القلب ينبض بحبك يأسدنا المفدى و سيدَّ الوطنِّ و سيد الرجال و عزَّ العّرُّبّ وَفَخَّرَّ الامَّةِ

Thursday 14 July 2011

تاريخ آل سعود الجزء الخامس




  الجزء الخامس
الوطن لم يقدموا على فعل شئ من هذا المنكر، بالرغم من أنهم ساهموا بتحطيم الشريف حسين بن علي وأولاده بخدعة من جون فيلبي ووعود كاذبة سعودية…
نعود الآن إلى مسرحية البيعة التي أشيد مهرجانها إلى جانب الحرم… لنرى جمع المنافقين يستفرغون ويستنجون كل ما في بطونهم من أفواههم المنتنة بأقوال النفاق، ومع ذلك فقد أرجف بالطاغية عبد العزيز حينما أوحى إليه أحد المخبرين أنه قد يحدث لك شئ في هذا المهرجان النفاقي يا عبد العزيز.
ونصحه بمغادرة المكان ما دامت مسرحية البيعة قد تمت!… فانتقل عبد العزيز إلى مكان آخر مع الاستمرار في تمثيل بقية أدوار المسرحية حينما دخل الحرم وخلفه بقية المهرجين يطوف جمعهم خلفه حول الكعبة سبع مرات كل منهم يدعو الله هراء وتمثيلا، ومن بعدها انتقل الطاغية إلى ما يسمى "دار الحكومة" أو "دار الحكم" ليكمل بقية المنافقين ما بقي من أدوار الاستنجاء بالكلمات.. وما أن استقر في قصر "الحكم" حتّى وقف أحد المستوطنين من أغنياء جدة واسمه حسن قبال، وألقى خطابا غاية في النفاق استعرض فيه العهود السابقة فذمها، وأثنى على "بادرة الاحتلال السعودي وتمنى لو أنها تقدمت أوانها قبل الآن" وزعم " أن الملكية السعودية تختلف عن الملكية الهاشمية، فالملكية السعودية ملكية فاضلة والملك عبد العزيز ملك عادل"!.. كما زعم!.
علما أن لم يمض على اعلان الملكية السعودية ساعتين!.
لا شك أنه عرف عدله من مذابح الطائف وريعان مكة وجدة!.. ثم طلب "قابل" المنافق ـ أو الجبان ـ على الاصح ـ الخائف ـ طلب من مستوطن آخر اسمه عبد الله رضا "قائمقام جدة"
 أن يكرر مبايعته وعن أهل جدة هذه المرة.. فسارع للمبايعة علما أنه سبق له أن "يبايع" هذا العبد الله رضا للمرة الخامسة…
ثم تابع حسن قابل قوله: "ان بلادنا والحمد لله ما كانت جمهورية في تاريخها فكيف نقبل بحكمها من هيئات إسلامية أو عربية لتجعل من نفسها وصية علينا وتحول بلادنا الحجاز من ملكية إلى جمهورية.. لابد للحجاز من ملك مستقل يكون قادرا على صيانة الحجاز من الداخل والخارج.
والذي يستطيع القيام بهذا الامر هو عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود"!..  الخ..
وتوالى خطباء ـ الخوف ـ والرعب والنفاق… وفي غمرات النفاق المرعب هذه ـ هجم مستوطن اسمه عبد الرحمن بشناق ـ وصاح في الحفل المسرحي صيحة نكراء قال فيها: " يا عبد العزيز، ان الله ما أعطاك هذا العطاء إلا لانك تسعى في مرضاته"!…
فرد عليه أحد "الاخوان" القتلة من جند عبد العزيز بإحساس داخلي لا شعوري مستهجنا نفاقة بقوله: "إخسأ… يا بشناق على هذا النفاق"… جملة قالها بالسليقة أحد شيوخ الاخوان بازدراء.. ثم وقف "تابع " سعودي آخر اسمه عبد العزيز العتيقي: ونصح "الامة العربية" بطريقة استفزازية مقصودة فقال: "انني أنصح الامة العربية على التمسك بالدين أولا إذا كانت حريصة على الوحدة العربية كما نسمع من البعض الذين تخوفوا من مجيئ ابن السعود وقالوا انّه جاء للقضاء على أمل الوحدة العربية، وما على العرب الا اتباع عبد العزيز وحده لان عبد العزيز هو الوحدة"!... الخ … وكان بذلك يرد على المعارضة العربية وما نشرته الصحف القومية في العراق وسوريا ومصر من "أن الانكليز لم يخرجوا عبد العزيز آل سعود من منفاه في الكويت الا لضرب الوحدة العربية واضاعة فلسطين"… وهذا هو الصحيح…
وفي غمرة الكلمات المقرفة، همس أحد العملاء باذن عبد العزيز لينقل إليه حسبما بدا "أن هناك من يزدري هذا التهريج والنفاق".
