القلب ينبض بحبك يأسدنا المفدى و سيدَّ الوطنِّ و سيد الرجال و عزَّ العّرُّبّ وَفَخَّرَّ الامَّةِ

Thursday 14 July 2011

تاريخ آل سعود الجزء الرابع



الجزء الرابع
الاحساء ‏
الاحساء عاصمة المنطقة الشرقية الاولى.. الاحساء (بلاد الخضرة والماء والزيت الحسن) لايوجد بها ‏مستشفى بالمعنى السليم، ولا طريق سالكة واحدة بالمعنى الكريم، الاحساء المنكوبة بحكم الغاب السعودي، فكيف ‏تم الاحتلال الاستعماري السعودي لها؟… ‏لقد رأى جون فيلبي أن الاحساء هي أهم منطقة يجب الاستيلاء عليها واخراج الاتراك منها ليسهل اتصال ‏الانكليز ـ بحراً وبراً وجواً ـ بعمليهم عبد العزيز في الرياض وامداده والاحتفاظ بهذه المنطقة الاستراتيجية ‏الثمينة التي تربط الخليج العربي بالبحر الاحمر… وتربط ما كان يسمى (بالمحميات) في الجنوب بنجد والحجاز ‏والجوف.. انها مهمة جدا.. لكنه لابد من تمهيد انكليزي للاستيلاء عليها… لذا رأى الانكليز أنه لابد من اجراء ‏اتصالات ببعض العائلات الاحسائية.. وكان في ذلك الاتصال بداية الاحتلال… ووعد عبد العزيز وجون فيلبي ‏تلك العائلات "بالخير" بعد أن عاهدهم جون فيلبي ـ نيابة عن الانكليز ـ بأنهم (سيكّونون منهم مجلسا ‏استشاريا، وأن تبقى خيرات الاحساء لأهلها.. وأن يختاروا حاكم الاحساء من الاحساء بطريقة انتخابية، على أن ‏يتعاونوا مع عبد العزيز آل سعود على طرد الاتراك الذين احدثوا الاضرار في البلاد والعباد "!"، بالاضافة إلى ‏أن الاتراك كفرة ومشركين!. والخ) … ‏
وأسدوا لهم من هذه الوعود البراقة والمال ما يسيل اللعاب!.. فاطمأن من اتصلوا بهم من أهل الاحساء لتلك ‏الوعود السعودية الانكليزية البراقة، وساعد على تنفيذ خطة الاحتلال الانكلو سعودي للاحساء ما أصاب الدولة ‏التركية من تصدع وانهيار بعد أن فرقت قواتها في كل جهة ودخلت في حرب البلقان وخرجت منها منهوكة ‏القوى…‏
ففي جمادى الاولى سنة 1331 الموافق 12 ابريل (نيسان) 1913 م كان عبد العزيز بن سعود قد وصل ‏الاحساء هو ومجموعة مسلحة معه تبلغ الالف شخص انتشروا في البساتين بصفة بدو رحل وكمنوا فيها، وفي ‏تلك الليلة فتح لهم الذين اتفقوا معهم من أهالي الاحساء فتحة في جدار سور الهفوف الذي كان يحيطها من كل ‏جانب ـ والهفوف هي عاصمة الاحساء ـ ودخل الجند السعودي المسلح من تلك الفتحة وهاجموا القلعة التركية ‏التي لم يكن بها سوى 64 جندياً تركياً، فلم تستسلم الحامية واستمرت المقاومة التركية، حتّى أخذ واحد من ‏الجنود السعوديين حبلاً طويلاً وعلقه بأعلى القلعة وتسلق من خلاله إلى داخلها وتبعه الجنود السعوديون فقتلوا ‏الجنود الاتراك جميعا.‏
وبعد ذلك بُشّر (الامير عبد العزيز بن سعود الذي كان مختفيا في أحد بيوت أحد العملاء من أهل الاحساء ‏بالنبأ) وهكذا حل الاحتلال السعودي في الاحساء محل الاحتلال العثماني، وماذا فعل الاحتلال الجديد بعد ‏ذلك؟!.. في نفس اليوم، اقام الامير عبد العزيز وليمة دعا إليها بعض أهالي الاحساء، وفي مقدمتهم أولئك ‏العملاء الذين أخفوه عندهم والذين تعاونوا معه من أبناء الاحساء وشيوخ البادية (وقطع بعض رؤوسهم) ثم ‏وضعها إلى جانب صحون الطعام وأمر بقية المدعوين أن يأكلوا الطعام.. وأخذ يرحب بهم (ياهلا وسهلا!. ‏حياكم الله!.) ‏
فتردد القوم… وامتنعوا عن الاكل… لكن عبد العزيز الجبان الغادر سّل سيفه وأعلى صوته عند الطعام ‏قائلاً: (اقسم بالله أن أي واحد منكم لا يأكل سوف يسقط رأسه عن كتفه)… فأكلوا.. لماذا فعل هذا الطاغية عبد ‏العزيز فعلته الصهيونية الجنونية هذه؟ (لقد كان يقصد فقط أن يرهب الآخرين بما فعل، وبهذا ينقطع أمل الذين ‏يرجون منه تنفيذ ما وعد به من "اصلاحات" ووعود لمن تعاونوا معه بوضعهم في المناصب).‏
هكذا قال بنفسه. وأعقب ذلك باحتلال القطيف والعقير والجبيل واستولى على بقية المناطق، ثم بدلا من أن ‏يفي بعهده الباطل بتنفيذ ولو "اصلاحات" طفيفة، وضع ابن عمه الشرير الشهير بجرمه وطغيانه (عبد الله ‏جلوي) حاكما على الاحساء مطلق اليدين والقدمين. ‏
فأخذ يبطش بالشعب ويسوق المواطنين سخرة لبناء قصوره ويفرض الضرائب الفاحشة على الفلاحين ‏وأبناء الشعب باسم "الزكاة" و"الجهاد" و"ضريبة الحفاظ على الاشخاص" و"ضريبة الحافظ على الاعراض" حتّى ‏أن هذا الطاغوت أرغم عدداً كبيراً على بيع أولادهم وبناتهم في سوق الرقيق ليسدد (بقيمة الاولاد) هذه ‏الضرائب السعودية الفاحشة المجرمة. ‏
وممن ارغموا على بيع بناتهم شخص اسمه ـ ابن داوود ـ… ومما هو مشهور عن ابن جلوي أنه يرسل ‏عبيده إلى بعض المواطنين لجبي الضرائب منهم وإذا ما قابلهم الشخص المطلوب في الطريق العام ولم يكن في ‏جيبه شيئا واعتذر… أوقفوه في مكانه وخطوا دائرة من حوله في الأرض، واقسموا له بقتله لو برح هذه ‏الدائرة… ويقف الشخص مكانه (لا يبرحه) حتّى يرسل من يأتيه بمطلب العبد السعودي أو يعطي العبد مفاتيح ‏بيته ليذهب العبد الآخر ويفتش البيت ويأخذ ما يعجبه منه ثم يعود إلى المواطن المحبوس في الشمس ضمن ‏الدائرة المخطوطة ويسلمه مفاتيحه ويضربه بالسيف على صدره أو رأسه… أما إذا لم يجد العبد شيئا لا في ‏جيب المواطن ولا في بيته ولم يكن له أولاد يستوفيهم ابن جلوي أو يبيعهم فيقتاد المحبوس من الطريق إلى ‏السجن ولن يخرج المواطن إلا بعد أن يبيع ابنه أو بنته أو يقدم ابنه أو بنته أو يعمل مجاناً في القصور لمدة ‏سنة أو يتبرع عنه مواطن آخر.. مقابل تسديد الضريبة السعودية إلى الحاكم بأمر الله!…
ونورد على سبيل المثال لا الحصر اسم المواطن الفقير السقاء (بائع الماء) محمد الدحيم من محلة الرقيات ‏بالاحساء الذي أرغمه ابن جلوي على بيع بنته ليسدد له ضريبة "الجهاد المربوع" ومعنى "الجهاد" أن العصابة ‏السعودية "تجاهد" لبناء قصورها وحماية نفسها بهذه الاموال… أما معنى "المربوع" فهي أن العصابة السعودية ‏تأخذ ضعف الضريبة اربع مرات كل سنة وأحيانا كل شهر وأحيانا كل اسبوع… المهم أن يدفع المواطن الفقير ‏اربع مرات في السنة.. والهوى السعودي هو التشريع… وليس هنا من اجراءات تسليم واستلام أو سجلات ‏تثبت أن آل سعود قد استلموا شيئا من المواطن الذي لا يقبل قسمه ولا عذره ولا شهادة فقره… وقصة أخرى ‏للمواطن علي بن صالح الذي جاء ليثبت أنه لا عمل له ولا مورد ولا أطفال يبيعهم أو يرهنهم لتسديد ما فرضه ‏ابن جلوي عليه من ضرائب بحجة حماية عرضه من الكفار!، فأمر بن جلوي بربطه من يديه ورقبته بحبل إلى ‏مؤخرة حصان ركبه أحد العبيد وأخذ يجره في الطرقات حتّى مات بعد اربع ساعات من الجر… ‏
وهناك الوان أخرى من "جهاد" آل سعود في سبيل الله… فقد وهبوا مساحة أرض شاسعة تملكها البلدية ‏لرجل دينهم الشيخ عمر بن حسن آل الشيخ فباعها إلى البلدية نفسها بملغ مائة ألف ريال… وكذلك أرض ‏الزقيقية التي استولى عليها أحد "زقّان" آل سعود ابناء الملك وراح يبيعها للمواطنين… وكذلك قصر الملك الذي ‏أشاده في الرقيقة 40 مليون ريال واستغرق بناءه ثمان سنوات دون أن يعمل به أي عامل من عمال الجزيرة ‏العربية.‏
وصرح الملك بعد ذلك بقوله: (انني اشيد هذه القصور لأطمئن الشعب أنني أعيش إلى جواره ولا أستخدمها ‏إلا لمصاهرتنا مع الشعب وأعراسنا في هذه المناطق)… ‏
انها أمثلة ـ مجرد أمثلة ـ عن جرائم آل سعود التي ليس لها مثيل … وقد صادر آل سعود الكثير من ‏أراضي الفلاحين ونخيلهم، في أماكن كثيرة من الاحساء منها: الحقل والعمار والشراع والشهيبي وأبو اسحيل ‏والشطيط والسحمية والقرين، وبستان الدليقية في الهفوف وبساتين المهرام والصقيهية والفاخرية الذي استولى ‏عليها آل جلوي قهرا وأهدوا بعضها للشيخ علي بن ثاني وعدد من شيوخ قطر.‏
وأخذ آل سعود يثيرون الفتن السعودية بين أبناء السنة وأبناء الشيعة ويهدمون مساجد أبناء الشيعة، ولا ‏يقبلون شهادة الشيعي ولا صلاته ولا صيامه، ولا يصلون عليه إذا مات ولا يصلون خلفه ولا يشربون من الماء ‏الذي يشرب منه ولا يأكلون منه طعامه، بينما يبيح تجار دينهم طعام المستعمرين الانكليز والامريكان واسرائيل ‏التي تمتلئ قصورهم بأطعمتها… ومع ذلك يدعون أنه لا يوجد عدل في الدنيا إلا العدل السعودي، ولا يوجد أمن ‏في الدنيا إلا أمن سلالة القينقاع السعودية… ‏
وهذه عينات وبينات من أمنهم السعودي المزعوم: ‏
‏1 ـ هناك أكثر من مليون مواطن من الاحساء والقطيف نزحوا للعراق وأكثرهم من البصرة والزبير، هرباً ‏من الظلم والفتك والنهب السعودي.‏
‏2 ـ جاء إلى جلاد مناطق الاحساء مواطن يدعى سعيد الفياض يشكون إليه أن جملا يملكه (علي العجمي) ‏قد أكل شيئا من بلح نخله، فأرسل ابن جلوي يطب "المدعى عليه" ولما مثل بين يدي ابن جلوي أصدر التشريع ‏الآتي: ‏
‏(يبقر بطن الجمل فإذا وجد فيه البلح وجب أن تقطع يد المدعي عليه وينحر وإذا لم يوجد البلح فان قطع ‏اليد سيكون من نصيب المدعي (سعيد الفياض) بالاضافة إلى تغريم المدعي ثمن الجمل للحكومة (أي لأبن ‏جلوي).
فاعتذر المدعو سعيد الفياض وتنازل عن الدعوى لأنه من الطبيعي أن لا يكون للبلح أي أثر في بطن ‏الجمل بسبب هضمه اياه لمضي مدة طويلة على أكله البلح… ولكن الجلوي لم يقبل هذا التنازل.‏
فأمر ببقر بطن الجمل وبالطبع لم يجد أثراً للبلح، فأمر بقطع يد المشتكي مع تغريمه قيمة الجمل!، فحاول ‏المشتكي أن يسترحم ابن جلوي ليعفيه من قطع اليد لأنه هو صاحب الشكوى على أن يكتفي الجلوي بتغريمه ‏أضعاف قيمة الجمل.
ولكن الجلوي أصر على قطع يد المدعي، وكرر المدعي ترحّمه وتوسلاته للجلاد "بأن يدفع للجلوي أرضه ‏ونخيله قيمة ليده" ولكن ابن جلوي اصر على قطع يداه!.‏
فقطعت يد الشاكي سعيد الفياض من أجل حفنة من بلحه أكلها جمل المشكو عليه علي العجمي ولم يعثر ‏عليها في بطن بعيره.‏
والمعلوم أن الاثنين الشاكي والمشكو عليه من قبيلة العجمان وهي من قبائلنا الشجاعة المعادية للسعوديين ‏وهي التي قتلت "فهد بن جلوي" ابن الطاغية عبد الله الجلوي وشقيق الطاغية سعود الجلوي… ومن هذا يظهر ‏القصد السعودي الاستعماري خلف هذا الارهاب… ان القصد هو الانتقام من هذه القبيلة والايقاع فيما بينها ‏والبطش بها تحت أي عذر أو سبب أو وسيلة لتحطيم المواطنين… وقد قدر ما قتله الاحتلال السعودي وجزاريه ‏في مقاطعة الاحساء والقطيف والجبيل بستين الف مواطن ومعظم القتلى من ابناء القبائل.. ثم مات هذا الجلاد ‏السعودي عبد الله بن جلوي الذي أقطعت له منطقة البترول الكبيرة هذه بما فيها من مواطنين ومزارع وغابات ‏وعيون جارية… ‏
كيف مات الطاغوت؟ ‏
لقد مات هذا الطاغية بأتفه الأسباب المضحكة… مات بقرصة من "جعل" عضه بين خصيتيه!.‏
والجعل هو "ابن عم الخنفساء!".. مات بعد أن بذل جهده الجهيد في ممارسة جنسية ارتكبها في سطح قصره ‏وكان الوقت صيفا فأدركه التعب ونام على ظهره بقاذوراته كاشفا عورته للهواء الطلق.‏
فحامت حول شرجه جماعة من الجعلان، لدغه بعضها بين الخصيتين فهّب يصرخ ويستصرخ العبيد… ‏وورمت خصيته في الحال وتقيحت في اليوم التالي واستدعي إليه عدد من المشايخ "ومحضري الجن"!… ‏
لتلاوة التعاويذ حول شرجه وخصيتيه والدعاء لها بالشفاء… وحينما لم ينفع الدعاء… إستدعي طبيب ‏امريكي من البحرين اسمه (الدكتور ديم) وبعد فحصه له قال الطبيب: (ان سموه مصاب بارتفاع شديد ومزمن ‏في مرض السكر وان عضّة الجعل لخصيان سمّوه هذه قد تحولت إلى "غرغرينا" وأنه لابد من بتر خصيتي ‏وقضيب سموه على عجل وإلا تآكل لحم جسمه كله)!.. ‏
فرفض الملك عبد العزيز كما رفض المصاب نفسه عبد الله بن جلوي ان يقطع الطبيب "هيبة الحكم" فالحكم ‏السعودي قائم على الاعضاء التناسلية… واستمر علاج مشايخ الدين السعودي لشرج الطاغية بالتفال ‏والتعاويذ!… واستمرت "الغرغرينا" تفتك في شرجه واسفله لتثأر لعشرات الآلاف ممن قطع الطاغية أيديهم ‏وأرجلهم ورؤوسهم وأوصالهم… ومات الطاغية… وكاد الجعل يقدس لهذا الفعل الجليل..
إذ بدأ دعاء الناس المظلومين يتعالى بالهتاف "للجعل" أطال الله عمر الجعل الحقير الذي فعل ما عجز عن ‏فعله البشر السوي، البشر الذي لم يكن وقتها يصّدق ان مثل هذا الطاغية المسمّى بشيخ الظلمة عبد الله بن ‏جلوي يموت بقرصة من شيخ الخنافس ـ الجعل ـ … ‏
حتّى الطاغية الاكبر عبد العزيز آل سعود لم يصدق ما حدث لأبن عمه حينما أبلغ بما حدث إلا بعد أن ‏كشف بنفسه على شرج ابن عمه عبد الله بن جلوي فأمر بدفنه… ‏
لكن عبد العزيز لم يتعظ بمصير الطغاة فاقتطع مناطق الاحساء والقطيف والجبيل والمناطق البترولية لجلاد ‏أقذر منه تعلّم فنون البطش والرذيلة في أحضان والده شهيد الجعلان… انّه الطاغية سعود بن عبد العزيز ‏الجلوي… والجميع من عائلة آل سعود… فأخذ الابن عن والده سيرته القذرة، بل أقذر، إذ أصبح الخلف أشر ‏من السلف.. ‏
بحيث لا يمكن للقلم بهذه السرعة أن يحصي مآسيه وآثامه، وانما أردت بذلك التنويه عن بعضها فقط فهي ‏لا حصر لها ولا عدد و"مشروعاته في فن الاجرام كثيرة… ‏
أول تلك المشروعات اصداره الاوامر بقتل 82 "عبدا" من عبيد والده، عشرة منهم قتلهم بتهمة التآمر على ‏حياته… ‏
أما القسم الاخر فلا تهمة لهم، إلا أن احدى جواري الجلاد الجديد سعود الجلوي الصقت بأحدهم تهمة ‏معاشرتها… وبدأت القصة كما يلي: ‏
لقد حملت احدى الجواري من ابنه عبد العزيز (شهيد الخمّارة ـ الذي قتله الجزائري عام 1963 في ‏الخمارة الفرنسية بباريس عندما ذهب لباريس برفقة الملك سعود) فسأل سعود الجلوي ـ الجارية ـ عن مصدر ‏ذلك الجنين ولم تجرؤ أن تعترف بأن ابنه عبد العزيز قد اغتصبها وهددها بالقتل فيما لو أخبرت والده.‏
فادعت الجارية (انها كانت نائمة فهجم عليها واحد من العبيد في ظلمة الليل وكتم أنفاسها وصوب مسدسه ‏إلى رأسها وبهذه الطريقة اغتصبها ولم تجرؤ ساعتها أن تخبر سعود لخشيتها منه أن يفسر الامر على أنه حدث ‏بموافقتها)!… ‏
فسألها سعود الجلوي هل تعرفين العبد؟… قالت: "لا أعرفه لقد تم كل شئ في الظلام"…
قال اذن فلينفذ هذا التشريع: (تقتل المرأة وجنينها، ثم يسجن كل العبيد الذين يسكنون القصر في سجن ‏الاحساء "الدباب" ويتركون بلا طعام ولا ماء حتّى يموتون جوعا وظمأ).. وبموجب هذا التشريع السعودي ألقي ‏القبض على 82 انسانا ممن جعل منهم الظلم والطغيان والتشاريع الطاغوتية "عبيداً" فزج بهم في السجن وماتوا ‏بهذه الطريقة الفاحشة الوحشية… ‏
وفي هذا الاثناء: اتفق عدد من العبيد الذين لم يعتقلوا بعد على القيام بثورة على هذا الطاغوت وقتله هو ‏وعائلته وقالوا: ان نجحنا فقد نلنا شرف قتل هؤلاء الاشرار وان قُتلنا فقد نلنا شرف الاستشهاد وما هذه الحياة ‏الا عبودية لنا وعار عليها… ‏
وكان يقودهم ـ يماني ـ مستعبد أطلقوا عليه اسم "مريزيق" ولكن الطاغية سعود الجلوي اكتشف الخطة ‏قبل نجاحها وأحضر الارقاء وعددهم عشرون واحدا وطلب منهم أن يقتل كل واحد منهم الاخر حتّى يفني ‏بعضهم بعضا.. وكان منظراً بطوليا مؤثرا حيث رفض العبيد أن يقتل بعضهم بعضا… ‏
وأدخل هؤلاء الابطال إلى سجن الاحساء مقيدين بأثقال الحديد ومنعوا عنهم الطعام والماء ثم أحرقوهم ‏بالنارأحياء…‏
واستشهد الابطال الذين يسمونهم عبيدا… بينما بقي العبيد آل سعود والسعوديين الاحياء… ومن ذلك الوقت ‏سمي سجن الاحساء باسم "سجن العبيد" وهو عبارة عن مقبرة للاحياء تحت الأرض تضم عظام البشر وقد قتل ‏فيه معظم الزعماء الثائرين بهذه الطريقة، ويضرب أبناء الشعب المثل المعروف في هذا السجن بقولهم (داخله ‏مفقود وخارجه مولود)… ‏
ومن تشاريع هذا الطاغية (سعود بن الطاغية عبد الله الجلوي) التشاريع الاتية: ‏
ألقى سعود الجلوي القبض على عامل يدعى جربوع الجبيلي بتهمة عدم اطاعة اوامر (السيكيورتي) في ‏الوقوف.‏
و"السيكيورتي" هو بوليس الامن الامريكي بشركة أرأمكو، وزج بالعامل جربوع في السجن، ومن سوء حظ ‏جربوع الجبيلي انّه وجد إلى جانبه في السجن شخصاً آخراً يشاركه في الاسم الأول أيضاً ويدعى جربوع ‏السبيعي، وقد اتهم الاخير بطعن أحد الامريكان بخنجره.. ‏
فأمر سعود الجلوي بقطع يد جربوع السبيعي الذي طعن الامريكي غير أن "عبده" الجزار المدعو (خسارة) ‏أساء الفهم فقطع يد جربوع الجبيلي الذي رفض اطاعة أمر الامريكي، وما أن عاد العبد إلى سيده حتّى أمره بأن ‏يعود ثانية ليقوم بجلد جربوع الجبيلي المتهم بمعصية أوامر بوليس الامن الامريكي، ولما أخبره "عبده" خسارة: ‏بأنه قد قطع يد المذكور…‏
رد عليه سيده سعود الجلوي بكل برود: (هذا هو ما كتبه الله لهذا الجربوع ـ اذن اذهب يا خسارة واقطع ‏يد الثاني جربوع السبيعي..)‏
فنفذ العبد الجلوي خسارة أمر سيده وبذلك قطعت ـ يدا ـ الجربوعين ـ جربوع الجبيلي وجربوع ‏السبيعي… ان هذه القصة من قصص الاحتلال السعودي وأمنه المزعوم الذي يتشدق به بعض المأجورين من ‏كتاب وشعراء زيفوا تاريخ شعبنا العربي الثائر وليقرأ الذين زيفوا تاريخنا قصة أخرى من قصص احتلال ‏السعوديين وتاريخهم الملعون: ‏
جاء إلى سعود بن جلوي أحد المواطنين يخبره (أنه عثر على كيس من البن في صحراء الدهناء وان ‏الكيس لا يزال هناك موجودا في صحراءه فأحببت اطلاعكم عليه يا أمير حتّى تتمكنوا من انتشاله قبل أن تدفنه ‏الرمال) فسأله سعود بن جلوي عن الوسيلة التي جعلته يعرف بها انّه كيسا من البن أو غيره؟.‏
فأجابه المواطن البدوي الشريف أنه لمس الكيس بقدمه.‏
فقال ابن جلوي: أي قدم هذه لمست بها كيس البن؟ قال البدوي: لمسته بقدمي اليمنى..، فأمر ابن جلوي ‏بقطع قدمه اليمنى.. والغريب ليس هذا!.. بل الغريب في الامر أن هذا المواطن الشريف كان يضحك أثناء ‏عملية قطع رجله اليمنى وهو يردد باستمرار "الحمد لله الحمد لله ما دفع الله كان أعظم!".. ‏
ولما سئل المواطن عن سبب هذا التحميد الزائد والضحك بينما العبيد يقطعون رجله قال المواطن: (انني ‏أضحك على شر البلية .. وشر البلية ما يضحك، أضحك ‏
أولا ـ على هذا الحكم المضحك السعودي وأقول أن هذا العمل هو عمل اليهود بعينه وليس من فعل العرب ‏والاسلام أبدا… واضحك ‏
ثانيا ـ على الناس الذين يظلمون "قراقوش" عندما يتندرون بحكمه ولا يتندرون بحكم آل سعود بدلا من ‏حكم قراقوش، وأحمد الله أيضاً.. أحمده على قطع رجلي فقط… لاني لم أغلط وأقل لابن جلوي بأنني لمست ‏كيس القهوة برأسي لكيلا يقطع رأسي… ولكنه عمل اليهود)… ‏
وقصة أخرى نسقوها لشعراء المديح ومزيفي التاريخ، وكذلك نسوقها لذوي الضمائر الحية والميتة:‏
فقد أحد الامريكان قلمه فاتهم به عامل يدعى محمد العتيبي فاقتادته شركة أرامكو الاستعمارية إلى ابن جلوي ‏وقطعوا يده في الحال مع نفيه عن المنطقة حيث مات في الطريق وفي اليوم التالي وجد الامريكي المجرم قلمه ‏في جيب قميصه الثاني… ‏
وكانت تلك المهزلة واحدة من تسالي الامريكان المضحكة حول أكواب الويسكي المتجاوبة مع هزات رقصة ‏الروك اندرول في "امريكان سيتي" (المستعمرة الامريكية) وواحدة من مهازل الامن السعودي الامريكي ‏المزعوم… ‏
وهذه حكاية أخرى تفضح مزاعم الدجالين عن الامن السعودي المزعوم… اسمعوا الحكاية.. الغصة: ‏
وجد راع من أبناء ـ قبيلة المرة ـ عند مرعى غنمه لوحا مركوزا من قبل رسل شركة ارامكو في أرضنا ‏العربية عن البترول العربي فأخذه الراعي العربي ليهش به على غنمه، فقابله أحد الامريكان وعرف أن اللوح ‏الذي لا يزيد طوله عن أربعة أقدام فقط، هو من العلامات الكثيرة التي تركزها شركة أرامكو وتملأ بها أرضنا ‏كعلامات مميزة لملكية شركة أرامكو الاستعمارية لارضنا الشاسعة الواسعة، فاقتاد الامريكي الراعي العربي إلى ‏أقرب مركز للشرطة السعودية حيث كتبوا إلى ابن جلوي على قطعة من روق اللف أسموها معاملة كتبوا عليها ‏كلمة تقول"بأن الراعي سرق اللوح من شركة أرامكو"، فجاء الرد الجلوي في الحال "لاجراء اللازم حسب ‏النظام، اقطعوا يد السارق، مع تغريمه خمسمائة ريال كثمن للورق وخدمة للمعاملة وأتعاب لعبدنا الذي قطع يده ‏ورد اعتبار لشكة أرامكو وضيوفنا الامريكان"… ‏
أيها الناس: هكذا نعيش في حكم الاحتلال السعودي، هكذا يعيش الفرد مجردا من أبسط الحقوق الانسانية، ‏حيث لا توجد قوانين تشكل ضمانا لحماية حقوق الوطن والمواطنين وصون الكرامة والقيم الإنسانية المهدورة، ‏طغيان بلا أنظمة إلا القرآن الكريم الذي جنوا عليه هو الآخر مثلما جنوا على شعبنا وحرفوا آياته الكريمة ‏تحريفا واضحا عن حقيقتها الإنسانية التي نادى بها محمد كهدي للناس ونذيرا للطغاة الظالمين وحربا شعواء ‏على الملوك وبني صهيون أينما كانوا حيث أخذوا يحرفون القرآن الكريم لصالح فسقهم وفسادهم رغم أن القرآن ‏الكريم يصرخ في وجوه الطغاة قائلا: ‏
‏(السارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاء من الله نكالا بما كسبا) وهذه الآية القرآنية الكريمة لا تعني أن ‏تقطع أيدي أبناء الشعب الكريمة وانما يعني أن تقطع أيدي الملوك والامراء وأيدي الحكام الخونة الذين يسرقون ‏الملايين من أفواه الملايين… ‏
يسرقون الشعب كله وحرياته كلها ويعتدون على كل حرماته، وهذا ما جعل النبي محمد عليه السلام يرفض ‏وساطة من توسطوا لاحدى الاميرات والامراء الاغنياء عندما سرق الامير قائلا عليه السلام (والله لو أن فاطمة ‏بنت محمد سرقت لقطعت يدها فاقطعوا يدا هذا النبيل) وقال ما معناه (لقد كان من سبقكم من الكفار يتركون ‏أيدي النبلاء تسرق ويقطعوا أيدي الفقراء). ‏
كما شرع عمر بن الخطاب بقطع يد أحد النبلاء حينما جاءه يشكو إليه أن عاملا عنده قد سرق بعيره فقال ‏عمر (أطعموا عمالكم مما تطعمون لو لم يكونوا جياعا لما سرقوا).‏
ومع ذلك فهناك شئ ربما يخفى على الناس. ‏
وهو أن عصابة الاحتلال السعودي تعتبر عضو في الجامعة العربية وعضو في الامم المتحدة ولها مكتب ‏دائم لدى هيئة الامم ينفق عليه 50 مليون دولار سنويا ولها مندوب في هيئة الامم يتقاضى 50 ألف دولار ‏صافية مهمته الصراخ في أمريكا بالدعاية للاستعمار السعودي.‏
وما سبق ذكره أمثلة فقط على ما حدث ويحدث في الاحساء العاصمة وفي القطيف والجبيل ودارين وبقية ‏أجزاء المنطقة الشرقية وكل أنحاء البلاد التي انخدع بعض كبارها آنذاك بالدخول في جنة آل سعود الموعودة، ‏التي كان يعدهم ويمنيهم بها وما يعدهم الشيطان إلا غرورا… ‏
ولكنهم قبلوا الدخول تحت حكم ابن السعود لانهم ظنوا أن حكمه سيكون كما وعد به وعاهدهم عليه "أصلح" ‏حكما ممن كانوا يحكمونهم من أمراء ومشايخ وعثمانيين يسلبون أرزاقهم ويعتدون على حرياتهم، كما رأوا أن ‏هذه المناطق القريبة من الساحل قد أصبحت عرضة لانواع من القراصنة والغزاة وظنوا أنهم بانضمامهم لابن ‏السعود سيكون لهم دولة كبيرة قوية تقدمية موحدة يعيشون في رحابها في بحبوحة من العيش الكريم محافظين ‏على حرياتهم ومعتقداتهم بعد أن أرسل لهم ابن السعود من يفاوضهم على هذا باسمه ويقسم لهم أغلظ الايمان… ‏
وكان الانكليز حتّى تلك الايام لم يروا جدوى الكشف عن وجوههم كثيرا خوفا من (جيش الاخوان) الذي ‏لقنه تجار الدين السعودي الوعاظ بأمر من الانكليز أنفسهم (بأن جميع حكام وشعب الجزيرة العربية والبلاد ‏العربية الاخرى كفارا) وكما هو معروف، كان اتصال الانكليز بعبد العزيز بن السعود يجري بواسطة جون ‏فيلبي ورجال بعثته الذين أصبحوا من رجال الدين والقضاء السعودي بعد أن أطلقوا ذقونهم وأشهروا اسلامهم ‏زيفا وأخذوا يصلون أكثر من الحد المعقول، وأحيانا يجري الاتصال الانكليزي بواسطة أعضاء (مجلس الربع) ‏ذوي الالسنة والسحن العربية والضمائر الميتة الانكليزية، أمثال حافظ وهبة ويوسف يس، ولكنه ما أن بقيت ‏سواحل الخليج العربي مفتوحة بعد التسلط السعودي على مناطق الاحساء والقطيف والجبيل ودارين حتّى رأى ‏الانكليز أنه لا داع للاختفاء كثيرا بل يجب الوقوف علانية لحماية هذه العصابة السعودية واعطاءها (صفة ‏الدولة) بعد أن خرج الاتراك حتّى لا يعودوا وخاصة بعد أن رأى الانكليز أن الاتراك قد شنوا حملة على عميلهم ‏عبد العزيز من ميناء العقير فخشي الانكليز أن يعاود الاتراك حملتهم بقوة أقوى، لهذا لابد من ردع الاتراك، ‏فأرسلوا عددا من البواخر الحربية الانكليزية إلى ميناء العقير والجبيل وسواحل القطيف والاحساء ودارين ‏وانزل عدد من الانكليز في المراكز الحساسة وأكد الانكليز للاتراك أنهم سيحمون ابن السعود بأي شكل من ‏الاشكال. ‏
وساعد على صد الاتراك اندلاع الحرب العالمية الاولى عام 1914 م وزج الاتراك بأنفسهم يخوضون ‏غمارها مع الالمان حيث أنهكت قوى الاتراك. ‏
ولكن الانكليز رأوا أن مجرد المناصبة العادية مهما كان حجمها الكبير لا يجدي وانما لابد من اعلان الحماية ‏لآل سعود بصفة رسمية أمام العالم ليبقى لهم حق الحماية "المشروعة" وانجاح هذا الذلول… ‏
فتوجه الكولونيل السير برسي كوكس المعتمد البريطاني في سواحل الخليج العربي سنة 1915 حيث قابل ‏الامير عبد العزيز بن السعود في مخيم العقير لاول مرة ‏. ‏
ويقول الكولونيل برسي كوكس (لقد كانت أول مرة لي أقابل فيها أميرنا عبد العزيز بن السعود، ولقد ‏أعجبت به ولم يخب ظن أحدنا بالآخر وقلت له: انك شخصية قوية يا عبد العزيز.‏
فرد عبد العزيز بقوله: أنتم الذين كونتم لي هذه الشخصية وهذا الجاه ولولا بريطانيا العظمى لم يكن يعرف ‏أحد أن هناك شيئاً اسمه عبد العزيز آل سعود، لولاكم كنت أقيم لاجئا في الكويت، انني بكم وصلت إلى لقب ‏الامير عبد العزيز بن سعود وسوف لن أنسى لكم هذا الفضل مدى حياتي وسأبقى لكم خادما مطيعا منفذا لما ‏تريدون) ويقول جون فيلبي الذي حضر هذا الاجتماع: ورد السير برسي كوكس قائلا: (نحن لم نمنحك لقب ـ ‏أمير ـ فقد كنت أميرا بطبيعتك أما اللقب الذي سأقلدك وسامه الآن باسم بريطانيا العظمى فهو لقب ـ السلطان ‏عبد العزيز سلطان نجد والاحساء والقطيف والجبيل)… ‏
فقلده وسام السلطنة البريطانية ـ وقال: وفي المستقبل القريب سنقلدك وسام سلطنة حائل بعد القضاء على ‏خصومنا ثم سلطنة الحجاز ونجد لتصبح سلطان نجد والحجاز وملحقاتهما ثم نجعل منك ملكا بعد تسليمك عسير ‏وبعض الامارات الاخرى لنطلق عليها اسمكم فتصبح (المملكة السعودية) ـ وهنا استفسر عبد العزيز وهو يقبل ‏جبين الكولونيل كوكس ويده اليمنى ترتعش من شدة الفرح ويردد: ـ (الله يقدرنا على خدمتكم الله يقدرنا على ‏خدمة بريطانيا ـ ماذا تعني بالامارات يا سيدنا برسي)؟… ‏
فتكلم المستشار عبد الله الدملوجي مسابقا الكولونيل بقوله: ان الكولونيل ـ يعني بالامارات الاخرى مثل ‏البحرين والكويت وقطر والشام وفلسطين والعراق واليمن ـ فقاطعه السير برسي كوكس بكلمة حاول فيها اخفاء ‏ملامح الغضب من وجهه بابتسامة استخفاف قائلا: كلا…. كلا… انّما أقصد: نجد وحائل والحجاز والاحساء ‏والجوف، لاننا لا نضمن وقوف آل رشيد أو استمرار الحسين بن علي معنا، ولذلك سننقل الحسين بن علي ‏لتعيينه إذا أراد وأولاده ملوكا على العراق وسوريا، ولكننا نعتقد أن الحسين سيرفض الاستجابة لتعيينه في ‏منصب أصغر مما يتخيله في عقله وحينها سنضطر إلى نفيه بعيدا، أما أولاده فنتوقع موافقتهم، أما امام اليمن ‏فنحن نمده الآن لمحاربة الاتراك في اليمن وسنضع حدودا لكل من ممالككم ونحن نحارب توحيد البلاد العربية ‏تحت حكم رجل واحد حتّى ولو كان ملكا لأن هذا ليس في صالح بريطانيا، فالتوحيد سينتج عنه ذوبان الاقاليم ‏وتلاشي التبعيات وبذلك يصبح العرب قوة كبرى تقف في وجه مصالحنا المشتركة، كما أن وضع البلاد العربية ‏تحت حكم شخص واحد سيضعف هذا الشخص في يوم من الايام فتحدث بعد ذلك ثورات قد تؤدي إلى قيام ‏جمهورية عربية واحدة، ثم أن عندنا الان مشكلة اليهود وفلسطين، اننا نريد حسمها لنمكن اليهود من العيش ‏بسلام في وطن لهم بعد هذا التشرد الطويل، ونريد أن يساعدنا ملوك العرب بصفتهم يمثلون الشعوب العربية ‏التي ستعارض فكرة اعطاء اليهود أرضا في فلسطين، فما هو رأي السلطان عبد العزيز؟… ‏

