعض المناوئين له أمثال العجمان الذين لم يستطع ارغامهم على طاعة السعوديين وأن يبذل لهم الذهب، والهدايا ليعيد بذلك قصة والده مع الشيخ المكرمي، وقالوا: انّه بالهدايا خالف ارادة العجمان وأهل نجران فأراد الشيخ حسن هبة الله المكرمي يقول له فيها: (انني أعدك بدفع مائة ألف جنيه من الذهب سنويا إذا رجعت وساعدتني في القضاء على السعوديين كما اتفقنا سابقا)…
فأجابه المكرمي: (بأنه لن يفعل هذا أبدا لانه لن يخالف الخلق العربي والإسلامي)!! ومن المحتمل أن يكون المكرمي كان يعتقد أنه ليس من العروبة والاسلام أن يقاتل حتّى أعداء مبادئ الإسلام وأعداء أخلاق العروبة الذين استخدم شيخهم محمد بن عبد الوهاب  القرآن في تزوير الفتاوى ضد الشعب حينما أفتى بتكفير أهل نجران والعجمان وتوعدهم بالبطش فيهم مستخدما الآية القرآنية القائلة: "ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الاعلون!" إلى أن قال: "ويمحق الكافرين!".
ومن المحتمل أن يكون المكرمي قد أدرك أن الشيخ عريعر لن يستمر بدفع هذا المبلغ الضخم ـ مائة ألف جنيه سنويا ـ وان هذا القول مجرد مناورة من عريعر ليفوز بالنصر على السعوديين، وان لدى الشيخ عريعر أهدافا أكبر من حكم الإحساء بينما لم يكن للشيخ حسن المكرمي أهدافا تبتعد به عن حكم نجران… على أية حال: ان الشيخ حسن المكرمي أخطأ كثيرا بل أجرم في اضاعة الفرصة السانحة بالقضاء على السعوديين أولا ـ بانفراده ـ بمحاربة السعوديين وحده تلك المحاربة التي تحولت إلى محاورة ومناورة للقبول باستلام أسرى العجمان فقط والهدايا السعودية وإخلافه لاتفاقه مع الشيخ عريعر وقد رأى الشيخ حسن المكرمي أن يتخذ من الشيخ عريعر ومن بني خالد عامل ضغط على السعوديين، ويسرع وحده للانفراد بمفاوضتهم مضحيا بشجعان العجمان وأهل نجران ـ فان نجح المكرمي في التغلب على السعوديين ـ فاز بالاسرى والغنائم ـ وان فشل ـ كرّ عليهم مرة أخرى بمساعدة بني خالد وقيادة شيخهم عريعر!. وهذا ما حصل!...

الشيخ عريعر الخالدي لم يتراجع وقبيلته بني خالد عن حرب السعوديين… رغم تراجع الشيخ حسن هبة الله

فحزم الشيخ عريعر أمره، وذهب بقبيلته واستنصر مجموعات من أهل ـ الإحساء والعارض وشقراء وضرما ـ وعددا من مناطق نجد ـ وعسكر في موضعين اسمهما (سمحان والزلال) خارج الدرعية فأقام في ذلك المكان الـ 20 يوما يقاتل فيه السعوديين الوهابيين.
وكان عتاد الوهابيين السعوديين أكثر من عتاد الثوار إذ كان عتادهم يحتوي على عدد من المدافع بالاضافة إلى وفرة البنادق والذخيرة… ولم يحرز الثوار بقيادة الشيخ عريعر نصرا ملموما إذ قتل من الثوار 40 رجلا. (وعلى ذمة المؤرخ السعودي) أن الثوار قتلوا من السعوديين نحو اثني عشر رجلا فقط!.. فغادر بالقوة.
فأراد استمالتهم باللين للاستفادة من قوتهم في توطيد الحكم السعودي، ففي سنة 1217 هـ عمل السعوديون على اقناع الفارس المقدام الشيخ حزام بن عامر الحبيشي العجمي شيخ العجمان ـ آنذاك ـ وقدم هذا الشيخ العجمي من نجران لمقابلة سعود بن عبد العزيز بن محمد وفي هذه المقابلة عرض عليه ادخال اليمن في حكمه!.
فرحب سعود بن عبد العزيز بن محمد بفكرة الشيخ حزام، فعمم الشيخ حزام ـ أمر النفير ـ على العجمان ودعاهم للغزو ضد شعب اليمن، وراح يصارع الشعب اليمني ودارت بين العجمان وبين الشعب اليمني الحروب واستولى الشيخ حزام على (أبي عريش) بعد أن قضى على شيخها (حمود بن مسمار) ـ وكذلك ـ جيزان وصبيا ـ ووضع في هذه المناطق مناصيب من عنده ثم ربطهم بحكم الاحتلال السعودي، ثم توغل إلى الحديدة وشارف على صنعاء الا أنه لقي مقاومة يمانية أعجزته عن ربط كل اليمن في مؤخرة عيال اليهود فعاد إلى نجد… ومع كل ما قدمه الشيخ حزام للاحتلال السعودي من خدمات فقد غدر به سعود بن عبد العزيز بن محمد آل سعود ـ غدر بالشيخ ـ حزام ودبر مؤامرة لاغتياله!.