فتظاهر الطاغية عبد العزيز بالخجل من خطابات الذيول والجبناء حينما قاطعهم ونهض وقال: "أسمع خطباءكم يقولون: هذا امام عادل، وهذا ملك عادل، وذلك ملك الظلم، وهذا كذا… وهذا كذا… والحقيقة انني ما حكمتكم حتّى الان ليعرف كل منكم عدلي، ان هذا القول ما قيل الا من باب الاماني والشهوات، وهل خابت البلاد الا من اتباع الشهوات: شهوات النفوس التي فيها خراب الدين والدنيا.
لذلك أدعوكم إلى اتخاذ الصراحة في القول والاخلاص بالعمل وترك الرياء والملق… فمتى اتفق العلماء والخطباء والكتاب والامراء على أن يستر كل منهم الآخر، فيمنح الامير  الرواتب والعلماء يدلسون ويتملقون ضاعت أمور الناس وفقدنا ـ والعياذ بالله ـ الآخرة والاولى"!..
الخ .. وقال عبد العزيز: "لم يفسد الممالك الا الملوك وأولادهم وأحفادهم وخدامهم والعلماء، وانني ـ والله ـ لأود ألا أكون منهم"!.[1]
هكذا قال عبد العزيز وقد أراد بذلك ايقاف تذمر "الاخوان" وبعض المثقفين الذين قرفوا تهافت هؤلاء التافهين المنافقين… المحسوبين على الحجاز والحجاز منهم براء…
وبعد هذا الخطاب ـ الخبيث ـ لعبد العزيز في الحاضرين .. أمر مستشاره الدكتور عبد الله الدملوجي (عميل انكليزي من العراق) بتلاوة "البيان الملكي" ليبدأ به فساد الملوك وأتباعهم!.
وجاء في البيان من الكلام المنافق ما يلي: ـ
"المطلوب أن يشكل من مندوبي مكة وجدة هيئة تسمى هيئة التأسيس ينضم إليها مندوبو باقي بلدان الحجاز ليبحثوا في المسائل الآتية:
1 ـ وضع اسم لرئيس حكومة الحجاز.
2 ـ وضع ترتيب لتحديد العلاقات بين نجد والحجاز.
3 ـ تعيين شكل الحكومة ووضع أساسات لتشكيلاتها الداخلية والبحث في الموقف الذي يجب أن يكون للحجاز من الوجهة الدولية.
4 ـ تعيين شكل العلم والنقود"…. الخ…
ولقد حاول الانكليز وعميلهم عبد العزيز بهذه التلميحات الديمقراطية: امتصاص النقمة العالمية التي أدانت الاحتلال السعودي للحجاز. وطالبت برقيات عديدة باقامة حكم في الحجاز ديمقراطي جمهوي عربي يشارك فيه أهل الحجاز ومندوبون عن جميع المسلمين في العالم… فأملى جون فيلبي على الذين حضروا من "المماسح" أن يخرج بيان باسمهم يزعمون فيه ما يلي:
" وبعد البحث والنقاش قرر الحاضرون ان يلقب رئيس حكومة الحجاز "ملك الحجاز وسلطان نجد وملحقاتها" واقترح بعضهم زيادة بعض الالقاب فلم يرض ابن سعود "!" ثم قرروا احالة الاشياء الاخرى إلى "الهيئة التأسيسية" وأصبح من ذلك الوقت لقب ابن سعود "ملك الحجاز وسلطان نجد ومحلقاتها" وأمر ابن سعود أن ينضم إلى الهيئة التأسيسية عن نجد: يوسف يس والدكتور عبد الله الدملوجي[2] وعبد العزيز العتيقي. ثم انفض المجلس"!
وفي صباح السبت اجتمع بهؤلاء الثلاثة ثلاثة وخمسون عضوا من بلدان الحجاز، فقد ظن معظمهم أنهم سيشكلون هيئة تأسيسية لاجراء انتخابات عامة لمجلس نيابي، لكن يوسف يس والدملوجي أوعزا لبعض التابعين أن يقترحوا "قبل البدء في الاعمال ـ اختزال هذا العدد الكبير إلى ثمانية أفراد ليسهل العمل"!…
وهكذا عينوا كل من: صالح شطا، ومحمد نصيف، وحسين يا سلامة، ومحمود شلهوب، وعلي كتبي، ومحمد المرزوقي، ومحمد سعيد أبو الخير والشريف عدنان، ولكي يحملوا المتعاونين معهم ـ منَّةً ـ أوعز لعبد العزيز أن يأمر بوجوب الاستفادة بآخرين "لتشكيل هيئة للتزييف فأمر بأن يرأس "الهيئة" الشيخ عبد القادر شيبي ويضاف إليها الشيخ ماجد كردي، وعبد الله زينل، وعبد الله دهلوي، وسليمان قابل، والشريف حسين عدنان ليتم العقد الفريد" ويستعان بقوم لهم ذكاؤهم وتجاربهم في خدمة الملوك…
ويقول العطار:
"وان هؤلاء الرجال كانوا ـ وما يزال الاحياء منهم ـ نخبة صالحة تعمل للخير والحضارة ونشر الثقافة وتأييد كلمة الدين في ظل الملك العادل الديمقراطي العظيم عبد العزيز"!…
ملك!، وعادل!، وديمقراطي!، وعظيم…
يا له من عطار فاجر، حينما يعطي الطاغوت الجزار صفات العدل، ويعطي النخبة المنافقة المحسّنة لمفاسده مواصفات "النخبة التي تعمل للخير والحضارة ونشر الثقافة وتأييد الدين"!… أي دين هذا؟.
والدين يقول: (ان المنافقين في الدرك الاسفل من النار)؟!.