فاستفسر عبد العزيز عن رأي السير كوكس بقوله: (ماذا تعني بهذا الكلام؟…) ‏

فخشي السير كوكس من أن يكون عبد العزيز بسؤاله هذا قد استاء من موضوع ايجاد اليهود في فلسطين، ‏فرأى أن يمهد لما يريد من عبد العزيز اجابة عليه، فقال السير كوكس: (انني واثق منك يا عبد العزيز بأنك ‏سوف لا ترد لنا طلبا وان الحياة كلها مصالح مشتركة، فلولا مصالح بريطانيا لا يمكن لنا أن نساعدك يا عبد ‏العزيز. ‏

ولو لم تكن أيها السلطان موضع ثقة منا لما دعمناك وحاربنا من أجلك والذي أريد أن أقوله هو هل يمكن ‏فيما لو طلبنا منك أن تعترف لنا بجعل فلسطين وطنا قوميا لليهود أن نطمع بالموافقة؟، أعتقد أن في هذا ضمانة ‏لبقائك كما هو من صالح بريطانيا أن يكون لليهود كيان ووطن، وما هو صالح لبريطانيا لاشك في صالحك.. ‏

ويتابع جون فيلبي قوله: فضحك عبد العزيز ساخرا من هذا الطلب.. وألقيت نظرة فاحصة على وجه ‏الكولونيل كوكس وإذا به قد امتعض… لا شك أنه خشي مثلما خشيت أنا أيضاً أن تكون ضحكة السلطان عبد ‏العزيز الساخرة بداية للخروج عن الطاعة ورفض الطلب الذي لم يسبق للسير كوكس أن تفوه به لاحد قبل عبد ‏العزيز بل لا يمكن أن يتفوه به السير كوكس لو لم يكن مكلف في بحثه في دائرة المخابرات العامة في لندن ‏وبذلك توقعنا تلك اللحظة أن نخسر عبد العزيز ويخسر هو نفسه ويكون لورنس قد انتصر في اصراره على ‏رأيه القائل بأن ـ الحسين بن علي ـ كان أصلح لبريطانيا من عبد العزيز ابن السعود… ‏

ولكن سرعان ما تبددت أوهامنا وتحقق صواب رأيي في صاحبي العزيز عبد العزيز الذي طالما دافعت ‏عنه.. قال السير كوكس بسخرية: لماذا تضحك من قولنا يا عظمة السلطان عبد العزيز؟!‏

فرد عظمته قائلا: شئ مضحك فعلا!. شئ مضحك ان تطلبون مني أن أوافق على اقامة وطن لليهود في ‏فلسطين ـ بينما اليهود موجودين في فلسطين فعلا والانكليز يحكمون فلسطين فعلا وبامكان الانكليز اعطاء ‏اليهود ما يشاؤون من هذه الأرض التي يحكمونها، هذا ما يضحكني ويضحكني أيضاً أن ينشئ الانكليز ممالك ‏وملوك وسلاطين ومع ذلك يطلبون أخذ الموافقة ممن أقاموهم بأيديهم من هؤلاء السلاطين والملوك، ثم أضحك ‏أيضاً مماذا يستفيد الانكليز من موافقة واحد مثلي يرجو عون الانكليز ويمد اليهم يده كل شهر ليتقاضى معاشه ‏من الانكليز ويستطيع الانكليز رفع مرتبه أو تخفيضه أو قطعه واسقاطه شخصياً أو انجاحه؟!.. قال كوكس: ان ‏ما تقوله يا عظمة السلطان كله صحيح، ونحن لم نمنحكم ألقاب السلاطين والملوك ونمدكم بالعون والنجاح الا ‏لتكونوا ممثلين للشعوب العربية وبذلك يكون لاعترافكم قيمة وشرعية فأنتم محسوبون من الانكليز ووجود ‏الانكليز أو إسرائيل في فلسطين أو أي بلد عربي يعتبر انتهاكا لحرمة هذا البلد، هذا ما يقال وما هو واقع اليس ‏كذلك يا عظمة السلطان؟… ‏

فرد عبد العزيز قائلا: نعم… لا شك… وإذا كان لاعترافي هذه الاهمية عندكم فأنا أعترف ألف مرة باعطاء ‏اليهود وطنا في فلسطين أو غير فلسطين، وهذا حق وواقع… وهنا دس عبد العزيز يده وأخرج ورقة صغيرة ‏كانت في جيبه المتدلي من أعلى صدره إلى أسفل بطنه وكتب السلطان بخط يده يقول (أنا السلطان عبد العزيز ‏بن عبد الرحمن الفيصل آل سعود أقر وأعترف للسير برسي كوكس مندوب بريطانيا العظمى لا مانع عندي من ‏اعطاء فلسطين لليهود أو غيرهم كما ترى بريطانيا التي لا أخرج عن رأيها حتّى تصيح الساعة)!… ‏

وصياح الساعة معناه: قيام الساعة... أي القيامة.. ولو كان عبد العزيز يؤمن بقيام القيامة ما قام بهذا ‏العمل.. لكنه السلطان عبد العزيز… صديق بريطانيا الأول…‏

وقال فيلبي: بعد انفضاض هذا الاجتماع أخذت أمازح عبد العزيز متسائلا وقلت: كيف تبصم يا عظمة ‏السلطان بهذا الشكل؟. ‏

ألا تتوقع أن يغضب العرب على عظمتكم فيما لو عثروا على هذه الوريقة؟ فقال باستهزاء: العرب؟!… ‏العرب، وين العرب؟… نحن سلاطين العرب يا حاج فيلبي… لورنس اسمه ملك العرب… وفيلبي اسمه شيخ ‏العرب… ولو انتظرنا رأي العرب ما أصبحنا سلاطين كما ترى… وما دامت بريطانيا راضية فلا يهم ان ‏غضب العرب أو رضوا…. وما دام هذه الورقة عند كوكس فهي في مأمن.‏

قلت للسلطان: ربما يسبب هذا التوقيع تشريد شعب فلسطين بكامله من فلسطين… فرد عبد العزيز علي ‏بقوله وهو يضحك بصوت مرتفع: "ألا ترى أننا قد شردنا من جزيرة العرب الكثير من أهلها وسنشرد الكثير ‏أيضاً وتعلم أننا كفّرنا العرب المسلمين وهم ليسوا كفارا ارضاء لبريطانيا فهل تريد أن اغضب بريطانيا لأن ‏عدداً من أهل فلسطين سيشرد؟… أهل فلسطين لا يستطيعون حمايتي إذا لم تحميني بريطانيا من الاعداء ‏ولتحترق فلسطين بعد هذا… من يعرف أن في نجد شيئاً اسمه السلطان ابن سعود لو رفضت التوقيع أو ‏عارضت أوامر سيدنا كوكس… أنت تمزح والا صادق يا فيلبي؟…" قلت وأنا أبتسم: لا يا عظمة السلطان انني ‏أمزح لأرى ما تقول… وبعد ذلك قرر السير برسي كوكس رفع مرتب السلطان عبد العزيز بعد أن تظلم ‏السلطان من ضآلة مرتبه عن مرتبته، ورفعه من /500/ جنيه استرليني في الشهر إلى/5000/ ومن ثم وضعنا ‏معاهدة للحماية وقعها كل من كوكس وعبد العزيز وهذا نصها: ‏

بسم الله الرحمن الرحيم !‏

‏ هذه معاهدة بين الحكومة البريطانية من جهة، وبين عبد العزيز بن عبد الرحمن بن فيصل آل سعود أمير ‏نجد والاحساء والقطيف وجبيل وجميع المدن والمرافئ التابعة لهذه المقاطعات من جهة أخرى. ‏

الحكومة البريطانية باسمها وعبد العزيز باسمه وباسم ورثته وأخلافه ورجال عشيرته، عينت الحكومة ‏البريطانية الكولونيل السير برسي كوكس معتمدها في سواحل خليج العجم مفوضا لاجل أن يعقد معاهدة مع عبد ‏العزيز ابن عبد الرحمن الفيصل آل سعود ضمن المقصد الاتي. ‏

توطيد وتوكيد الصداقة الموجودة بين الطرفين منذ زمن طويل وتأييد منافعهما المتقابلة: ان الكولونيل السير ‏برسي كوكس، وعبد العزيز بن عبد الرحمن بن فيصل آل سعود ـ المعروف بابن السعود ـ اتفقا وتعاقدا على ‏المواد الآتية: ـ ‏

أولا ـ ان الحكومة البريطانية تعترف وتقبل بأن نجدا والاحساء والقطيف وجبيل وملحقاتها، التي تعين ‏هنا، والمرافئ التابعة على سواحل خليج العجم ـ كل هذه المقاطعات هي تابعة للامير سعود وآبائه من قبل، ‏وهي تعترف بابن سعود حاكما مستقلا على هذه الاراضي، ورئيسا مطلقا على جميع القبائل الموجودة فيها، ‏وتعترف لاولاده وأعقابه الوارثين من بعده، على أن يكون خليفته منتخبا من قبل الامير الحاكم. ‏

وأن لا يكون مخاصما لانكلترا بوجه من الوجوه، أي أنه يجب أن لا يكون ضد المبادئ التي قبلت في هذه ‏المعاهدة. ‏

ثانيا ـ إذا تجاوزت احدى الدول على أراضي ابن سعود أو أعقابه من بعده دون اعلام الحكومة البريطانية ‏ودون أن تمنح الوقت المناسب للمخابرة مع ابن سعود لاجل تسوية الخلاف فالحكومة البريطانية تعاون ابن ‏سعود ضد هذه الحكومة، وفي مثل هذه الظروف يمكن للحكومة البريطانية بمساعدة ابن سعود أن تتخذ تدابير ‏شديدة لاجل محافظة وحماية منافعه.‏

ثالثا ـ يتعهد ابن سعود أن يمتنع عن كل مخابرة أو اتفاق أو معاهدة مع أية حكومة أو دولة أجنبية، وعلاوة ‏على ذلك فانه يتعهد باعلام الحكومة البريطانية عن كل تعرض أو تجاوز يقع من قبل حكومة أخرى على ‏الاراضي التي ذكرت آنفا. ‏

رابعا ـ يتعهد ابن سعود ـ بصورة قطعية ـ أن لا يتخلى ولا يبيع ولا يرهن ولا بصورة من الصور ولا ‏يقبل بترك قطعة أو التخلي عن الاراضي التي ذكرت آنفا، ولا يمنح امتياز في تلك الاراضي لدولة أجنبية أو ‏لتبعية دولة أجنبية دون رضا الحكومة البريطانية، وأنه يتبع نصائحها التي لا تضر بمصالحه. ‏

خامسا ـ يتعهد ابن سعود بأن يبقى الطرق المؤدية إلى الاماكن المقدسة مفتوحة، وأن يحافظ على الحجاج ‏أثناء ذهابهم إلى الاماكن المقدسة ورجوعهم منها. ‏

سادسا ـ يتعهد ابن سعود كما تعهد والده من قبل بأن يمتنع عن كل تجاوز وتداخل في أرض الكويت ‏والبحرين وأراضي مشايخ قطر وعمان وسواحلها وكل المشايخ الموجودين تحت حماية انكلترا والذين لهم ‏معاهدات معها. ‏

سابعا ـ الحكومة البريطانية وابن سعود يتفقان فيما بعد بمعاهدة على التفصيلات التي تتعلق بهذه المعاهدة. ‏

‏3 يناير سنة 1915 ‏

التوقيع الكولونيل السير برسي كوكس ‏

معتمد بريطانيا في ساحل خليج العجم ‏

التوقيع ‏

السلطان عبد العزيز بن عبد الرحمن

‏ آل فيصل سعود خادم الدين والدولة ‏

وبعد.. ليست هذه الادلة والوثائق الدامغة بالمستغربة على الاسرة السعودية وسلالتها عبد العزيز… الذي ‏وصفه خونة المؤرخين بأنه بطل الابطال والموحد الاكبر، وصقر الجزيرة… وتجرأ الشعراء الاجراء إلى ‏تشبيهه بعمر بن الخطاب وخالد بن الوليد… ‏

ثورة العجمان وتأييد الانكليز المطلق لعبد العزيز ‏

أما شعبنا الذي "منحته" بريطانيا لآل سعود بهذه المعاهدة ـ والذي غلب على أمره فانه لم يسكت فقد أصبح ‏الوجه السعودي العميل يتكشف له على مر الايام، واتضح لابناء البادية الاحرار ما يبيته الاستعمار الانكليزي ‏السعودي لهم، فثارت قبيلة العجمان في الاحساء ـ كرد فعل لهذه المعاهدة ـ سنة 1915 ضد الانكليز ومطيتهم ‏عبد العزيز وكالعادة أخذ الخونة السعوديون والانكليز يتهمون قبيلة العجمان الطيبة بالزندقة والكفر والسرقة ‏ولكن الانكليز تغلبوا بقوتهم على العجمان، فالتجأ ثوار العجمان إلى الكويت وبما أن النفوذ التركي كان لا زال ‏آنذاك أقوى من النفوذ الانكليزي فقد وجد الانكليز أن الفرصة مواتية لدفع عبد العزيز بن سعود لمحاربة الكويت ‏دون الاستيلاء عليها… ‏

حتّى يتمكن الانكليز من دفع الكويت إلى أحضانهم، ولكن موت الشيخ مبارك الصباح أخر هذا الهجوم ‏بانتظار ما يفعله جابر بن مبارك الذي تسلم مكان والده فأمر السير برسي كوكس عبد العزيز بن سعود بأن ‏يستغل هذه الفرصة ويتوجه إلى الكويت معزيا الشيخ جابر في والده ومهنئا اياه في منصبه الجديد وموطدا عرى ‏الصداقة وفي الوقت نفسه يفاتح الشيخ جابر بتجنب الاتراك وبالتقرب إلى الانكليز، فأعطى الانكليز باخرة ‏خاصة لعبد العزيز تقله اسمها (جيمو) حيث وصل الكويت بتاريخ 19 نوفمبر 1916 وفي اليوم التالي دعا عبد ‏العزيز إلى اجتماع كبير في الكويت بناء على طلب الانكليز حضره الشيخ جابر الصباح والشيخ خزعل والسير ‏برسي كوكس وعدد من الانكليز والمشايخ ورؤساء العشائر الموالين لبريطانيا. ‏

ووقف عبد العزيز خطيبا في هذا الاجتماع يقول بلهجته (ان الاتراك كفرة مشركين ملاحدة وكل من يتعاون ‏معهم على أنفسهم بالعزلة عن المسلمين لسوء معاملتهم للشعوب وعدم معاملتنا بالانصاف وعملوا دائما على ‏اضعاف العرب وتفريقهم. ‏

أما الانكليز فهم يعملون دائما على جمع كلمة العرب والمسلمين ومساعدتهم على النهوض وواجب كل ‏عربي وكل مسلم أن يتعاون مع أصدقاءنا الانكليز ويحارب أعداءنا الاتراك) الخ… وكان لهذا الخطاب أسوأ ‏الاثر في نفوس أهل الكويت على هذه المقارنة غير الحكيمة وعرف أهل الكويت بلسان من يتكلم هذا الببغاء، ‏وعاد سوء التفاهم من جديد، فأرسل الانكليز مجموعة من قوات عبد العزيز لمهاجمة الكويت فوقعت معركة ‏‏(حمض) سنة 1337 ـ 1919 فنهبوا من الابل والاغنام والذخائر الانكليز.‏

ولم يكتفوا بذلك بل عادوا سنة 1338 هـ 1920 م وهاجموا الكويت وقتلوا عدداً من الآمنين من أبناء ‏الكويت وعرفت هذه المعركة بمعركة (الجهرة) حيث حاصر الجيش الانكلو سعودي الشيخ سالم الصباح وكادوا ‏يأسرونه لو لم ينجده ابن طوالة بقوة من قبائل شمر وكذلك العجمان وبعض القبائل وينهزم جيش الانكليز ‏السعودي، وتوفى الشيخ سالم الصباح عام 1921 وتقهفر الاتراك من الكويت وعاد الصفاء بين بريطانيا وحاكم ‏الكويت الجديد وتوقفت هجمات السعوديين بأمر أسيادهم الانكليز الذين عززوا جون فيلبي بمساعدين له لتوجيه ‏عبد العزيز، وهذان المساعدان هما الميجر كنليف اوين، ‏

والميجر هاملتون ـ (اللورد بلهافن) وكانوا جميعا وعلى رأسهم فيلبي وكوكس يؤيدون عبد العزيز دون ‏غيره من الحكام… حتّى أن كوكس عندما عقد المؤتمر العام لرجال المخابرات البريطانية في الشرق الأوسط، ‏وحضره كوكس نيابة عن مكاتب الخليج التابعة لحكومة بريطانيا في الهند وقد انعقد المؤتمر في القاهرة بتاريخ ‏‏23 مارس 1918، بدائره مكتب المخابرات في القاهرة المسمى "المكتب العربي" تحت رئاسة السير ريجنلد ‏ونجت المندوب السامي في مصر وحضور الجنرال كليتون والكومودور هو جارت والميجر كورنوالس، ‏بحضور الكولونيل سيريل ولسون ممثل الحكومة البريطانية لدى الشريف في الحجاز.. ‏

وقف السير ولسون ممثل الحكومة البريطانية بشدة وحدة بقوله: (مستحيل أن تجد بريطانيا من تستطيع أن ‏تقوده أو تسوقه أو توقفه متى شاءت أو تحركه طوع ارادتها فيتحرك خلاف عبد العزيز بن سعود مهما كثر ‏عملاء بريطانيا… ‏

انّه أخلص المخلصين لنا… ولهذا يجب أن ننهي الشريف حسين من الحجاز. ‏

وأن لا مجال مقارنة بين الشريف حسين وعبد العزيز آل سعود. ‏

وإذا طلب منا الشريف حسين معرفة رأي بريطانيا عن تجاهلنا له فيجب أن نصارحه بالامر الواقع، أما إذا ‏لم يطلب فسنتركه حتّى يتولى مكانه ابن سعود. ‏

والمهم ان نمكن عبد العزيز ماليا وعسكريا لاحتلال حائل فهي الخطر الصامد امامنا بقبائلها قبائل شمر ‏المقاتلة القوية ونقضي على آل رشيد) فرد الكولونيل سيريل ولسون على السير كوكس مؤيدا الابقاء على ‏الشريف مع الانتفاع بالاثنين ـ الشريف وابن السعود ـ ومما قاله: (أنك قد تعلم يا سيد كوكس أن مشيك على ‏قدم واحدة في الجزيرة العربية يتعبك جدا) فرد السير كوكس عليه قائلا: (كلا … أننا سنمشي على قدمين مع أن ‏الإنسان قد يستغني عن واحدة إذا أصيبت بداء فيقطعها.. انني أكدت لكم أن ابن السعود أصلح لنا من الشريف ‏حسين الذي رفض التوقيع أو الموافقة لاقرار وضع اليهود في فلسطين ولهذا نريد أن نرسل ابن السعود لتأديب ‏الشريف حسين واخضاعه لنا، وإذا لم يخضع فسيرى الجميع آنذاك أن استئصاله أصلح لنا مع الاستفادة من ‏أبناءه في أماكن غير الحجاز وتسليم الحجاز لابن السعود)!.. ‏

كان هذا هو رأي السير كوكس في ابن السعود، إلا أن الاغلبية من رجال المخابرات البريطانية الذين ‏حضروا هذا المؤتمر رأوا "تأجيل موضوع ارسال ابن السعود لتأديب الحسين إلى بضعة أشهر حتّى يعاودوا ‏الاتصال مع الحسين لعله يوافق على موضوع حق اليهود في فلسطين"… ‏

ولكنهم عادوا من جديد ونفذوا رأي كوكس (وكوكس ـ يهودي صهيوني) فأخذوا يعدون العدة… وعرف ‏الحسين بن علي بالامر فأخذ يعد هو الآخر عدته لصد العدوان السعودي، فأعد جيشا قوامه 40 ألفا بقيادة ابنه ‏عبد الله، وهكذا رأت بريطانيا التي كانت تمشي على قدمين في الجزيرة العربية أن تركل الهاشميين من الحجاز ‏بقدمها الثانية ـ ابن السعود ـ فأمرته بالزحف على الحجاز وكان جيش الحسين بن علي قد زحف هو الآخر ‏وعسكر في "تربة والخرمة" وهي واحة تقع بين الحجاز ونجد… ‏

وفي ليلة 25 شعبان سنة 1337 هـ ـ 1919 م كانت (مجزرة تربة) الشهيرة… وكانت غدراً أكثر منها ‏شجاعة، فقد وضع الانكليز خطة من أسهل الخطط للقضاء على الـ 40 ألف جندي من جنود الشريف ونجحت ‏الخطة… ‏

والمعروف أن قبيلة عتيبة تنقسم إلى قسمين قسم يعيش في الحجاز ويؤيد بعضه الأشراف والقسم الاخر ‏يعيش في نجد ويؤيد بعضه آل سعود وقائد هذا القسم كان فيصل الدويش، فخطط جون فيلبي لذلك الهجوم ‏وأرسل جنديين من جنود عتيبة نجد ليندسا بين صفوف أبناء عمهم من جنود الشريف حسين من عتيبة الحجاز ‏وأمر أحد الجنديين أن يقف في ميمنة الجيش الهاشمي وان يقف الآخر في الميسرة ويطلق كل واحد منهما النار ‏صوب الآخر، في ظلام الليل تم يصرخ الايمن في الجند الهاشمي النائم ليلا قائلا بأعلى صوته (ارمو… ‏ارمو… جند ابن السعود هجم من اليسار) ويصرح الايسر بالقول نفسه (ارمو… جند ابن السعود هجم من ‏اليمن) فيباغت الجيش الهاشمي ويذبح بعضه بعضا… كما ارسل الانكليز والسعوديون عدداً من الجواسيس ‏السعوديين للتسلل إلى داخل صفوف جيش عبد الله بن الحسين ليبثوا فيه الرعب والتخاذل بل واستطاعوا أن ‏يرسلوا بعض الجواسيس للتسلل إلى المدافع والرشاشات وافسادها وجعلها غير صالحة للاطلاق… ‏

أضعف إلى ذلك أن عبد الله بن الحسين لم يكن هو نفسه صالحا لقيادة الجيوش، لقد كان مترفا مغرورا ‏مستهترا عابثا ولم يعد للامر عدته من التدبير والحنكة… فأغضب كثيرا من القبائل الموالية لابيه وفي مقدمتها ‏عتيبة في الحجاز.. كما أغضب بعض الاشراف من أبناء عمومته وفي مقدمتهم الشريف خالد بن لؤي… ‏واستطاع الانكليز المؤيدين لابن سعود أن يستغلوا هذا الخلاف ويستميلوا الاشراف الغاضبين إلى صف آل ‏سعود كما استمالوا القبائل الغاضبة من الشريف للصف السعودي.. ‏

أما عبد الله بن الحسين فقد جعل كل اعتماده على الجيش النظامي المزود بكل المدافع والاسلحة التي ‏اكتسبها أبوه من تركيا بالاضافة إلى ما كان لديه من بقايا الاسلحة الانكليزية التي كان قد تزود بها عند ثورته ‏على الاتراك "فكبسته" ثلة من البدو الذين "سعدنهم" الانكليز وخططوا لهم وعلى رأسهم الشريف خالد بن لؤي ‏وسلطان بن بجاد فهب الجيش من نومه مذعورا وأخذ يصوب أسلحته إلى نفسه بدون وعي في ظلمة الليل فكان ‏رصاص البنادق وطعنات الخناجر تصيبه نفسه بنفسه وتحصده… ‏

وكان جيش ابن السعود ـ بقيادة جون فيلبي ـ يكمن له من خلف التلال والجبال المحيطة بالوادي ‏الفسيح… وما أن أسفر الفجر حتّى رأى الجيش الهاشمي نفسه يضرب بعضه بعضا!.‏

وقبل أن يفيق من هول الصدمة فاجأه الجيش السعودي بالضربة القاضية ولم ينج عبد الله بن الحسين من ‏المعركة المهولة الا بالهرب هو وحرسه الخاص!… واستولى الجيش الانكلو سعودي على كل ما تركه الجيش ‏الهاشمي من سلاح وخيام وأموال وغير ذلك. ‏

ولكن الغدر الانكليزي السعودي لم يقف عند حد الانتصار على عبد الله وجيشه بل ابى الا أن يهجم على ‏القريتين الكبيرتين ـ الخرمة وتربة ـ ويقتل السكان المدنيين العزل نساء وشيوخا وأطفالا. ‏

ولم يكتف بذلك بل نهب الماشية وأحرق النخيل والمزارع واعتدى على الأعراض. ‏

لقد كانت "تربة" واحة خصبة وكان فيها أكثر من مليون نخلة. ‏

وأصبحت بعد هذه الواقعة مشوهة من كل جانب!…. فما ذنب الابرياء حتّى يقتلهم ابن السعود العميل!. ‏

وما ذنب النخيل والمزارع حتّى يحرقها ابن السعود الاستعماري ولكنها تلك عادة اليهود في جميع حروبهم..‏

لقد أحصوا أنفسهم من قتلوهم من الاطفال والنساء والرجال والشيوخ في "تربة" من السكان المدنيين فقط بما ‏يزيد على ثلاثة آلاف نفس، أزهقوا أرواحهم، وذلك خلاف جيش الشريف عبد الله بن الحسين البالغ (40 ألفا) ‏قتلوا جميعا ولم ينج منهم الا ما يقارب الخمسمائة الذين هربوا مع عبد الله!… ‏

والشئ المضحك أن يتدخل الانكليز بعد أن أخبرهم الحسين بما صنعه السعوديون في جيشه وفي السكان ‏المدنيين من مجازر! فبعث معتمد بريطانيا في جدة "ولسن باشا" رسولا!.. هو المستر "جون فيلبي" إياه!… ‏أرسله إلى صاحبه ابن السعود يطلب منه التوقف عند هذا الحد والقفول إلى نجد!. ‏

ولم يسع ابن السعود الا أن يأتمر بأمر سيده وعاد من حيث أتى.. ولكن بعد خراب تربة.. أي بعد أن حقق ‏الهدف الانكليزي.. وكان قفوله إلى نجد في 15 رمضان سنة 1337 هـ … لكن ذلك لم يزد الشريف حسين الا ‏تعنتا ضد الانكليز الذي قال عنهم أمام رسولهم لديه لورنس (لعنة الله على الانكليز الذين ليس لهم من صديق ‏سوى شهواتهم)!. ‏