فيصل بن تركي آل سعود يقتل فلاح بن حثلين العجمي

في سنة 1261 هـ خشي فيصل بن تركي آل سعود من الشيخ فلاح بن حثلين العجمي، فزعم فيصل بن تركي آل سعود ان فلاح العجمي قد اعتدى على بعض الحجاج التابعين لآل سعود فأرسل عليه لقتله إلا أنه هرب إلى محمد بن هادي بن قرملة شيخ قحطان، فتبعه فيصل بن تركي بجيوشه!..
فهرب من عند ابن قرملة إلى منديل بن غنيمان رئيس الملاعبة من قبيلة مطير ـ فأخبر ان غنيمان الحميدي إبن فيصل الدويش ـ الشيخ العام لقبيلة مطير، فحضر هذا إلى بيت ابن غنيمان وأخذ فلاح معه وذهب به إلى منازله فأنزله بجواره كلاجئ في حمايته، لكن الدويش ذهب إلى فيصل بن تركي آل سعود وأخبره بوجود الشيخ فلاح بن حثلين في جواره، وربما ظن ـ الحميدي الدويش ـ أنه سيعفيه من القتل علما أن من عادات العرب حماية (الدخيل) أي المستجير حتّى ولو كان هذا المستجير من أعداء المجير!…
فأرسل فيصل بن تركي مع الحميدي الدويش سرية لاعتقال ابن حثلين، فقيدته بالحديد وأتت به إلى فيصل بن تركي آل سعود الذي أرسله إلى الاحساء ـ وكانوا قد احتلوها ـ وأدخلوه في سجن قصر الكوت الكريه الذي كان يشرف عليه أحمد السديري عميل آل سعود في الاحساء، فمنعوا الطعام والماء عن ابن حثلين وقيدوا يديه ورجليه بالحديد وطافوا به شوارع الاحساء وبعد أن تحمل ابن حثلين سنة من العذاب السعودي في السجن ضربوا عنقه بالسيف عام 1262 هـ.

فيصل بن تركي وهجومه على العجمان

ومنذ ذلك العام بدأت مجموعة من ثوار العجمان بقيادة (ابن الشهيد فلاح) واسمه راكان بن فلاح بن حثلين، فقامت هذ المجموعة من الثوار بمقاومة الاحتلال السعودي وشن هجمات فدائية عليه وعلى مراكزه وعلى أتباعه وعلى ما يزعم أنها ممتلكاته التي صادرها الاحتلال السعودي من دماء الشعب وطعامه.
وفي عام 1276 هـ أصدر فيصل بن تركي آل سعود "أمره" إلى ابنه عبد الله بن فيصل لقيادة مجموعات كبيرة من قبائل نجد لقتال العجمان، فشنوا هجومهم على مجموعة من عرب العجمان يقطنون على ماء اسمه (الوفراء) واقتتلوا معهم ثم انسحبوا إلى الصبيحية وكان يقطن عليها عدد من العجمان منهم آل سليمان وآل شامر وزعيمهم الشيخ علي بن سريعة، ونشبت بين المحتلين السعوديين وعرب العجمان معركة ضارية قتل فيها أتباع الاحتلال السعودي عددا كبيرا واستشهد من آل سليمان وآل شامر من العجمان (40 مجوّخا)!.
والمجوخ ـ هو من يلبس جبة من الجوخ الاحمر المنقوش بالزرى ـ ومعناه (فارس)… وبعد هذه المعركة انسحب العجمان إلى قرية "الجلاء" بالقرب من "كائمة" حيث التقى العجمان ببقية اخوانهم العجمان هناك وبعدها ارتحل عبد الله الفيصل وجيوشه الجرارة ونزل على (ملح) ماء جنوب الكويت، فتنادى العجمان لحربه رغم أن جمعهم أقل من جيوشه السعودية بكثير! لكنهم ولكي يتغلبوا على قتلهم وكثرة عدد العدو السعودي وعتاده، رأى العجمان العودة إلى عادة كان يستخدمها أوائل العرب قبل الإسلام، فأحضروا سبعة من الجمال ووضعوا عليها الهوادج واركبوا فوق كل جمل بنتا جميلة من بناء رؤساء عشائرهم محلاة بزينتها، وتقدموا نحو العدو، وبين كل مجموعة منهم احدى البنات ومهمة هذه البنت: مناداة الرجال بالاستبسال لضرب العدو، علما أن الرجال يعرفون أن عدم الاستبسال معناه انتصار العدو عليهم وانتصار العدو يعني: أن يأخذ الاعداء السعوديون بناتهم (سبايا) وجواري في قصور الرقيق، ولذلك لا محالة من الانتصار على الاعداء أو موت الثوار عن آخرهم!…
وفي يوم 10 رمضان سنة 1276 هـ التحم ثوار العجمان مع جموع العدو السعودي اليهودي التي تزيد عن سبعة آلاف، فنشب بين الفريقين قتال دموي مريع بلغت خسائر السعوديين في تلك المعركة بما قدروه بـ 2150 قتيلا تركوهم في ساحة المعركة واستشهد لثوار العجمان /700/ شهيد وقد بدأت المعركة صباحا ولم تتوقف الا في منتصف الليل حيث انسحب ثوار العجمان إلى بيوتهم في منطقة الجهراء في الكويت وانسحب القينقاعي عبد الله الفيصل آل سعود إلى الرياض بدرس بليغ من ثوار العجمان يسحب معه جرحاه وذيول الخيبة بعد أن أدرك أن بطولات العجمان هي نوع فريد من الشجاعة حينما استطاعت مجموعة من قبيلة العجمان التصدي لجيش سعودي لجب!… وهكذا قاتل العجمان في ذلك اليوم وقبله من الايام في مختلف المواقع ـ موقعة حاير اسبيع وموقعة الوفراء وموقعة الصبيحية، وغيرها ـ قتال الابطال الشجعان وحطموا قوى الشر المعتدية السعودية…
ومع ذلك فقد حسب السعوديون تلك الموقعة نصرا لهم.. ربما هو كذلك!.
بدليل أنهم بقوا على قيد الحياة!. إلا أن شاعرهم السعودي أحمد بن علي بن مشرف لم يخجل حينما قال في قصيدة له يشتم فيها قبائل بني خالد وآل مرة والعجمان وأهل الاحساء… واعتبر هذا الشاعر المرتزق قتل الشعب والاعتداء على حقوق الآخرين: "فتحا"!.

قصيدة "الفتح" السعودي المزعوم!