محاولات عديدة لاغتيال الملك عبد العزيز آل سعود

ولكن الحالة في الحجاز ـ كما هي في نجد ـ لم تهدأ ، فقد جرت محاولات عديدة لاغتيال "الملك" عبد العزيز، وسعود، منها محاولتان قام بهما شباب من اليمن ومحاولة دبرها بعض المثقفين في الحجاز منهم:
محمد سرور الصبان ومحمد الطويل.. لكن الطاغية اكتشفهم وقتل الذين نفذوها، الا أنه أمر بسجن المخططين، الصبان والطويل، لبضع سنوات، فأخرجهما بعد ذلك "لقتلهما" بطريقة سعودية أخرى.. إذ قام بتعيين محمد الطويل مديرا لمالية الإحساء، وعين محمد سرور الصبان نائبا لوزيره عبد الله بن سليمان، وكان يسمى "وزير كل شئ" أي أنه وزير كل الوزارات بما في ذلك المالية، فأصبح الصبان وزيرا للمالية فيما بعد، وهكذا التهى الطويل عن التخطيط للطائلات، وسر "سرور" بالمالية، لكنهما بالرغم مما جمعاه من أموال طائلة فقد بقي كرههما للحكم السعودي…
إلا أن هذه الكره لمن يخرج عن نطاق التمنيات القلبية التي تقال في المناسبات ولا يفعل بها، والصبان والطويل كبقية أعضاء الحزب الوطني أمثال فؤاد الخطيب وطاهر الدباغ وغيرهما يمقتون الاحتلال السعودي،  بل قد ورثوا لبعض أولادهم كرههم "لطابع الحكم السعودي"… لكن تفكيرهم كان بعيداً كل البعد عن التغيير الثوري الجذري… فكيف يفكر هؤلاء بما هو ضد مصالحهم الطبقية… انّه تفكير الاغنياء والباحثين عن الرفاهية، التفكير الذي لا يشوبه أي حس طبقي، فلاحي أو عمالي، أو جندي، أو بدوي.. وتفكير معظم الوطنيين في الوقت الحاضر هو نفس تفكير أسلافهم، التفكير الذي ينطلق من التذمر وينتهي بادراك المنفعة الخاصة، فمعظم الوطنيين حاليا يمتطون الحديث عن النضال ويمارسون النضال أحيانا للوصول إلى المنفعة الخاصة.. وغاية غاياتهم المال، للوصول بالمال إلى صهوة الرفاهية!… وينتهي لديهم النضال!…
ولقد قامت عدة ثورات مسلحة في قلب الجزيرة العربية، منها ثورة ابن رفادة في الشمال الغربي للحجاز، وثورة "غريّب ودغيليب العفري" في شمال حائل، وثورة "الاخوان" في نجد بقيادة فيصل الدويش وسلطان بن ابجاد ونايف وضيدان بن حثلين، وفرحان بن مشهور… وكذلك ثورة سكان جبال الريث ـ في جنوب الحجاز… وجرت محاولات عديدة للثورة العسكرية، منها ثورة عبد الرحمن الشمراني التي كان مقررا أن يشارك العمال فيها، وكذلك محاولة عام 1969، بالاضافة إلى الانتفاضات الشعبية والعمالية… وفشلت كل هذه الثورات والانتفاضات لا لانها ـ فقط ـ لا تحمل مبادئ اشتراكية رغم فقر أصحابها، بل لانها لم تحظ بتخطيط وامداد يمكّن لها النجاح مثلما مكّن الانكليز لآل سعود النجاح بالرغم من همجية حكمهم الذي ما قام الا على سفك الدماء والنهب والكذب.
ومن أسباب عدم النجاح هذه الثورات أيضاً انها لم تجد من يناصرها من جيرانها العرب في الاقطار العربية… ولم تجد من الشعب المنهك القوى، من يناصرها كذلك، فاعتمدت على نفسها، بعد أن بقيت "كالاسماك السابحة في الصحراء"… فقضي عليها…

أمن أجل المطالبة بالغاء "التلفون واللاسلكي"

ثار القائد الاكبر للجيش السعودي ورفاقه ؟!.

هكذا يزعم "أحمد عبد الغفور عطار الباكستاني السعودي" على لسان عبدالعزيز آل سعود في الصفحة 569 من كتابه "صقر الجزيرة" حرفيا إذ يقول:
"لم يُرض الدويش وقبيلته مُطير، وابن بجاد وقبيلته عتيبة وابن حثلين وقبيلته العجمان: ترحيب ابن سعود بالمخترعات (!) الجديدة كالتلفون، واللاسلكي وسكن القصور (!) وأكثر ما أثارهم المعاهدات التي عقدتها السعودية مع الانكليز والاوربيين فقالوا انها تربط بلاد المسلمين برباط الذلة تحت رحمة راية الكفار"… الخ والجزء الاخير هو الاصح: يا عطار آل سعود…