فحاول لورنس اقناع الشريف حسين بالتوقيع على مطلب الانكليز باعطاء فلسطين وطنا لليهود ليستطيع ‏لورنس اخلاف ظن البعض من الانكليز واقناع المخابرات البريطانية له بذلك ليحطم فكرة من يقفون خلف ابن ‏السعود ويؤيدون صلاحيته. ‏

وقال لورنس للحسين (ان المسألة هي توقيع فقط وبهذا التوقيع بالموافقة على تقسيم البلاد العربية واعطاء ‏فلسطين لليهود ـ تستطيع أن تلعب على الانكليز. ‏

لقد فعل ابن السعود ذلك فافعل مثله)!… ولكن الحسين لم يقبل!، وما كان من الانكليز الا أن أمروا لورنس ‏بالانسحاب من الحجاز لانهم صمموا على انهاء الحسين.. فانسحب لورنس.. بل اغتاله أعضاء المكتب الهندي ‏البريطاني لتأييده الشريف وحينها أرسل الحسين رسالة لابن الرشيد يطلب عقد اتفاقية تعاون عسكرية بينهما. ‏

فرأى الانكليز أن في هذا التحالف خطراً عليهم وعلى عميلهم ابن السعود، فعندما يعقد الحسين في الحجاز ‏وابن الرشيد في شمال نجد اتفاقية تحالف فمعنى ذلك انهما قد كونا قوة كبيرة في وجه الانكليز… واكتشف ‏الانكليز ذلك، فرأوا تطمين الحسين إلى حين، فهو لم يعد يشكل أي قوة في وجوههم، وعلى الانكليز ان يبدأوا ‏بالأهم، وهو: اسقاط حائل عاصمة قبيلة شمر وابن الرشيد… فعملوا ما بوسعهم لاسقاط حائل فأسقطوها كما ‏ذكرنا… ولهذا موضوع منفصل بالتفصيل. ‏

ما أن بلغ الملك حسين بن علي خبر سقوط حائل في براثن الاحتلال الانكلو سعودي في اليوم الثاني ‏لسقوطها حتّى صاح بأسى لمن حوله في مجلسه وعض على يده قائلا: (بسقوط حائل انتهى أكبر حائل بيننا ‏وبين الملعونين السعوديين. ‏

انتهى الحائل بين الحجاز وأشرار الوهابية والآن يجب أن نستعد لملاقات العدو.. لعنة الله على الانكليز ‏فليس لهم صديق إلا مصالحهم أينما وجدت ومع أي شخص كان) وبالفعل، فقد أعلن السير برسي كوكس ‏وجماعته عن منح الحجاز لابن السعود بدلاً من الحسين…وقرر كوكس ارسال "الاخوان" بقيادة "خالد بن لؤي" ‏هذه المرة فهو من "أشراف الخرمة" وابن عم الشريف حسين ابن علي فقد اتصلت المخابرات الانكليزية وفيلبي ‏بالذات مع ابن لؤي واقنعته بالمجئ للانضمام لابن السعود وافتعال حادثة بينه وبين الشريف، وهكذا افتعل ابن ‏لؤي حادثة مع ابن عمه عبد الله بن الحسين فغضب عليه ابن لؤي وأقسم "أنه سيقود ابن السعود إلى مكة"… ‏وهكذا ذهب ابن لؤي لبيع مكة… ‏

واجتمع بعبد العزيز في مخيمه بين حائل والقصيم وقص له القصة وكان رد عبد العزيز عليه قوله: (بارك ‏الله في الأسباب التي عرفتنا فيك) والتفت عبد العزيز هامسا باذن المستشار الانكليزي فيلبي آخذا رأيه فكان ‏جوابه: (لا أقول أكثر من انها صفقة رابحة من يد متاجر غشيم) وهكذا اتفقوا مع ابن لؤي ليعاونهم ووعدوه بأن ‏يجعلوا منه اميرا حاكما على مكة والحجاز!… فوافق ابن لؤي على كل ما يريدون… وقرروا أن تكون ‏‏(الطائف) مسرح الجريمة… واتجهوا نحو الطائف ومعهم خالد بن لؤي "والاخوان" واصطدموا بأول سرية ‏استطلاعية في ضواحي الطائف قتلوها عن آخرها… ‏

وكان الوقت عصرا من يوم الخميس واستمروا في زحفهم حتّى حاصروا البلد وتمت المحاصرة إلى عصر ‏يوم الجمعة حيث دخلوا البلد، والحقيقة أنه لم يكن في الطائف من قوة تذكر، بل كانت الطائف غاصة ‏بالمصطافين من أهل مكة الآمنين وكان ظن الشريف حسين أن يأتي السعوديون من مكان آخر خلاف ‏الطائف… ولكنها ارادة جون فيلبي الذي أراد أن يبيد "المصطافين" ويبطش بسكان الطائف الآمنين "ليُسمع ‏صوت الدم لجارات الطائف" فيوقع في قلوب الاخرين الرعب والمضحك أن الانكليز ومطاياهم من عبد العزيز ‏وغيره كانوا يطلقون على هذا الجند السعودي الفاجر اسم "المسلمين" أما غيرهم فيطلقون عليهم اسم "الكافرين" ‏والايام التي تسبق احتلالهم لأي بلد يسمونها "أيام الجاهلية" أما أيام ما بعد الاحتلال السعودي فيسمونها "عصر ‏الإسلام". ‏

وقبل أن أصف ما حدث من وحشية نكراء أود أن أورد فقرات من رسالة سعودية سخيفة لعلها تلقي ضوءاً ‏على فداحة المظالم الهمجية… ‏

بعث بهذه الرسالة الطاغية العميل الاستعماري عبد العزيز آل سعود إلى احد مستشاريه من أعضاء "مجلس ‏الربع" واسمه حافظ وهبة بتاريخ 22 صفر سنة 1341 نشرها حافظ في كتابه (خمسون عاما في جزيرة العرب) ‏يقول فيها عبد العزيز: (احتل جماعتنا الطائف وكل من وجدوا من المشركين قتلوه حتّى ضحى نهار يوم السبت ‏ونادى منادي المسلمين: من أراد السلامة والاسلام فليقبل ويلق سلاحه فأقبل الاهالي وظهروا من أماكنهم، وكل ‏منهم حامل ما عنده من قوت وسلاح واستولى المسلمون على البلد وعلى جميع ما فيها. ‏

وبعد أن أطمأن المسلمون وطهروا البلد من المشركين رتبوا أناسا منهم لجمع الغنائم واحصائها واقتضى ‏نظر الاخوان والمشايخ تنصيب خالد بن منصور في البلد للنظر في أحوالها واستقبال القبائل من الاشراف ‏وغيرهم الذين يطلبون الدخول في الإسلام وحوزة المسلمين والاستيلاء على ما عندهم من قوت وأسلحة ‏وأموال) إلى أن قال عبد العزيز في رسالته لحافظ وهبة: (أما الحسين فقد توجه إلى جدة وغالب الكفار من ‏أهالي مكة أخلوها من الرعب والباقون بها مرجف بهم ـ أما المسلمون فلم يستشهد منهم سوى سبعة عشر وكلهم ‏من عامة الناس ما فيهم المسمى غير هويل بن جبرين وتواب الدحاوي ورحمهم الله رحمة واسعة..)!.‏

هكذا ترون كيف يوضح هذا الفاجر الكاذب أن جنده القتلة المعتدون هم "المسلمين" وهم "الشهداء" أما أبناء ‏الشعب المغدور بهم وأبناء مكة فهم "كفرة" وأنه هو "النبي" الذي جاء بالاسلام والايمان على يد كوكس وجون ‏فيلبي، وأنه نهب كل ما عند الشعب وماله وما لديه من قوت…‏

نفس الطريقة التي اتبعها ويتبعها الصهاينة… ونفس الطريقة التي اتبعها أجداده بالاشتراك مع الافاق محمد ‏بن عبد الوهاب الذي زعم أنه جاء بالدين هاديا، وقاتل الشعب في نجد والحجاز ليعيده "بعد كفره" كما يزعم إلى ‏‏"الإسلام والايمان بالله! حيث كان الشعب يعبد الجبال والاشجار قبل خروج رسول الله! محمد الوهابي" كما يزعم ‏كذبا وزورا… ‏

فكانوا يتهمون أبناء الشعب في الحجاز بعبادة "منيف" وغير ذلك من آلهة التي أباحوا بموجبها دماء شعب لا ‏عرب الجزيرة وحدهم بل كل العرب… ومن ذلك تهمتهم للنساء العوانس بأنهم يذهبن إلى "فحل النخل" ويدعونه ‏بقولهم "يا فحل الفحول اريد زوجا قبل الحول" وهكذا يتخذ آل سعود من الكذب وسيلة لتقتيل المؤمنين المسلمين ‏باسم الدين وهم افجر الفاجرين وأكفر الكافرين بروح الدين.‏

ولهذا فعلوا ما فعلوه من جرائم في العرب وشعب الجزيرة العربية… وارتكبوا ما ارتكبوه من موبقات ‏وخساسات وفجور في الطائف وغيرها… ان ما فعلوه في الطائف لا يختلف أبدا عما فعله أبناء عمهم اليهود في ‏فلسطين بل أخرى… ‏

من المعروف أنه عندما تقوم أية فئة أو حكومة بانقلاب أو ثورة على أخرى فأول ما تقوم به هو الاستيلاء ‏على مراكز الفئة أو الحكومة السابقة فقط، وقد تقوم الاخيرة بقتل حراس هذه المراكز من المُعادين، أما أن تقتل ‏كل المواطنين الابرياء وتنهب حتّى أرزاقهم وتعتدي على أعراضهم فهذا لا يقدم عليه الا عدو لدود لا يحمل في ‏جوفه مثقال ذرة من ايمان أو أخلاق أو شرف أو كرامة… ‏

ولكن من أين تأتي الاخلاق والكرامة والشرف لسلالة بني صهيون… لقد استولوا على مراكز الشريف ‏حسين، وانتهى كل شئ لهم، ولكنهم لم يكتفوا بهذا بل بعد هذا هجموا على المنازل واعتدوا على أعراض النساء ‏أمام أزواجهن وقتلوا الازواج أمام نساءهم وطلبوا من النساء أن يجردن رجالهن القتلى من ثيابهن ويغسلن هذه ‏الثياب من الدم ويسلمنا لهم، ليرتديها جنود ابن السعود وقد باعها بعضهم على بعض النساء اللائي عروهن من ‏ثيابهن… وكان منظرا وقحا ومضحكا عندما هجموا على البيوت ونهبوا مصاغات النساء ولبسوا هذه المصاغات ‏والخواتم والخلاخيل بأيديهم وارجلهم ورقابهم، ولم يكتفوا بهذا.‏

بل مع هذا استولوا على عدد كبير من المواطنين بحجة أنهم سبايا و"عبيد" فباعوهم في نجد، ثم سجنوا ‏الآلاف من النساء والاطفال والرجال عراة في سجن جماعي تحت وهج الشمس بلا ماء ولا طعام ولم يفرجوا ‏عنهم الا بعد مدة طويلة بكفالة شخص موثوق يثبت للسعوديين ان أهل مكة والطائف: أسلموا بعد كفرهم!.. ‏

وكانوا يذبحون الرجال ذبح النعاج ويضعون رقابهم في صهريج الماء "الحنفية" ليختلط الماء بالدم فيفتحون ‏الحنفيات ليتوضؤوا بهذا الدم ويصلون!… ‏

بعض أسماء الشهداء في الحجاز ‏

وحتى يتضح أنه ليس لآل سعود وأتباعهم من هدف ديني صحيح أو اجتماعي أو اصلاحي، ولكي تتجلى ‏صهيونية آل سعود نورد بعض أسماء الذين قتلوهم من رجال الدين المؤمنين وغيرهم من الشهداء: ـ ‏

الشيخ عبد الله مرداد قاضي مكة المكرمة وعالمها الكبير وسنه (70 سنة) ‏

الشيخ عبد الله الزواوي مفتي الشافعية بمكة ‏

الشيخ يوسف زواوي شقيق المفتي ‏

الشيخ عمر أحمد كمال من قضاة الحجاز وعلمائها الاعلام ‏

الشيخ عبد القادر الشيبي وشقيقه سادن الحرم المكي ‏

الشيخ علي صقر من علماء الحجاز الكبار ‏

الشيخ عبد الله فريد من وجهاء مكة ‏

الشيخ عبد الله عطار وشقيقه أحمد عطار ‏

الشيخ عبد القادر بن إبراهيم رمل عمدة محلة الشامية بمكة ‏

السيد شيخ… الخ.. ومثل السعوديون بستة شبان من اسرة قطب بمكة… كما مثلوا بطفلين وامرأة وثلاثة ‏رجال من أسرة آل الطيب وشخصين من أسرة الشالي، والشيخ حسن مكاوي وقاضي الطائف الشيخ سليمان ‏مراد، والشيخ عبد اللطيف السكوتي وسراج زمزمي، والشيخ عبد الرحمن قاضي جدة ـ وعثمان قاضي مدير ‏البريد والبرق، وأبو حمامة وعبد الله محمد فريد… ‏

هذه عينة فقط من أسماء الشهداء… ‏

وفيما يلي عينة أخرى من أسماء الذين زج بهم صهاينة آل سعود في السجن واستشهدوا في سجنهم جميعا ‏ـ ومنهم: ‏

الشيخ حسين الدباغ ومسعود الدباغ والشريف حسن بن زيد والشيخ عبد الله بن النفيس. ‏

وفيما يلي عينة أخرى من أسماء الآلاف الذين شردهم صهاينة آل سعود ومنهم العالم الكبير ‏

الشيخ حبيب الله الشنقيطي ـ مات بمصر، والعالم زيدان الشنقيطي مات في اليمن ‏

والعالم الشيخ خضر الشنقيطي وقاضي قضاة الحجاز ـ مات بالاردن ـ شيخ العلويين السيد أحمد سقاف ـ ‏مات في جاوه ـ الطيار عبد الله المنديل ـ مات بمصر ـ الزعيم أحمد الداغستاني،

‏ الشيخ محمد الشرقاوي. ‏

الشيخ حسين صبيان من كبار ادباء الحجاز ـ مات بمصر ـ ‏

الطيار حسن شيبه

والشيخ مرزوق قراره ـ مات بمصر ـ ‏

الشيخ عبد العزيز يماني… ‏

وغيرهم الكثير ممن شردوا إلى انحاء آسيا وافريقيا والذين لا تعرف أماكن لاقامتهم… ‏

ولكي نؤكد أن آل سعود إلا صهاينة تلبسوا بلباس العروبة والدين. ‏

نوضح هنا بعض اعمالهم الاجرامية ضد العروبة والدين وشعائر الدين، حينما دمروا أول إمكان نشأت فيها ‏الدعوة الإنسانية ولم يتركوها حتّى ولو من باب وأنها آثارا عربية، ومنطلق كفاح خالد وملاجئ لمحمد حينما ‏كان يطارده الاعداء ويكافح كفاح المؤمنين الصديقين الابطال لا نجاح رسالته مقسما ذلك القسم التاريخي العظيم ‏عندما اشتدت عليه وطأة الظلم: (والله لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في شمالي لن أرجع عن هذه الدعوة ‏حتّى تنجح أو اموت في سبيلها) ‏

ولكن كيف يرجى من صهاينة آل سعود الذين أمروا جندهم المخدوع بهدم كل أثر من آثار تاريخ أجدادنا ‏العظام ورسالتنا الخالدة… تصورا ماذا فعل هؤلاء السعوديون اليهود… ‏

هدم الاماكن الخالدة والاسلامية والتاريخية ‏

‏1 ـ هدم آل سعود البيت الذي ولد فيه النبي العربي محمد بن عبد الله بشعب الهواشم بمكة. ‏

‏2 ـ هدم آل سعود بيت السيدة خديجة بنت خويلد، زوجة النبي أول امرأة آمنت برسالته الإنسانية. ‏

‏3 ـ هدم آل سعود بيت ابي بكر الصديق ويقع بمحلة المسفلة بمكة. ‏

‏4 ـ هدم آل سعود البيت الذي ولدت فيه فاطمة بنت محمد، وهو في زقاق الحجر بمكة. ‏

‏5 ـ هدم آل سعود بيت حمزة بن عبد المطلب عم النبي وأول شهيد في الإسلام قال عنه النبي محبذا ‏باستشهاده استشهاد كل من يحارب الطغيان: (أول شهيد في الإسلام حمزة وثاني شهيد من حارب حاكم ظالم ‏وأمره ونهاه فقتله) ويقع بيته في المسفلة بمكة. ‏

‏6 ـ هدم آل سعود بيت الارقم أول بيت تكونت فيه الخلايا الثورية المحمدية وكان يجتمع فيه الرسول سرا ‏مع أصحابه حيث قامت الدعوة من هذا البيت، وفي هذا البيت تمت أول مقابلة تاريخية بعد عداء شرس بين ‏محمد وعمر حينما أعلن عمر بن الخطاب في هذا البيت ايمانه برسالة محمد وانتصرت بذلك الثورة المحمدية ‏انتصارها الاول، وصعقت الرأسمالية القرشية حينما خرج "بلال" ليؤذن بالثورة بأمر من عمر الذي قال له: "أذن ‏يا بلال ان الدين جهرا"… ‏

كما تمت في هذا البيت أول مقابلة لمحمد مع ـ الاشتراكي العظيم ـ خامس واحد في الإسلام ـ ابي ذر ‏الغفاري ـ الذي شهد له النبي العربي محمد بقوله: "ما حملت الغبراء ولا أظّلت السماء ذو لهجة صادقة مثل ‏ابي ذر الغفاري" ويقع هذا البيت بجوار الصفا بمكة… أما الآن فقد شيّد في مكانه قصر أعطى لتاجر الفتاوى ‏السعودية الباطلة عبد الملك بن إبراهيم ليتاجر به وذريته ويفسدون… ‏

‏7 ـ هدم آل سعود قبور الشهداء الواقعة في المعلى بأعلى صوته مكة وبعثروا رفاتهم ‏. ‏

‏8 ـ هدم آل سعود قبور الشهداء في بدر وكذلك هدموا مكان العريش "التاريخي" الذي نصب للنبي العربي ‏القائد الاعظم وهو يشرف ويقود معركة الفقراء المسحوقين ضد اغنياء اليهود وقريش!… ‏

‏9 ـ هدم آل سعود البيت الذي ولد فيه علي بن أبي طالب والحسن والحسين… ‏

‏10 ـ سرق آل سعود الذهب الموجود في القبة الخضراء ووضعوه سيوفا وخناجر وأحزمة تربط في اسفلها ‏أغطية ذهبية لفروج حريمهم، وقباقيب ذهبية وأحذية وخواتم وخلاخيل وأساور… ‏

‏11 ـ دمر آل سعود بقيع الغرقد في المدينة المنورة حيث يرقد المهاجرون والانصار من صحابة محمد ‏وبعثروا رفاتهم… ولقد هّم بنو القينقاع آل سعود بتدمير القبة التي تظلل وتضم جثمان صاحب الرسالة محمد بن ‏عبد الله ونبشوا ضريحه، لكنهم توقفوا حينما وقف الشعب وبعض العلماء الصالحين من شعبنا ومن كافة البلاد ‏الإسلامية. ‏

وحدثت ضجة كبرى ضدهم… فارتدوا على أعقابهم خاسئين… ‏

كل ذلك بقصد أن لا يبقى أثر واحد من آثار اولئك المؤمنين الابطال أجدادنا الذين سحقوا أجدادهم بني ‏القينقاع وبني النضير وقريضة وأمثالهم من اليهود ومن معهم ممن حاربوا رسالة محمد بالمال وشراء أشباه ‏الرجال… ‏

ولقد أراد آل سعود بذلك أن لا يبقى ايّ ذكر لتاريخنا، وأن لا يبقى للعرب من تاريخهم إلا الاسم السعودي ‏المزيف المهين… ‏

ولكن ما فعلوه من خراب قد عكس وكشف ما قصدوه من ازالة للتاريخ العربي وابطاله واثبت انهم من ‏اليهود الحاقدين على شعبنا مهما وضعوا لانفسهم من "اشجار عائلية" تزعم انهم من أصل النبي محمد!… ‏

بل ان تزويرهم لمثل هذه "الاشجار" العائلية يتمثل به قول الشاعر: ‏

‏(كاد المريب أن يقول خذوني)… ‏

أي ان هذا التزييف نفسه يكشف انهم من أصل يهودي، وإلا ما معنى وضع هذه الشجرة العائلية ‏السعودية؟… ان الشعور بالجريمة، ومعرفتهم لاصلهم الحاقد هو الذي جعلهم يدفعون 35 الف جنيه مصري ‏للمؤرخ ـ مزيف الاشجار ـ محمد التميمي ليزور هذه الشجرة…‏

انّه ما من أحد من الناس الشرفاء وغير الشرفاء يهمه أن يعرف عن أصله أكثر من أربعة إلى اربعة عشر ‏من أجداده!.‏

مهما كان أصله وفصله… بل ان النبي العربي لم يحسب له من الاجداد مثل هذا العدد الهائل الذي لفقه آل ‏سعود، ولم يفاخر بحسبه ونسبه وانما كان يزجر كل من يفاخر بهذه الاحساب والانساب فيقول: (ان من ‏يفاخرون بانسباهم ليسوا منا بل هم أحقر عندنا من رائحة الجعلان) ولم يتمكن الحسّابون ان يحسبوا لمحمد بن ‏عبد الله اكثر من(21) جدا… ‏

فكيف استطاع المزور محمد أمين التميمي ‏ أن يحسب أكثر من (470 جدا) لهذه العائلة السعودية و(470 ‏جدا) للعائلة الوهابية ويجعل العائلة الوهابية والعائلة السعودية متقاربة الاصول مع بعضها ومرتبطتين بنسب ‏النبي محمد!… ‏

فينسب العائلة السعودية اليهودية إلى (نزار) الجد الثامن عشر للنبي محمد بن عبد الله، وينسب لعائلة محمد ‏بن عبد الله، وينسب العائلة الوهابية الواردة من تركيا إلى (الياس) الجد السابع عشر إلا بجّدين اثنين فقط!.. ‏

لكيلا يبتعد بهاتين الاسرتين بعيدا عن اصول النبي محمد!… ولم يكن هذا المزور وحده، فقد زور قبله ‏وبعده آخرون، لكنه هو واضع الشجرة التي وصل بها اسم "مرد خاي" الذي اطلق عليه اسم (مرخان بن إبراهيم ‏ابن موسى اليهودي) فوصله بأسماء كثيرة لا علاقة لآل سعود بها، منها: ربيعة، ومانع، والمسيب، والمقلد، ‏وبدران، ومالك، وسالم، وغسان، وربيعة، والحارث، وسعد، وهمام، ومرة، وذهل، وثعلبة، وعكاية، وصعب ‏وبكر، ووائل… ‏

‏(ووائل هذا هو الذي يدّعي المزورون أنه يجمع آل سعود بقبيلة عنزة)… ‏

ثم بعد ذلك: قاسط، وهنب، ودعمي، وجديلة، واسد وربيعة، ثم (نزار) الجد الثامن عشر للنبي محمد ! ‏وحفيد عدنان.. وهكذا سلكت العائلة الوهابية نفس المسلك في الشجرة السعودية المزورة إذ قال المزّور نفسه ‏‏(انها تلتقي مع آل سعود في نسب النبي محمد من خلال جد النبي السادس عشر المزعوم: (الياس بن مضر بن ‏نزار) بل ان العائلة الوهابية قد سبقت آل سعود بجدين اثنين نحو النبي محمد! حسبما جاء بالتاريخ المزيف… ‏

ولنترك الاثباتات والدلائل قليلا لنسأل القارئ الكريم عن اسم: "مردخاي" أو "مرخان" لا فرق، … أليس هو ‏اسم يهودي؟ هل سمع بتاريخ الاسماء العربية كلها باسم كهذا؟… ‏

ثم يليه اسم: جدة إبراهيم وموشى… واسم (مرخان ـ مرد خاي) قد فات على من زورا شجرة آل سعود ‏حذف ـ اسم مرد خاي ـ من الشجرة؟..‏

ثم دع الاسماء جانبا وانظر إلى وجوههم وانوفهم… اليست هي وجوه اليهود وانوفهم؟… وان كنت لست ‏من ذوي الخبرة في وجوه وانوف اليهود فتتبع أفعالهم… تتبع أعمال آل سعود الاجرامية وتسببهم بقتل/ 16000 ‏‏/ مصري في اليمن وقتل أكثر من/150000/ من أبناء اليمن منذ قيام الثورة اليمانية…. ‏

واستعانتهم بجنود الصهاينة اليهود في المخابرات الامريكية إلى بلادنا وتعاونهم مع إسرائيل بالتعاون مع ‏أمريكا لقتل شعب اليمن ومرور جنود اليهود الذين ارسلتهم لتدريب المتسللين في الجزيرة العربية إلى اليمن عام ‏‏1962، وقد القي القبض على اثنين منهم بعد قيام الثورة اليمانية واعترفا بذلك… اعترافاً كاملاً، وقال: (انهما ‏يعملان في الجيش الاسرائيلي وأنهما أرسلا ضمن مجموعة من اليهود اليمانيين الذين هاجروا إلى "إسرائيل" في ‏عهد الامام أحمد وتدربوا في الجيش الاسرائيلي..‏

وأرسلوا بمهمة ـ كخبراء ـ لدخول اليمن تحت اشراف المخابرات الامريكية في "السعودية".‏

والمعروف أن العرش السعودي جمع نحو ستة الاف مرتزق من بعض القبائل السورية والاردنية والسعودية ‏بإشراف المخابرات الامريكية يقودهم ضباط من اليهود المذكورين الذين كانوا من أصل يماني لمعرفتهم ‏بالارض اليمانية بالاشتراك مع ضباط من جيش العرش السعودي والملكي الاردني…. لكمنهم ما أن وصولا إلى ‏حرض ـ بغية احتلال اليمن ـ حتّى طوقتهم القوات العربية المصرية واليمنية وأمطرتهم الطائرات العربية ‏المصرية برصاص الرحمة فابيدوا إلا قليلا منهم… ‏

هذه أمثلة قليلة تثبت "أصالة" آل سعود… ثم انظروا أيها الناس إلى ما ترتكبه العائلة السعودية نفسها بنفسها ‏جنسيا بقربى ولا إلى أية رابطة عائلية كريمة… ان بعضهم يلوط بعضا … ان الاخ يزني باخته والابن يزني ‏بزوجة والده أو امه أو بنت خالته أو خاله .. ويقدم مالا يعرفه تاريخ العرب، وهو ما يعرفه شعبنا عن آل سعود ‏وعاداتهم اليهودية ودعارتهم وتصرفاتهم اللا أخلاقية والتي لا يمكن لعربي يفاخر بأنسابه أن يرتكبها… انهم لا ‏يعملون ذلك إلا ليدمروا سمعة العرب خارج البلاد العربية وداخلها، انهم يفعلون ذلك لاذلال العرب… بحجة انهم ‏قادة العرب… فيبيعوا الإسلام لأمريكا والصهاينة: بحجة أنهم وكلاء لله وحماة الحرمين… ليسخر العالم بالعروبة ‏ما دامت هكذا، وتنفر البشرية من اسلام كهذا… وهذا ما يريده يهود آل سعود… ‏

مكتبات من أثمن المكتبات في العالم ‏

أحرقتها الهمجية السعودية بمكة والمدينة ‏

وحالما دخل جند الاحتلال السعودي مكة شاهرين السيوف والبنادق، اتجهوا لتدمير كل ما هو ورق… وكل ‏ما هو كتب، وكل ما هو وثائق وصور، وكل ما هو تاريخي… من ذلك على سبيل المثل ما ارتكبوه "بالمكتبة ‏العربية" التاريخية ـ العلمية التي احرقوها، وهي التي تعد من أثمن المكتبات في العالم قيمة تاريخية، إذ لا تقدّر ‏بالمال أبدا، ولا بمليارات العملات أيضاً.. لقد كان بهذه المكتبة (60.000) من الكتب ـ النادرة الوجود ـ ‏الجامعة لمختلف المناهل العلمية والتاريخية… وفيها (40.000) مخطوطة نادرة الوجود من مخطوطات "جاهلية" ‏خطت كمعاهدات بين طغاة قريش واليهود.‏

تكشف الغدر اليهودي وعدم ارتباط اليهود بالدين والوطن من قديم الزمان وتكشف مؤمرات اليهود على ـ ‏محمد ـ وفيها وثائق خطت قبل الثورة المحمدية بمئات السنين وفيها ما أعطى فكرة ممتازة عن تلك الحضارات ‏العربية القديمة… وفي هذه المكتبة وغيرها من مكتبات المدينة بعض المخطوطات المحمدية التي كتبت بخط ‏النبي محمد في أيام كفاحه السري، وهناك ما هو بخط علي بن أبي طالب وأبي بكر وعمر وخالد بن الوليد ‏وطارق بن زياد وعدد من الصحابة، ومن هذه المخطوطات ما يسجل العديد من الخطط الحربية التي أرسلها ‏خالد بن الوليد لعمر بن الخطاب والتي أرسلها ـ عمر ـ لخالد والتي يظهر بعضها بعض الخلاف الاجتهادي ‏في وجهات النظر… ‏

ومن تلك المخطوطات ما هو مخطوط على جلود الغزلان، وعلى فرش من الحجارة وألوح من عظام فخوذ ‏الابل وغيرها من الوسائل القابلة للكتابة كالالواح الخشبية والفخارية والطين المصهور بالافران… والمكتبة ‏العربية التاريخية في مكة بالاضافة إلى كونها مكتبة نادرة فهي متحف ـ أيضاً ـ يحتوي على مجموعة من ‏آثار ما قبل الإسلام وبعده، وأنواع من أسلحة النبي محمد وفيها آخر الاصنام المعبودة التي حطمتها الثورة ‏المحمدية، مثل: اللات، والعزى، ومناة، وهبل… ‏

وغيرها… ويحدثنا أحد المشايخ المؤرخين المعاصرين "ونمتنع عن ذكر اسمه خشية عليه من جهنم آل ‏سعود" فيقول (كنت أزور هذه المكتبة مع والدي قبل الاحتلال السعودي وكان يرودها العديد من الدارسين، فتقدم ‏بعضهم بشكوى إلى الحسين بن علي يطلبون منه "احراق بعض المخطوطات النادرة لأن فيها كفريات". ‏

فقال لهم الحسين: "انني معكم قد لا اؤيد هذه "الكفريات" وبعض هذه المخطوطات إنّما ليس من حقي أو ‏حقكم أو حق أي كائن من البشر احراق التاريخ"!… وقال: ان في هذه المكتبة وثائق تكشف أصل آل سعود ‏بأنهم من اليهود الذين أسلموا، وان فيها مخطوطات بأقلام مجموعة من الصحابة ومنهم عبد الله بن مسعود ‏سجلوا فيها عداً من الايات القرآنية الكريمة التي دار الصراع عليها، وقال التجار انها "منسوخة" وقال الفقراء ‏في اللجنة أنها غير "منسوخة" من القرآن الكريم، وفي تلك المخطوطات اتهام واضح لعثمان بن عفان في ‏محاولاته حذف آيات من القرآن الكريم ويرى عدم تسجيلها في المصحف الذي شكلت لجنة لتحقيقه الذي أمر ‏بجمعه ـ في عهده ـ من افواه وصدور الرواة من حفظة القرآن ومن السجلات الجلدية وغيرها وقال المؤرخ: ‏ان من هذه الايات التي رأى عثمان عدم اثباتها في القرآن واعتبارها آيات منسوخه تلك الايات التي تقطع في ‏اعطاء الفقراء حقوقهم ودعوتهم للقتال من أجلها، وكذلك مساواة النساء بالرجال ومساواة الناس اجمعين ودعوة ‏المغلوبين على أمرهم لأخذ حقوقهم والشر والسراء والضراء، وان ملكية الاشياء والارض مشاعة وان الملوك ‏بغاة…. ‏