فناهيك من فتح به أمِن الفَلا
وأسفرت البلدان وابتهج العصر!
تسامى به نجد إلى ذروة العلا
واسفر وجه (الخط) وافتخرت (هجر)!
لأن قيل عبد الله أقبل عاديا!..
يقود أسودا في الحروب لها زأر
فصبّح قوما في (الصبيحة) اعتدوا!
ومن (لحسين) ينتمون وما بروا
وطائفة (مرّيّة) غير عذبة!
خلائقها بل كل أفعالها مُرّ!
أساءوا جميعا "في الامام" ظنونهم
فقالوا ضعيف الجند في عزمه حصر!
نغير على بلدانه!. ونحيفها
ليعرفنا الوالي وينمو لنا الوفر
فقد قسموا الاحساء جهلا بزعمهم
لعجمانه شطر!… وللخالدي شطر!
تهنا بهذا الفتح! يا فيصل الندى
فقد تم للإسلام!. والحسب الفخر!
وهذا هو الفتح!. الذي قد بنى لكم
مكارم يبقى ذكرها ما بقي الدهر!

واستمر كفاح العجمان البطولي

وبعد هذه المعركة غادر عبد الله الفيصل آل سعود مهزوما إلى الرياض ونزح العجمان شمالا إلى العراق وتحالفت معهم قبيلة الظفير وبعض من عرب المنتفق وفرضوا وجودهم في المنطقة الجنوبية من العراق ثم حصل بينهم وبين والي البصرة (حسيب باشا) وحاكم الزبيد (سليمان بن عبد الزاق الزهير) وقوات الاتراك قتال في ضواحي البصرة ومن ثم تصالحوا!.. وأعد العجمان العدة لقتال العدو الاساسي القينقاعي السعودي، فارتحلوا ونزلوا على (كويبدة) و(كايدة) وعلى (الجهراء) وبدأوا في شن الغارات ضد مواقع الاحتلال السعودي..

الحفنة واللحية العفنة.. ومعركة الطبعة!

فأخذ ابن السعود يجمع من الحضر والبدو الذين وقعوا تحت حكم احتلال "لحيته العفنة" ويعدهم بالتجمع في مكان اسمه (الحفنة) وفي شعبان سنة 1267 هـ أمر فيصل ابنه عبد الله بالسير بجنوده لقتال العجمان فخرج عبد الله ومعه الآلاف سواء ممن وقعوا تحت حكمه أو ممن تبعوه للارتزاق، وفي رمضان 1277 هـ هاجم العجمان وكانوا يقيمون في (الجلاء) ـ قرية قرب الكويت ـ ودار القتال شديدا واستبسل العجمان بالسلاح الابيض، الا أن عشرة آلاف كانوا مع عبد الله الفيصل أطبقوا على العجمان من الغرب والجنوب وكانت ظهورهم إلى البحر ومن الشمال تضايقهم جبال غفي ـ لمطلاع ـ العالية التي لا يوجد بها متسع للخروج، وهكذا تعاونت الطبيعة مع الاعداء لمحاربة العجمان…

راكان بن حثلين يعيد قصة طارق بن زياد

واشتد وطيس القتال بين الفريقين، فرأى العجمان أن الحل الوحيد أمامهم هو: ان يقاتل واحدهم عن ألف واحد، وانه لابد لهم من الخروج من هذا المأزق المميت بشق طريق لهم في صفوف الاعداء بسيوف العجمان، وفي تلك اللحظة المميتة سمعوا صوت زعيمهم الفارس المغوار راكان بن حثلين ينشد بهم بأعلى صوته وكأنه يقول ما قاله طارق بن زياد تماما (البحر من ورائكم والعدو من أمامكم فاما القتال حتّى النصر واما الموت بين عدوين البحر والعدو)…
وظروف العجمان تلك هي التي جعلت راكان بن حثلين ينشد مثلما قاله طارق ابن زياد… بينما كان يردف زوجته على حصانه:

القصيدة التي فتحت الطريق

يا ربعنا وش ذا المضيق                جمعين والثالث بحر!
بسيوفنا نفتح طريق                     لعيون برّاق النحر!
وفتحوا الطريق بسيوفهم في صفوف الاعداء بعد أن بلطوه بجثث الاعداء وخلطوا ترابه بدماء الاعداء وخرجوا من هذا الحصار السعودي بعد أن قتلوا من جنود آل سعود أكثر من ثلاثة آلاف بينما استشهد من ثوار العجمان /1500/ شهيد في هذه المعركة التي سميت (معركة الطبعة) نسبة لطبعة  العجمان حينما نزل قسم منهم في البحر وجرفهم بمده، وكان للبحر الفضل الاكبر في مساعدة السعوديين في تلك المعركة التي فاجأ بها آل سعود العجمان ـ على حين غفلة ـ وكذلك الجبال التي حرمت العجمان من التحرك والالتفاف…
وبعد هذه المعركة قال شاعر العجمان الفارس المعروف راكان بن حثلين في شرحه للوضع في قصيدة ثانية يعتذر فيها للنساء ويقول لهن انكنّ تدركن إن كثرة الاعداء وكثرة سلاحهم وظروف الطبيعة القاسية هو المانع الذي حال بيننا وبين ابادة الاعداء السعوديين عن آخرهم، الا أننا مع كل ذلك تغلبنا عليهم وقتلنا شيوخهم والآلاف من أتباعهم…

معذرة أيتها النساء لاننا لم نبيد كل أعداء الوطن عن آخرهم 

العذر يا غضّ النّهد ظَبْي الافجاج           الكثر يكسر كاسبين النواميس
جانا بأهل نجد إلى حد الافلاج              وما حدر الوادي على مقطع الخيس
أمواج الاعدا، والبحر، خلفنا أمواج         ومع كل هذا قد قتلنا إلاباليس!
إنّا لدم النذل بالقاع مُزّاج                    أشاوس ربعي إذا حقنّا ديس!
يا حيف يا شيخ قُتل ضمن الافواج          هذا الدويش، وخل عنك الدنافيس
خليت دمه بين الاضلاع زعاج             بشلفا حدتها كف راع النواميس[8]
من كف ولدك يوم ولد الردى ماج           يروغ عقله من لميع العبابيس
لعينيك يا الصغر ذبحت ابن فرّاج           هذا لعينا وقفتك في المتاريس