والعطار في كتابه "لسان حال ابن السعود" يرى فيما قاله "الاخوان" الذين عادت اليهم ضمائرهم الميتة، يرى ان في ذلك ادانة لهؤلاء "الاخوان" من ثوار مطير، وعتيبة، والعجمان، علما ان "الثور" السعودي يدرك وسادته ان "ثوار الاخوان" ما ثاروا ضد قائدهم ابن السعود من أجل  المطالبة "بعدم استعمال التلفون واللاسلكي"!…
بل ثاروا ـ كما يؤكد نفسه ـ ضد تعامل ابن السعود مع الانكليز ـ عملاء الصهيونية ـ وثاروا ضد الاوروبيين من طلائع المخابرات الامريكية… وكانت تلك اولى المثيرات … ومثلما ثار "الاخوان" ضد الملكية ـ الهاشمية ـ فحطموها في الحجاز ممثلة بالاشراف "الملك حسين والملك علي" فسلموا الحجاز بل وكل قلب الجزيرة العربية ـ سلموها ـ صافية لآل سعود، ثار الاخوان ثورة مضادة ضد ابن السعود بمجرد ان اعلن "عبد العزيز آل سعود" نفسه "ملكا للحجاز"، واشتدت ثورة الاخوان المضادة رافضين الملكية، ورافضين النهب السعودي ورافضين الالقاب، والترف السعودي واستئثار عبد العزيز واولاده في سكنى القصور التي نهى عن سكناها الإسلام بالنسبة للحاكم متى ما وصل إلى الحكم يجب ان يصبح فقيرا…
حتى وان كان من قبل ذلك غنيا، وهذه هي بعض مبادئ الاسلام، لذلك فقد بنوا ثورتهم على شئ واحد هو: "ان عبد العزيز آل سعود واولاده لا دين لهم وانهم ضد الدين".. والشيء الذي يعرفه كل من عايش حركة "الاخوان" يدرك ـ بلا تردد ـ ان حكم الاحتلال السعودي لم يقف على الدعوة الدينية وحدها، فقد كانت دعوته للدين مفضوحة التزييف.. بل قام على دعامتين اساسيتين خلاف الدين الزائف، هما:
اولا ـ الدعم الانكليزي المطلق الذي لا حدود له ـ لآل سعود ـ سواء بالمال والسلاح أو بالعملاء العرب أو بخبرة خبراء الخطط العسكرية وعمالقة الاستعمار الانكليزي، الخ….
ثانيا: لم يتمكن الاحتلال السعودي من احتلال جزيرة العرب بشجاعة آل سعود أو بذكاء عبد العزيز البدائي الذي لا يمكن ان يقارن بذكاء اضداده من الحكام الذين هم اذكى منه واشجع منه، بل قام بقوة وفتك قبائل الاخوان الذين غررت بهم المخابرات الانكليزية من حيث لا يدرون، فأوهموهم:
ان ثورتهم إلى جانب ابن السعود هي ثورة مسيّرة بروح الثورة المحمدية.. ولما اكتشف الاخوان انها ثورة "بقرية" لا تسير إلا بروح جون فيلبي وبرسي كوكس الصهيونية، ثار الاخوان ثورتهم الصادقة لتعديل مسار ثورتهم الاولى… ولكن… كانت متأخرة… إذ حدثت بعد خراب الجزيرة العربية…
وبعد أن ذبحوا الملايين لحساب آل سعود فثار ضدهم كل شعب الجزيرة العربية نتيجة ما ارتكبوه فيه من آثام ومجازر كمخالب للشيطان الرجيم السعودي… فاصبح الاخوان في الجزيرة العربية ملعونين، ومن ابن سعود ملاحقين، ومن الانكليز منبوذين تتعقبهم الطائرات الانكليزية، وعيون الانكليز أينما ذهبوا…
ففي يوم السبت 19 شوال 1347 التجأ قادتهم للكويت فرفضوهم والتجأ لبقايا الاشراف في الاردن والعراق فرفضوهم… بعد ان قتل منهم آل سعود في مجزرة "السبلة" 3059 رجلاً من خيرة رجال مطير وعتيبة... وقتل منهم 709 من خيرة رجال مطير وفي مقدمتهم الشجاع عبد العزيز بن فيصل الدويش في مجزرة الحزول" التي قادها الطاغوت عبد العزيز بن مساعد الجلوي" جزار حائل" يوم السبت أيضاً الموافق 4 ربيع الثاني 1348 هـ … والملاحظ أن عبد العزيز آل سعود لا يختار لمجازره العديدة الجماعية الرهيبة الا يوم السبت، لانه "سبت اليهود" فهو يوم أهله اليهود الذي يتفاءل به كثيرا…
وكذلك لا يختار لقطع الايدي والارجل والرؤوس المنفردة من كل اسبوع الا يوم الجمعة، ليجزّها في هذا اليوم على أبواب المساجد الإسلامية ليتمتع "المسلمون" في خروجهم من الصلاة بهذه المآسي!.