إلى غير ذلك… وقال: ان بعض من هذه المخطوطات كانت بخط الصحابي الجليل عبد الله بن سعود، وهو ‏من أوائل الذين رافقوا النبي محمد ومن المسؤولين عن "لجنة" أو جماعة الاشراف التي تشكلت في عهد عثمان ‏لجمع القرآن في كتاب موحد، وكان ابن مسعود ممن يعربون عن رأي محمد وعلي والكادحين لكونه من رعاة ‏الاغنام فشهر ابن مسعود سيفه بوجه "يمين" اللجنة وبحضور عثمان وقال ما معناه: والله لا أعيدن سيفي إلى ‏غمده حتّى تعيدون للقرآن أية ـ الكنز التي تأمر بحرق أصحاب الاموال بالنار…. ‏

‏(والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرّهم بعذاب اليم يوم يحمى عليها في نار جهنم ‏فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم.‏

هذا ما كنزتم لانفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون)… ‏

مقارنة بين تحالف الشريف حسين وعمالة آل سعود للإنكليز ‏

‏ كل من يتتبع مواقف الانكليز المفضوحة ودعمهم المطلق لمطيتهم "عبد العزيز" واهمالهم "لحليفهم" الأول ‏الشريف حسين، يدرك أنه لو وجدت المخابرات الانكليزية سبيلاً لتمرير مشاريعها عن طريق الملك حسين في ‏تقسيم الوطن العربي واعطاء فلسطين للهيود، لما اهملت الحسين واستعملت ابن السعود…. ‏

اليس بامكان الحسين ان يكون ـ كبعض ذريته ـ عميلا طول حياته للانكليز؟… اليس للشريف حسين من ‏الدعاية آنذاك في البلاد العربية والاسلامية ما يفوق سواه وما يجعله يسير بالطريق الانكليزي المبسّط المبلط ‏بالذهب والمذهب والدين والعتاد والذي لا يكلف الانكليز ـ ربع ما أنفقوه ـ على "عبد العزيز" من مبالغ هائلة ‏طائلة بلطوا بها طريقه الوعرة الجديدة؟… ‏

حتّى أعادوه فيها البلاد عام /1901/ وهو المنبوذ منها؟ ‏

لقد قام الانكليز باشهار "عبد العزيز بن السعود" يوم أن كان لا شهرة له ولا تاريخ ولا أمارة ولا سلطة ولا ‏مشيخة ودربوه يوم أن كان عمره 25 سنة وكان يلجأ للكويت مع والده… ‏

وخلقه الانكليز من لا شئ إلى ملك اسمه "عبد العزيز" وسموا بلادنا بإسم عائلته "السعودية" لاول مرة في ‏التاريخ وما قبل التاريخ، حيث لم يسبق لجزيرة العرب طيلة وجودها في الكوكب الارضي أن سميت بمثل هذا ‏الاسم السعودي النجس… ‏

ولكثرة المعلومات عن جرائم هذا العميل وذريته تدفعنا المعلومات في كل مناسبة لإعطاء لمحة عنه وعما ‏فعله الانكليز "بسلطان الانكليز" عبد العزيز ـ خاصة ـ بعد مجزرة الطائف: ‏

خالد بن لؤي وعمالته لآل سعود ‏

رأى آل سعود ـ أن يبروا بوعدهم ـ إلى حين ـ لمن قادهم إلى ـ مسقط رأسه الحجاز، وكان اسمه ‏‏"الشريف" خالد بن لؤي، فنصبوه حاكما لمكة "المكرمة" بعد تلك المجزرة ـ مجزرة الطائف… ‏

ثم وضعوا إلى جانبه ثلاثة من أعضاء (مجلس الربع) هم جون فيلبي وحافظ وهبة وعبد الله الدملوجي، ‏وزعموا له أن هؤلاء من "مستشاريه"… فسّر الجاهل بما جرى… ‏

لكنه سرعان ما أكلته خيانته، ولم يدم سروره… حينما سرّح سراحا ذليلا.. لأنه أصبح (كويفر) بعد ‏استعماله… أي أنه دخل في حساب "الكفّار" بعد ان صحا ضميره الميت على هول ما جرى ويجري من مذابح ‏وانتهاكات يستيقظ لفظاعتها وجورها ضمير الحيوان الصامت البليد… ‏

ولم يكن للشرف علاقة بصحوة ضمير "الشريف" خالد بن لؤي، بل للصحوة علاقة بازاحته عن منصبه ‏الذي ظن أنه سيبقى به خليفة للحسين كأمير على "الحجاز" على الاقل…. ‏

شهادة من رئيس المخابرات السعودية تدين العمالة السعودية ‏

انها شهادة من سعيد الكردي الرئيس الاسبق للمخابرات السعودية في عهد سعود أدلى بها في لحظة ألم ‏داخلي لهول ما عرفه عن جرائم آل سعود في الحجاز وغير الحجاز حينما استشاره الوزير الاسبق للدفاع ‏السعودي الامير مشعل بن عبد العزيز في مجلسه في جده ـ اثناء الحديث عن الحجاز ـ وقال مشعل: (ليس ‏لأحد من هذا الشعب علينا منة ولا معروف. ‏

لقد أخذناكم ـ يا لحجازيين ـ بالسيف مثلما أخذنا نجد وغيرها)… ‏

حينما استشاط سعيد كردي بسخرية وهو يبتسم: (لا يا طويل العمر!… لقد كنت انا من قادة جنود الشريف ‏حسين بن علي الذين حاربوكم في الطائف، وكنت من قادة جيش الشريف علي بن الحسين الذين حاربوكم في ‏الرغامة في جدة.‏

وانا الآن رئيس استخباراتكم ولدي من المعلومات سابقا وحاليا الشئ الكثير… والله لو اعتمدتم على جمالكم ‏وسيوفكم العتيقة لما دخلتم الحجاز وحكمتموه لحظة واحدة، ولكنها مدافع الأنكليز وبواخرهم واسلحتهم الهائلة ‏وارادتهم المصرة على تسليمكم عرش الحجاز بعد ان رفض الحسين مطلب الانكليز بتقسيم الوطن العربي إلى ‏دويلات ورفض اعطاء فلسطين لليهود ووافق والدكم على ما رفضه الحسين، هذا هو السبب الأول، والسبب ‏الثاني هو أن الانكليز استطاعوا اغراء "الشريف" خالد بن لؤي ضد ابناء عمه الحسين وأولاده فقادكم ابن لؤي ‏إلى بلاده، وأما أنا، فانظر ـ يا سمو الامير ـ إلى اسناني: انها كاسنان بقية الجنود التي تساقطت من حصار ‏الجوع والعطش الذي فرضته البوارج الحربية الانكليزية على الحجاز لصالح والدكم، فمنعت قوات الانكليز عنا ‏وعن المواطنين الطعام الوارد من البحر ومنعوا الماء في الوقت الذي نرى جنود والدكم في مخيم الرغامة ‏وغيره يكّدسون فضلات الطعام ويسكبون المياه في الصحراء ونحن بحاجة إلى ما يسد الرمق، أما الاسلحة التي ‏تفرغها البوارج الانكليزية للجند السعودي فاننا نراها مكدسة كالتلال، ونحن لا سلاح يذكر لدينا… ولا ذخيرة ‏من الانكليز… هذه هي السيوف الحقيقية التي أخذتم بها الحجاز وغيره ـ يا طويل العمر ـ ولا تحرجني أن ‏أقول أكثر من هذا!!.‏

لا تحرجني أن أقول أنكم لم تجرأوا على مزايدة الحسين بالدين، في الوقت الذي أطلقتم على ابن الرشيد أنه ‏كافر بالدين واتهمتم أهل نجد وعسير واليمن والاحساء والجوف بالكفر؟)… ‏

فعض الامير مشعل على شفته… وحيث لم يجد الجواب، قال: (ظنيناك كردي و"آثاريك" ‏

عربي وظنيناك صديق لنا وآثاريك ـ عدو ـ قديم ـ يا رئيس استخباراتنا)!.. ‏

فقال الكردي: (الإسلام جمع الناس على حق)!… ‏

وكان فيصل وآل فهد قد نسقوا خططهم للتخلص من الخصوم… الذين يقفون إلى جانب الملك سعود وغيره، ‏ولان سعيد الكردي كان رئيس المخابرات في عهد سعود وكانوا يعملون للتخلص من سعود نفسه فقد تخلصوا ‏من اعوان سعود ومنهم سعيد الكردي بان دسوا له السم الذي اشتهر ال سعود باتقان وضعه للخصوم… ‏

ومما يُشهد به لسعيد الكردي أنه كان يتستر على العناصر الوطنية بل كان يذهب لمن ترد بحقه معلومات ‏تقول: انّه يتكلم أو يعمل ضد الاحتلال السعودي. ‏

فيحذّره من مغبة أعماله وينصحه!… وحينما يجد سعيد الكردي من يلتقي بهم كان يتكلم ضد الوضع ‏السعودي… وكان يقول: (لقد قاومنا الحصار السعودي لجدة لاحبا في الشريف حسين وأولاده ولكن لأن أمالنا ‏بالشريف حسين وطموحاته كانت كبيرة ولقد شارك معنا مجموعات من اهل حائل واهل الرس في نجد وكذلك ‏مجموعات من الفلسطينيين والسوريين امثال زيد الاضرس وغيره، على أساس أن الحسين هو قائد الثورة ‏العربية الوحدوية الموعودة وأثناء الحصار أخذ الانكليز يتصلون بجدة من الداخل لتقوية "العملاء السعوديين في ‏جدة" ممن أصبح يطلق عليهم أبناء الحجاز "عملاء الوهابية"…. وأخذ عبد العزيز يقيم في بيوتهم كلما جاء إلى ‏الحجاز إلى ما قبل موته… ‏

ومن ضمنهم "محمد نصيف" وبهذه الطريقة وغيرها تم الاستيلاء على "جدة" في يوم السبت 3 جمادي الثانية ‏‏1344 هـ 20 ديسمبر 1925 ويقول: ‏

‏(وبعد مجزرة الطائف، خلع الانكليز على "عبد العزيز" لقب "امام المسلمين" نكاية بالملك حسين الذي لقب ‏نفسه "ملك المسلمين": وكان عبد العزيز إلى ما قبل احتلاله للحجاز يحارب الملك حسين "لأنه كافر": وان من ‏أسباب كفره "أنه أطلق على نفسه لقب… ‏

الملك… وملك المسلمين أيضا.. وليس للمسلمين ملوكا)… وهكذا يحرم ـ ابن السعود ـ على غيره ما ‏يبيحه لنفسه… وقد نكث عبد العزيز كافة عهوده التي قطعها على نفسه لحجاج المسلمين الذين وفدوا للحج أثناء ‏محاصرته وأسياده الانكليز لمدينة جدة وزعم "أنه ما جاء إلا ليحارب الملكية الباطلة في القرآن وأنه سيدعو ‏كافة المسلمين لعقد مؤتمر في مكة ينتخب فيه المسلمون حكومة للحجاز ينتخبون من يريدون حاكما لهم"…. ‏ولكنه كذب… واعلن نفسه ملكا بمجرد أن ولاه الانكليز على جدة والمدينة… مما أثار الرأي العام العالمي ‏وأغضب المسلمين عامة). الخ.‏

وهذا ما توضحه رسالة بعث بها المستشار السعودي الخاص حافظ وهبه (عضو مجلس الربع) واكبر ‏مستشاري عبد العزيز بن جون فيلبي، بعد أن ذهب حافظ وهبة إلى مصر محاولا خداع الشعب العربي في ‏مصر بعد أن عجز عن خداعه فيلبي وأمين الريحاني وزعموا "ان عبد العزيز ـ يرفض الملكية وانه ـ امام ‏الصالحين فقط"، وكان الرأي العام في مصر قد أغضبته تصرفات عبد العزيز وجرائمه واعلانه نفسه ملكا على ‏الحجاز… ‏

وهذا هو نص رسالة حافظ وهبة التي لم يخف فيها شدة غضب الرأي العام على الملك الدجال عبد العزيز ‏الذي استاء حتّى حافظ وهبة من اعلان عبد العزيز نفسه ملكا وأوضح ذلك في الرسالة التي بعثها له من القاهرة ‏وفسرها حافظ وهبة: ـ ولم يلقبه ـ بالملك ـ فيها: ‏

المستشار السعودي الخاص يؤنب عبد العزيز آل سعود لاعلانه لنفسه ملكا على الحجاز ‏

‏(من حافظ وهبة إلى صاحب الشوكة والعظمة الامام عبد العزيز بن عبد الرحمن: أفيدكم بأن روتر قد نشر ‏اليوم تلغرافا بأنكم ناديتم بأنفسكم ملكا على الحجاز فان كان هذا الامر صحيحا فقد غشكم من أشار عليكم بذلك ‏لان هذه المسألة أثارت الرأي العام في الخارج ضدكم، هذا من جهة، ومن جهة أخرى أنه لا ينطبق مع العهود ‏التي قطعتموها على أنفسكم امام العالم الإسلامي في تشكيل حكومة الحجاز ولو تريثتم لحين انعقاد المؤتمر ‏الإسلامي وتقرير مصير البلاد لكان خيرا وأبقى، والنتيجة كانت لكم في النهاية، ويظهر أن هنالك يدا أثيمة ‏حسنت في نظركم هذا الامر حتّى تقضي على فكرة المؤتمر الإسلامي وتقضي في الوقت نفسه على سمعتكم… ‏‏21 يناير 1926)‏ ‏.‏

مذابح الاحتلال السعودي في الحجاز يرويها عبد العزيز آل سعود ‏

ورد في الجزء الثاني من كتاب (صقر الجزيرة "عبد العزيز آل سعود") الذي أنفق عبد العزيز المال لطبعه ‏بعد إملاء "الصقر نفسه" ـ عبد العزيز ـ المستوي على عرشه ـ ذلك على العميل السعودي الذي أخذ كل ما ‏يمليه عليه ـ لمدة سنة كاملة حتّى سجل العطار فيها من فم الطاغية الجزار كل هذه الجرائم التي كان الطاغية ‏يفاخر بها فيصوغها العطار بأسلوبه بالحروف التالية: ‏

قال "العطار" عن "عبد العزيز": ـ (اهل هلال المحرم من سنة 1343 وأخذ حجاج بيت الله الحرام يغادرون ‏الحجاز إلى اوطانهم وفي العاشر منه خلا الحجاز من الوافدين جميعا فحان الوقت الموعود للغزو السعودي ‏واجتمعت الجيوش بالرياض واستعدت له أكمل استعداد، كما أن جيشا آخر سعوديا تجمع "بتربة" تحفزا للوثوب ‏وقبيل أن ينتصف محرم تلقى خالد بن لؤي

ـ وكان بتربة ـ امر الغزو وخطته من الرياض، فبارحها ومعه ستة عشر لواء على كل لواء أمير. ‏

وهذه هي الالوية الستة عشر مع أسماء أمرائها: ‏

‏1 ـ لواء الغطغط وعدده (5000) مع أميرهم سلطان بن بجاد "وجعله ابن سعود القائد العام للقوات الزاحفة ‏لاحتلال الحجاز". ‏

‏2 ـ لواء أهل تربة والخرمة وعدده (4000) وأميرهم خالد بن منصور ابن لؤي، وعينه ابن سعود اميرا ‏على الحملة كلها ووكل إليه النظر في المصالح العامة في البلاد التي يحتلها الجيش السعودي" فانخدع ابن لؤي ‏بهذا المنصب الوهمي الذي ما لبث أن سحبه منه ابن السعود أيضاً"… ‏

‏3 ـ لواء أهل ساجر وعدده (1000) بيد اميرهم عقاب بن يحيى. ‏

‏4 ـ لواء أهل عرو وعدده (3500) ومع رئيسهم جهجاه بن حميد. ‏

‏5 ـ لواء أهل عسيلة وعدده (1000) وأميرهم نافل بن طويق. ‏

‏6 ـ لواء أهل هجرة الارطاوية وعدده (3000) مع زعيمها قعدان بن درويش. ‏

‏7 ـ لواء أهل العمار وعدده (1500) مع عبد المحسن بن حسين. ‏

‏8 ـ لواء سكان رنية وعدده (1000) مع قائدهم وشيخهم فيحان بن صامل. ‏

‏9 ـ لواء أهل المدينة وعدده (1000) وأميرهم عبد الله بن معمر. ‏

‏10 ـ لواء أهل عرجا وعدده (1000) وأميرهم ذعار بن الزميع. ‏

‏11 ـ لواء الرين العليا وعدده (1500) بيد حزام بن عمر. ‏

‏12 ـ لواء الرين السفلى وعدده (1500) بيد هذال بن سعيدان. ‏

‏13 ـ لواء أهل النصيف وعدده (1000) وأميرهم معيض بن عبود. ‏

‏14 ـ لواء أهل صبحا وعدده (1000) وأميرهم حزام الحميداني. ‏

‏15 ـ لواء أهل حلبان وعدده (1000) وأميرهم ماجد بن حميد. ‏

‏16 ـ لواء أهل الروضة وعدده (2000) وأميرهم هذال بن فهد ‏.‏

ويتابع أحمد العطار روايته عن "عبد العزيز آل سعود"، فيقول: ‏

‏(واجتاز هذا الجيش حدود الحجاز واحتل أول ما احتل قلعة كلاخ ثم احتل الاخيضر، فانضم إليه بعض ‏‏"الشرفاء"‏ ‏ من بني الحارث ورجال من ثقيف، وأخذوا يحتلون القرى ويقاتلون القبائل التي تمتشق الحسام ‏للدفاع حتّى أشرفت على الحوية ‏ صباح السبت الموافق غرة صفر سنة 1343 هـ ـ 1 سبتمبر سنة 1924م). ‏

ويتابع "العطار السعودي" فيقول: ‏

‏(وما كان أحد بمكة أو بالطائف يعلم بأمر هذا الغزو المباغت بل لم تعلم به الحكومة الهاشمية الا حينما دخل ‏الجيش السعودي الحوية فأصدر صبري باشا وزير حربية الشريف حسين أمره بالدفاع، فخرج من حامية ‏الطائف أربعمائة جندي نظامي كامل العدة ومعهم المدافع الجبلية الضخمة والمدافع الرشاشة واتجهوا إلى الحوية ‏لرد الـ "40.000" الغزاة الذين اشتهروا باسم "الاخوان" وكان بين الفريقين معركة حامية الوطيس أمطر فيها ‏الجيش الهاشمي خصمه قنابلاً ورصاصا كالمطر سبع ساعات ـ ولكن ماذا يفعل الرصاص بآلاف الاخوان ـ ‏الذين شدوا عزائمهم ووحدوا صفوفهم وانقضوا انقضاض الوحوش على الجيش الهاشمي البالغ 400 جندي فقط ‏فقابلهم بهجوم مضاد عنيف وضغطت المدفعية السريعة على جناحيهم ضغطا شديدا وزحزحتهم عن الاماكن التي ‏تقدموا إليها وأعطت افرصة الكافية للجنود للتقهقر إلى الوراء تدريجيا والانسحاب من ميدان الحوية بانتظام في ‏موضع أحسن ملاءمة من الموضع الحالي "وكان الخبراء الانكليز بقيادة جون فيلبي وراء هذه الخطط العسكرية ‏النظامية التي لا يعرفها البدو"… ‏

ومرة ثانية، زحف ابن بجاد وخالد بن لؤي بجيشهما فأصلتهم المدافع نارا حامية، وارهقهم البدو المنتسب ‏للحسين الهاشمي فلم يستطيعوا التقدم ودامت المعركة ثلاثة أيام بلياليها ابتداء من يوم الاثنين 3 صفر حتّى ‏عصر الاربعاء 5 صفر وكان النصر يحالف الجيش الهاشمي لولا أن البدو الذين كانوا معه في الصفوف ‏الامامية خانوا وانضموا إلى "الاخوان" حتّى اضطر الجيش النظامي للحسين المدافع إلى التقهقر بالتدريج. ‏

في حين أن الاخوان أخذوا يتقدمون قليلا قليلا ويحتلون الهضاب والتلول التي يخليها العدو الهاشمي ‏المتقهقر الذي وقف عند أسوار الطائف يدافع باستبسال وحماسة واستماتة. ‏

وسمع الملك الحسين بخيانة البدو ـ التابعين له ـ وتراجع جيشه ـ المكون من 400 ـ أمام 40000 ـ ‏فأرسل ابنه عليا بجيش من الخيالة والهجانة قوامه ـ 200 ـ وأمره أن يسلك طريق كرا، وبعث جيشا آخراً ‏ولكن قوامه ـ 200 ـ من طريق السيل ليلتقي طرفا الكماشة ويستطيع الهاشميون تطويق أعدائهم، والملتقى بعد ‏الطائف. ‏

ودوى أزيز الرصاص والقنابل في ضواحي المصيف الوديع الهادي. ‏

وأثار الفضاء فانتشر الذعر والهلع بين السكان المدنيين ففر من استطاع تاركا كل ما معه ناجيا بروحه، ‏وبقي من بقي يفتك فيه الخوف والقلق فتكا، وخبأ الاغنياء الذهب والاحجار الكريمة وأغلقوا الابواب وحصنوها ‏من الداخل بأحجار كبيرة ليستعصى فتحها إذا ما احتل الغزاة المدينة. ‏

غير أن دخول الامير علي الطائف ليلة الجمعة 7 صفر هدأ القلوب بعض التهدئة الا أن مغادرته اياها فجرا ‏ليعسكر في الهدى أيأسها وملأها رعبا. ‏

أما الجيش الذي غادر مكة وسلك طريق السيل فلم يصل بعد. ‏

فتقهقر الجيش النظامي من أمكنته حتّى دخل البلدة صباح الجمعة بعد أن كبد الاخوان خسائر، وحوصرت ‏الطائف من ثلاث جهات ولم يستطع الاخوان احكام نطاق الحصار من الجهة الرابعة لوجود مدفعية قوية تذود ‏من يأتي منها، بل ركزوا كل المدافع من ناحية الغرب ليكون الجيش على اتصال بالهدى فمكة وليكون له منفذ ‏واحد على الاقل ان أراد النجاة. ‏

وتوافدت الاعراب إلى جيش "الشريف" خالد بن لؤي (السعودي) والتحقوا حتّى امتلأت البطاح، بطاح ‏الطائف وسهوله وضواحيه ـ وبذلك وصل الجيش السعودي إلى أكثر من /50000/ وروع البلد الجميل ‏بالقذائف المتفجرة فتداعت البيوت القديمة وتطاير فوق جوه الحالم البديع الرصاص كشرر جهنم. ‏

وعلا صراخ الاطفال وعويل النساء وبكاء الرجال خوفا على أفلاذ الاكباد وعلى الارواح، فهم لم يشهدوا ‏الحرب من قبل وهم الآن سيشهدونها بل بدأوا يشهدون فصولها المتوحشة البدائية وأيد ما يرون ما سمعوا من ‏قبل من أن الحرب عمياء جارمة جائرة تساوي برئ الذيل بالمجرم فيا ويل المدنيين منها ومن لظاها!… ‏

انهم ينظرون من الثقوب فيرون الاخوان الوحوش والاعراب يملؤون البطاح ويطوفون بالسور والسيوف ‏تتدلى كأنها تهتز من طرب بما تحتسي من دماء هي رحيقها الذي فنيت في طلابه. ‏

وفي أيديهم البنادق يجثم الموت على أفواهها وكأنه من سبغه جاث على ركبه فاغر فاه ينتظر الطعام… وما ‏طعامه الا أجساد أبناء آدم الاشقياء!. التعساء!. الابرياء!. ‏

لهم الله!. لهم الله!. ‏

قد تخلى عنهم النصير ولكن لم يتخل الله عنهم! فهو ناصرهم ومجيرهم!. ‏

فهذا أمير الطائف الشريف شرف بن راجح، وهذا وزير الحربية صبري باشا، وهؤلاء الجنود وهؤلاء ‏‏"الشرفاء" والموظفون وأسرهم يغادرون الطائف قبيل مغرب يوم الجمعة تحت حماية المدفعية التي أخلت لهم ‏السبيل وأبعدت عنهم الاعداء ويسلكون الطريق إلى الهدى زاعمين أنهم يريدون الانضمام إلى الامير علي هناك ‏وتعزيز مراكزهم الدفاعية. ‏

ولكن لماذا اصطحبوا أسرهم ان كان القصد الدفاع وحده والانضمام إلى جيش الهدى!. ‏

لقد أخلوا البلدة وتركوا الاهلين بها بحجة "أنهم لا يريدون تعريضها للدمار فبعدوا عنها حتّى يكروا عليها ‏وينقذوها من يد الغزاة" ولكنهم جهلوا أو تجاهلوا أنهم عرضوا الناس للنوى والقتل. ‏

خلت المدينة فلا تسمع الا همسا وتدفق الغزاة إلى الداخل كما تدفق الاعراب الطفيليون معهم وهم يهتفون ‏هتافات عالية قوية يشقها أزيز الرصاص المنطلق من البنادق والرشاشات في الفضاء. ‏

وزرعوا الشوارع والاسواق وقتلوا كل من وجدوه بها واحتلوا المراكز الحكومية والابراج والقلعة ونهبوا ما ‏بها. ‏

وكان في البلدة كثير من قبائل الطويرق وعتيبة والبقوم والنمور المتخلفون عن الجيش الهاشمي قد انضموا ‏إلى المهاجمين المحتلين واختلط القاتل بالفاجر، وانتهز الذؤبان الادميون الضراة فرصة فقدان السلطة من البلدة ‏وانتشار الاضطراب فيها فراحوا يقضون الليل في السلب والنهب والقتل وهتك الاعراض بلا رادع من دين أو ‏ضمير أو سلطان وهاجموا البيوت وحطموا الابواب ودخلوا على الابرياء ومزقوهم بالسيوف وأطلقوا عليهم ‏الرصاص، واستلبوا كل ما وجدوا من غال ورخيص)… ‏

ويتابع ـ العطار السعودي ـ صياغته لاعترافات عبد العزيز آل سعود، فيقول: (وقد وجد البدو ممن لهم ‏ثارات عند الاهلين فرصة نادرة للانتقام فزحفوا إلى بيوتهم واقتحموها عليهم وقتلوهم شر قتلة تشفيا منهم، ‏وهتكوا أعراضهم، وبعد أن ذبحوهم وضعوا رقابهم في حنفيات الماء والصهاريج فشربوا من دمهم وتوضأوا ‏بالماء الملوث بالدماء البريئة وصلوا!… ‏

ولم يكلفوا أنفسهم عناء استلام الاساور الذهبية من أيدي النساء الممدة بل قطعوا أيديهن وأرجلهن ولبس ‏‏"الاخوان" الحلي وهذه الاساور بأيديهم ووضعوا القلائد ـ الخرزية والذهبية ـ في رقابهم كي لا تعيقهم عن بقية ‏النهب والقتل… وهكذا "دخل سلطان الدين السعودي " ـ أي سلطان بن بجاد ـ البلدة وأخلاها من السكان ‏المدنيين وحشدهم كلهم في حدائق شبرا وقصرها العتيد، وكان النساء سافرات لاول مرة في هذه البلاد وكن مع ‏الرجال ومكثوا أياما بلا طعام ولا ماء!). ‏

ويقوللي عبد العزيز آل سعود: (لقد وصلني وأنا في الرياض خبر المذبحة في الطائف فبكيت حتّى تبللت ‏لحيتي!… واعترتني الكآبة وغامت على وجهي سحابة من الحزن البالغ العميق وتمنيت لو لم ينتصر سلطان بن ‏بجاد بهذا الثمن، وتمنيت أنني حاضر، ولكنني بعثت رسولي إلى سلطان بن بجاد وخالد مهددا وطلبت اليهم ‏الكف عن القتال، ولما قدمت مكة عزمت أولياء القتلى وأهليهم على وليمة ورتبت لهم وألفت لجنة للتعويضات ‏على منكوبي الطائف وأعطيت كل واحد عشرة ريالات فرنسية وصاع من القمح)!!.‏

يا سلام!.. صاع من القمح؟! والصاع عبارة عن 3 كيلو قمح، والعشرة ريالات عن جنيه استرليني!.. يا ‏بلاش!.. ‏

ويتابع العطار قوله: "وأنا كمؤرخ أبرئ ابن سعود من مسؤولية مذبحة الطائف فهو من تعاليمه ونصائحه ‏لجنده ألا يتبعوا مدبرا وألا يجهزوا على جريح وألا يهاجموا بيتا وألا يقتلوا شيخا ولا طفلا!. ‏

وألا يعترضوا امرأة ولو قاتلت!، وألا يؤذوا المدنيين من السكان)‏

ويتابع العميل السعودي العطار صياغته لكلام سيده عبد العزيز فيقول: (ودخل "بريدة" التي خانته وخرجت ‏عليه مع أميرها أبي الخيل وكبدته الخسائر وأتعبته وأرهقته وأخلفت في الوعود ونكثت بالعهود، ثم امتشقت ‏الحسام في وجهه لكنه دخلها دخول الصديق بلد صديقه لا دخول المنتصر الغلاب الموتور بلد عدو خائن مقهور. ‏

وعفا عن أهلها جميعا ووزع عليهم الكسوة والزاد، وبدل خوفهم أمنا وشقاءهم سعادة، وجوعهم شبعا، كما ‏عفا عن أبي الخيل ومنحه حريته فسلك طريقه إلى العراق)…‏

ولنترك هذا العطار السعودي يتابع دفاعه عن أسياده لنستفيد من كذبه!. ‏

حينما يقول: (بل ليس عفو عبد العزيز آل سعود: عن أهل بريدة الأول من نوعه والاخير بل هنالك ‏حوادث جمة تثبت نبل ابن سعود ومروءته وزهده وتقواه وديانته، فطالما ظفر بأعداء ألداء لو ظفروا به لقطعوه ‏اربا اربا فصفح عنهم وأكرم مثواهم كآل رشيد وآل عائض وآل الادريسي والاشراف وغيرهم). ‏

كذا… يزعم العطار.. فيتابع أكاذيبه التي يكشف بها الجريمة فيقول: (وتاريخ ابن سعود شاهد عدله على ‏صدق ما نذهب إليه! ـ والتاريخ السعودي لا يحمل ابن سعود "مسؤولية" المذبحة التي لا يرضى بها رجل أقل ‏مزايا من ابن سعود فكيف بهذا الذي ضرب خير الامثلة الفاضلة في أكرم الصفات ولكن يحملها سلطان بن بجاد ‏فهو الذي صنع ما صنع وهو رأس البلاء في محنة الطائف وفاجعته حتّى أن ابن سعود لم تطمئن عينه بالنظر ‏إلى هذا "السفاك" الاثيم الذي كان فائدا عاما فلم يراقب الحالة مراقبة دقيقة ومنح البدو بسوء ادارته فرصة ‏الاعمال الاجرامية والضراوة والوحشة)… ‏

هكذا يزعم العطار على لسان عبد العزيز، فيتابع العطار مدافعا عن الجزار بقوله: (بل طبعت نفس قائد ‏الجيش السعودي ابن بجاد الجارمة على الشر، فقد خرج هذا القائد بعد سنوات على ولي نعمته ابن سعود فانتقم ‏منه الله وقضى عليه وعلى جماعته من أهل الغطغط في وقعة السبلة سنة 1347 هـ وأراح الله المسلمين من ‏شره)!!.‏

ولنا ملاحظة بسيطة نرد بها على مزاعم المؤلف العطار.. التي أراد بها ابعاد ابن السعود وأسياده وقادته ‏الانكليز عن مسؤولية هذه المذابح التي راح ضحيتها في "تربة والحيوة والطائف وجدة فقط" أكثر من /150000 ‏‏/ إنسان من الذكور والاناث والاطفال… ان هؤلاء القتلة ما تحركوا الا بأمر عبد العزيز وقيادة الانكليز من ‏أمثال جون فيلبي الذي رافق كافة حملات المذابح وخطط لها.. ‏