شاعر الاحتلال السعودي يرد

وقد رد شاعر الاحتلال السعودي ـ ابن مشرف ـ في قصيدة أخرى فزعم "ان الله كان معهم!" وهو الذي أوقع بالعجمان! "أهل الحظوظ العواثر"!
وفيما يلي قصيدة المرتزق السعودي:
ومن بعد حمد الله جل ثناؤه              على نعم لم يحصها عد ماهر
نقول لاعداء بنا قد تربصوا             عليكم أديرت سيئات الدوائر
ألم تنظروا ما أوقع الله ربنا             بعجمانكم أهل الحظوظ العواثر؟!
فكم نعمة نالوا وعزا ورفعة             على كل باد في الفلاة وحاضر
إذا وردوا الاحساء يرعون حفيها                وفي برها نبت الرياض الزواهر
فكم أحسن الوالي اليهم ببذله             وبالصفح عنهم في السنين الغوابر
فكم نعمة أسدى لهم بعد نعمة            ولكنه أسدى إلى غير شاكر
لقد بطروا في المال والعز واجتروا      على حرمة الوالي وفعل المناكر
فمدوا يد الآمال للمُلك واقتفوا            لكل خبيث ناكث العهد غادر
فأقبل من نجد بخيل سوابق              رماهم بها مثل الليوث الخوادر
فواعد في (الوفرا) جموعا توافرت      من البدو أمثال البحور الزواخر
(سبيعا) وجيشا من مطير عرمرما       ومن آل (قحطان) جموع (الهواجر)
ولا تنسى جمع الخالدي فانهم            قبائل شتى من (عقيل ابن عامر)
فلما أتى الجلاء ضاقت بجيشه           وجالت بها الفرسان بين العساكر
فما اعتصموا الا بلجّة مزبدٍ             من البحر يعلو موجه غير جازر
فغادرهم في البحر للموت مطمعا                وقتلى لسرحان ونمر وطائر

من هو هذا الشاعر؟

عرف هذا الشاعر بالارتزاق، من وراء شعره.. فهو الذي قال في مدح فيصل:
قصدناه في (هجر) نؤمّل رفده              فجاد علينا بالمنى والمنافع!
اعذناه بالرحمن من كيد كائد                ومن شر شيطان وخبث مخادع!
اذاً.. فالقصد ـ هو "الرفد" من هذا القصيد المأجور.

حينما قام العجمان بثورة ناجحة كبرى أزالوا بها النظام السعودي للدولة السعودية الثانية