أغلى الليالي ليلة الجمعة…. لماذا؟.

لقد اعطى الاحتلال السعودي منذ ان بدأ احتلاله لبلادنا عام 1901، ليوم الجمعة، كل يوم جمعة، طابع الحزن والاشمئزاز، والاذلال المميت.. فأطق شعبنا على هذا اليوم تسميات كثيرة منها "يوم الجمعة الحزينه" و "وجمعة الموت قصب الايدي والارجل" و"يوم الرؤوس" الخ..
ففي هذا اليوم ـ كل يوم جمعة ـ ينفث حكام الاحتلال السعودي سموم حقدهم ضد الشعب المنتهك، وفي هذا اليوم "المفضّل"! يفضَّل الامراء اقامة تسلياتهم الجنسية بالمواطنين والمواطنات وفي بعضهم بعضا…
وفيها تقرع الكؤوس ويبعبع التيوس وتدوخ الرؤوس والكل يتحسس على يده ورجله ورأسه هل قطع؟؟.
وهذا ما عبر عنه عدد من الامراء ـ في أغانيهم الجنسية، منها أغنية جنسية لاحد الامراء "الشعارير" غناها له مطرب ـ ليته لم يغنها ـ واذيعت من الاذاعة السعودية وسجلوها على أشرطة فلاقت الرواج الجنسي...
وقد تغنى صاحبها بيوم الجمعة، ومطلعها: ـ (أغلى الليالي تراها ليلة ـ الجمعة)!.. ومفادها ـ ان الامير "الشعرور" قد جامع غلامه في يوم الجمعة، وواعده الغلام في جمعة قادمة للمجامعة ولم يجتمع به بعدها.
فيتوجد بها على الجمعة الماضية.
وكما يتغنى الامراء في "يوم الجمعة" التي تلتف في ليلتها الساق بالساق، تقطع في "يوم الجمعة" من شعبنا الايدي والارجل والاعناق… علما ان العقاب الظالم لا يقتصر على يوم واحد في الاسبوع، هو يوم الجمعة، لكن لكل يوم جمعة ميزاته، ففي كل يوم جمعة يقوم كل قصاب سعودي بعرض معروضاته من الايدي المقطعة والأرجل والرؤوس… علماً ان حالة الطوارئ ومنع التجول كانت وما تزال معلنة خمس مرات في اليوم الوحد ـ من كل يوم ـ منذ عام 1901 ـ بواسطة ما يسمى "هيئة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر" وغيرها…
فسعدنوا هذا الشعب، وأذلوه، وانتهكوه، وعقّدوه، مما جعل شعبنا "المسعدن" من اكثر الشعوب تعاطيا للمشروبات الكحولية والمخدرات بانواعها وخاصة في يم الجمعة وليلتها، ليغيب الشعب عن واقعه المظلم المؤلم الذي انتهك فيه آل سعود اعز أماني الشعب في الحرية وامتلكوا كل ترواته وارضه وعرضه ودينه وعروبته وكرامته وكافة حقوقه وواجباته…
ورأى معظم الشعب ان في الغياب الكامل عن هذه المآسي بالمشروبات المسكرة ما ينسيه مآسيه لكنه على خطأ فادح فالعمل النظامي بحاجة إلى صفاء التفكير والتركيز للتخلص من العار السعودي، وليس في غياب الوعي أي درب للخلاص، وخير للشعب ان يتخلص من ظلاّمه وهو في كامل حواسه من هذا الواقع التافه الذي فرضه الاحتلال السعودي، هذا الاحتلال الذي أكد في كل احصائياته للبوادي والحواضر للنساء والرجال والاطفال ان عدد الشعب "المسعدن" لم يتجاوز ثلاثة ملايين ونصف المليون.. ونصف هذا العدد من النساء إذا لم نقل اكثر… أي انّه لم يكن كل هؤلاء الثلاثة ملايين ونصف من الرجال فقط، بل ان في هذا العدد من الشعب اكثر من مليوني امرأة… وما دام انّه لم يصبح للرجال أي دور ايجابي في مملكة الزيت والدماء.. فكيف يصبح لمن يسمونهن "الحريم" دورهن في مملكة اشباه الرجال…
وإذا قلنا ان عدد الشعب "المسعدن" الآن هو مليون رجل. فان من بين هؤلاء الرجال اكثر من مليون "مستوطن"، و "مجاور" للنفط، ورجعي، وأمير واميرة وجاسوس وجاسوسة، وغير ذلك من الشوائب… اما حينما يوجد عشرة آلاف في هذا الشعب يدركون انّه لا كرامة لمواطن في وطنه إلاّ بالثورة على الواقع القذر لا في ـ جمع المال ـ من بقايا حثالات وفضلات حكام العمالة فذلك هو يوم الوعي الكريم… يوم الصحوة، نقول: متى ما وجد ذلك العدد فالحل الصحيح للمسألة المعضلة قد وجد وحُلّت المعجزة لبقايا هذا الشعب المنقرض…
أجل … انّه شعب ينقرض ولماذا لا ينقرض وقد زاد عدد الذين هربوا وشردوا من الجزيرة العربية عن ثلاثة ملايين مواطن ومواطنة منذ ان أخرجت المخابرات الانكليزية الصهيونية عبد العزيز آل سعود من الكويت عام 1901 حتّى تاريخ هذا الكتاب، منهم من هرب إلى العراق والخليج ومنهم من هرب إلى مصر والشام.. كما زاد عدد الذين قطعت ايديهم وارجلهم عن /75000/ مواطنة ومواطن.
وزاد عدد الذين جلدهم آل سعود في الشوارع العاملة لتحطيم كرامتهم عن نصف مليون، وزاد عدد الذين رجموهن ورجموهم عن عشرة آلاف… وزاد عدد القتلى في المجازر الجماعية والفردية عن مليون مواطن ومواطنة.
وكما هو معروف للجميع انّه لم يمر يوم "سبت" أو "جمعة" منذ عام 1901 الا وشهدت ابواب المساجد والساحات العامة ايدي وارجل تقطع وجلود تلسع ورؤوس تخلع… وقد اتهمت كلها بتهم باطلة، لا تختلف عن تلفيق تهم الاحتلال السعودي "لقادة" الاخوان وهو الجيش الذي قاتل مع عبد العزيز وثار ضد عبد العزيز. والتهم الملفقة ضد قبائل شمّر وأيضاً مطير والعجمان بانهم "كفروا" وانهم رفضوا ادخال التلفون واللاسلكي للبلاد.!
أو كتهمتهم للشهيد الامير خالد بن مساعد بن عبد العزيز آل سعود، الذي قتله الملك فيصل وفهد وعبد الله ـ بيد محمد ابن هلال المطيري القائد لشرطة الرياض بحجة أنه رفض ادخال التلفزيون للبلاد..
وكتهمتهم لشقيقه شهيد الشعب فيصل بن مساعد، حينما صرع عمه الطاغوت فيصل فوق عرشه عام 1975 فزعم " آل فهد" انّه لا يريد بقاء الدين في المملكة العربية السعودية!…
علما انه لا دين لخاضع لظالم، وما قام الدين الإسلامي الا لقتل الطواغيت والملوك... ولكن هذه التهم التافهة أصبحت مفضوحة… حتّى وان دام باطلها.

وهل يُقتل ويشرد الناس بحجة رفضهم للتلفون والتلفزيون؟

انّه عذر اقبح من فعل.
ان يقتل ويشرد ـ آل سعود ـ حتّى بعض الامراء ـ بعد قتلهم بتهمة مزعومة هي العداء للدين وهم الذين قاموا وقاتلوا الناس باسم الدين!، كالاخوان، وبتهمة رفضهم المزعوم للتلفون والتلفزيون! وإذا كان كل هؤلاء قد رفضوا استخدام الهاتف واللاسلكي والتلفزيون ـ كلهم فلماذا يقتلوا ؟!.. وهل يستحق القتل من يرفض استخدام الهاتف والتلفزيون؟! الحقيقة انّه ليس لدى آل سعود المتلبسين بالمحرمات وابشع الجرائم المغمورين بالشذوذ باشكاله ت المعروفة وغير المعروفة عالميا ـ والملذات بأقذر الوانها ت ايّ مجال للتفكير حتّى بتلفيق تهمة باطلة تنطلي حتّى على السذج ولو لشهر واحد... وإذا كان القادة، وملايين البشر قتلوا أو قطعت ايديهم وارجلهم أو شردوا لمجرد معارضتهم لادخال التلفون، والتلفزيون، واللاسلكي والخمر، والحشيش والانكليز، والاسلام! للبلاد كم يزعم آل سعود، فما مصير من يعارض ادخال المخابرات الامريكية الصهيونية ويعارض حكم الشذوذ السعودي بكل مسمّياته؟!…