وحينما أراد عبد العزيز الصاق هذه الجرائم بقائد جيشه ابن بجاد رد عليه ابن بجاد في مجلسه في مكة أمام ‏الحاضرين من أهل الحجاز بقوله: (أنت الذي أوصيتني يا عبد العزيز أن أقتل البرئ ليرضخ العاصي وان ‏أفتك بلا رحمة حتّى تكل السيوف من رقاب أهل الحجاز الكفار)!.. فخرس عبد العزيز لهذا الرد.‏

المجازر السعودية في الهدى

ويتابع العطار صياغة أقوال عبد العزيز آل سعود بأسلوبه "العطاري" عن المذابح السعودية، فيصف طبيعة ‏‏"الهدى" أولا ـ ثم يتابع: (عندما يغادر المرء الطائف تعترض طريقه عقبات جبلية كأداء قبل أن يصل ـ الهدى ‏ـ التي ترتفع عن سطح البحر 1800 قدم، والهدي جنة بخضرتها وبثمارها وبمياهها العذبة وبجوها الحالم ‏البديع، ولكنه ما أن مر بها الجند السعودي مرور الجراد حتّى أفناها)!.. ‏

ويتابع العطار فيقول: (وأشرنا في الفصل السابق إلى أن الامير علي بن الحسين قد نزل بجيشه الذي قدم ‏من مكة في الهدي وانضم إليه وزير الحربية صبري باشا بجيشه البالغ عدده ستمائة جندي نظامي ومعهم ‏الشريف شرف بن راجح والموظفون ولكنهم لم يعسكروا في الهدي بل بارحوه إلى عرفات.‏

الا أن الحسين كان متتبعا ما يجري من المجازر: من مجزرة الحوية حتّى مجزة الطائف واستسلامها ‏للاخوان، وكان يدأب على جمع قوة تستطيع استرداده من أيدي الغزاة المعتدين وبذل الاموال وأخرج السلاح ‏الباقي لديه، لكنه لم يوافق الا إلى جمع مائتين من أهل مكة المتحضرين وستمائة رجل من قبائل هذيل وبني ‏سفيان وضمهم إلى خمسمائة من جنود النظام وزودوهم بالمدافع والاسلحة والذخائر وأمرهم أن يذهبوا إلى "علي" ‏بعرفات، وبعث ابنه الامير علي أن يذهب بهذا "الجيش" وبمن معه" ليقاتل الـ 50000 جندي سعودي" ويسترد ‏الطائف وألا ينثني أو يرجع بل ليحارب حتّى الموت!. ‏

فالمسألة اما فناء أو بقاء فالطائف مفتاح مكة، ومكة مفتاح الحجاز كله، فإذا استطاع "الاخوان" السعوديون" ‏التقدم عن الطائف فان الدماء ستسفك في الجيش المتردد، ولا يغني حينئذ الدفاع شيئا. ‏

وأطاع علي الامر فمشى "بجيشه" ونزل في الهدي، واحتل المراكز الحصينة بجبل كرا وبالهدي وبالنقب ‏الاحمر وركزوا المدافع بقمم جبلي الهندي والكمل واليفوع ونزل ـ هو ـ قصرا بالهدي فيه جهاز تليفوني ‏يصله بالكر، وبأبيه، في مكة… ولكن: ‏

وفي لحظات هجم ألفان من جيش الاخوان على مراكز الجيش الهاشمي ثم ارتدوا على أعقابهم حتّى إذا ‏انتصف الليل أعادوا الكرة وأطلقوا وابلا من الرصاص عليه وتقدموا وصعدوا النقب الاحمر كما تسلق كثير ‏منهم الطرق الجبلية حتّى كانوا على قمة النقب وكانت معركة دامية ثم فتر "الاخوان" عن القتال أو ـ على ‏الاصح ـ أخذوا يستجمعون الراحة لمواصلة الحرب. ‏

وبعد فترة هدوء لم تستغرق من ثلاثين دقيقة هجم القائد السعودي سلطان ابن بجاد بجيش الغطغط على ‏فرسان قلب الجيش الهاشمي هجمة قوية لم يستطيعوا معه الثبات فتقهقروا.‏

الا أن بدو هذيل وبني سفيان ظنوا أن الدبرة حلت بالهاشميين "أي الهزيمة" فولوا الادبار منهزمين لا يلوون ‏على شئ فتبعهم من بقي من الجيش ما عدا جنود النظام فقد ثبتوا يصاولون ابن بجاد ورجاله ولولا عماية الليل ‏لكان للمعركة شأن آخر، ولكن الليل كان خير معوان فتدسس كثير منهم إلى جيش الهاشمي وراح يطعنه ويلقي ‏عليه الرصاص حتّى تبلج نور الفجر فكان القتلى من الاخوان قليل أما أعداؤهم فقتلاهم كثير فتضعضعت روح ‏الهاشميين المعنوية كما قويت روح أعدائهم السعوديين. ‏

ولم "سلطان" جيشه وأخذ يهاجم جيوش الهاشميين مهاجمة قاسية وينقض على المنهزمين منه حتّى اضطر ‏الامير علي إلى الرجوع والانسحاب تحت ستار من القذائف حتّى انتهى إلى شعفة "رأس" كرا صباح اليوم ‏السادس والعشرين من صفر وثبت في الدفاع حتّى الساعة السادسة ـ أي من الصباح إلى الظهر ـ ولكن ‏الاخوان تكاثروا عليه فاجتاز كرا ووصل الكر في الساعة الثامنة نهارا واتصل بأبيه تليفونيا وأخبره بالهزيمة ‏وأن "الجيش المكون من 400 لا طاقة له الان بالحرب والقتال أمام 50000 " وان الاخوان في رعان كرا وهم ‏متفوقون. ‏

فغضب الحسين على ابنه وأمره أن يرجع ويدافع وقال له مت في سبيل الوطن وحذره من الرجوع فأطاع ‏الامر وانثنى بمن معه من "الجيش" ومشى في مقدمته يتسلق كرا حتّى قطع نصفه وإذا رصاص الاخوان كالمطر ‏ينهمر عليه فركز مدافعه الرشاشة في الحيود ‏ واخذ يدافع ويمهد للهجوم والارتقاء. ‏

وتحمس الاخوان لاستقبال الجيش الهاشمي وكره فاندفعوا في كرا يريدون ان يصلوا إلى الحيود التي يركز ‏فيها مدافعه السرية الرشاشة، ولكن قادة الجيش السعودي من الانكليز لم يسمحوا لهم وأمروا القائد التنفيذي ‏سلطان ابن بجاد بعدم السماح لجنده الا بالدفاع عن شعفة كرا. ‏

ومضى ابن بجاد إلى الهدى يتفقد منازل المنهزمين فوجد في القصر الذي كان فيه الامير علي قبل يوم ‏التليفون فحطمه وهو لا يدري عن حقيقته وعمله واستولى على كل ما به وقتلوا كل من وجدوهم من الابرياء).‏

ولنا ملاحظة على زعم العطار ـ عن مزاعم عبد العزيز آل سعود ـ الذي يحاول اظهار قائد جيشه سلطان ‏بن بجاد بمظهر الجاهل حتّى بجهاز التليفون!. ‏

ليتبرأ ابن السعود مما ارتكبه جنده وقائده من مجازر، وليثبت أن ابن بجاد الذي انقلب ضد ابن السعود ‏أخيرا حالما أعلن نفسه ملكا "انّما هو جاهل" أيضاً!.. ‏

والآن: فليتابع العطار اعترافات سيده فيقول: (ثم قاد ابن بجاد المعركة بنفسه وأخذ يلقي الرصاص على ‏الجيش الهاشمي ولكنه لم يستطع أن يرده ويدحره كما أن الهاشميين لم يستطيعوا التقدم، وهنا وصل إلى "علي" ‏رسول من ضابط الاتصال بالكر يخبره أن أسلاك التليفون بينه وبين الهدى قد قطعت فرجع الامير إلى "الكر" ‏وبات ليلته به وفي 27 صفر توجه بالجيش إلى مكة). ‏

هنا.. ينفضح التضليل السعودي عن جهل ابن بجاد المزعوم حينما قطع وحطم التلفون… ويتضح ان ما ‏فعله القائد التنفيذي للجيش السعودي ابن بجاد ناتج عن خطة عسكرية قصد بها قطع الاتصال بين قادة الجيش ‏الهاشمي والملك حسين… ‏

الحزب الذي قال للحسين: اعتزل ‏

لقد أرجف بالناس في مكة لفظاظة الجند السعودي وسفكهم للدماء وبدأ الطابور الخامس السعودي الانكليزي ‏ينشط في الحجاز ويرجف بالناس ويفتك كالمكروبات.. ويقول العطار: ‏

‏(سافر الامير علي بعد معركة الهدى إلى جدة وانتقل إليها أقطاب الحكومة الهاشمية وبقي الحسين بمكة ثابت ‏الجنان قوي الرجاء في قهر القوات السعودية ودحرها وردها على أعقابها مكلومة مدحورة وكان هذا الامل ‏الباسم يوسوس في قلبه فيقوي عزمه ويزيد في ضرام حماسته وحميته وشجاعته رغم ادراك الحسين لضخامة ‏الدعم الاكليزي الذي يلقاه خصمه ابن السعود… الذي يعرف المقاتل ويجيد الحيلة ويستدرج الخصم ويحبب ‏الناس فيه ثم يضرب العدو ويرثي لحاله ويبكي عليه ويبرر عمله بالمنطق الخلاب، فيظنه الناس شفيقا رحيما ‏مسالما في حين أن خصمه وحده هو الذي أدرك اللعبة)… الخ.. ‏

ولقد ظن العطار أنه بهذه الصفات الملبسة بالقذارة انّما كان يمتدح ابن السعود، ولكنه كان يذمه بابرازه ‏لبعض صفاته الخبيثة الآنفة. ‏

ويتابع العطار قوله: (وبينما الحسين مستغرق في أمانيه وأحلامه يفكر في الوسيلة التي يدفع بها طغيان ‏القوات السعودية اجتمع في جدة بأقطاب حكومته وهم: الشيخ محمد الطويل والسيد محمد الدباغ والسيد الطيب ‏الساسي والشيخ عبد الرؤوف الصبان والشيخ سليمان قابل والشيخ محمد نصيف ‏ وغيرهم وأخذوا يفكرون فيما ‏بينهم في الوسيلة التي يخلصون بها البلاد من الحرب!… ‏

وبعد أن تداولوا الفكرة وتكلم كل منهم بما عن له قرروا "أن يتنازل الملك الحسين عن عرشه ويتخلى عنه ‏لابنه علي لان ابن سعود يبرر غزوه الحجاز بمعاملة الحسين العدائية له وللنجديين ومنعه اياهم عن الحج فهو لا ‏يقبل الصلح معه وللعله إذا خلا الميدان منه رضي ابن سعود بالصلح"!…‏

ولأول مرة يجرؤ رعايا الحين على عقد اجتماع كهذا يتداول فيه المجتمعون بكل حرية وصراحة ما يجب ‏عمله من أجل البلاد والامة حتّى أنني كنت أشك في أن الهيئة استطاعت أن تصارح الحسين بأمر التنازل ‏فسألت السيد الدباغ عما إذا كان هذا التنازل بطلب من الحسين وبتواطؤ من ابنه الامير علي مناورة منه لكسب ‏الموقف ضد ابن سعود حتّى إذا جلت قواته رجع إلى الحكم مرة أخرى فأجابني بأن الحسين لم يدر باجتماعنا ‏ولا بما قررنا من ناحية تنازله بل فوجئ به)… ‏

أن هذه الطريقة التي يخلع بها الناس حكامهم لا يستطيع على فعلها الان أي مواطن ضد أي عبد من عبيد ‏آل سعود… حينما فاتحوا الملك حسين بخلفه.‏

‏(واتفق أولئك المجتمعون مع الامير علي على ما قرروا وبعثوا إلى الحسين بعد صلاة ظهر اليوم من ربيع ‏الأول سنة 1343 هـ (3 أكتوبر سنة 1924 م) البرقية التالية: ‏

صاحب الجلالة الملك المعظم بمكة: ‏

‏"بما أن الشعب الحجازي بأجمعه الواقع الان في الفوضى العامة بعد فناء الجيش المدافع وعجز الحكومة عن ‏صون الارواح والاموال، وبما أن الحرمين الشريفين خاصة وعموم البلاد مستهدفة لكارثة قريبة ساحقة وبما أن ‏الحجاز بلد مقدس يعني أمره جميع المسلمين. ‏

لذلك قررت الامة نهائيا طلب تنازل الشريف حسين وتنصيب ابنه الشريف علي ملكا على الحجاز فقط ‏مقيدا بدستور ومجلسين وطنيين".. الخ.. ‏

والله الموفق لما فيه الصلاح!… آح!. ‏

ووقع البرقية مائة وأربعون من كبار الحجازيين وفيهم أكثر أولئك المجتمعين كالدباغ وغيره وتسلموا ‏الجواب بعد العصر وها هو نصه: ‏

ادارة برقيات الحكومة الهاشمية ‏

في 4 ربيع الأول سنة 1343 هـ بواسطة قائمقام جدة ‏

إلى الهيئة الموقرة ‏

مع الممنونية والشكر، وهذا أساس رغبتنا التي أصرح بها منذ النهضة والى تاريخه، وقد صرحت قبله ‏ببضع دقائق أني مستعد لذلك بكل ارتياح إذا عينتم غير علي واني منتظرهذا بكل دعة وارتياح. ‏

الامضاء (الحسين) ‏

وتسمت هذه الهيئة "الحزب الوطني الحجازي" وكان رئيسه الشيخ محمد الطويل وكاتم سره "سكرتيره" السيد ‏محمد طاهر الدباغ وأعضاؤه كثر، وقد اجتمع الحزب أو كان مجتمعا لم يغب منه عضو من صباح هذا اليوم ‏حتّى اللحظة التي تسلموا فيها جواب الملك حسين وبحثوه ولم يرضهم ورأوا من خلاله أنه لا يريد أن ينزل عن ‏عرشه بهذه السهولة لانه لم يصعد إليه إلا بتضحيات وتعب، فهل من المنطق أن ينزل عنه لرقية تطير إليه من ‏شبان متحمسين؟.‏

فليداورهم، فلعل حماستهم تبرد بعد لحظات، ولهذا تظاهر بابداء الارتياح ولكن طلب اليهم تعيين غير علي، ‏وبهذا يستطيع أن يضمن لنفسه البقاء على العرش إلى… أيام أو شهور… أو سنوات. ‏

إلا أن أعضاء الحزب الوطني لم يرقهم جواب الحسين وكانوا يودون من صميم قلوبهم أن يتنازل بسرعة ‏‏"ليتفرغوا لعمل جديد" ينقذون به الموقف الحاضر" كما يزعمون" فقرروا أن يتصلوا به ـ أولا ـ بالتليفون ثم ‏يطلبون إليه أن يوقع وثيقة التنازل التي سيكتبونها متى وافق ورضي به. ‏

وتناول الشيخ سليمان قابل (وكان رئيس بلدية جدة) التليفون وطلب الملك الحسين فأعطى الطريق إليه. ‏

ـ ألو ـ مولاي! مولا.. مولاي! ‏

‏… يرد الحسين: ماذا؟!‏

ـ ماذا تريد؟ ‏

ـ الأمّة!..‏

ـ مالها.؟ ‏

ـ تريد منكم التنازلّ… ‏

ـ لا تكلمني انت لأنك من رجال حكومتي وليكلمني غيرك في هذا الامر؟. ‏

فوضع السماعة يائسا غير أن "الشيخ محمد أفندي" نصيف دق الجرس ورفع السماعة وقال: ‏

ـ مولاي … مولاي… مولاي

ـ من أنت؟ ‏

ـ محمد نصيف (وكان عبد العزيز آل سعود وجون فيلبي في بيت محمد نصيف أثناء هذا الكلام) فقال ‏الحسين: ‏

ـ لا تكلمني في موضوع التنازل لأنك أنت أيضاً من رجال حكومتي ومشبوه… ‏

فجشأت يده ثم وضع السماعة ورجع إلى مكانه، وهدأ من بالمجلس لحظات يفكرون دون أن يحدث احدهم ‏الآخر. ‏

ثم بدأوا في الحديث متحمسين: "يجب أن يتنازل الحسين" وطلبوا إلى محمد الطويل أن يتكلم مع الحسين ‏لأنه رئيس الحزب، فاعتذر إذ لا يطيق أن يكلم "سيدنا" في هذا الامر ويفجعه في أعز أمانيه وهو صديقه ومليكه ‏عن التنازل وطلب إلى سكرتير الحزب (الدباغ) أن يكلمه وكان هذا من رجال حكومة الحسين فتناول السماعة ‏وقال: ‏

ـ مولاي ان لك عندنا لمقاما كريما، غير أن المركز الحرج الذي وصلت إليه البلاد يدعوني إلى أن ابلغكم ‏أن "الامة!" قد قررت طلب تنازلكم لسمو الامير علي، و"الامة" اياهم ـ طبعا … فقاطعه الحسين: ‏

ـ أنا وابني واحد، وإذا كنت قد صرت عندكم بطّال (بمعنى ردئ) فلا بأس، ولكن لا أفهم ما القصد من ‏هذا، لا يهمني أمر المُلك في أي شخص كان ولكني لا أتنازل لولدي علي أبدا لأني ان كنت أنا "بطّال " فولدي ‏علي "بطال". ‏

ـ لا يا مولاي نحن ـ البطّالين ولا أنت ـ ونحن لا ننسب إلى جلالتكم شيئا من ذلك وانما نريد أن نسلك ‏سياسة غير التي سرتم عليها لعلنا نتمكن من تخليص البلاد من مأزقها الحرج و"الامة" أجمعت على طلب ذلك ‏من جلالتكم وانا لنرجوا إجابة رغبتها: اجابة رغبة "الامة" التي حرصتم على مصالحها دائما.‏

فرد عليه الملك الحسين قائلا في لهجة غير لهجته الاولى: ‏

ـ يا بني، لكم أن تفعلوا ما تشاؤون، أما أنا فلا أتنازل لولدي على أبدا، عندكم الشريف علي أمير مكة ‏السابق، وأخي ناصر، وعندكم خديوي مصر عباس، وعندكم "الاشراف" وهم كثيرون، اختاروا، أي واحد ‏تشاؤون من الناس وأنا مستعد بالتنازل له. ‏

أما ولدي فلا يمكن لأني أنا وهو شئ واحد، خيره وشره عائدان لي ‏. ‏

فقال الدباغ متوسلا: ‏

ـ مولاي ، ان الامة "!" التي سهرتم على مصالحها وحرصتهم على رضاها هي التي اختارت الامير عليا، ‏فترجو من جلالتكم الموافقة…‏

‏(ان هذه الاقوال مبالغة كبرى، لأنه لا "الامة" ولا الشعب اختار "عليا" وابن السعود" بل الحزب الذي لا يزيد ‏عن 140 فرداً من كبار الموظفين والتجار ولذلك اتت عقلياتهم أقل مستوى من عقلية الملك الحسين…) ‏

ـ يا طاهر، لا يمكن هذا، انظروا غير ابني وأنا مستعد. ‏

فقال الدباغ: مولاي. ‏

فقاطعه الحسين محتدا: أقول لا يمكن قطعيا أن أتنازل لأبني لأنني وهو شئ واحد… ‏

فاجاب الدباغ: ساعلم الهيئة ثم نعلم جلالتكم. ‏

اخفق هؤلاء في حديثهم مع الحسين، وأخذوا يبحثون من جديد في الطريقة التي يستطيعون بها اقناعه حتّى ‏يتنازل عن العرش تخليصا للبلاد من هذه الكارثة كما يرون وأصروا على قرارهم غير أنهم رأوه مصرا على ‏عدم التنازل ما دام من سيخلفه هو ابنه الامير علي، فكتبوا إليه برقية اغفلوا فيها اسم من يخلفه بل طلبوا إليه ‏التنازل لتتمكن "الامة" من تشكيل حكومة مؤقتة وهذا نص البرقية: ‏

‏"صاحب الجلالة الملك المعظم بمكة" ‏

الحالة حرجة جدا، وليس الوقت وقت مفاوضات، فإذا كنتم لا تتنازلون للامير علي فنسترحم بلسان ‏الإنسانية ان تتنازلوا جلالتكم لتتمكن الامة من تشكيل حكومة مؤقتة وإذا تأخرتم عن اجابة هذا الطلب فدماء ‏المسلمين ملقاة على عاتقكم"!‏

فلم يجد الملك حسين بداً من التنازل، وكتب اليهم البرقية الاتية: ‏

‏"مكة في 4 ربيع الأول الساعة الثالثة ليلا" ‏

لا بأس قد قبلنا التنازل بكل ارتياح، إذ ليس لنا رغبة إلا في سكينة البلاد وراحتها وسعادتها فالان عينوا لنا ‏مأمورين من هنا يستلمون البلاد بكل سرعة ونحن نتوجه في الحال، إذا تأخرتم ووقع حادث فأنتم المسؤولون ‏والاشراف عندكم كثيرون، ارسلوا واحدا منهم أو من سواهم، وعلاوة على هذا إذا قبل منكم الابن على الامر ‏عينوه رأسا". ‏

الامضاء (حسين)‏

وكسبت السياسة الانكليزية السعودية الجولة الاولى فالامير علي كان يختلف عن والده. ‏

وكتب كبار الموظفين إلى علي وثيقة "البيعة بالمُلك" وهي ما يلي: ‏

‏"بناء على طلب الامة "!" قد تنازل جلالة والدكم بموجب برقيته رقم 19 المؤرخة في 4 ربيع الأول وقررت ‏نهائياً البيعة لجلالتكم ملكا دستوريا على الحجاز فقط وأن يكون للبلاد مجلس نيابي وطني، وقانون أساسي تضعه ‏جمعية تأسيسية كما هو جار في الامم المتمدنة وبما أن الوقت ضيق يضيق الان دون تأسيس المجلس النيابي ‏الوطني فقد قررت الامة أن تشكل هيئة مؤقتة لمراقبة أعمال الحكومة وانا نبايعكم على ذلك وعلى كتاب الله ‏وسنة رسوله"… ‏

وبايعه عن "الامة" كبارها واغنياؤها… ‏

‏(وقد أدى تنازل الحسين وتولية "علي" الملك إلى اضطراب عام في مكة وغيرها، فالحسين كان مهيبا عند ‏رجاله وامته، وكان منطقيا عنيدا قويا طموحا صلب القناة مستبداً لا يستطيع أحد أن يشاركه الامر. ‏

أما علي فكان هينا لينا مسالماً فاتر العزم وكانت صفات علي صفات زاهد ورع لا صفات حاكم يريد مجداً ‏ويسوس جندا ويبغي السيادة والخلود، فالبون بينه وبين ابيه شاسع فالحسين أكفأ من علي وأزكى كثيراً، فلما ‏تنازل الحسين وصعد "علي" اضطرب الناس واضطربت مكة على الاخص وذهل الناس فما كانوا يصدقون أن ‏الحسين يبارح مكة فردا من أفراد الامة أو يعتزل الملك الذي سعى إليه سعيا، وبذل من أجله كل شئ وساد ‏التشاؤم كل بلدان الحجاز، فمكة متشائمه إلى حد بعيد).. ‏

‏"وحمل الناس قادة هذا الحزب مساهمتهم في الجريمة واتهم بعضهم بعمالتهم مع السعودية والانكليز مقابل ‏الوعود الكاذبة"… ‏

ويقول العطار: ‏

وأرى أن الحزب الوطني كان مخطئا في طلب تنازل الحسين فها هو الاضطراب والقلق والمخاوف تستبد ‏بالبلدان وبالعاصمة وبالناس وبالسبل. ‏

ولقد غضب الحسين غضبة شديدة حينما انتهى أمر البلاد إلى هذه "الفوضى" وكتب إلى من طلبوا إليه ‏التنازل برقية يقول لهم فيها: ‏

‏"ان الفوضى التي ذكرتموها وقعت على أيديكم بداعي اشهاركم رغبة تنازلي، وانا لا أقبل أية مسؤولية تقع ‏إذا لم تسرعوا اليوم في تعيين من يتولى الامر لأتوجه في الحال إلى الجهة التي يختارها الباري عن طريق جدة ‏وهذا ليس هربا من أي شئ تتصورونه بل دفعا للظنون والشبهات". ‏

وكان الحسين يدرك أن الانكليز وراء كل هذا… ‏

فاجاب الحزب الوطني الحجازي بهذه البرقية: ‏

في 5 ربيع الأول ‏

صاحب الشرف الاسمى الشريف حسين المعظم. ‏

جواب برقيتكم رقم 17 بحمد الله ومساعي مولاي قد تمت البيعة لجلالة نجلكم المعظم وقد فاوض جلالته من ‏يلزم في استلام البلاد وادارة شؤونها فالمنتظر من مولاي مبارحتها بكل احترام تهدئة للاحوال!… ‏

التوقيع عن رئيس الحزب الوطني الحجازي ‏

‏ محمد طاهر الدباغ

ومن وحي ما أملاه "عبد العزيز آل سعود" يتساءل أحمد العطار فيجيب نفسه فيقول: (ويجب أن نقول كلمة ‏للتاريخ: هل أخطأ الحزب الوطني أو أصاب في طلب تنازل الحسين؟… ‏

أما أنا فأرى أنه أخطأ في ذلك فقد أثّر تنازله في نفسية الجيش الهاشمي فانتحر آخر أمل يهجس في قلبه. ‏

كما قضى على روحه المعنوية وعجل بسقوط "الشرفاء" فهم كانوا أعون بعملهم هذا لخصومهم السعوديين لا ‏لأنصارهم، وقد خدم "أعضاء الحزب الوطني" ابن سعود بعملهم خدمة مرموقة، فقد تنازل الحسين قبل أن يقوم ‏ابن سعود من مقامه بالرياض باجبار الحزب اياه، وهذا نصر مؤزر يحرزه ابن السعود ولكن على يد خصومه ‏فهم ينزلون خصمه العنيد القوي "حسين" ليرفعوا بدله خصما صغيرا وديعا مسالما ضعيفا هو "علي" حتّى يتسنى ‏لابن سعود أن يقضي عليه سريعا بارهاقه بالمفاجآت ويضنيه بالحصار ويجبره على التنازل!. ‏

بل كان للحسين نفوذ وكلمة مسموعة عند الدول "أكثر من ابن السعود بكثير"، وكان له من "عظماء" الانكليز ‏أصدقاء فلو بقي في الملك واتصل بغير القناصل الموجودين كالمندوب السامي في مصر مثلا لاستطاع مساجلة ‏الخصوم والانتصار ، ولكن عليا لا دالة له على دولة إلا بأبيه كما أنه لا خصومة بينه وبين أحد إلا بأبيه، وهو ‏في كلا الامرين غير موفق لا دالة له كما لا خصم له والمهم أن الدول كانت معترفة باستقلال الحسين وملكيته ‏وحكومته في حين لم تعترف حكومة ما بالملك علي، بل أن كثيرا من الملكيين لم يعترفوا بأن عليا ملكهم!)… ‏

وهكذا نجح أعضاء المكتب الهندي جناح المخابرات الانكليزية الذي يسيطر عليه اليهود، نجحوا في ابراز ‏صديقهم عبد العزيز آل سعود… ‏

وقد برر الحزب الوطني جريمته بما زعمه جون فيلبي وابن السعود أن ابن سعود برر غزوة الحجاز بأن ‏الحسين ضد النجديين وان الحسين منع النجديين عن الحج، كما أوحى لهم فيلبي: "ان ابن السعود الذي شق ‏الطريق إلى الحجاز بالسيف لن يقبل صلحا مع الحسين" فهو قد يقبل إذا كان حاكم الحجاز غيره! ‏

فليطلبوا إليه التنازل ـ أولا ـ وليجبروه عليه، حتّى يتساهل ابن سعود في الصلح ويغادر مكة والحجاز ‏إلى نجد فتخلص بلادهم لحاكمهم الجديد ولكن الحزب بالاضافة إلى كونه قصير النظر كانت له مطامع نفعية ‏وعده بها ابن السعود وجون فيلبي وما وعدهم الشيطان الا غرورا… ‏

ويقول العطار : (وكأن الحزب تناسى أو تجاهل النزاع القديم بين "الشرفاء" وآل سعود من بدء الدعوة ‏الوهابية حتّى يوم ذلك، فالاسرتان في تنافس وخصومه وحرب، ما تنطفئ نارها إلا ويشعلها آل سعود ولا يمكن ‏تسوية الخلاف، ثم ما النفع الذي حصلت عليه الحجاز بالتنازل؟ لا شئ… لاشئ ولكن قادة الحزب هداهم ‏تفكيرهم في تلك الظروف القاهرة إلى أن اسلم الطرق هو ابعاد الحسين عن الحجاز ليتم الوفاق مع الغزاة)… ‏

ما بعد تنازل الحسين

تنازل الحسين يوم 4 ربيع الأول وطلب في الخامس منه أن يأتي من يقبض زمام الامر في مكة ليتوجه إلى ‏حيث "يختار الله له المقام" ـ على حد قوله ـ وسافر علي إلى مكة في 6 ربيع الأول وبقي الحسين إلى يوم 9 ‏ثم سافر إلى جدة واعتزل الناس، وفي يوم 16 ربيع الأول أبحر وودعه رئيس ديوانه السيد أحمد السقاف ‏وصديقه الشيخ محمد الطويل ولم يشأ أن يودعه ابنه علي، فأقله يخته "الرقمتين" إلى العقبة… ‏

وقد سعى رشدي "باشا" لدى الملك فؤاد ولدى رئيس الوزارة المصرية سعد "باشا" بأن يسمحا لملك الحجاز ‏بأن يسكن مصر فأبيا خشية من حدوث مالا تحمد عقباه من الانكليز، وهذا ما يكشف زيف زعماء الاغنياء ‏والمرتبطين بالاستعمار حتّى وان تظاهروا بالوطنية… ‏

لقد شاوروا الانكليز فرفضوا فرضخوا للاوامر الانكليزية، بل رفض الانكليز أن ينزل الشريف حسين لدى ‏ابنه عبد الله في الاردن حينما مر بالعقبة إلى منفاه ورفضوا أن يذهب إلى سوريا أو العراق، وهكذا حدد ‏الانكليز اقامته في العقبة قبل نفيه إلى قبرص، كل ذلك ارضاء لعبيدهم الاذلاء آل سعود.‏

ولم يكتفوا بذلك، بل ضايقوه في قبرص بعد نفيه مضايقة شديدة، من ذلك أن الانكليز حرضوا طباخ الحسين ‏أن يقيم الدعوة في المحكمة ضد الحسين وزوجته، وما دري الحسين وزوجته إلا حينما أبلغه الشرطي دعوة ‏لحضور المحكمة قبل ساعتين من المحاكمة، فساقوه وزوجته بتهمة مزعومة تقول: ان زوجة الحسين اقتطعت ‏من راتب الطباخ ربع جنيه استرليني!… ورغم كذب هذا الادعاء إلى أن الحسين قال للطباخ: (لو أخبرتني ‏بهذا الامر "الخطير" لدفعت لك الربع جنيه قبل أن تطع كلام الانكليزي الذي حرضّك ضدي اكراما لأبن السعود ‏ولكوني رفضت التوقيع باعطاء فلسطين لليهود، وهاهو لك مني جنيه مقابل الربع جنيه)… ‏

وخرج من المحكمة وزوجته يلعن الانكليز وعميلهم ابن السعود… وبعد ذلك اغتالوه بالسم عن طريق هذا ‏الطباخ اليوناني الذي اجبره الانكليز على احتوائه بالرغم من رفض الحسين له بعد تلك الشكوى، وبالرغم من ‏قول الحسين: "انني لا أحتاج إلى خدم فساخدم نفسي بنفسي"، لكنهم رفضوا… ‏