في سنة 1287 هـ في شهر رجب أعلن العجمان الثورة المسلحة في مقاطعة الاحساء ضد نظام حكم عبد الله الفيصل وانضم اليهم سعود بن فيصل شقيق عبد الله الفيصل الذي التجأ إلى العجمان.
وسيطر العجمان على منطقة الاحساء والقطيف سيطرة تامة ثم أخذوا يعدون العدة لمهاجمة الرياض.
فلما علم عبد الله الفيصل بما حصل أمر أخيه محمد بن فيصل بأن يزحف بجيوشه الكثيرة من حاضرة نجد وباديتها لمهاجمة العجمان، أما العجمان فقد زحفوا باتجاه الرياض غير عابئين بكل جيوش آل سعود، ولما وصلوا إلى ماء (جوده) غرب الاحساء التقوا بمحمد بن فيصل وجيوشه ونشبت بينهم معركة ضارية هائلة وذلك في يوم 27 رمضان 1287 هـ وحصل بين الفريقين قتال شديد قتل فيه من جيوش آل سعود تسعمائة رجل بين فارس وراجل ومن مشاهير القتلى: عبد الله بن بتال المطيري القائد العسكري المشهور، ومجاهد بن محمد أمير بلد الزلفي، وابراهيم بن سويد أمير بلد جلاجل، وعبد الله بن مشاري بن ماضي من رؤساء روضة سدير، وعبد الله بن علي بن عبد الرحمن أمير بلدة الخرما.
وأسر قائد الجيش السعودي محمد بن فيصل آل سعود، وقتل أيضاً مستشار عبد الله الفيصل (سلطان الوار بني ـ من أهل القطيف ـ ولأول مرة يعيّن آل سعود مستشارا لهم من أهل القطيف ! لكن هذا الشخص اشتهر بالعمالة وكان عدوا لدودا للعجمان) وفي تلك المعركة غنم العجمان كل أعتدة الجيش السعودي وأرسلوا محمد بن فيصل إلى القطيف مخفورا وحبسوه هناك وانهزمت شرائد السعوديين يهيمون على وجوههم في صحراء الدهناء ـ مفازة ـ بين الرياض والاحساء ـ وهلك عدد غفير منهم عطشا، والذي نجا من سيوف العجمان لم ينج من العطش، وهكذا ثأر العجمان لشعب الجزيرة العربية من آل سعود وأتباعهم بهذه المعركة وثأروا لانفسهم، وأقام العجمان على (جوده) وكتبوا لرؤساء أهالي الاحساء يبشرونهم بالنصر على خصمهم، وطلبوا من كبارهم القدوم اليهم، وحضر كل رؤساءهم وعاهدوهم على المضي معهم لازالة الاحتلال السعودي.. أما عبد الله بن فيصل فانه لما بلغته هزيمة جيشه واسر ـ العجمان ـ أخيه محمد لم تسعه الرياض، إذ أدرك أن مصيره الهلاك على أيدي ثوار العجمان الذين زحفوا على الرياض، فقصد ناحية جبل شمر طالبا اللجوء إلى آل رشيد، لكنه تردد، فأرسل عبد العزيز أبا بطين بكتاب إلى والي بغداد ووالي البصرة التركيين يطلب منهما نجدته بالاحتلال العثماني ومساعدته من ثوار شعب الجزيرة العربية الذي يقود زمام قيادته العجمان ـ في تلك المرحلة ـ لدك معالم آل سعود، فوعده والي البصرة ووالي بغداد بالمساعدة، وفي شوال من نفس السنة 1287 هـ وفَدَ محمد بن هادي بن قرملة شيخ قحطان ومعه عدة رجال من رؤساء قحطان على سعود بن فيصل الملتجئ للعجمان، وكان العجمان غير راضين عنهم فلم يلتفت لهم وعادوا غاضبين ثم توجهوا على عبد الله الفيصل وهو على (البعيثة) وعاهدوه على "السمع والطاعة" فشدوا من عزيمته، فارتحل معهم من البعيثة وتوجه إلى الرياض ودخلها في ذي القعدة 1278 هـ وفي شهر محرم سنة 1288 هـ خرج العجمان من الاحساء ومعهم سعود بن فيصل ـ المستجير بهم ـ وعينوا في الاحساء فرحان بن خير الله أميرا فيها وقصدوا الرياض، فلما اقتربوا منها هرب منهم عبد الله الفيصل وقصد بوادي قحطان لاجئا إليها.
وكان قبل خروجه من الرياض قد سرق كل ما في الرياض من ذهب وأثاث ومدافع وأرسلها مع خادمه حطاب بن مقبل العطيفة ومعه سرية من الحرس وأمرهم أن يتوجهوا بذلك إلى مضارب قحطان…
فصادفهم العجمان في (الجزعة) فحصل بينهم وبين السرية المذكورة قتال شديد وهزمهم العجمان وأخذوا سلاحهم وجميع ما معهم وقتل منهم عدد من القتلى ومن مشاهيرهم حطاب العطيفه وفلاح بن صقر العطيفه وعويد بن حطاب ومحمد بن راشد الفقيه.
ثم دخل العجمان الرياض في ربيع الأول 1288 هـ مع خلائق كثيرة انضموا اليهم فسيطروا على البلد ونظموه ورتبوا أموره وأنهوا بذلك ملك آل سعود…
وتنفست نجد الصعداء وسادت الفرحة أفراد الشعب الذي لم يكن يصدق بزوال دولة المفاسد وزوال عبد الله الفيصل الطاغية السفاك… وما أن استقر العجمان في الرياض، حتّى ارتكبوا خطأ آخر بتنصيبهم "لسعود" بعد الخطأ الذي ارتكبوه في واقعة حاير اسبيع بتركهم لمحمد بن عبد الوهاب ومحمد بن سعود وأولادهما ولما قدم إلى العجمان كبار أهل نجد  طلب العجمان منهم "مبايعة سعود بن فيصل" الذي عينه العجمان مكان أخيه عبد الله!.
وبهذا أعاد العجمان الحكم السعودي إلى بلادنا من جديد!. وكان ذلك هو الخطأ الأكبر الثاني الذي يرتكبه العجمان بعد الخطأ الأول الذي قبلوا فيه بمصالحة محمد بن عبد الوهاب  حينما أرسل لقائدهم آنذاك حسن بن هبة الله المكرمي فيصل بن شهيل السويطي شيخ قبيلة الظفير، وكان بامكان العجمان القضاء على محمد بن عبد الوهاب  وحكمه السعودي  نهائيا… لكن محمد بن عبد الوهاب  ـ نتيجة لخبثه ـ بحث عن وسيط فلم يجد من يصلح للمهمة غير (الهاشمي) ابن سويط ليقابل (الشيعي)حسن هبة الله المكرمي، فيحرك بينهما صلة المذهب فلا يرفض حسن المكرمي لفيصل بن سويد الهاشمي طلبه في الوساطة! فنجح ابن سويط في ايقاف زحف العجمان المحاصر للدرعية بما عرف باسم (واقعة حاير اسبيع)…
هذا هو الخطأ الأول والخطأ الثاني فيالهما من خطأين جسيمين!… العجمان استولوا على الرياض وأزالوا الحكم السعودي عن آخره، ولكنهم، من جديد أعادوا هذا الحكم بتعيينهم لسعود بن فيصل وهو شقيق من خلعوه وحاربوا حكمه وبذلوا الدماء والتضحيات لازالة هذا الحكم بكفاحهم الطويل المرير ضد حكم الفساد السعودي، وأتعس من هذا، أن العجمان بعد ثورتهم أرسلوا لكبار أهل نجد يطلبون منهم بالاكراه (مبايعة سعود مكان شقيقه عبد الله)!.. فيضطر الذين استدعوهم "للمبايعة" للموافقة كارهين!.
ثم تبدأ من جديد غزوات سعود بن فيصل لقرى وقبائل نجد وجزيرة العرب.

سعود بن فيصل يلاحق شقيقه عبد الله الملتجئ إلى قحطان

وبعد ذلك توجه العجمان ومعهم سعود بن فيصل لملاحقة شقيقه في قبائل قحطان، ووصل العجمان ومعهم "سعود" إلى (البره) حيث كانت تسكن قحطان ومعها عبد الله بن فيصل وذلك في يوم 7 ربيع الأول 1288 واقتتلوا مع قحطان وصارت الهزيمة على عبد الله الفيصل وراح ضحية هذه المعركة عدد كبير من الطرفين قحطان والعجمان!.
والسبب؟!. لا شئ غير الفتنة السعودية وجهل المقاتلين إلى جانب قسم من آل سعود سواء كانوا من قحطان والعجمان أو غيرهم!. وإلا... ما الذي يدفع قحطان للقتال إلى جانب ذاك اليهودي؟.
وما الذي يدفع العجمان لقتال قحطان إلى جانب هذا اليهودي، ولقد قتل عدد كبير من الطرفين، من بين الذين قتلوا من قحطان: عبد العزيز بن محمد ناهض، وبرّاك بن عبد الله بن برّاك، ومن بين الذين قتلوا من العجمان: منصور الطويل من رؤساء العجمان وعدد كبير... ثم عاد العجمان إلى الرياض، حيث غادروها إلى بلادهم الاحساء وتركوا منصوبهم سعود بن فيصل آل سعود يحكم الرياض ويحكم قسما كبيرا من نجد أيضاً.