ومذبحة "نساء وأطفال العجمان ومطير" ما أسبابها؟

وهل رفض اطفال ونساء العجمان ومطير ادخال الإسلام والانكليز والامريكان والتلفون واللاسلكي والتلفزيون! "حينما ذبحهم آل سعود في صحراء بُنيّة عيفان" في 10 شعبان 1348
وتسلى بقتلهم الامير محمد بن عبد العزيز، "شقيق الملك خالد" باشراف ومشاهدة والده عبد العزيز آل سعود؟
واسمعوا قصة ـ المذبحة الجريمة ـ البشعة، انها واحدة من مئات المذابح السعودية التي لو ارتكبتها "إسرائيل" لسجلها "المؤرخون" على أنها دون شك ـ مذبحة من أبشع المذابح… وبما أن أبطالها من يهود الذهب الاسود، يهود آل سعود، فما على كتاب التاريخ إلاّ تناسيها، ولقد كان العطار ـ على خسته أكثر شهامة من معظم الكتاب العرب حينما سجلها بشئ من الافتخار بالمذابح السعودية!…
لقد اورد أحمد عبد الغفور عطار ـ مذبحة الاطفال والنساء ـ في الصفحة 952 من كتابه "صقر الجزيرة العربية" الذي املاه عليه عبد العزيز آل سعود، فقال عن لسان عبد العزيز ما يلي:

قصة "التأديب السعودي" لاطفال ونساء العجمان ومطير

(وكان ابن سعود في طريقه يؤدِّب كل من صادف من العصاة أو اتباعهم، حتّى إذا كان في اليوم العاشر من شعبان في "بنيّة عيفان" راكبا سيارته الخاصة ـ التي اهدها إليه الانكليز ومجموعة معها ـ وكان معه الشيخ يوسف يس والشيخ عبد الله بن حسن والدكتور مدحت شيخ الأرض وسائقها صدّيق الهندي ابصر سرباً من الظباء يبلغ الخمسمائة، فأمر السائق بان يعدو بالسيارة خلفها، وصاد اربعة منها وطار الخامس فطارت خلفه السيارة الا ان الظبي المذعور مال في عدوه إلى اليمين منحرفا عن طريق السيارة المطاردة فمالت هي أيضاً، فرأى ابن سعود جمعا كثيرا ولم يحقق النظر فيه لاشتغاله بالظبي الفار حتّى اصابه وصاده، ثم انثنى يرقب الجمع، فظنه في بادئ الامر بعض جنده، غير انّه التفت إلى جانب منه فرأى نساء واطفالا واغناما مما نفى ظنه، لانه ليس مع جنده نساء واطفال!
ولم يكن احد معه غير رفاقه الذين هم بالسيارة وغير سائقها، فخشي من كثرتهم فارتد بسيارة إلى الوراء فأبصر سيارة ابنه محمد قادمة اليه، فأركب فيها احد رجال مطير ـ قبيلة الدويش ـ ليكشف له الامر فان كان الجمع من الانصار فلا خوف على المطير لأنه رسول ابن سعود، وان كان من الاعداء العصاة فهو في مأمن من الاذى لانه من جماعة الدويش ويستطيع خداعهم بانه منهم!.
راح المطيري وإذا الجمع ـ اطفال ونساء ـ قبيلة الصقهان ـ احد بطون العجمان ـ وكان قد خرجت على ابن سعود، فسألها رسوله فاجابته: انها ـ اطفال ونساء ـ الصقهان وبعض مطير فروا من وجه ابن سعود، وفر رجالهم إلى الكويت فطمانهم ـ الرسول السعودي المطيري ـ بانه لا بأس عليهم واخبرهم انّه يريد الصيد "!" وتركهم وعاد إلى ابن سعود واخبره...
وما كاد الامير محمد ابن "جلالة الملك"… يسمع جواب الرسول حتّى تحمس قتالهم فمنعه ابوه، ولكنه اصر وقاد رتلا من السيارات الانكليزية المسلحة وعليها بعض آل سعود الشجعان! واسرع اطفال ونساء الصقهان ومطير فقابلوه لضيافته! وما هي إلا دقائق أبيد بعدها النساء والأطفال…
وكان ابن سعود في المعسكر يهيئ المدد لنجدة ابنه، ثم اسرع بسيارته إلى المعركة يشهد سيرها ولكنه وجد ابنه محمدا راجعا ومعه قلة ضئيلة من النساء والاطفال والغنائم، وكان عمر محمد حينئذ ثمانية عشر عاما!.
وكان كل ماتبقى من الاطفال والنساء خمسة اطفال ذكور وثلاث نساء واربع فتيات أعمارهن بين التاسعة والعاشرة، ولكي يواسي ابن سعود الاطفال، اعطى لابنه محمداً فتاة وامرأة، مقابل تعبه، وتزوج عبد العزيز بالبنات الثلاثة وتسرر امراتين.. ووضع الذكور الخمسة في خدمته الخاصة…
وصادر الاغنام والابل وعددها ألف راس … اما ضحايا المعركة من الاطفال والنساء فكان 743…) كذا!.
فهل يحتاج هذا إلى تعليق؟!.
هذا لا يحتاج إلى تعليق، بل ان وقفة تأمل ـ على الأقل من قبيلة العجمان ومطير ـ الذين امتهن آل سعود كرامتهم، وورط أحد افراد مطير ليساهم في هذه المجزرة، وما زال العديد منهم يخدمون آل سعود باخلاص.
وهم الذين استباحوا محارمهم وسفكوا دماء اطفالهم ونساءهم ورجالهم…

ليلة المذبحة… ماذا فعل ابن السعود؟

ويتابع العطار على لسان ابن السعود في الصفحة 953 فيقول: (وفي ذلك الماء قدم إلى عبد العزيز احد رجاله وهو "تركي بن ماضي" من مخفر العبيد ـ في الحدود العراقية ـ بكتاب ضمنه ببرقية من المندوب السامي الانكليزي في بغداد يخبر الصديق ابن السعود فيها: بأن فرحان بن مشهور مسجون في العراق وسيتم تسليمه لكم، وان فيصل الدويش ورفيقه: نايف بن حثلين ورفيقه الثاني: جاسر بن لامي معتقلون في باخرة بريطانية ويأخذ الانكليز رأي ابن سعود عما يفعل بهم؟
فبعث ابن السعود في يوم السبت 11 شعبان سنة 1348 هـ يطلب إليه "تسليم المجرمين انفاذاً لعهد الحكومة البريطانية معنا المتضمن حمايتنا وانها لا تأوي احدا منهم في اراضي العراق والكويت وشرق الاردن"!.
وفي اليوم التالي، ورغم تأخر وسائل الاتصال عام 1930، فقد تلقى عبد العزيز الجواب من اسياده الانكليز عن طريق المعتمد السياسي الكولونيل ديكسون يخبره: بانه سيقدم إليه مندوباً عن الحكومة البريطانية لحل مشكلة العصاة.. على حد زعمه .. وفي 17 شعبان تلقى عبد العزيز كتابا من رئيس المعتمدين في الخليج فحواه: "ان الحكومة البريطانية كلفته بان يرأس البعثة البريطانية القادمة لتسليم اللاجئين السياسيين"!.
أي قادة قبائل مطير وعتيبة والعجمان.).