واجتاح "التتار" السعودي مكّة المكرّمة!!‏

وأي "تكريم" حصل لمكة المكرمة؟… يقول العطار السعودي في أقل وصف وصفه كاتب لاجتياح جيش ‏اليهود السعودي: (هرع الناس من الطائف إلى مكة، وانتشرت قبلهم أخبار راعبة مقلقة أن "الاخوان السعوديين" ‏أو المديّنة ‏ قسات غلاظ، بل نشرتها الحكومة الهاشمية في الجرائد باحرف بارزة مذبح الطائف حتّى خافت مكة ‏كلها وزادها هلعا القادمون من الطائف فقد كانوا يروون اخبارا وحشية غريبة مخيفة مريعة، وبدت العاصمة ‏المقدسة كمأتم تشترك فيه الامة كلها ففي كل حي بكاء وقراءة على أرواح الشهداء، وفي كل دار استعداد للسفر، ‏بل جلا عن مكة الاغنياء واسرهم وأخذوا معهم أموالهم وكان أول الجالين ـ بقايا ـ المصطافين في الطائف ‏لأنهم جزموا أن الاخوان والبدو السعوديين سيفعلون بمكة ما فعلوه بالطائف من مجازر رهيبة فهربوا إلى جدة.‏

وكنا نحن أيضا من الجالين الى جدة، إلا أبي رحمه الله، فقد أقام بمكة لأنها أقدس بقعة وآمنها على ظهر ‏الأرض على الاطلاق… وقد ودعنا ونحن راحلون إلى جدة بالرغم عنه فراراً بالروح والمال، قائلا: انّه ‏سيعتكف في المسجد الحرام فان قتل فما يكره الموت في رحاب طاهرة يستقبل وجه ربه الكريم بالشهادة: ‏

وكان خالي الذي تلظى بفاجعة الطائف هو الذي حملنا على الرحيل فاكترينا الحمير ومشى الشبان، أما ‏نحن الاطفال فقد ركبنا من حسن حظنا ورحلنا في الصباح، وكان طريق جدة كالمحشر، أطفال ونساء ورجال ‏وصبيان يحملون الطعام والنقود وما غلا ثمناً وخف وزناً، وكلهم يحث السير إلى جدة "هربا من وحوش آل ‏سعود". ‏

وصلنا الشميس فسمعنا أن الاخوان دخلوا مكة ـ وكان ذلك في 9 ربيع الأول سنة 1343 ـ ونهبوها ‏وهاهم يتعقبون الفارين فشددنا الرحيل إلى بحره فسمعنا الاشاعات بأن الوحوش المديّنة نهبوا الشميس وهاهم ‏الينا فنهضنا إلى أم السّلم ووجدنا جوها "مكهربا" بالاشاعات المرعبة أيضاً فلم ننزل بها وواصلنا السير حتّى ‏بلغنا جدة في منتصف الليل، غير أن الاشاعات كالبرق في السرعة سبقتنا إليها فسمعنا بفظائع الاخوان، وقضينا ‏أياما في قلق واضطراب حتّى جاءنا كتاب من أبي يبشرنا بأن الاخوان لم يدخلوا مكة!، فرجعت أنا واحد اخوتي ‏إلى أبي لأنه رغب أن نكون معه في وحشته، ووجدنا مكة كالمقبرة في الصمت الرهيب والسكون الشامل ‏والدكاكين المغلقة، والمناحات والمآتم. ‏

ونقصد من هذا أن نقول: أن مكة لم تطمئن بعد مجازر الحوية والطائف والهدي بل كانت قلقة تطحنها ‏الآلام فهي تنتظر البلاء والفاجعة بين الفينة والفينة مستسلمة لقضاء والقدر: ‏

ومضت أيام ومكة حزينة مرجفة خائفة وازداد خوفها عندما تنازل الملك الحسين وبارحها إلى جدة ومنها ‏إلى العقبة إلا أن قدوم الملك علي إليها في يوم الاربعاء 9 ربيع الأول هدأ مخاوفها الفاتكة قليلاً واستعد للدفاع ‏عن مكة ولبث اسبوعاً واحداً فيها ثم أتته الاخبار في يوم الثلاثاء 15 ربيع الأول (14 اكتوبر 1924 م) بأن ‏الاخوان قد وصلوا اليوم إلى الزيما وتبعد عن مكة 44 كيلو مترا فرأى أن ما معه من الجيش وهو لا يبلغ ‏الخمسمائة لا يستطيع حرب الاخوان "الـ 50000" وليس من الحزامة أن يقاتلهم وهو معتقد أن الهزيمة تصيبه ‏إذا ما اشتبك بهم فرحل باربعمائة من جيشه إلى جده وقال أنه سيحاربهم منها حتّى يخرجهم من الحجاز وترك ‏بعض الجنود لحفظ الامن الداخلي، غير أن من بقي بمكة من الاهلين صمموا على الدفاع ان صنع بهم الجند ‏السعودي المتوحش ما صنع بأهل الطائف. ‏

ولقد تسللت مجموعات كبيرة من الاخوان بطرق خفية… وساد القلق والاضطراب والاشاعات المركزة التي ‏يلهبها الاتباع السعوديين… ومضى على مكة بعد مغادرة الملك علي يومان كانت في خلالها فريسة لقلب عاصف ‏شديد ووجد الفرصة كل طامع ومجرم واثيم من الاخوان واتباعهم ونهبوا بعض مراكز الحكومة وقام بدور ‏من"اخوان مكة" بالنهب والسلب.‏

ولكن لم يقربوا الاهلين بسوء كما في الطائف. ‏

بل كانوا ينهبون دور الحكومة فقط، وشاركهم بعض فقراء مكة العتاة وأخذوا نصيبهم حتّى إذا بدأ القمر في ‏ليلة السابع عشر من ربيع الأول 16 اكتوبر سنة 1924 م بدت معه طلائع الاخوان "الرسميين" ووصلت ‏المعابدة ـ أول مكة للقادم من الطائف ـ وفي الصباح دخل ابن لؤي وابن بجاد ببقية الجيش مشاة وركبانا عراة ‏ومحرمين "!" وطافوا وسعوا "!" ثم ارتدوا ملابسهم وجاسوا خلال مكة وفي شوارعها الرئيسية وتدفقوا الى ‏مراكز الحكومة يحتلونها "!" ونزل القائدان قصر الشريف واستقبلا كبار أهل مكة وأخذ منهم الطاعة لابن سعود ‏‏"طاعة بالاكراه")… ‏

ويتابع العطار قوله: (وكان بعض الاعراب من الغطغط "الاخوان السعوديين" في الاسواق يسألون أهل مكة: ‏أين بيت خيشة؟ ولكن المكيين لا يعرفون أحدا يكنى هذه الكنية!، فكانوا يجيبون: لا نعرف، وأخيرا عرفوا ‏صاحب هذه الكنية، عرفوا أن هؤلاء سموا الحسين "أبا خيشة" ولكنهم أجلاف وكفى!. ‏

ونهبوا ما وجدوا في بيت الشريف الحسين من "علب المربيات" والساعات والمفروشات وكل غال ورخيص ‏وباعوها بثمن بخس وقد رأى المكّيون البدو يعرضون ما نهبوا للبيع فاضربوا عن شراء شئ منه، ولكن رخص ‏الثمن أغرى بعضهم ـ أخيرا ـ فالبدو يبيعون "العلبة" من عصير المانجة "الامبة" بما يوافق مليمين، ويبيعون ‏بهذا علبة الكريز والخوخ والاناناس كما يبيعون الساعة الجديدة بعشرة قروش ويبيعون البساط العجمي الكبير ‏بعشرين ريالا وهكذا… "وقد فتكوا بكل من رفض شراء أي شئ من هذه السلع… ‏

كل ذلك حدث بعد الاحرام والطواف والسعي!… ليتأكد من ذلك أنه لا ايمان لهؤلاء الجنود بدين أو مثل"… ‏بل رأوا المرايا الكبيرة فظنوها لاول مرة ما يشبه البيت أو الغرفة بها اناس حينما راوا صورهم بها فحطموها ‏ثم ظنوها سحرا كما خيل اليهم أن في الساعة شيطانا يهمس وذلك حينما يسمعون دقاتها.‏

لقد أطلقوا الرصاص على صورهم المنعكسة في المرايا حينما رأوا البنادق التي يحملونها اليهم)!… وهذا ما ‏يثبت همجية موجههم ابن السعود وهمجيتهم من بعده"!… ‏

ومن جدة، تحرك اعضاء الحزب الوطني، وقام وفد منهم قوامه عشرة افراد منهم عبد الرؤوف الصبان ‏لمقابلة القائدين السعوديين "للاخوان" وذلك في 3 ربيع الثاني للمفاوضة معهما في الصلح!. ‏

ولم يكونوا مندوبين من قبل علي، بل كان فيهم من اشتهر بمناوأته لآل الحسين ومصادقته لآل سعود ومنهم ‏محمد نصيف، وزعموا أنهم جاءوا تطوعاً بحجة انقاذ البلاد من كارثة تجر إليها جرا، واجيبوا من القائدين "ان ‏الصلح لا يمكن أن يكون إلا بخلع الملك علي!"، فغادر الوفد مكة مخفقا، وما فعله هؤلاء يعتبر في عرف ‏الشرائع الدينية والقوانين الوطنية خيانة عظمى لاتصالهم بالعدو واظهار ضعف المقاومة والبلاد، ولقد لعب ‏هؤلاء الاغنياء وكبار الموظفين دور السماسرة لدخول الاحتلال السعودي، بعضهم عن قصد وبعضهم عن جبن ‏وبعضهم عن ضعف تصور… ‏

ويقول العطار: (وقد أفاد القائدان من بعض رجال الوفد فوائد جمة فقد وقفا بدهائهما ـ أو على الدقة بدهاء ‏خالد لأن سلطانا لم يكن فيه شئ من الدهاء ـ على حالة علي وحكومته الجديدة وعلى الحياة في جدة وعرفا ‏الموالين للحسين وأبنائه كما عرفا المناوئين: ‏

واسرع القائدان وبعثا إلى قناصل الدول الاجنبية بجدة خطابا يسألانهم عن موقفهم حيال الحرب الحجازية ‏النجدية ‏ فأجابوهما بكتاب في 6 ربيع الثاني هذا نصه: ‏

‏"جدة في 4 نوفمبر 1924 م" ‏

إلى خالد بن لؤي وسلطان بن بجاد ‏

‏" بعد الاحترام، وصلنا كتابكما ولا يخفاكما أن حكوماتنا ملتزمة الحياد التام في الحرب القائمة بين نجد ‏والحجاز وعلى ذلك فنحن محايدون ولا يمكنا التدخل بأي وجه كان فيه الخصام، ولقد أخذنا علما بتصريحكما ‏بأن ليس لكما نظر في رعايانا ونؤيد مضمون كتابنا الأول المختص بهم والسلام". ‏

ووقعه معتمد قنصل "جلالة ملك بريطانيا العظمى" والقنصل العام "لجلالة" ملك ايطاليا ووكيل قنصل ‏الجمهورية الفرنسية ونائب قنصل "جلالة" ملكة هولندا، ووكيل قنصل "جلالة" شاه ايران ‏. ‏

وشكل "علي" حكومة النهاية ‏

انتهت حكومة الشريف الحسين بتنازله وابحاره إلى العقبة ‏ وتولى ابنه "علي" عرش الحجاز برأي الحزب ‏الوطني وسعيه. وارشادات جون فيلبي، الذي زعم "أنه اختصم مع ابن السعود وانه جاء لمساعدة الشريف علي" ‏بينما كان يعمل لصالح ابن السعود بكل نفوذه في المكتب الهندي الانكليزي، وقد فوضت بريطانيا مندوبها ‏السامي فيلبي لاعطاء ابن السعود كل ما يريد…. ‏

وتشكلت حكومة جديدة من: ‏

الشيخ عبد الله سراج ‏ رئيسا لمجلس الوزراء…. (حزب وطني)‏

وتحسين باشا الفقير ‏ وزيرا للحربية ‏

والسيد محمد طاهر الدباغ ‏ وزيرا للمالية… (سكرتير الحزب الوطني) ‏

والدكتور خالد الخطيب ‏ وزيرا للصحة.. (حزب وطني)‏

والشيخ محمد الطويل ‏ وزيرا للرسوم…(حزب وطني) ‏

وعبد القادر غزاوي ‏ وزيرا للمواصلات.. (حزب وطني) ‏

وعارف باشا الادلبي ‏ وزيرا للبحرية ‏

والشريف محسن بن منصور ‏ وزيرا للداخلية ‏

والشريف فؤاد الخطيب ‏ وزيرا للخارجية.. (حزب وطني) ‏

ومع ذلك فقد بقي الملك حسين في جهة، والحزب الوطني من جهة أخرى. ‏

وواصل الحزب الوطني اتصالاته التآمرية مع ابن السعود مبرراً ذلك للناس "أنه لا يريد اراقة الدماء، وان ‏السبب الذي دعا الحزب الوطني إلى طلب تنازل الحسين هو اخلاء الحسين وبمبارحته البلاد يمكن التفاهم مع ‏ابن سعود"…. ‏

لكن هذه مبررات استسلامية من البعض وعميلة من البعض الآخر… وكتب البعض إلى المجلس الإسلامي ‏الاعلى بفلسطين للوساطة بين ابن السعود علي، فكتب رئيسه الحاج أمين الحسيني إلى ابن سعود برقيا ‏ فأجابه ‏عبد العزيز بالاكاذيب التالية: ‏

امين الحسيني رئيس المجلس الإسلامي الاعلى بالقدس

‏(يحزننا أن تكون وساطتكم في وقت متأخر!، فانا منذ سبع سنوات نتوسل بجميع الوسائل لاحلال الصلح ‏والوفاق محل الجفاء والشقاق فلم تثمر مساعينا، وكنا كلما لنّا للحسين تجافى، فتصريحاته المتكررة في شرقي ‏الاردن ‏ التي تبرهن عن نواياه الاكيدة في بلادنا، ومنعه رعايانا ست سنين من أداء فريضة الحج ‏ من عسير ‏وغيرها ومعاملته كافة حجاج بيت الله الحرام وعجزه عن تقرير الامن في الحجاز مما أجبرنا أن نتخذ التدابير ‏الفعالة لتستقر الحالة في بلاد الحرمين وليأمن مستقبل بلادنا، وانا نرغب في وجود ادارة في الحجاز تكفل حقوق ‏جميع المسلمين بوجه المساواة، وتضمن راحة الحجاج، وتزيل عنهم المظالم كلها وتجعل الحكم خلافة يختارها ‏أهل الحجاز لاملك) الخ… ‏

ويقول العطار: "كما أن الملك عليا بعد توليته أبرق إلى ابن سعود عن طريق البحرين يقول له: ‏

‏"ان رغبتنا في السلم يسود الجزيرة كلها، وان امنيتنا تسوية الخلاف بين نجد والحجاز بمؤتمر ينتهي فيه ‏مبادئ في مؤتمر الكويت، ونطلب اليكم أن تلبّي هذا النداء حقنا لدماء المسلمين وصونا لارواحهم، وإذا أردت ‏ذلك فلتأمر قواتك المحتلة بالانسحاب إلى الحدود النجدية، فأجاب ابن سعود: "بأن الصلح مستحيل ما دام أبناء ‏الحسين يتوارثون ملك الحجاز، وبأن الحجاز للعالم الإسلامي فهو يقرر مصيره"!…‏

وبالرغم من الحصار الانكليزي، فقد رفض علي ورجال حكومته هذا الجواب الذي يفيد أن الصلح لا يتم الا ‏إذا بارح علي الحجاز!، وهذا طلب غير مقبول بالطبع عند قوم لم يحكموه إلا لبقاء الحجاز، بعيدا عن سلطان ‏ابن سعود، واخذوا جميعهم يفكرون في الوسيلة التي تخلص البلاد من هذا الجيش السعودي المتوحش الزاحف ‏المحتل القابض على زمام مكة والطائف وما بينهما من قرى وبوادي والذي يدعمه الانكليز بكل الامكانيات… ‏

وبينما كان هؤلاء غارقين في التفكير كان ـ ناجي الاصيل ـ في لندن يبذل كل جهوده لحمل الحكومة ‏البريطانية على حماية الحجاز من ابن السعود بما لها من نفوذ قوي على ابن سعود!!. ‏

ولكن بريطانيا اعتذرت وواصلت دعمها لابن السعود وقالت "بأن المعاهدة التي سبق أن قدمتها بريطانيا ‏للحسين سبق أن عدلها الحسين "تعديلات" لم توافقها، والان وقد تخلى الحسين عن الملك فلا يمكن أن يفاوضنا ‏فيها أحد"!! بكل صراحة!!.‏

ولكن بريطانيا اعتذرت وواصلت دعمها لابن السعود وقالت" بأن وصل من بريطانيا توقيع المعاهدة الاولى ‏التي كانت في صالح الحجاز، وما دام الحسين قد اعتزل الملك وبارح البلاد فان الحجاز ما يزال في مكانه!! ‏وملكه الحاضر (علي) لم يشترك في التعديلات التي قام بها أبوه، وهو موافق على تلك المعاهدة ـ قبل تعديل ‏الحسين الذي لم يوافقها ـ وفي وسع بريطانيا الموافقة عليها لتعتبر نافذة…!!. ‏

ومع كل هذه التنازلات اجابت بريطانيا، بأنها لا تستطيع عمل أي شئ مع حكومة علي قبل أن ينجلي ‏الموقف الحاضر.. وانجلاء الموقف هو دعم ابن السعود ليحتل الحجاز. ‏

بل طلبت حكومة علي من بريطانيا أن تتدخل في الصلح بين الملك علي وعبد العزيز آل سعود فأبت… ‏وتغيرت الوزارة البريطانية التي لم توافق على توقيع المعاهدة التي حاول معها ناجي الاصيل على توقيعها ‏وقامت مكانها وزارة المحافظين برئاسة المستر بلدوين، فسئل عن موقف حكومته من النزاع القائم بين ابن ‏سعود و"علي" فأجاب في صراحة تامة" "ان الحكومة البريطانية لا تنوي التدخل في النزاع القائم من أجل ‏الاراضي المقدسة الإسلامية وانها ستبقى على الحياد. ‏

وليس في نيتها الوساطة بين المتنازعين بحال من الاحوال"!… وهل تجد بريطانيا عمالة تساعدها في خلق ‏الكيان الصهيوني في فلسطين كالعمالة السعودية؟!… ولهذا. ‏

أخفقت "حكومة علي" الهاشمية من يومها الأول اخفاقا مرا، فلم يصادفها الحظ السعيد في خطوة من خطواتها ‏ولا في عمل من أعمالها ولا في مناورة من مناورتها الكثيرة، ولم يجدها اجبار الحسين على التنازل، بل أضرها ‏تنازله ضرراً بليغاً فقد عجل بمصيرها المحتوم لها، فها هي عاجزة عن تكوين جيش قوي، ولكن من حسن ‏حظها ـ أو من سوء حظها لا أدري ـ أتت إليها نجدات من الامير عبد الله ـ أمير الاردن ـ قوت عزيمتها ‏وأحيت الامل فيها، فرأت أن تكتب إلى ابن سعود خطابا غير الخطاب الأول تختمه بالتهديد والوعيد، وتلوح له ‏بالنار والحديد، فلعله يستخذي ويقبل الصلح ان لم يقبل بالاغراء واللين والكلام الطيب، ووجه الكتاب باسم ‏الملك علي وقد جاء فيه: ‏

‏"من علي بن الحسين إلى صاحب العظمة السلطان عبد العزيز عبد الرحمن الفيصل آل سعود ‏

أما بعد، فاني لعلى يقين من أن التسافك في الجزيرة يقطع الارحام ويذهب بالاحلام ويغري عدو العرب ‏على الاستفادة من الخصام، وانت تعلم أنه عدو شديد عنيد لا يستنيم إلى رعاية العهود ولا يطمئن إلى السكينة، ‏فماذا أنت فاعل ‏ وقد بسطت لك الحالة كما هي من غير تشويه في حقيقتها أو لبس في مظاهرها؟ ‏

ان أقصى رغبتي هي أن يسود السلام في الجزيرة ، وان تعود السكينة ما بين نجد والحجاز واني لباسط لك ‏رأيي في السلم ومقترح عليك عقد مؤتمر لازالة بواعث الخلاف، وينبغي أن تعلم عظمتك أن تدخّل الاجانب ‏الاعداء بين الامم المسلمة ـ وخاصة الانكليز ـ ضار بنا وبمصلحة بلادنا العربية وهذا التدخل لا يبعد أن يجر ‏إلى تشاحن عظيم، وهذا أمر لا أرغب فيه ولا أوافقك عليه".!!. ‏

ثم قال: "فما شأن الاعاجم في بلادنا؟ وانت تعلم أن لهم من مشاغلهم في بلادهم ما يضطرهم إلى التنحي عن ‏الاهتمام بمصير الحجاز فإذا هزم جدوا في استقلال بلادهم كان ذلك اجدى من كل أمر" وقال: "لقد عرفنا ‏الانكليز قبلك، ولو وجدنا فيهم مثقال ذرة حب للعرب لاطعناهم فيما عرضوه علينا ولو أطعناهم في خيانة ‏العرب لاعطونا ما نريد ولكننا رفضنا". ‏

ثم قال:"واقترح عليك عقد مؤتمر يحضره مندوب الطرفين للصلح والرجوع إلى اتمام المفاوضات التي ‏دارت في مؤتمر الكويت". ‏

ثم طلب إلى ابن سعود "جلاء الجنود السعوديين من الاراضي الحجازية المحتلة وإلا فسنستردها بالسيف" ‏

ثم ختم الكتاب بهذا التهديد: ‏

‏"فإذا لم يبلغك صوتي ويصلك نذيري فاني مضطر إلى الاصطلاء بنار الحرب بلا شفقة ولا رحمة، ‏وللتاريخ بعد ذلك حكمه الذي لا يرد في الباغي منا فإذا كنت باغيا فلا يذكرني التاريخ بخير، وان كنت أنت ‏الباغي حقت عليك كلمة الله وليس الله بغافل عما يعمل الظالمون"!. ‏

تلقى ابن سعود هذا الخطاب فاستبد به الغضب وعرضه على جون فيلبي فابتسم وقال لعبد العزيز: "اننا ‏سنستفيد من هذا الخطاب ونستشير به بريطانيا ضد الشريف علي ومن هذا الكتاب يتضح ان ما به من اغراء ‏أو تخويف ليس إلا محاولة ياءس استبد به القلق وانتحر في نفسه وفر من قلبه الثبات، واعرف أن ذلك "بداية ‏النهاية" فلا ترد عليه ردا قاسيا"… ‏

وكتب في 18 ربيع الثاني إلى "علي" برقية صاغها جون فيلبي باسم عبد العزيز آل سعود "صافية القول ‏سهلة العبارة" وهذه برقية "ابن سعود": ‏

البحرين في 16 نوفمبر سنة 1924 م ‏. ‏

‏"الشريف علي ابن الشريف حسين ‏

اني احترم شخصكم احتراما عظيما، ولكن معاملة والدكم لأهل نجد وسائر المسلمين هي التي جعلتنا نقف ‏هذا الموقف، فإذا كنتم تحبون السلام، وحقن الدماء أخلوا الحجاز، وانتظروا حكم العالم الإسلامي فان اختاركم أو ‏اختار غيركم فنحن نقبل حكمه بكل ارتياح، أما إذا بقيتم في أرض الحجاز فان مسؤولية ما يقع من الحوادث يقع ‏على عاتق غيرنا"!!!‏

كان ابن سعود جازما ـ بحول الانكليز وقوتهم ـ بأن أجل حكومة "علي" قصير، ولكن الملك علي كان ‏يأمل البقاء بالحجاز ان سلماً وان حرباً، وقد مهد له خيط الرجاء خط الدفاع الذي أنشأه حول جدة على شكل ‏هلال ينتهي طرفاه إلى البحر وطوله ستة أميال، ووجود فريق من المسلمين والمسيحيين أتوا جدة للوساطة بين ‏العاهلين، وكلهم ينتظر مجئ ابن سعود إلى الحجاز لأن فيه مقطع القول.. وقد كان!!! ‏

مكر اليهود ‏

بعد أن تعالت الاحتجاجات في العالم الإسلامي والعربي ضد المجازر السعودية وجرائم النهب وهتك ‏الاعراض في الحجاز، حاول الاحتلال السعودي والخبراء الانكليز تضليل الناس والقاء جرائم الدماء على ‏‏"الاخوان" الذين تتكون أكثريتهم من قبائل عتيبه ومطير، وزعموا أن هؤلاء هم الذين ارتكبوا هذه المذابح دون ‏معرفة ابن سعود بدليل أن رجال الدين الوهابيين المؤتمرين بأمره قد أصدروا الفتوى بعدم دخول مكة بالسلاح ‏وقالوا: ‏

‏"ان دخول الحرم الشريف بقصد القتال حرام وان ابن سعود أعجب بصراحة علمائه وتقواهم فأمر جيش ـ ‏خالد بن لؤي ـ ألا يدخل مكة بقصد القتال فيها،أما إذا وجدها خالية فلا بأس من دخولها، فإذا ظهر له أن ‏دخولها سيحدث قتالا فيها فليرجع"!! "فليرجع"… كذا؟!. ‏

وبعد هذه الفتوى المقصود بها الاستهلاك الخارجي… طلب ابن السعود من "عملائه" أو علمائه أن يجتمعوا ‏باستمرار لاصدار الفتاوى ضد الاخوان!!. ‏

أي .. ضد الجيش السعودي المتوحش المؤتمر بأمرهم!.. ‏

‏"وبينما هم كذلك ورد ابن سعود خبر دخول خالد بجيشه مكة بدون قتال فرأى أن الوقت قد حان لتحقيق ‏أمانيه الإسلامية وأماني المسلمين المخلصين في الاراضي المقدسة، فصمم العزم على أن يبعث أحد أبنائه إلى ‏مكة للاجتماع بوفود المسلمين والتشاور معهم في العمل النافع الذي يضمن لها سعادتها ويرد إليها مجدها ‏المسلوب وعزتها الضائعة، ثم رأى أن حرمة بيت الله تقضي عليه أن يذهب بنفسه إلى مكة ليتولى شؤونها ‏ويجتمع بأهلها وبالمسلمين لتقرير مصيرها وعزم على السفر"* يا سلام!!.‏

وكتب عبد العزيز إلى الامام يحي امام اليمن:‏

‏"أما بعد، فقد استقبلت الطريق إلى مكة غير باغ ولا آثم "!" فليتفضل الاخ العظيم بارسال من يمثله في ‏مؤتمر مكة حبا بنشر السلام بين أمم الإسلام"!. ‏

كما بعث هذه الكلمة نفسها إلى ملوك المسلمين وامرائهم المستقلين!. ‏

مستقلين جدا!… ثم جمع من كان لديه من "العلماء" والامراء والقادة والقى عليهم كلمة ابان لهم فيها غرضه ‏من السفر إلى مكة فقال بعد أن حمد الله وأثنى عليه. ‏

وشكرا الانكليز!… ‏

‏"اني مسافر إلى مكة لا للتسلط عليها "!" بل لرفع المظالم والمغارم التي ارهقت كاهل عباد الله"!… الله… ‏الله! يا بدوي جاب اليسرى!… ‏

أية مظالم ومغارم وتسلّط غير ما فعلته السعودية من مظالم ومغارم وتسلط؟؟!. ‏

وقال: "اني مسافر إلى حرم الله لبسط أحكام الشريعة وتأييدها "!" فلن يكون بعد اليوم سلطان إلا للشرع "!" ‏ويجب أن تطأطئ جميع الرؤوس له"!! ياله من هراء سعود!!. ‏

ويتابع قوله: "ان مكة للمسلمين كافة فيجب أن يكون أمر ادارتها وتنظيمها طبق رغائب العالم الإسلامي"!!. ‏

فهل أصبحت للمسلمين حقا؟!!. ‏

ويتابع أكاذيبه: "اننا سنجتمع بوفود العالم الإسلامي هناك، وانا سنتبادل معهم الرأي في كل الوسائل التي ‏تجعل بيت الله بعيدا عن الشهوات السياسية "!" وتحفظ راحة قاصدي حرم الله".!!! كذا… ‏

وزعم عبد العزيز حرفيا: "أن الحجاز مفتوحا لكل من يريد فعل الخير من الافراد والجماعات"!.‏

فهل أصبح الحجاز كذلك يا فجّار القول والعمل؟؟. ‏

انّه مغلق، في وجوه العرب والاصدقاء ومفتوح للامريكان.. ولكنه كما قال للعطار: "لقد أردت بهذا الخطاب ‏أن اقطع الطريق على خصومي حتّى لا يستغلون قدومي إلى الحجاز ويؤولوه تأويلا سيئا، واقطع به كل مظنة ‏المغرضون!". ‏

هنالك صدق الطاغية… ‏

وسافر المستشار السعودي حافظ وهبة إلى مصر ليكتب بعض الهراء ويرد به على أقوال الصحف ‏المصرية حينما كتب في جريدة "البلاغ" التي تصدر في الاسكندرية تعليقه على كلمة ابن سعود تلك فقال: ‏

‏"بهذا المنهج يذهب سلطان نجد إلى أم القرى مشهداً الله والناس على أنه لا يتردد في تنفيذ ما صحت نيته ‏على تنفيذه وما انتوى عمله، فما أسمى الغاية التي ينشدها؟؟ ‏

وما أحراه بتأييد العالم الإسلامي قاطبة له في تلك المهمة الشاقة التي عهدت الظروف إليه اداءها، وان لهجة ‏السلطان لتذكرنا بلهجة السلف الصالح! كما أن سيرته واستقامته وقوة إيمانه تبعث الاطمئنان والارتياح في ‏نفوس المسلمين فالرجل لا يسعى وراء الجاه والحطام الفاني "!" وانما يريد جعل أم القرى كما كانت في العهد ‏السالف منبع الحكمة وموطن الشريعة، انّه يريد تطهيرها من الارجاس والخبائث التي انتشرت فيها منذ أن ‏انصرف اشرافها عن شؤون الدين وأوغلوا في التعلق بالدنيا والتفاني في زخرفتها وزينتها فلم يرعوا حرمة ‏المكان ولم يبالوا سعدت البلاد أم شقيت!! ارتفعت كلمة الدين أم انحطت؟؟ ما دام نصيبهم من الحطام الفاني ‏مضمونا يستولون عليه لسد شهواتهم، وقد علمتنا الحوادث ان السلطان ابن سعود ما وعد إلا وفى، ولا صمم ‏على شئ إلا نفذه بقدر ما استطاع فإذا قال: انّه ذاهب إلى أم القرى بالمنهج الذي ذكرناه فاننا نثق بأقواله ونؤمن ‏باخلاصه وصدق طويته"!!!… ‏

وما اكذب كاتب المقال العميل… ‏

موكب الوحوش المرعبة يدخل مكة ‏

واستنفر عبد العزيز كافة أهل نجد ـ بالاكراه ـ ليواكبوا ركبه إلى مكة، فيرعبهم بهذا الموكب الذي بلغ ‏افراده قرابة الـ /15000/ مرافق مسلح.. ودخل مكة… واعتلى الدكة… وحشروا أهلها في "السكة" ليلقي فيهم ‏خطابه الارتجافي السمج، فتقدم مستشاره حافظ وهبة ليقدمه بخطاب قال فيه: (أولا ـ ان عبد العزيز لا يريدها ‏الارتقاء الذي تدعون إليه ولا نريد إلا الارتقاء الذي نمشي عليه بموجب الدين، والامر الثالث هو أن عبد ‏العزيز ـ كما ستسمعون منه ـ لا يريد أن يكون هذا البيت ملكا لأحد بل مشاعا (!) بين المسلمين ، ولكل ‏شعب من الشعوب الإسلامية ولكل فرد من أفراد العالم الإسلامي حقه فيه.. ‏