هجوم محمد العبد الله آل رشيد على الرياض وسحق الحكم السعودي

وبعد فترة بدأ التذمر في نجد من حكم سعود بن فيصل والتسلّط السعودي، فوجد ابن الرشيد الفرصة سانحة لتخليص نجد من هذه الجرثومة فهاجم الرياض واستولى عليها وجلب بقية الاسرة السعودية أسيرة إلى حائل… لكن محمد العبد الله الرشيد هو الاخر ارتكب جرما كالذي ارتكبه العجمان وهو أنه لم ينه آل سعود ويبيدهم كي لا تنبت شجرتهم من جديد.. فنبتت من جديد بدعم من الانكليز بعد أن هرب عبد الرحمن بن فيصل إلى الكويت فأصبح راتبه وابنه عبد العزيز سبعين روبية من الاتراك في الكويت ومن ثم رفعت المخابرات الانكليزية مرتب ابنه عبد العزيز إلى /500 جنيه استرليني/ كما هو معروف وموضح في أماكن أخرى من هذا الكتاب، وعاد عبد العزيز بن عبد الرحمن آل فيصل يحارب العجمان وشمر ونجد والجوف وعسير وتهامة واليمن بعتاد الانكليز وخبراء الانكليز أمثال السير برسي كوكس والكابتن شكسبير ـ الذي قتله شعبنا في معركة جراب وخلفته المخابرات الانكليزية بجون فيلبي وغيره ـ وقد استمر صدام قبيلة شمرّ وأهل حائر مع آل سعود مثلما استمر صدام العجمان، إذ قتلت قبيلة شمر وأهل حائل القائد الانكليزي الذي كان يقود "الاخوان المسلمين" السعوديين في معركة جراب قرب الزلفي…
وعيّن مكتب المخابرات الانكليزية (المكتب الهندي) الكابتن جون فيلبي الذي تعلّم من مصرع زميله رسول المخابرات الانكليزية ـ الكثير ـ فأطلق على نفسه لقب (الشيخ محمد بن عبد الله فيلبي) ثم حذف كلمتي (الشيخ) و(محمد) من اسمه واكتفى باسم (الحاج عبد الله فيلبي)… وبدأ يقود ـ الدين ـ وتجار الدين السعودي…

واستمر كفاح العجمان لقتال آل سعود حتّى حاصروا عبد العزيز في حرب الاحساء

وفي سنة 1915 م أراد عميل الانكليز الاكبر عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود اخراج العجمان من الاحساء معللا ذلك "بأنه يريد استرجاع الغنائم التي غنمها العجمان من أهله في قتالهم لذويه"، فرفض العجمان طلبه وثاروا عليه وحاصروه في الهفوف بالاحساء ومن معه من الجيوش الضخمة واستمرت حربهم معه وحصارهم له ستة أشهر ونصف الشهر… وفي أحد الايام بعث اليهم يطلب الصلح معهم على أن يفكوا الحصار عنه ويسمحوا له بالرحيل!، فرفض العجمان وأخذوا حذرهم منه ووضعوا الحراسات الليلية كي لا يفلت عبد العزيز من أيديهم، ثم أخلوا بيوتهم من عوائلهم واستعدوا للطورائ… وعند منتصف الليل شن عبد العزيز آل سعود هجوماً على عموم استحكامات العجمان ومن كل الجهات، فاستقبلوه ببنادقهم وسيوفهم وقتلوا شقيقه الامير سعد بن عبد الرحمن آل سعود وضربوا عبد العزيز آل سعود في بطنه ضربة اخرجت مصرانه فأمسك بها وهرب إلى مخبأه وقتل من جيشه /2700/ قتيل خلاف الجرحى، فشدد العجمان الحصار عليه، إلا أن المساعدات المالية والعسكرية والطبية والاطعمة بدأت تأتيه من الانكليز في الكويت ومن ضمنها مبلغ ستين ألف روبية جاءته من الكويت بحجة أنها من ابن صباح ـ وباخرتين محّملتين بالطعام والسلاح رستا في العقير، لكنه مع كل تلك المساعدات الضخمة لم يتمكن من فك الحصار أمام شجاعة وبطولات أبناء شعبنا العجمان… إلا أن لكل شئ نهاية… فالحصار طال والمعونات تنهال من الانكليز في الكويت بلا حساب على أكبر عميل لهم في المنطقة العربية… ومع عبد العزيز خبراء انكليز وطبيب انكليزي… والعجمان؟!… لقد حاصرهم الجوع وماتت ابلهم وأغنامهم وعاد حصارهم له حصاراً عليهم وما من أحد يعين العجمان إلا سيوفهم وأذرعتهم!.
والسيوف والاذرعة وحدها لا تكفي … فاضطروا إلى فك حصارهم بأنفسهم، ونزحوا مختارين بعيدا عن الاحساء إلى الشمال… وقد سجل لهم التاريخ بطولاتهم الرائعة التي خلدتها أفعالهم وأقوالهم في تلك القصائد الشعبية العديدة ومنها قول شاعرهم، نغيمش الشاعر العجمي:
ليل على ابن اسعود ياليل النّدم              ذبح الاصائل والعمار الغاليه
أخوك يا عزيّز من الموت انكتم             وراك تهرب منه وأنت اتخايله
صابك وصاب أخوك من الموت السهم      بالليل الاظلم… ليتنا بالقايله!
عقب التدنجر ما تفكّون اللزوم              وأرقابكم من ضرب الايدي ما يله
وفي هذه القصيدة يصف الشاعر "نغيمش" معركة العجمان مع عبد العزيز آل سعود وقتلهم لشقيقه سعد وكيف هرب عبد العزيز من جانب شقيقه دون أن يجرأ على حمله!، وكيف جرح عبد العزيز وهرب يحمل مصرانه… ويتمنى الشاعر لو كان وقت المعركة نهاراً (في القائلة) وليس في الليل الاظلم ليتمكن العجمان من التعرف على الاعداء وكبار الاعداء وعلى عبد العزيز آل سعود لقتله وقتل قادته الانكليز والعرب.