عبد العزيز مطمئن لعدم خيانة الانكليز له!

وفي الصفحة 597 من الكتاب المذكور قال عبد العزيز حرفيا وعلانية: (انني مطمئن للانكليز، لانني اعرفهم انهم لن يتنكروا لي ولن يغدروا بي وان يخلفوا وعدهم معي!).
وصدق عبد الانكليز وعده ونصر الاستعمار الانكليزي عبده فهزم الثوار وحده…
وفي الساعة الخامسة من يوم الثلاثة 28 شعبان 1348 هـ ـ 28 يناير 1930 م ـ هبطت طائرة انكليزية تقل الكولونيل ديكسون وقائد البارجة الحربية البريطانية التي اعتقل فيها الثوار قبل نقلهم بالطائرة، وقام الانكليز بتسليم الثوار الثلاثة لعبد العزيز وهم:
الدويش وابن حثلين وابن لامي… فسجد عبد العزيز امام ديكسون كتعبير لشكره وحمده لبريطانيا، وقال: "اشكركم، واشكر بريطانيا العظمى التي برهنت وتبرهن دائما على وفائها وصداقتها لنا ومصافاتنا ودها"!.. وبعدها رد عليه ديكسون بقوله: "ان بريطانيا عندما تدعمك يا عبد العزيز فانما تدعم وجودها ولو لم تجد فيك الرجل المخلص لبريطانيا ما ضحت باكثر اصحاب بريطانيا من اجلك ومنهم الاشراف"!.
وبعدها غادر ديكسون المكان بطائرته.. ولاقى الدويش وابن حثلين وابن لامي مصرعهم في يوم السبت 2 رمضان 1348 ـ 2 فبراير 1930.
وفي مكان آخر من هذا الكتاب تفصيلات أكثر عن مواقفهم قبل مصرعهم.. كما لاقى سلطان بن بجاد مصرعه قتلا، اما فرحان بن مشهور فقد اغتاله عبد العزيز بواسطة احد أقاربه.

"رقبان" الجبان… ويوسف يس

"رقبان" هو اسم "سيف" عبد العزيز آل سعود… وكلمة "رقبان" تعني: أنه السيف الذي لا يكل من قطع رقاب البشر ـ وأصلح ـ المواطنين.
أما يوسف يس من سوريا، فهو من أبرز العملاء الذين جلبهم الانكليز لخدمة عبد العزيز سياسياً وجنسياً حيث استورد له مئات الفتيات المعروفات بـ "وارد يوسف أفندي" وكلهن من الساقطات.
ويروي هذا اليوسف "أفندي يس" في جريدة "أم القرى" الرسمية هذه الجريمة عن صاحبه عبد العزيز آل سعود بشئ من التفاخر فيقول:
"بعد معركة السبلة، جمع لعبد العزيز /70/ رأساً من رجال عتيبة ومطير الاسرى، وبعد أن كبلوهم بالقيود، وصفوهم أمامه، بدأ بتقطيع رؤوسهم الرأس تلو الرأس..
وكان آخر واحد منهم ضر رقبته عبد العزيز بسيفه "رقبان" فنفذ السيف في لمح البصر والرأس في مكانه، فظن ابن السعود ان الضربة اخطأت، فرفع السيف وقبل ان يهوي به ثانية انتفض القتيل، وسقط الرأس، إلا أن الضربة الرادفة هوت ـ بعد سقوط الرأس ـ على جسمه فقدته نصفين وشطرت القلب شطرين، إلا أن المدهش الغريب ان كلا شطري القلب كان مستمرا في ضرباته ثواني معدودات"!
اكتشاف سعودي هائل لم يسبق للعلم ان اكتشف اسراره في جسم الإنسان…!
ويعلق أحمد العطار على هذه الجريمة الشنعاء في الصفحة 580 من "صقر الجزيرة" باختصار، إنّما بتفاخر اقرب إلى السخرية بقدرة "رقبان" الجبان فيقول: "ومن الواجب ان نذكر ـ رقبان ـ سيف ابن سعود بالثناء الجميل فنروي هذه الحادثة التي تدهش وتعتبر في حكم النوادر الغاليات وهي كافية لتخليده!!"…
أجل.. تخليد "رقبان" الخيانة في كتب الخيانة وسجلات الجبناء الرعاديد.
ان هذه الحادثة وحدها كافية لاثبات الاصول السعودية المنتمية إلى اليهود الذين انفردت سجلاتهم في نوادر الغدر وعدم المواجهة... وليس في تاريخ العرب قتل الاسرى، وخاصة الذين قيدت ايديهم وارجلهم ـ مثلما فعل ابن السعود ـ بهؤلاء الثوار الاسرى الذين قتلهم عبد العزيز ـ في ساعة واحدة ـ بسيفه الانكليزي الجبان "رقبان" بعد أسرهم من بقايا ثوار مجزرة السبلة في تلك المعركة ـ غير المتكافئة ـ التي قتل فيها /3059/ من اصل ـ 4000 من ثوار عتيبة ومطير بينما عدد قواته كان يربو عن /40000/ كما ذكر العطار وحافظ وهبة ـ ويخطط لهم ويقودهم ضباط انكليز باحدث الاسلحة الانكليزية الثقيلة والخفيفة...
وهذا هو الدليل بأن شجاعة الاخوان قد فقدت بفقدان الدعم والسلاح والتخطيط الانكليز، لا بفقدان سطوة الدين، فقد بقي الاخوان على دينهم بوضوح أكثر من السابق.. وكانت مجزرة السبلة وغيرها من المجازر الفريدة في تاريخ المجازر المعتمدة على الغدر…
ان عبد العزيز واولاده ما قادوا معركة واحدة في حياتهم متواجهين مع خصومهم مواجهة الشجعان أبدا.. بالرغم مما قيل عنهم من "ابهة" الدجل في كتب العملاء.
وشعبنا عامة وفي نجد خاصة، يعرف عبد العزيز آل سعود ويعرف تلك الكلمة التي قالها عبد العزيز بن متعب آل رشيد لخصمه عبد العزيز آل سعود ومفادها: (تعال يا ابن سعود وبارزني وجها لوجه، فإما تقتلني واما ان اقتلك وبذلك نريح هذه الجموع المتصارعة)1..
لكن ابن سعود أبلغ "رسول المتعب" بقوله: (قل لسيدك ان شجاعة ابن متعب لا تخفى علي، وانا اعرف انّه حينما يُغيْر يقول: حسبت انني قد مت في العام الماضي… اما انا فاقول ان عمري طويل وسأقضي عليه بالحيل والخداع واسلحة بريطانيا التي لا حدود لها).
هذا هو رد الجبان وسيفه رقبان قاتل الاسرى، وصاحب شعار: (خذ عدوك بالله وامان الله) وقوله: (عدو الله من عادانا) (وخذ عدو الله بعهد الله) هذا هو المتحايل الذي خطط له الانكليز واخرجوه من الكويت لضرب الوحدة العربية وفصل الجزيرة العربية عن الوطن العربي الذي كان موحدا حتّى في عهد الاحتلال التركي… هذا هو الذي وقّع لاعطاء فلسطين لليهود فدعمه الانكليز واستخدموه لتزييف التاريخ.