والامر الرابع هو أن التجارب السابقة دلت على أن الحسين وآله غير صالحين لادارة هذه البلاد وأن عبد ‏العزيز بن سعود أصلح)… ابن سعود أصلح!.‏

ووقف عبد العزيز آل سعود يرغي، وقد ورد في الصفحة 464 من كتاب "صقر الجزيرة" للعطار هذا النص ‏الحرفي من خطابه: ‏

‏"أنا عبد العزيز بن سعود .. والله وبالله وتالله ورب هذا البيت ومالحرم ـ والمقدر كائن ـ وهذا هو ‏المقسوم، وكان من أحب الأمور الّي أن يقيم الحسين شرع الله (!) في هذا البيت فأفد عليه مع الوافدين أقّبل يده ‏‏(!) ولكن هكذا شاءت ارادة الله (!) أن أقضي عليه (!) ولو لم يلحق الامر الاديان والنفوس لما أقدمنا على ما ‏أقدمنا عليه فقد قرر الحسين اذابة وتقسيم بلادنا (!) وتوزيعها

وأصر الحسين وأخذ يعمل وهذه جريدة القبلة تشهد على دعوته لاضاعة بلادنا باسم الوحدة العربية واعطاء ‏بلادنا لرعاع العرب، وان كان الحسين قد أمّروه الاتراك فنحن لم تؤمّرنا غير سيوفنا، والانكليز وأهملوه لانهم ‏عرفوا أن ما فيه خير، وان كان هذا يعجبكم فينا فتعالوا بايعونا!!"… الخ.. ‏

فأجاب الحاضرون: "كلنا نبايع!… كلنا نبايع!..". ‏

فقال عبد العزيز: "قولوا لنا بصريح القول ما عندكم؟!. ‏

فقال الحاضرون: "ما عندنا غير هذا"!!… ص 465 "صقر الجزيرة". ‏

وفي الصفحة 477 من كتاب "صقر الجزيرة" للعطار ورد النص التالي: ‏

واجتمع عبد العزيز بن سعود برجال مجلس "الشورى" الاهلي المنتخب برئاسة عبد القادر الشيبي واتفقوا ‏على ان تقوم البلدية (!) بتنبيه الناس عند وقت كلّ صلاة فينادي منادي البلدية!: ‏

‏"يا معشر المسلمين! على كل واحد منكم إذا سمع المؤذن ان يبادر للصلاة في الحرم مع أحد الائمة ‏الاربعة!، ومن كان بعيدا عنه فليصلّ في أقرب مسجدا!، وقد جعلنا من رجال البلدية وغيرها من يناظر المتأخر ‏عن الصلاة لتقرير الجزاء الشرعي عليه بالجلد والحبس!" ص 465 من "صقر الجزيرة". ‏

وهكذا شغل الاحتلال السعودي "رجال التنظيمات" وأعضاء مجلس الشورى بملاحقة الناس!.‏

لاشغالهم عن ملاحقة جرائم الاحتلال السعودي. ‏

وبدأت باسم الدين المزيف ملاحقة الوطنيين وسجنهم وجلدهم في الشوارع وقتلهم وتقطيع أيديهم وأرجلهم… ‏وبعدها: ‏

قامت البواخر الحربية الانكليزية بمحاصرة جدة ومنعت دخول أي نوع من الطعام والسلاح والوقود ‏والكساء، بل منعوا دخول الحطب والفحم من مكة إلى جدة!.. وأعلن الاحتلال السعودي في مكة أن الشريف ‏علي وحكومته هم الذين منعوا الطعام عن مكة ليثير الشعب ضده فكتب المستشار السعودي حافظ وهبة ‏بتوجيهات من جون فيلبي رسالة نيابة عن أهل مكة ليوقعها عدد من المواطنين لكن زمرة عميلة وقعتها فقط، ‏وهذا نصها: ‏

‏"إلى صاحب السمو حضرة الامير علي وفقه الله ‏

لا يخفاكم أننا جيران بيت الله الحرام الذي قال الله في حقه "أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف"! و"أولم ‏نمكن لهم حرما آمنا يجبى إليه ثمرات كل شئ رزقا من لدّنا" فأين عملكم من توصية الله بنا؟؟!! ‏

وما السبب في اقدامكم على منع القوت عنا وايصال الاضرار الينا؟ ألأن قوات نجد وجيوشها دخلت مكة؟؟ ‏لسنا المسؤولين عن ذلك بل أنتم المسؤولين عنه عند الله وعند خلقه!: ‏

أولا ـ لأنكم لم تعملوا على اصلاح ذات بينكم لإزالة أسباب الخلاف بينكم وبين نجد وإمامها وغيرهم حتّى ‏يكون حرم الله آمنا!. ‏

ثانيا ـ عند دخول جيوش حكومة نجد الطائف طلبنا منكم تخليص "عائلاتنا" ومحارمنا وأموالنا من الطائف ‏فأبيتم ذلك وأعطيتمونا العهد بالمحافظة ثم شردتم وتركتمونا، فلا أنتم حافظتم علينا ولا سمحتم لنا بالخروج حتّى ‏كان ما كان، ثم لما قدمتم مكة راجعناكم أنت ووالدك مرارا فوعدتمونا بالدفاع عنا برقابكم ثم شردتم وتركتمونا ‏فوضى، واننا نخشى عليكم عقوبة ما جرى على بيت الله الحرام من الخوف والهلع، وبعد ذلك أعلنتم أنكم ما ‏خرجتم من مكة إلا حقنا للدماء، فسموكم تورعتم عن قتل أهل نجد وأبحتم المصيبة لجيران بيت الله بمنعكم ‏الارزاق وحجزكم معايشهم. ‏

والان نسأل سموكم ان كان جيران بيت الله مجرمين فأنبئونا نستغفر الله، وان كنا فقراء ضعفاء لاجئين إلى ‏بيته فما السبب في التضييق علينا في ارزاقنا وانفسنا، فان كنا مجرمين من جهة الحكومة النجدية فليس لنا يد ‏في دخولهم ولا طاقة لنا على اخراجهم، ولكننا نرجو الله ثم سموكم أن تفعلوا أحد أمرين: ‏

اما أن تقدموا بجيوشكم وتخرجوا الحكومة النجدية حتّى تتفتح لنا طرق أرزاقنا ‏

واما أن تتركونا وتتركوا جدة محل معايشنا!"… وهنا بيت القصيد السعودي!… ‏

والكتاب مؤرخ في 18 جمادى الاولى وموقع من الشيخ عبد القادر الشيبي وبعض "العلماء" وبعض "وجهاء" ‏مكة، وقد أرسلوه إليه ولبثوا ينتظرون الجواب "علماً أن هذه الزمرة المترفة وأمثالها لم يقاتلوا العدو ‏السعودي!… ‏

يتضح هذا في عدد الجند الهاشمي البالغ 500 جندي فقط!…"… ‏

غير أن الملك علي أجابهم جوابا حماسيا في المنشور الذي ألقاه على مكة باحدى طائراته في 19 جمادى ‏الاولى ونقتطف منه ما يلي: ‏

‏" لم نمنع الارزاق عنكم إلا مكرهين فالبواخر الحربية الانكليزية تجوب البحر وتمنع أي باخرة متجهة إلى ‏الحجاز، كل ذلك خدمة للمجرم السعودي الذي يدعي الإسلام وهو يعبد الانكليز، ونحن على يقين أن كتابكم الذي ‏وصلنا لم تحرروه إلا مرغمين، بل لم تحرروا منه كلمة واحدة وانما حرره العدو السعودي نفسه عميل الانكليز، ‏وعلمنا من مآله أن العدو لم يضطركم إلى هذا إلا لضعفه وعجزه، انني لم أترك مكة إلا لأمرين: أولهما عدم ‏القتال فيها حرمة لها "!" والثاني حفظكم من مثل ما حصل في الطائف، واني عاهدت الله على الموت في سبيلكم ‏وانقاذكم بعون الله، فاصبروا صبر الكرام، وقريبا ان شاء الله يكون الاجتماع بكم في حرم الله على أسر ‏حال!"… ‏

ثم يقول هذا المنشور الملكي: "ان كان هو "أي ابن سعود" وأذنابه يحترمون حرم الله وجيرانه ويعملون مثل ‏عملي ويخرجون خارج الحرم ـ ويتركونه حرماً آمنا للناس أجمعين ـ فهناك تظهر حقائقهم ان شاء الله ويرون ‏كيف الذود عن الحياض والدفاع عن الحوزة، وان لم يخرجوا ولبثوا في مكانهم جامدين فاننا سنوافيهم من بين ‏أيديهم ومن خلفهم ومن فوقهم حتّى تكون كلمة الله هي العليا"!… ‏

هنالك بلغت خدمة المخابرات البريطانية أقصاها لآل سعود حينما تحول جون فيلبي ‏وأمين الريحاني وطالب النقيب إلى جدة بحجة خدمة الاشراف! ‏

أجل .. في هذا الوقت بالذات، انتقل إلى جدة جون فيلبي وزعم أنه تحول من خدمة آل سعود لخدمة ‏الشريف علي بن الحسين!! وان ابن السعود لم يسمح له بالبقاء في مكة لانه مسيحي كافر!! (كذا) وتبعه أمين ‏الريحاني الكاتب اللبناني المعروف، وطالب النقيب الزعيم العراقي الذي عمل وزير داخلية للعراق في عهد حكم ‏السير برسي كوكس وجون فيلبي في العراق… ‏

وجاء الريحاني والنقيب بحجة جاسوسية أخرى هي: حجة "حقن الدماء" ربما حقنها في بطن عبد العزيز، ‏وارفقوا لحقن الدماء حجة أخرى هي التوسط والصلح بين الشريف علي وعبد العزيز آل سعود، واستخدموا ‏حسين العويني اللبناني الذي فتحوا له تجارة في جدة وكان يحمل صفة "التاجر اللبناني"، وفيما بعد الجنسية ‏السعودية وأولاده، وأصبح رئيس وزراء للبنان رغم كونه سعودي الجنسية وما زال أولاده سعوديين ـ لبنانيين ‏ـ ومحلاتهم في جدة … هؤلاء الجواسيس الانكليز الريحاني والنقيب والعويني وغيرهم من مفارز جون فيلبي ‏لعبوا أقذر الادوار الانكليزية لصالح آل سعود، وكانوا يكتبون رسائل المعلومات ويبعثون بالتقارير من جدة إلى ‏مكة حيث يقيم ابن السعود ينتظر معلوماتهم التي يحملها حسين العويني وغيره. ‏

ويقول العطار في الصفحة /484/ من كتاب "صقر الجزيرة": انّه بدأ تعريف حسين العويني لعبد العزيز آل ‏سعود من قبل أمين الريحاني في التقرير الذي بعثه مع العويني بقوله: "ان للصديق حسين العويني التاجر ‏السوري

علاقات تجارية في مكة وجدة وهو يحمل لكم بعض خبرتي ومعلوماتي وانني أثق بحسين أفندي كل الثقة ‏وفي المعلومات اليسيرة التي سينوب عني بها ما يغني عن البيان فابعثوا بمن يلاقيه دائما في منتصف الطريق ‏ـ بين مكة وجدة ـ محافظة عليه"!!.. ‏

وقد أرسل فيلبي والريحاني والنقيب رسائل ـ بمعرفة الملك علي ـ إلى عبد العزيز بحجة "الصلح بين ‏علي وابن سعود" والمضحك أنهم حملوها لرسول من قبلك الملك علي!.. ‏

فعاد الرسول بالرد السعودي عن طريق الملك علي!… وفيه اشارات من ابن السعود لكل من فيلبي ‏والريحاني والنقيب يبلغهم فيها "ان المعلومات ممتازة وان على: فيلبي والنقيب السفر إلى القاهرة لاننا قررنا ‏الهجوم على ضوء المعلومات وعلى أمين الريحاني البقاء في جدة ليوافينا ببقية المعلومات لان دوره لم ينته ‏بعد"‏ ‏ وقد لعب هؤلاء الثلاثة فيلبي والنقيب والريحاني أدواراً مزدوجة، تتلخص في التجسس لحساب الانكليز ‏وابن السعود عميل الانكليز الاكبر، وايهام "علي" أنهم معه!… ‏

مع بث التفرقة بين "علي" وأعضاء حكومته!.. واثارة "الوجهاء" ضد علي.. واغراء "الوجهاء" بالمنافع التي ‏سيقدمها آل سعود وتخويفهم من المضار التي سيجنيها هؤلاء من سكوتهم على "علي" الذي يعمل مع والده ‏لتوحيد البلاد العربية كلها وإضاعة اسم الحجاز والاسلام، كما قال فيلبي.. كما قام فيلبي بتخريب الطائرات ‏وافساد مفعول قنابل الطائرات والمدافع التابعة للشريف علي… ‏

وقام الريحاني والنقيب بتثبيط عزم "علي" وبذر الشكوك لديه في أقرب المخلصين اليه، وتثبيط عزمه عن ‏مقاومة ابن السعود… ومن ذلك هذه المعلومات التالية التي بعثها أمين الريحاني ـ لعبد العزيز مع حسين ‏العويني ننقلها كما هي وكما وردت في الصفحات 587 و588 من كتاب "صقر الجزيرة" عن الطائرة الهاشمية ‏التي ضربت القوات السعودية في ضواحي مكة: ‏

‏(الطيارة الهاشمية: التي أشرفت على مكة للاستكشاف يوم السبت الماضي تجاوزت الاوامر وعوقب طيارها ‏بالحبس.. وكنا السبب في حبسه. ‏

الحكومة والجند اصبحا في قلق وارتياب مما شاع هذا المساء بخصوص تقدمكم إلى جدة ولقد جعلتهم يأبون ‏التربص، والامتناع عن الحركات العسكرية الحربية وتمكنت من توقيفهم يومين آخرين إلى مساء الاحد، ‏فأرجوكم أن تخابروني حالما يصلكم كتابي هذا ليصلني جوابكم مساء الاحد… ‏

لكسب ثقتهم لصالحكم! وإذا كان النّجاب لا يرجع في اليوم الثاني ارسلوا الجواب مع نجّاب آخر من عندكم ‏في كل حال انتظر جوابكم مساء الاحد في 9 الجاري فلا تخيبوا أملي)… ‏

وجاء الرد السعودي لأمين الريحاني.. وأبلغه "النجاب" السعودي بموعد الهجوم وان دوره انتهى وانه "كي لا ‏يكتشف أمرك: عليك أن تسافر إلى القاهرة"… ‏

وقد سبقه صاحباه فيلبي والنقيب إلى القاهرة.. فلحق بهما وسافر من جدة في 9 رجب 1343 هـ ـ 3 ‏فبراير 1925 ، بعد أن تمكن من الايقاع بين الشريف علي ووزير حربيته تحسين الفقير، إلى حد أن عليا وبخه ‏باثارة من الريحاني.. ‏

وباثارة من الجاسوس الريحاني أمر علي بحبس ضابط المراقبة عبد الفتاح اللاذقي عشرة أيام جزاء له ‏بحجة أنه عصا أمر الريحاني "الكاتب الكبير" وأرسل طائرة الاستكشاف إلى مكة لكشف تحركات الجيش ‏السعودي!… ‏

وحصلت مشادة عنيفة بين الريحاني ووزير الحربية تحسين الفقير ووزير البحرية عارف الادلبي… ثم أثار ‏الجواسيس الثلاثة ـ فيلبي والريحاني والنقيب ـ الذين يزعمون أنهم جاؤوا ـ لخدمة علي ـ أثاروا جميع ‏وزراء "علي" ضده!، ولما تم كل شئ لصالح الرجعية السعودية، أرسل جون فيلبي رسالة إلى عبد العزيز يحدد ‏له أن يتقدم لغزو جدة في نهار السبت 8/6/ 1343 هـ ويحدد له المواقع التي يجب الاستيلاء عليها أولا ومنها: ‏‏"النزلة" و"الرويس" في جدة "وقصر ابن منصور" الذي يشرف على جدة "وموارد المياه" خارج سور جدة. ‏

الدور الوطني لتحسين الفقير، وموقف الاتحاد السوفييتي ‏

وقد عمل فيلبي على تخريب اثنا عشر مدفعا صغيرا وكبيرا وعشرة مدافع رشاشة وكانت كلها صالحة ‏للعمل، كما عطل خمس طائرات حربية ايطالية لم يصلح منها غير واحدة… ولما وصلت مكانها خمس طائرات ‏ألمانية جديدة تستطيع الطيران ست ساعات إذا أخذت كفايتها من الوقود ثقب فيلبي وجواسيسه براميل الوقود، ‏وتعطلت، وقد اتصل تحسين الفقير ـ وزير حربية علي بن الحسين ـ بالقنصل السوفييتي في جدة عبد الكريم ‏حكيموف وشرح له موقف الانكليز مع ابن السعود وطلب منه ارسال بعض الاسلحة والطعام والبواخر الحربية ‏التي يمكن لها أن تفك حصار البواخر الانكليزية وكذلك ارسال بعض الطيارين الروس الخ.. فوافق عبد الكريم ‏حكيموف وكتب لحكومته، وبالرغم من ضعف روسيا آنذاك وعدم اقرارها تقديم المساعدات لبلد غير شيوعي فقد ‏أرسلت ثلاث طائرات وخمسة مهندسين لها وثلاثة طيارين، أحدهم كان من الصنف الملكي الروسي الردئ ‏فاغري بالهرب إلى إيران واعطاء تصريحات ضد الملك علي لصالح السلطان عبد العزيز آل سعود… ‏

أما الطيار الثاني فقد وضع له مهندس الطائرات ـ الانكليزي ـ الذي يعمل لدى وزارة الحربية الهاشمية، ‏قنبلة في طائرته فانفجرت في منطقة الرغامة بينما كان يضرب الحشود السعودية واحترقت الطائرة في يوم ‏السب 23/6/1343 هـ 17/1/1925 م وكان اسم الطيار تشيراكوف، وكان معه في الطائرة كل من العربيين ‏عمر شاكر وعبد الفتاح اللاذقي… وكانا من المناضلين ضد الاحتلال السعودي… ‏

وتابع المهندس الانكليزي وضع القنابل في الطائرات، فاحترقت الطائرتين الروسيتين وسقطت احداها في ‏الطائف ولم يمت طيارها الروسي ومن معه لكن "الاخوان السعوديين" أجهزوا عليهم بالسيوف… وقد بذلت ‏القوى العربية والوطنية في الحجاز جميع المساعي للحصول على قنابل جوية أو أسلحة من انكلترا وفرنسا ‏ومصر وايطاليا فذهبت المساعي كلها أدراج الرياح لان الانكليز يطوقون كل هذه المساعي بافشالها لصالح ‏عميلهم الاكبر ابن السعود…‏

ومقابل افشال مساعي شراء السلاح لصالح الحجازيين والثورة العربية، نجد الانكليز يدعمون ابن السعود ‏بالعديد من الضباط الانكليز الذين نظموا قواته حتّى وصلت إلى /40.000 / مقاتل يمارسون أحدث الخطط ‏الحربية على أيدي الانكليز كما ورد في الصفحة 498 من كتاب العطار "صقر الجزيرة".. ‏

وقال" ان لدى ابن السعود العديد من الضباط الانكليز والعديد من المدفعية وبعد أن كانت الذخائر والمعدات ‏الحربية قليلة زادت وأصبح لدى السعوديين من المدافع الرشاشة في ميدان جدة وحدها أكثر من خمسين، غير ‏المدافع الجبلية والصحراوية والسيارات المصفحة والدبابات الانكليزية الجديدة ومع كل هذه الاسلحة كميات ‏وافرة متزايدة من القنابل والرصاص".. ‏

وكان فيلبي ـ يسك ت الفتاوى لرجال الدين السعوديين فيفتون للبدو ـ الذين ارتابوا بوجود هذه الاسلحة ‏الضخمة وقادتها من "الكفار الانقريز" أي الانكليز ـ فيزعم رجال الدين: "ان هذه الاسلحة أخذها المسلمون غنائم ‏مع قادتها الانكليز الكفار الذين كانوا يقاتلون لدى الشريف حسين وأولاده، وهذا دليل على كفر الشريف حسين ‏وذريته، وان هؤلاء الكفار الضباط الانكليز يعملون الان معنا كخدم سخرهم الله للمسلمين وأنهم من ضمن الغنائم ‏وانه لا يجوز قتلهم من قبل المسلمين لانهم أصبحوا يخدمون الإسلام"… الخ… ‏

السعوديون "يطهّرون" الانكليز ‏

ولقد ثار "الاخوان المسلمين" السعوديين ثانية لاكتشافهم أن هذا العدد الضخم من الضباط الانكليز جميعهم ‏غير "مطهرين"!. ‏

فحاولوا قتلهم مما اضطر عبد العزيز لحشد الضباط الانكليز أمام "الاخوان" في حفل حاشد وأمر بقطع ـ ‏أغلفة ذكورهم ـ أي تطهيرهم!!!، وفرض على كل انكليزي "يطهّر" أن ينطق: بالشهادتين: "أشهد أن لا اله الا ‏الله وأن محمداً رسول الله"… ‏

وقد تم ذلك بحضور مشايخ الدين الوهابي: عبد الله بن حسن، عبد الرحمن بن عبد اللطيف من سلالة محمد ‏بن عبد الوهاب، عبد الرحمن بن داود، محمد بن عثمان الشاوي، عبد الله بن زاحم، مبارك بن بار… ‏

الذين أفتوا بدخول الانكليز الإسلام بعد أن أصبحوا غنائم للمسلمين ضمن أسلحة الشريف حسين وضمن ‏الحجاز كله… ‏

لكن كل هذه المناورات لم تنطلق على قادة الاخوان بل كشفت "اسلام" آل سعود الزائف، ومزاعم عبد ‏العزيز لقادة الاخوان التي زعم فيها: "أن أهل الحجاز كفار مشركين" و"أنه جاء ليحارب الشريف حسين لانه ‏أعلن نفسه ملكا، والاسلام ضد الملوك والملكية" لكن ما أن دخل الاخوان الحجاز واستسلمت جدة حتّى أعلن ابن ‏السعود نفسه ملكا!… ‏

فثار الاخوان بقيادة أكبر القادة السعوديين المتوحشين فيصل الدويش وسلطان بن بجاد.. ‏

أما عن العميلين أمين الريحاني وطالب النقيب فقد لعبا مع ـ رب الجواسيس السعوديين ـ جون فيلبي ـ ‏في القاهرة أدوارهم لصالح ابن السعود بقطع الطريق على الحسين بن علي بعد أن انتقل من جدة إلى العقبة ‏فاتصلوا "بالمكتب العربي" مكتب المخابرات الانكليزية الذي كان يتبع له الحجاز ولورنس قبل ابعاده عن ‏الحجاز، وهذا المكتب لا يتعاطف بعض أفراده مع ابن السعود، لانه لا سيطرة مباشرة لليهود فيه، فاستطاع ‏فيليب والريحاني والنقيب التأثير على المكتب فرفض الانكليز نزول الحسين لدى ابنه عبد الله في الاردن كما ‏رفضوا أن يذهب لسوريا أو القاهرة أو العراق، فبقي الحسين بالعقبة يمد ابنه بالآراء ويبعث بالرسل إلى المانيا ‏وروسيا وايطاليا يطلب السلاح ويمد ابنه علي بالرجال من أنصار الثورة العربية الاوائل من فلسطين ‏وسوريا… ‏

وراح الريحاني والنقيب يتصلان بوجوه مصر ـ الذين رفضوا استيلاء آل سعود على الحجاز ومنهم إمام ‏الازهر آنذاك. ‏

لاقناعهم بصلاحية عبد العزيز آل سعود على الحرمين وينشرون في بعض الصحف المصرية المديح لابن ‏السعود وذم الحسين وأولاده. ‏

ومع ذلك فقد تولت بعض الاقلام النزيهة في مصر كشف العمالة السعودية للانكليز وأدوارهم القذرة في ‏مذابح الآمنين في الجزيرة العربية، فحاول الانكليز تغطية أدوارهم فأعلن الانكليز في بعض الصحف في مصر ‏في 10 سبتمبر 1925 م "انهم عرضوا وساطتهم على ابن السعود لكنه أجاب، بأنني أعطي للعالم الإسلامي ‏عهدا بأن يكون الحجاز ومكة ملكا مشاعا للمسلمين وانه لن يعلن نفسه مليكا عليها" وانتهى!!!..‏

وقد قصد الانكليز بهذا التصريح اعطاء ابن السعود المجال لرفض الوساطات العربية والاسلامية ما دام قد ‏رفض وساطة الانكليز!… ‏

وفي 3 ربيع الأول 1344 هـ ـ 21 سبتمبر 1925 وصل إلى الحجاز وفد مصر يتكون من الشيخ الاكبر ‏محمد مصطفى المراغي ـ رئيس المحكمة العليا ـ وعبد الوهاب طلعت سكرتير الملك فؤاد وعرضوا ‏الوساطة، وسلموه رسالة من الملك فؤاد يعرض عليه التوسط. ‏

فأرسل ابن السعود حافظ وهبة ليقول للوفد المصري بكل صراحة "انّه ليس من اللياقة واللباقة أن يرفض ‏عبد العزيز وساطة الانكليز أولياء نعمته وأصحابه وقادة جيوشه ويقبل وساطتكم"!!! كذا… وبكل صراحة وقلة ‏حياء قالها للوفد. ‏

وخرج الوفد غاضبا رغم نوعية ذلك الوفد الملكي.. وانزعج عبد العزيز لتحركات الحسين بن علي في ‏العقبة.. فطلب من بريطانيا "ابعاده إلى مستعمرة انكليزية بعيدة غير عربية وغير إسلامية "ولما قال له الانكليز ‏سنبعده إلى قبرص!!.. تساءل عبد العزيز "وهل في قبرص أحد من العرب والمسلمين".‏

قالوا له: "لقد سبق أن مروا فيها قبل ألف سنة!!".. قال لهم: "إذا إلى هناك أبعدوه"..!! ‏

بريطانيا ترغم الحسين على السفر إلى منفاه الاخير في قبرص خدمة لعبد العزيز ‏

وينقل العطار في كتابه "صقر الجزيرة" آراء عبد العزيز بخصمه "علي ابن الحسين" فيقول: (تولى الملك ‏علي الامر وهو مدبر مشرف على الهاوية، ولو كان في مكانه أشجع الشجعان وأمهر السياسيين وأعظم الحكام ‏عبقرية ودهاء وكفاءة لما كانت له الا هذا السبيل التي سلكها علي بن الحسين، فقد تضافرت بريطانيا التي رمت ‏بكل ثقلها وأفكارها إلى جانب ابن السعود ولم يستطع الحسين وقيادته العسكرية أن يعملوا أكثر مما عملوا ‏لتبييض الوجه حتّى النفي الاخير ولو كان خصمه غير بريطانيا المتفانية في دعم ابن السعود لتغلب عليها ‏وعليه). ‏

ويقول العطار نقلا عن عبد العزبز آل سعود: ‏

‏(ومن الأمور العجيبة عندي أن يستطيع "علي" أن يقف أكثر من سنة والناس في الحجاز لا يقاتلون معه ‏وخزينته لا تجود عليه بما يريد ورجاله ـ وليسوا كلهم ـ لم يكونوا أمناء مخلصين، والبواخر الحربية ‏الانكليزية تحاصر الحجاز وتمنع الارزاق، وجنوده ـ الا بعضهم ـ كانوا مرتزقة يحاربون لحطام دنيا يصيبهم، ‏ومعداته الحربية ضئيلة، والحوادث تترى ولا تمهله وهو محاصر من كل مكان وكل ما مر يوم زادت الكوارث ‏عليه وضعفت موارده، وأهم مورد كان له أبوه، وها هو قد أجبر على الرحيل من العقبة ـ من الاراضي ‏الحجازية ـ إلى قبرص الجزيرة النائية الموحشة الهادئة فمن أين يستمر في الحرب)؟!. ‏

بل لم يستطع على أن يقاوم الا بضعة شهور بعد أن فارق أبوه العقبة، ولكي نوفي التاريخ حقه يجب أن ‏نذكر قصة رحيله فهي مأساة من المآسي التاريخية وعظة من العظات البالغة لا تنسى. ‏

كان الحسين في العقبة يجند الجيوش لابنه الملك علي ويمنحهم المال والزاد، ورأى ابن سعود أن وجوده ‏قريبا نمه خطر عليه، أو بقاءه على الاقل في العقبة يضر به حربيا، ويؤخر احتلاله للحجاز. ‏

فرأت انكلترا أن تخرجه منها. ‏

وفي يوم الخميس 5 ذي القعدة 1443 هـ (28 مايو 1925 م) تلقى الملك الحسين بلاغا مصدره البارجة ‏الانكليزية "كورن فلاور" الراسية بالعقبة ـ لتوجيه وتعزيز وسائل دفاعها عن ابن السعود ـ وهذا موجزه: ‏

‏"إلى جلالة الملك الحسين. ‏

من وكيل خارجية بريطانيا العظمى: ـ ‏

‏"تبلغت حكومة جلالة ملك بريطانيا أن سلطان نجد هيأ قوة لمهاجمة العقبة وذلك لان حكومة جلالتكم بها، ‏ولان حكومة الحجاز جعلت معان والعقبة بحالة عسكرية ضد ابن سعود فهي تدعوكم إلى مغادرة العقبة لكي لا ‏تكونوا سببا لحصول مشاكل جديدة بين بريطانيا وسلطان نجد، وتصر بالحاج على وجوب مغادرتكم العقبة إذ لا ‏يمكنها أن تسمح لكم بالبقاء أكثر من ثلاثة أسابيع"!.. ‏

كان هذا هو قرار النفي البريطاني للملك حسين وقد أوضحت به بريطانيا صراحة انحيازها وحمايتها لابن ‏السعود… ‏

وكان هذا الانذار شديد الوقع على نفس الحسين، فثار ثورة المهزوم الذي لا مفر منها، فما معنى هذه ‏الملاحقة أينما ذهب؟.. ‏

وما معنى هذه الخدمات غير المحدودة التي تقدمها بريطانيا لابن سعود؟… ‏

قالها الحسين وتساءل:" هل بريطانيا مهتمة باليهود إلى هذا الحد الذي جعلها تلاحقني وتبعدني من مكان إلى ‏مكان خدمة لابن السعود لانني رفضت طلب بريطانيا في منحهم فلسطين بينما وافق عبد العزيز آل سعود على ‏اعطاء فلسطين لليهود؟… ‏

ومن أجل ذلك أخذت بريطانيا الحليفة تحسب لابن سعود حسابا، ومن أجله تطلب الي أن أغادر أرضا ‏حجازية". ‏

ويقول العطار في كتاب "صقر الجزيرة" وأجاب الحسين جوابا شديد اللهجة ـ على برقية النفي البريطانية ‏ـ كما يقول وهذا ملخصه الحرفي الذي أورده العطار: ‏

‏(انني منذ ابتداء النهضة العربية حتّى هذه الساعة وأنا مخلص في ولائي لحكومة جلالة ملك بريطانيا ثابت ‏على مبدئي اعتمادا على "شرفها" وعهودها ومواثيقها الرسمية التي قطعتها على نفسها بشأن محافظتها على ‏حقوق العرب وتأمين الوحدة العربية والتصديق على استقلال العب ومنحها الحرية للشعب العربي الذي اشترك ‏مع حليفته جنبا إلى جنب، وسفك دماء زهرة الشبيبة من أبنائه، وفادى بالنفس في سبيل الحصول على تلك ‏الحرية الشريفة. ‏

اني وأقوامي العرب حريصون أشد الحرص على تنفيذ أحكام تلك العهود والمواثيق التي كانت أساس ‏النهضة العربية، واني فاديت بكل شئ وتخليت عن الملك وغادرت وطني حبا في السلم، وحقن الدماء وأتيت ‏العقبة لا برهن للعالم أجمع بألا مطمح لي سوى سعادة أقوامي وبلادي، فلن أقف عن مساعدة الحكومة الحجازية ‏بمالي الخاص الذي ادخرته لمستقبلي المجهول، لان من لا خير فيه لوطنه لا يرجى منه خير لحلفائه وأصدقائه. ‏