نازلين الحسا كلّه على شانه

وفي قصيدة أخرى يلوم فيها الشاعر "نغيمش العجمي" بعض افراد القبائل الذين تعاونوا مع أعدائهم آل سعود، ويبشر قبيلته العجمان الذين طال صبرهم بانتظار العدو السعودي أنه حان الوقت للقضاء عليه، ويقول اننا ما نزلنا الاحساء إلا على شان القضاء على ذئب نجد المسعور، واننا حاصرناه وجرحناه وذبحنا أخاه، ولم نتركه يتقدم أو يتأخر، فان رفع خيمته هدمناها وان تقدم لقتالنا قتلناه… وموعدكم مع اليهودي:
يا نسل، يام، يالعجمان، قد حانه             مونة لليهودي لا اتخلونه
يا مطاليق، صبر، طالة أحيانه              ذيب نجد عوى له ذيب بينونه
يا لبحيحي وراك اتشب نيرانه              وبن شافي ورشّود تعينونه
نازلين الحسا كله على شانه                 نازلين الحسا ياللي تعرفونه
ان تقدم هدمنا بني صيوانه                  وان تأخر يشوف الموت بعيونه
السعودي اليهودي جمّع اخوانه              انكليز… ولكن لا يفيدونه.

كيف قتل العجمان ابن جلوي

في معركة العيينة بين العجمان وآل سعود

في عام 1929 م أمر عبد العزيز بن عبد الرحمن آل فيصل آل سعود فهد بن عبد الله بن جلوي آل سعود حاكم الاحساء بالهجوم على العجمان ثم بعث بكتاب إلى رؤساء العجمان وأعطاهم "الامان" وقال لهم في هذا الكتاب:
(بسم الله الرحمن الرحيم !… إلى رؤساء العجمان وقادتهم، السلام عليكم ورحمة الله، وبعد، أبعث اليكم بكتابي هذا ليكون فاتحة خير بيننا بعد أن أمرني السلطان عبد العزيز بن عبد الرحمن آل فيصل بحل كل المشاكل التي بيننا بالحسنى وأنه ووالدي وأنا نتعهد لكم ونعاهدكم بالله وكتاب الله أن لا يأتيكم منا مكروه.
فنطلب منكم زيارتنا للتفاهم على ما ذكرناه والله وكتابه على ما نقول شهيد)!… وفعلا، كان الله شهيد!. وكتاب الله شهيد أيضاً ! … ضمن آلاف الشهداء!.. الذين سفك دماءهم آل سعود اليهود الذين لا يرعون حرمة للعهود!..

الكذب والغدر ليسا من شيم العرب اطلاقا

بل هما شريعة آل سعود وكل اليهود

وهكذا يكون الغدر السعودي… حينما قام قادة العجمان بزيارة فهد الجلوي… غدر بهم وقتلهم وفي مقدمتهم الشيخ ضيدان بن حثلين وكرّور الحبشي وتسعة آخرين من العجمان… ولم تنطل على ـ العجمان ـ اساليب الغدر السعودي التي انطوت عليها رسالة ابن جلوي، ولذلك فقد تنادوا لاجتماع عام تشاور فيه قادة العجمان فيما بينهم وحضر هذا الاجتماع عدد من وجوه عشائر العجمان فقرروا ما يلي:
1 ـ ان عبد العزيز بن سعود غدار، وهو بهذه الطريقة يريد الغدر بنا ويريد قتل أكبر عدد من شيوخ العجمان فيجب أن لا يذهب لابن جلوي أحد من الشيوخ وعلينا أن نهاجمه…
قال ضيدان بن حثلين (سأذهب أنا ومعي بعض الرجال الذين تختارونهم، فان تأخرنا أكثر من اليوم والليلة فمعنى هذا أنهم غدروا بنا فتوجهوا لانقاذنا).. فسار ركب ضيدان بن حثلين ـ ووصلوا إلى مخيم بن جلوي في العيينة ـ وأظهر لهم ابن جلوي خلاف ما يبطن، فرحب بهم وأطعمهم وأسقاهم القهوة (ومن عادة العرب انّه إذا طعم الخصم عند خصمه يحرّم قتله لأنه "أكل العيش والملح"، وان صمم المضيف قتل ضيفه فلن يقتله في بيته في نفس المكان والزمان الذي استضافه فيه، بل يعطيه مهلة ثلاثة أيام يهرب فيها من وجهه، وتسمى الايام الثلاثة "المهرّبات" فان لحق الطالب بالمطلوب في هذه الايام الثلاثة قتله فيها، وإلا فقد سلم المطلوب هذه المرة ليتحيّن الطالب قتله في مرة أخرى لا يذوق فيها المطلوب طعامه!) إلا أن آل سعود (الذين رضعوا الحقد اليهودي والغدر بهم أبعد ما يكون عن الاخلاق العربية كبعدهم عن أخلاق الدين)… فبالرغم من أن دعوة ابن جلوي للعجمان واضحة وكانت من أجل التفاوض!.
وبالرغم من أن شيخ وقادة العجمان كانوا ضيوفه!.
فان ابن جلوي لم يتفاوض معهم اطلاقا طيلة سبع ساعات تقريبا، وكان الشيخ ضيدان بن حثلين كل ما فتح له باب النقاش عن سبب دعوته لهم، ادخله فهد بن جلوي بموضوع آخر!.
وحينما قال له ضيدان بن حثلين (أن العجمان ينتظروننا وإذا طولنا أخاف أنهم يجونك إلى هذا المكان) وهذا تلميح واضح من ابن حثلين لابن جلوي عن دور العجمان وتلميح لردعه لأن ابن حثلين بدأ يشك بسوء نية فهد ابن جلوي…
إلا أن ابن جلوي المغرور تجاهل كلام ضيدان بن حثلين فتأكدت شكوك ضيدان فقام من مجلس ابن جلوي بقصد العودة إلى جماعته العجمان، لكن (عبيد) ابن جلوي وخدمه طرحوه أرضا ومن معه من المرافقين ثم وضعوا القيود بأيديهم وأرجلهم، إلا أن مرافق ضيدان بن حثلين (ومملوكه) ابن منير كان حذراً وقد توقع ما حدث قبيل حدوثه بدقائق فركب جواده ـ باشارة من عمه ـ ضيدان ـ وسابق الريح ليخبر العجمان، فأخبرهم بهول ما جرى، وكان العجمان قد تأهبوا قبل مجئ المرافق (النذير) فاتجه إلى العيينة/ 400/ شخص فقط بينهم مائة فارس وكانوا بقيادة الشيخ حزام بن حثلين وما أن شاهدهم فهد بن جلوي حتّى أمر عبيده بقتل (ضيوفه!) ضيدان بن حثلين ورفاقه!.. فالتحم ثوار العجمان /الـ 400/ بجيش سعودي قوامه /4000/ رجّل! .. ولا شئ أرخص من السلاح الابيض، ولا هناك من الاسلحة ما هو أقوى من صبر وجلد هذا السلاح الابيض، فالبنادق تكل أحيانا وأحيانا تتفجر من حرارة النار، إلا السلاح الابيض بيد من يجيده من الايدي التي لا تمل، والعجمان من هذا النوع الذي يجيد استخدام السلاح الابيض!… وبهذا السلاح التحم قسم منهم مع السعوديين فأبادوا أكثرهم… حتّى أنهم لم يعودوا، في تلك المعركة، يهتمون بالرؤوس الخسيسة من رؤوس الجنود والمجندين بل ذهبوا يبحثون عن الرؤوس الثمينة التي تستحق القطع والبّت السريع بأمرها، فكان كل واحد منهم يسأل ذبيحته السعودية قبل ذبحها عن "سيدها فلان" وكان مجموعة من العبيد الذين يملكهم ابن جلوي يسوقون الجموع السعودية بالعصي وبالسيوف لملاقات العجمان، لكن الجموع السعودية المرتجفة من هول ضربات العجمان أخذوا يهربون، وجاء الموت للعبيد المرعبين، فقتل العجمان معظم العبيد، ووصل العجمان إلى فهد بن جلوي!…