ثبت على مبدئي، وأخلصت في عملي وقمت بواجبي، فما عليّ من غيري إذا لم يف بوعده ولم يقم بانجاز ‏عهده، ونفذ مطامعه بقوة مدرعاته ورؤوس حرابه!!!.‏

‏… ولا أغادر العقبة الا إذا بلغت رفع الانتداب البريطاني والا فلن أبرحها ولو أدى الامر إلى هلاكي، وإذا ‏شاءت بريطانيا فلتبعث بي إلى عالم المريخ"… الخ.. ‏

وقد حاول أصدقاؤه وابنه الامير عبد الله على أن يقبل الانذار البريطاني، ولكنه ظل حتّى الدقيقة الاخيرة ‏متمسكا برأيه يرفض التسليم ولا يرغب عن المقاومة، فهمس في أذنه ابنه عبد الله انّه يجدر به ألا يكون سببا ‏في ابعادنا من شرق الاردن ونفينا معه كما كان سببا في ابعادنا منا لحجاز لان مقاومته ستؤدي إلى ذلك حتما، ‏فأذعن وهو يقول: "حتّى أنت يا عبد الله تقف مع الانكليز وابن سعود لتحافظ على مصلحتك الخاصة". ‏

وفي يوم الثلاثاء 24 ذي القعدة 1343 هـ (16 يونيو 1925 م) أبلغه قائد المدرعة البريطانية أن يستعد ‏للسفر إلى الجهة التي اختيرت له في يوم غد. ‏

وقال له مشافهة: انّه إذا أبى وقاوم فيستخذ تدابير أخرى، فطلب الحسين أن يقيم في حيفا أو يافا، فأبرق ‏القائد إلى لندن فجاءه الجواب بالرفض وأبلغ أن عليه أن يسافر إلى قبرص!. ‏

فقال الحسين: "انني مستعد للسفر إلى "المريخ" إذا أرادت بريطانيا ورأت أن في ذلك منفعة لعبدها عبد ‏العزيز ابن السعود!. ‏

وما دامت تريد ارسالي إلى قبرص فلا أعارض لان المسألة مسألة قوة!! وانما أطلب امهالي يومين أعد ‏فيهما عدة السفر"!! فلم يمكنه القائد البريطاني حتّى قضاء اليومين. ‏

وأجبره على السفر يوم الخميس فطلب الحسين أن يركب باخرته "الرقمتين" لنقله إلى الحجاز فأبى القائد ‏البريطاني وقال "انّه لا عدول عن السفر بالبارجة ـ دلهي ـ المخصصة لركوبك"!!… ‏

وفي الوقت الذي حدده الانكليز استقبل الحسين استقبالا رسميا حافلا، وخصص لحاشيته جناح خاص أفرد ‏لهم. ‏

أما من معه في هذه الرحلة فهم: زوجته، "والاميرات" بناته، واللواء جميل "باشا" الراوي وسكرتيره الخاص، ‏وطاهيه، وخدمه، وحاشيته، ومؤذنه!!. ‏

ولم يرض أن يتناول ما تقدمه البارجة الانكليزية من الطعام بل كان لا يأكل الا مما يقدمه طاهيه لادراكه أن ‏بريطانيا سوف تغتاله فالمهم خدمة لعبد العزيز. ‏

‏(وبالرغم من هذه النكبات المترادفة عليه فلم يفقد الحسين رجولته وقوته وثباته، بل كان مثال الصبر والجلد ‏بعد الازمة النفسية التي مرت به قبل أيام. ‏

ولفظة "المريخ" تكفي للدلالة على الهياج والسخط والتبرم بالانكليز لانه فجع في أحلامه كلها يحطمها ‏الانكليز ويفقده الانكليز حقوقه كرجل لا لسبب الا لكونه أراد الوحدة العربية ورفض ما وافق عليه آل سعود ـ ‏وعبد العزيز ـ خاصة ـ باعطاء فلسطين لليهود). ‏

واستسلم مرغما لقضاء الانكليز وقدرهم وبدأ يعلل نفسه ومن معه بترديده لقول الامام الشافعي: ‏

مشيناها خطى كتبت علينا ‏ ومن كتبت عليه خطى مشاها!!! ‏

ورست الباخرة على ميناء السويس يوم الجمعة وأبلغ قائدها الحسين انّه تلقى تلغرافا من دار المندوب ‏السامي بأن ـ مندوب الحسين ـ السيد عبد الملك الخطيب قادم لمقابلته فسر كثيرا، وأخذ ينتظره من قبيل ‏المغرب حتّى الساعة السادسة ـ أي إلى منتصف الليل ـ ثم مضى إلى غرفة نومه وأوصى حاشيته باكرام ‏الضيوف. ‏

وفي الساعة السادسة والنصف ليلا وصل عبد الملك الخطيب، والامير حبيب لطف الله، واسكندر بك طراد، ‏وعبد الحميد الخطيب، فاستقبلهم رجال البارجة وحاشية الملك استقبالا طيبا وباتوا ليلتهم فيها. ‏

‏(وقبيل الفجر أقلعت البارجة إلى القتال، ونهض الملك للصلاة فقيل له أن زائريه في بهو البارجة، فلما دخل ‏عليهم اغرورقت أعين بعضهم بالدموع، فقال الملك وبدا في لحظته هذه كالبحر اتساعا وكالطود رسوخا: "هذا ‏مقدر لا تيأسوا: ‏

مشيناها خطى كتبت علينا ‏ ومن كتبت عليه خطى مشاها!) ‏

وبينما كانت البارجة تجتاز قنال السويس جلس الملك وزواره يتحدثون فقال الحسين اني معترف بأني كنت ‏مخطئا أجهل حقيقة الاوربيين وخاصة الانكليز انهم لا صاحب لهم الا من يخضع لهم على الدوام وينفذ طلباتهم ‏الخسيسة في كل زمان ومكان وقد سبقني لهذه المعرفة الدنيئة هذا الجلف عبد العزيز آل سعود… ‏

وبالرغم من نفي الحسين إلى قبرص تنفيذا لمطالب عبد العزيز، فان عبد العزيز آل سعود لم يترك الحسين ‏حتّى في منفاه في قبرص بل عمل ما بوسعه لدى بريطانيا وعن طريق جون فيلبي للتخلص من الشريف حسين ‏بحجة "أنه قد يعود للتخريب ضده في الحجاز أو في أي بلد عربي آخر لانه ما زال يدعو للوحدة العربية وان ‏مجموعات من الحركات القومية العربية الوحدوية بدأت تتصل به في منفاه لتجعل منه رمزا لها ضد اليهود ‏والانكليز في فلسطين والمستعمرين الفرنسيين في بلاد الشام"… ‏

فاقتنعت المخابرات الانكليزية بمبررات التحريض السعودي… فعملت على تحطيم الحسين أدبيا ومعنويا… ‏ومن ذلك أنها حرضت "السفرجي" على مضايقة الملك حسين وهو يوناني باقامة دعوى ضد زوجة الحسين في ‏محكمة انكليزية في قبرص زاعما أن زوجة الملك حسين قد خصمت ربع جنيه من راتبه، وكانت الدعوى ‏مستعجلة، وما علم الحسين إلا بالشرطي يبلغ زوجته الحضور، واضطر للحضور إلى المحكمة الانكليزية مع ‏زوجته، وقالت زوجته ان هذا الادعاء غير صحيح، وقال الحسين للسفرجي ومع ذلك لو أخبرتني فسأدفع لك ‏أكثر مما تزعمه من دين تافه علينا!.. ‏

وبعد صدور حكم المحكمة الانكليزية ضد الملك حسين ـ بربع جنيه ـ للمضايفي… حاول الحسين فصل ‏هذا "السفرجي" الذي ثبت أنه يعمل في المخابرات البريطانية لمراقبة الحسين، لكن بريطانيا "العظمى!" رفضت ‏فصله وفرضته عليه!!! ‏

وبعد فترة وجيزة وضعت المخابرات الانكليزية السم في طعام الحسين بواسطة هذا "السفرجي"… وتخلصت ‏بريطانيا والسعودية واليهود من الحسين ودعوة الوحدة العربية!!!. ‏

الدعوة التي كانت تغيظ الاستعمار والصهاينة وعبيدهم آل سعود، حتّى وان كانت "وحدة ملكية" لا تحمل أي ‏مضمون تحرري اقتصادي، كالاشتراكية مثلا… ونقل جثمان الحسين إلى الاردن ليدفن بالقرب من ابنه عبد الله ‏الذي سار في ركب الانكليز… ‏

رأينا في الحسين ‏

الحسين: ملكا… والملوك بطبيعتهم يختلفون عن سائر البشر… في التملك، والاستبداد… حتّى وان اختلفت ‏مواصفات الملوك حسب قوة الشعوب وضعفها.. ومع ذلك فنحن ضد كافة الملوك، وضد الملكية بكل مواصفاتها ‏وصفاتها الدستورية "والجمهورية" والهمجية السعودية… لكننا مع صفتين من صفات الحسين حتّى وان أضيفت ‏عليهما الصفات الملكية ـ إلى حين… ‏

الاولى: هي دعوته للوحدة العربية، اننا معها وان توجت بالتاج الملكي ـ آنذاك ـ لا ـ الان… لانها لو ‏طبقت ـ آنذاك ـ لكان بامكانها ـ في حال اعتمادها على الشعب والديمقراطية أن تتحول إلى وحدة جمهورية، ‏وكان بامكانها أن تلغي هذه الحدود القائمة ـ على العبودية ـ والتي ما كانت قائمة حتى أيام حكم الاحتلال ‏العثماني للبلاد العربية... ‏

ثانيا: نحن مع رفض الحسين للتوقيع باعطاء فلسطين لليهود مهما كانت دوافع الحسين… في الوقت الذي ‏قبل عبد العزيز آل سعود ذلك فأخرجه الاستعمار الانكليزي كمنبوذ من منفاه ـ بل من منبذه ـ في الكويت ‏لضرب الوحدة العربية واقتطاع هذا الجزء الذي أطلق الانكليز عليه اسم عائلته السعودية عام 1932 ـ فأصبح ‏لا يعرف الا باسم المملكة السعودية، وشعبه لا يُعرف الا باسم الشعب السعودي، فمسخ بذلك اسم هذا الجزء الهام ‏من أرض العرب.. وكانت للسعودية أدوارها الاولى في تسليم فلسطين لليهود… ‏

وفي مؤتمر العقير المعقود بين السير برسي كوكس وجون فيلبي وعبد العزيز كرر عبد العزيز قبوله ‏باعطاء فلسطين لليهود ووقع على ذلك. ‏

كما هو مذكور في وثيقة في مكان آخر من هذا الكتاب… ‏

حينما هتفوا في جدة "يعيش الاحتلال السعودي"… يا.. يا.. يا

حشدت زمرة محمد نصيف شباب المدرسة للهتاف بحياة عبد العزيز.. فلقبوه بألقاب "مولانا الملك" ‏و"صاحب الجلالة" قبل أن يلقب نفسه بها!.. ‏

وسمع (عبد العزيز لاول مرة في حياته مثل هذا الهتاف من شباب المدارس الحجازية في جدة بتوجيه من ‏المستوطنين في الحجاز وبعض التجار والمتاجرين بالدين إلى حد أن عبد العزيز قد استغرب الهتاف نفسه حينما ‏هتف المعلم أمام عبد العزيز بقوله: "يعيش الاحتلال السعودي"!.. وردد التلاميذ من خلف معلمهم "يا. يا. يا." ‏فقال المعلم: "تسقط الملكية الهاشمية"… فردد التلاميذ: "تا. تا. تا." فتعال الهتاف في مجلس نصيف "يعيش جلالة ‏الملك سيدنا ومولانا عبد العزيز آل سعود".. "يا. يا. يا." مما جعل الامر يشتبه على عبد العزيز، خاصة، "تا. تا" ‏و"يا.يا." فتساءل بازدراء وغضب "هل هؤلاء البزازين يضحكون عليّ؟.. الاوّلة فهمناها… لكن: ـ ويش: ـ ‏معنى. تاتا. و.يا. يا؟." فأبلغوه: "ان هذا يا مولانا هو: اختصار ـ حضاري ـ لتكرار .. كلمات التسقيط للملك ‏علي، والتعييش لجلالة سيدنا ومولانا الملك عبد العزيز المعظم". ‏

فقال عبد العزيز: "أنا ما صرت ملكا حتّى الان!… وإذا كنتم عودتم الاشراف اسماعهم مثل هذا الكلام ‏الفارغ فأنا لم أتعود مثل هذا في نجد وهذا مما يثير أهل نجد ضدي"… لكن المنافقين في الحجاز ـ ولا أقول ‏الشعب في الحجاز ـ بل هؤلاء المنافقين ـ الذين يبرأ منهم شعب الحجاز والذين سنورد بعض أسماءهم ـ ‏أصروا على تلقيبه "بجلالة الملك"… و"جلالة مولانا" وتلقيب كل واحد من الامراء بألقاب "صاحب السمو" ‏و"سيدنا" و"سمو سيدنا الامير" و"سمو الامير" … ‏

وهي ألقاب كانت مرفوضة بتاتا في نجد بل مثيرة للغاية وداعية للاشمئزاز والاستفزاز والقرف.. وفعلا: ‏وما أن بدأ جيش الاخوان النجدي "الفاتح" يسمع مثل هذه الالقاب "الالهية" التي يلقب بها عبد العزيز آل سعود ‏في الحجاز ـ في بداية احتلاله للحجاز ـ حتّى بدأت ثورة الاخوان… وشهر فيصل الدويش وسلطان بن بجاد ‏وأتباعهم سيوفهم بوجه عبد العزيز في مجلسه في مكة وامام الناس ومن بعض ما قالوه له: "نحن يا عبد العزيز ‏لم نقبل بتلقيبك من قبل الانكليز بلقب سلطان نجد فكيف نقبل بتلقيبك من هؤلاء المنافقين بلقب "الملك" وتقبل ‏أنت؟… ‏

وتطرب لهذا ولما ينادونك به من أمثال "مولانا!.. إلى جلالة مولانا".. وتسكت وأنت تسمعهم ينادون كل ‏واحد من أولادك بلقب "سيدنا!. وسمو سيدنا"!.. بينما كنت قبل شهرين تحرضنا ضد الشريف حسين وأولاده… ‏لانه سمى نفسه "ملك المسلمين"!. ‏

وقلت لنا: ان الشريف قد رضي أن يلقب بلقب صاحب الجلالة ويلقب كل واحد من أولاده بلقب "مولانا!. ‏وسيدنا!.." ومن أجل هذا أفتى لك قبل شهرين يا عبد العزيز رجال دينك هؤلاء الذين هم أمامك في مجلسك بأن ‏من يقول: يا محمد، ويا علي، ويا سيدنا يا محمد، فهو مشرك، فكيف بهم يقولون لك "يا صاحب الجلالة يا مولانا ‏ويا سيدنا يا عبد العزيز وترضى"؟!… لقد أفتى رجال دينك بأن الاشراف من الكفار وان أهل الحجاز كفار، ‏لانهم رضوا بهذه الالقاب الكافرة التي أشركوا بها فردا من البشر بوحدانية الله سبحانه وتعالى!. ‏

والان يا عبد العزيز نراك تسلك أكثر مما سلكه الاشراف في الكفر… وتشارك الله في أسماءه وتترك هؤلاء ‏المنافقين المشركين في جدة ومكة يبتدعون لك من أسماء الله الحسنى ما ليس لك وما لا تستحقه أو يستحقه أي ‏بشر"… الخ.. ‏

وكان الاخوان قبل ذلك قد أنذروا عبد العزيز مرتين في مجلسه… فكتم عبد العزيز غيظه وحاول أن يسفه ‏آراءهم بطريقة خبيثة ليخرجهم أمام الناس "متأخرين" وجهلة".. حينما قال: "هذه الآراء فهمناها ـ يالاخوان … ‏

لكن ما موقفكم من تحريم التلفون… والسلكي… ـ البرقية ـ نريد منكم اطلاع رجال الدين عنه"؟! وتابع ‏العزيز قوله "أما أهل الحجاز ـ فكما تعرفونهم: ـ "ما عندهم غير الكلام.. انهم دجاج مناقيرها من حديد".. "انهم ‏يطاطون ولا يلاقون".. فقال القائد ابن بجاد: "أما عن التلفون والتيّل، لقد حرمتها أنت ورجال الدين الذين هم ‏بجانبك الان واتهمت الشريف بالكفر لانه يستعمل هذه الالات!.. ‏

والان وحينما أنهينا لك الشريف وأولاده بسيوفنا وسلمناك الحجاز باردة.. أردت تحليل هذه الآلات لنفسك ‏لان هذه الآلات أصبحت تفيدك في سرعة اتصالك مع الانكليز الذين هم أكثر الناس كفرا… ولهذا نرفضها… ‏فأنت الذي حرمت الحلال وحللت الحرام، أما لماذا نعتبر التلفون… ‏

والتيل "السلكي" حرام فلانك تستخدمها في سبيل التخابر مع الانكليز… و"الدجاج التي منافيرها من حديد" ‏في الحجاز، لم توصلك إلى هذه الاماكن المقدسة التي تمنحك الدجاج فيها الان ألقاب رب العالمين!.. ‏

بل نحن الذين وصلناك، ولكن، كما وصلتك هذه السيوف ـ سيوفنا ـ إلى هذه الاماكن التي بلغت بها رتبة ‏الآلهة فسوف تشرب سيوفنا من دمك، إذا لم تتراجع عن غيك".. ‏

وانصرف الاخوان خارجين من "بلاد الكفر!." الحجاز!. إلى نجد وبدأت ثورتهم المضادة ضد ابن السعود… ‏وقد ازداد كفر أهل الحجاز في رأيهم لانهم لقبوا ابن السعود بلقب "الملك وصاحب الجلالة" وهي من صفات الله ‏وحده.‏

أما عبد العزيز آل سعود فقد شجعته زمر المنافقين في الحجاز على تماديه.. لكنه ـ بعد ثورة الاخوان ـ ‏تراجع عن لقب "ملك نجد والحجاز وملحاقاتها" إلى لقب "ملك الحجاز وسلطان نجد وملحقاتها"… واستمر في هذا ‏اللقب، حتّى عام 1934 م حينما تمادى المنافقون في تشجيعه مرة أخرى وأغواه الدعم الانكليزي فأطلق اسمه ‏واسم عائلته على جزيرة العرب فسماها "المملكة السعودية" وسمى شعبنا باسم: "الرعية السعودية"!.. ‏

نعود الآن لتسجيل مقتطفات مما حدث في الحجاز عام 1925 م وما بعد هذا التاريخ في الفترة المباشرة ‏للاحتلال السعودي للطائف، ومكة، وجدة، والمدينة، وبقية الحجاز..‏

شباب الحجاز يقاوم الاحتلال السعودي ‏

خرج عدد من شباب الحجاز إلى القاهرة والاردن وسوريا، وبدأ وبالاتصال بالهيئات الدينية العالمية، وبدأت ‏هذه الهيئات بممارسة ضغوطها على ابن السعود معتبرين "الحجاز لكل المسلمين ولا يحق لدولة مستبدة ملكية ‏حكم الحجاز منفردة… ‏

ومن هذه الآراء، بدأ الاحتلال السعودي والخبراء الانكليز باظهار مخاوفهم من "خطورة هذه الفكرة" وقالوا ‏ـ كما ورد في الصفحة من 559 من كتاب "صقر الجزيرة": ـ "اننا نخشى إلى حد بعيد أن يقرر المسلمون ‏أجمع على أن تحكمهم جماعة تنتخب منهم وفي هذا ضياع للسلطة السعودية في الحجاز التي تخشى أن تحكم ‏البلاد حكما جمهوريا ديمقراطيا"!… ‏

وزعم المؤلف الباكستاني السعودي أحمد عبد الغفور عطار: (ان أهل الحجاز كرروا مخاوفهم لابن ‏السعود… لكن ابن السعود كان يستمهلهم… ‏

لكنهم سئموا وأخيرا طالبوه بأن يمنحهم "الحرية" بانتخابه ملكا للحجاز)!.. الخ.. ‏

ويحاول هذا الباكستاني الاستخفاف بعقول الناس حينما يتحدث عن "الحرية التي منحهم اياها عبد العزيز ‏لانتخابه ملكا"!. ‏

وكأن الملوك ينتخبون!… علما أن عبد العزيز قد احتل كل الجزيرة العربية احتلالا بقوة الاستعمار ‏الانكليزي السعودي الدموي المتوحش… ‏

المهم: أن المحتل السعودي عبد العزيز قد منحهم "الحرية لاختياره ملكا"!. ‏

فاتصل جون فيلبي وأتباعه بذيول المستوطنين في مكة ليتصلوا بذيول المستوطنين في جدة فيطلبون "أن ‏يسرع اليهم وفد من جدة يمثلهم لاختيار الملك قبل أن تبدأ ضغوط الوفود الإسلامية في المؤتمر الإسلامي الذي ‏تقرر عقده في مكة".. ‏

وهكذا، انتدب الاعوان السعوديون في جدة كل من: محمد نصيف، ومحمد علي زينل، وقاسم زينل، وعبد ‏الله رضا… ‏

ويزعم المؤلف العطار نقلا عن عبد العزيز آل سعود في الصفحة 560 قائلا: (وبعد أن تحدثوا طويلا فيمن ‏يحكمهم اتفقوا ـ بدون أن يخالف أحد ـ على اختيار ابن سعود نفسه ملكا عليهم وهو خير من "يرشح" لحكم ‏البلاد المقدسة فليس فيه أي عيب "!" وهو كامل الاوصاف، فقدموا إليه في مساء يوم الخميس 22 جمادي الثانية ‏‏1344 هـ "مبايعتهم" )!..‏

والمبايعة هذه التي يتحدث عنها العطار هي التي اعتبرها العطار انتخابا!.. ‏

والمعروف أن هذه "المبايعة" قد صاغها جون فيلبي وأقرها عبد العزيز المحتل لمجرد المناورة تجاه المؤتمر ‏الإسلامي العالمي، وجاء فيها: ‏

‏"ان الحجاز للحجازيين وان أهله هم الذين يقومون بادارة شؤونه ومكة عاصمة الحجاز، والحجاز جميعه ‏تحت رعاية الله ثم رعايتكم يا عبد العزيز آل سعود"!.. ‏

كل ذلك تهربا من أن يصبح الحجاز "جمهورية ديمقراطية" تحت حكم نخبة من العالم الإسلامي.. ‏

حسبما ورد في مقررات المؤتمر الإسلامي العالمي.. وفيما يلي نص "بيعة أهل الحجاز" المزعومة ‏المسجوعة: ‏

بسم الله الرحمن الرحيم ‏

‏(الحمد لله وحده، الذي نصر عبده ‏ وهزم الكفار وحده ‏ والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، نبايعك يا ‏عظمة السلطان عبد العزيز بن عبد الرحمن الفيصل آل سعود على أن تكون ملكا على الحجاز على كتاب الله ‏وسنة رسوله وما عليه الصحابة والسلف والائمة الأربعة وأن يكون الحجاز للحجازيين، وأن أهله هم الذين ‏يقومون بادارة شؤونه، وأن تكون مكة المكرمة عاصمة الحجاز والحجاز تحت رعاية الله ورعايتكم").. ‏

كذا.. جميع الحجاز تحت، رعاية، الله، ورعايتكم، يا آل سعود!.. ‏

أليس في هذا منتهى "الشرك" يا آل سعود أن تدعوا الله ليشارك، آل سعود، في حكم الحجاز!… ‏

ولم يكتف هؤلاء "المناشف" المماسح، السعودية، بالتوقيع على مثل هذه "البيعة" التي وضعها فيلبي، باسمهم، ‏بل زعموا أن الشعب الحجازي أو على حد تعبيرهم: (ان الاهلين قد زاد بشرهم وساروا إلى عقد تقرير البيعة ‏على المنوال المسطور أعلاه راجين منكم الرحمة بهم يا عبد العزيز حينما ينزل ذلك من عظمتكم منزلة قبول ‏البيعة وأن تتفضلوا يا عبد العزيز بتتويجه بالاشارة السلطانية بالقبول ليكمل لهم مقصدهم الوحيد بحصول ‏رضاكم العظيم مسترحمين الانعام على "الاهلين" بتعيين وقت عقد البيعة عند البيت المعظم الحرام والله يديم ‏بالتوفيق دولتكم)!.. ‏

في 19 جمادي الثانية 1344 هـ ‏

وكان هذا الكتاب موقّع من زمرة المتزلفين ومنهم: صالح شطا، وعبد القادر شيبي الذي يطلق عليه "أمين ‏مفتاح بيت الله" أي سكرتير بيت الله. ‏

وعباس عبد العزيز مالكي، ومحمد علي خوقير، ومحمد شرف رضا… وجميعهم "مجاورين" عدا ‏‏"الشيبي"!…‏

ولقد أراد الانكليز بهذه الشكليات "تبهير" وتلطيف جو المذابح السعودية المريعة الفظيعة والهاء الناس ‏‏"بمبايعة" المحتل لينسى الحجاز والعالم الإسلامي ما فعله الاحتلال السعودي من مجاز لم يمر على إرتكابها شهر ‏واحد!.. ‏

ولتكتمل فصول المسرحية الانكليزية… علن عبد العزيز ما يلي قال:‏

‏"بسم الله الرحمن الرحيم ‏

من عبد العزيز بن عبد الرحمن آل فيصل آل سعود إلى رعيتنا واخواننا الموقعين أسماءهم سلام عليكم، فقد ‏أجبناكم إلى ما طلبتم من جعلنا ملكا على الحجاز"!.. ‏

في 22 جمادى الثانية 1344 هـ ‏

‏ الملك ‏

عبد العزيز

وبهذا الكتاب بدأ الفصل الثاني من فصول مسرحية تتويج "ملك الحجاز" ومثّل فصولها بعض الذيول ‏المتلبسين بزعامة الحجاز ليجعلوا من سلطان الموت عبد العزيز "ملكا" للحجاز"فقط" دون نجد..‏

بالرغم من أن أداة القتال السعودية كانت أهل نجد بل جهلة من نجد، تحولوا إلى وحوش كاسرة خدمة لآل ‏سعود اليهود، ومع ذلك… ‏

ورغم كل ما أبداه بعض أهل نجد من وحشية قتالية لصالح آل سعود فقد رفضوا ـ إياهم ـ هؤلاء ‏الوحوش الذين قاتلوا مع آل سعود أنفسهم ورفضوا الملكية ورفضوا الرضوخ للملكية وحاربوها وثاروا ضدها ‏وقاتلوا عبد العزيز بنفس السلاح الذي قاتلوا به أهلهم في الحجاز ونجد وغيرها بمجرد أن أعلن الانكليز اسم ‏عبد العزيز ملكا على الحجاز… فكانوا بذلك أشرف من أولئك الذين تكلموا باسم الحجاز، والحجاز منهم براء…‏

وفي الحرم المكّي اشيد المسرح الملكي ‏

وبدأ تمثيل الفصل الثالث لمهرجان التتويج! ‏

وفوجئ الناس بعد أن أدوا في الحرم صلاة الجمعة يوم 23 جمادى الثانية 1344 هـ ـ 8 يناير 1926 ـ ‏يمنعون من الخروج من أي باب من أبواب مسجد الحرم الا من باب الصفا حيث تقام "حفلة تخريج وتهريج ‏البيعة"… وأعد بلصق الحرم: مجلس "السلطان" المنوي ترفيعه ـ انكليزيا ـ إلى رتبة ملك!… ‏

ووضع إلى جانبه منبر للشيخ الخطيب المنافق… وفي الساعة السابعة والنصف أقبل موكب الطاغية عبد ‏العزيز فضج "المحشورون" بالهتاف، والويل لمن لا يردد مع الهتّاف من سيف السيّاف… ‏

فاختلط هتاف الحابل بالنابل، بعضهم يقول: "يعيش السلطان"، وبعضهم يقول "يعيش الملك"… ‏

إلى حد أن البعض أخذ من شدة الرعب: يعيّش ويهتف بحياة "سلطان بن بجاد" قائد الجيش السعودي الذي ‏أوقع الرعب في صدور الحجازيين…. ‏

وما أن أخذ "السلطان … الملك" عبد العزيز ـ مكانه بين الجموع المحشورة في يوم الحشر لاستماع الفشر، ‏حتّى أذن المؤذن التافه ـ في هذا المهرجان الكريه ـ بصوت جهوري في مسرح الخيانة وقال: "ان الله ‏وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما"!… ‏

فرد بعض المحشوريون المرعوبين بقولهم: "سلمنا… سلمنا"..‏

فردد المؤذن قوله: ـ "صلوا عليه"!… مما جعل بعض السذج المرجف بهم يتسأل قائلا: "ايه الحكاية ـ يا ‏بويا؟… هم، قالوا لنا انهم سيرفعون السلطان إلى رتبه ملك فيكف غلطوا ورفعوه إلى رتبة نبي يُصلى ‏عليه؟!"… ‏

وصعد الشيخ عبد الملك مرداد إلى المنبر وألقى خطابا جاء فيه: ‏

‏"أحمد رب هذا البيت المعظم، وأشكر الله على ما أنعم به وتكرم بوجود هذا الملك المعظم، منّ علينا بنعم لا ‏تحصى، ومنن لا تستقصى، أبدل رعبنا بالامن… أحمده حمد عبد يعرف مقدار نعمته وأشكره شكر من تداركه ‏بازالة نقمته… على تفضل عظمة السلطان المحبوب بقبول البيعة الملكية المشروعة بعد طلبنا اياه منه!"… ‏

فالتفت عبد العزيز إلى يوسف يس وقال له: "تشوف يا يوسف… ظنينا أن مشايخ أهل نجد أجود من أهل ‏الحجاز بالفتاوى فأصبح أهل الحجاز أجود من مشايخ نجد بالنفاق" فقال يوسف يس: "ان للحجازيين السنة حداد ‏يا طويل العمر!"… ‏

وما أن انتهى المستوطن الشيخ عبد الملك مرداد ـ من ترداد ـ كلمات النفاق المسجوعة في مسرحية البيعة ‏والترفيع، ترفيع "سلطان نجد" إلى ملك للحجاز، وما أن تلي النص المسرحي للبيعة، حتّى أخذت مدفعية قلعة ‏أجياد تطلق قنابل "الخيش والبارود" مختتمة مهرجان المسرحية بالرماية… فأغمي على خطيب البيعة ظنا منه ‏أن الاخوان المتوحشين لم تعجبهم البيعة فهجموا ليدشنوا هذا المهرجان بمذبحة الطائف، فهرب البعض لكن ‏الخدم أعادوهم لتقبيل يد الملك الملطخة بالدم الحجازي ومصافحته على القسم، وقسموا "المبايعين" إلى زمر ‏متتالية… ‏

وأول هذه الزمر، كانت زمرة" الشرفاء" الذين انحصرت فيهم امارة وملكية الحجاز سنينا، وتبعتهم زمرة ‏‏"شيخ السادة"…‏

فزمرة "الوجهاء" وزمرة "المجلس الاهلي" وزمرة "المحكمة الشرعية" وزمرة "أئمة المساجد" ، وزمرة "خطباء ‏المساجد" وزمرة "المجلس البلدي" وزمرة من "أهل المدينة" وزمرة من "أهل جدة".‏

وزمرة من "أهل ينبع" وزمرة من أهل "الطائف" البلد الذي ما جفّت الدماء المراقة على أرضه.‏

وزمرة من عامة الناس الذين لا صنف لهم… ‏

والملاحظ أن كل هذه الزمر وكل الذين ساهموا في هذه المسرحية اما مرغمين أو مستوطنين، وليسوا من ‏أصل حجازي، أو عربي أو قبلي، فالدين لهم أصول ضاربة في أرض ‏


1 comment:

  1. اللهم خلصنا من آل الغدر والخيانة آل مردخاي سعود
    قتلهم الله وجعل مثواهم جهنم وبئس المصير

    ReplyDelete