البطل عبد الله بن عيد بن مخيال ليس خادما لدى الطاغية فهد الجلوي كما روى ذلك رواة آل سعود كذبا… بل كان مع الثوار!

وتقدم البطل عبد الله بن عيد بن مخيال العجمي، من الطاغية فهد بن الطاغية عبد الله الجلوي وأمسكه من لحيته بيده اليسرى ثم تّف بوجهه، وكانت يمناه الكريمة تضغط على زناد بندقيته فتطلق رصاصها في قلب الطاغية وتخرج من ظهره فيسقط على الأرض وما زالت لحية الجبان الطاغية فهد الجلوي بيسرى البطل عبد الله بن عيد بن مخيال حتّى سقط الطاغية على الأرض فداس وجهه القذر بقدمه الطاهرة، وكانت نهاية الجيش السعودي في تلك المعركة عن آخره إلا من هرب منهم وهم قلّة، وغنم العجمان أسلحة الجيش السعودي وأموالهم المسروقة من شعبنا! وبدأ شعراء الشعب يتغنون شعراً في وصف بندقية البطل عبد الله بن عيد بن مخيال التي قتل بها الطاغية فهد، كما تغنى شعراء الشعب بالبطل عبد الله بن مخيال، الذي أشاع عليه آل سعود (أنه كان من خدم الامير فهد بن جلوي، وبما أن المخيّال من قبيلة العجمان فانه حينما رأى شيخ العجمان ضيدان بن حثلين قد قتل بيد ان جلوي قام وقتل ابن جلوي غدراً)!!.
وهذا كذب سعودي!. وهو ما قاله آل سعود وما نقله بعض المؤرخين الانكليز على أسيادهم وأصحابهم من مستشاري آل سعود ليزعموا أن الغدر من شيم العجمان!!. كلا..
والغدر يا آل السّعود لسانكم                 وفعلكم لا ـ شيمة ـ العجمانِ
ومن بعض القصائد الشعبية التي وصف بها الشعراء بندقية عبد الله بن عيد المحيال ـ قصيدة (للمّري) يصف فيها: كيف أن تلك الرصاصة التي ضرب بها عبد الله بن عيد المخيال ـ قلب الطاغية فهد الجلوي ـ قد تحولت تلك الرصاصة من قلب الطاغية فهد إلى ـ كبد ـ والده ـ الطاغية عبد الله الجلوي...


[1] القوانين التي كانت في الحجاز كانت قوانين مدنية مأخوذة عن القرآن والشريعة.. أما المساجد، فقد هدمها آل سعود لأنها مسماة بأسماء عدد من الصحابة كما هدموا قبور الصحابة…
[2] استبدلت السعودية هذه الكلمة المستخدمة "لنواب الشعب" باسم "نواب هيئة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر"… فهؤلاء النواب! عن الشعب، لجلد الشعب…
[3] انظر "جزيرة العرب في القرن العشرين".
[4] انظر في آخر الكتاب صورة الدويش، قائد الجيش السعودي الذي ثار على آل سعود لمجرد اعلان الملكية.
[5] واتهم عبد العزيز آل سعود (الدويش الشجاع) انّه من مخلفات ـ راكان في بطن الشقحاء
[6] العقبات: الفضُلات.
[7] لم تكن كل قبيلة اسبيع موالية للسعودية.
[8] ملاحظة: لقد كان الدويش الذي قتله راكان، يقاتل مع الجند السعودي، والدويش هو الذي تزوج زوجة راكان رغما عنه أثناء أسر راكان في تركيا، فبرّد غليله بقتله!




No comments:

Post a Comment