وكانت سياسة الحجاز ـ رغم علاتها ـ اكثر تقدمية ووحدوية ووطنية وقومية وانصع اسلاماً مما هي عليه في عهد الاحتلال السعودي المتوحش

1 ـ ان بعض ما تعلمناه من القرآن الكريم هذا القول الكريم: (ان الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها وجعلوا أعزة أهلها أذلة وكذلك يفعلون).. لذلك وغير ذلك ـ كنا وما زلنا ضد أي حكم ملكي مهما كانت صفاته ومواصفاته، لكننا مع ذلك نكرر القول بأنه لو لم يتغلب رأي جناح المخابرات الانكليزية المسمى "بالمكتب الهندي" الذي كان يشرف عليه الصهاينة ويرأسه الصهيوني المعروف ـ السير برسي كوكس ـ المؤيد لعبد العزيز آل سعود ـ
في تقسيم البلاد العربية لانشاء الكيان الصهيوني وايجاد دويلات عربية حامية لهذا الكيان ـ الشئ الذي رفضه الملك حسين بن علي ومن اجله تم خلعه وتسليم عرشه لآل سعود، نقول: لو لم يتغلب ذلك الجناح الصهيوني ـ الانكليزي في المخابرات الانكليزية ـ الذي اوقف المد الوحدوي المنبثق ـ من الحجاز حكوميا ومن جزيرة العرب والشام والعراق ومصر شعبيا ـ حينما أخرج الانكليز عبد العزيز آل سعود لايقاف مد الوحدة ـ لا ستمر توحيد البلاد العربية ـ التي كانت موحدة فعلا حتّى وهي ترزح تحت نير الاحتلال العثماني، لكنها الان تحولت بطريقة غير شرعية ـ وبعد ذهاب الاحتلال العثماني إلى "مفرخة للدول" العربية المتناسلة كتناسل آل سعود وما برحت تفرخ كل عام "دولة جديد".
اننا نؤكد مرة اخرى: انه لو لم يخرج الانكليز عميلهم الاكبر عبد العزيز آل سعود ضد " وحدة الحسين الملكية" لايقاف مد الوحدة العربية الحقيقية التي لو تمت كما كانت عليه فستبقى "الوحدة الملكية العربية" تلك وان كانت بدايتها "وحدة ملكية عربية" تعد افضل من هذه الدويلات المفضوحة لان وحدتنا "الملكية العربية" تلك ستتحول ـ في حال وجود امة قوية طبعاً ـ إلى وحدة جمهورية اشتراكية مع الزمن ولن تقوم لهذه الكيانات ـ القائمة ـ حاليا ـ كما هي الان مكونة من 23 دولة بانتظار بقية "الدول" القادمة ـ لتعترف كل دولة بولادة "شقيقتها" و"عزيزتها" مضيفة كل واحدة للاخرى القابا أخرى في النفاق اكثر من "شقيقة" و"عزيزة" والعزة منها براء… إذ لو كانت شقيقة ـ حقا وعزيزة ـ فعلا هذه الدويلات لما اصحب لافراد الامة التي ما تجاوز افرادها المائة مليون: 23 دولة لها: 234 جواز سفر و23 جنسية و23 خرقة تافهة ملونة بالصباغ المختلفة ـ كوجوه أصحابها تسمى ـ الأعلام ـ أو ـ الرايات ـ المندحرة ـ متناحرة مختلفة على الحدودة مبعثرة الارادة والتشريعات ، ومع ذلك ـ تدعونا ـ قوانينها وانظمتها المتفرقة لاحترامها واداء واجبنا المزعوم في خدمتها المسماة بخدمة العلم..
والويل لمن يحقّر العلم ورئيس العلم، ومالك العلم، ليلقى ـ اقل ما يلقاه ـ (السجن من ستة اشهر إلى سنتين) حسبما تنص بعض قوانين العقوبات الجمهورية.
اما الدويلات الملكية فلا حدود للعقوبات فيها… مما يدفعنا للاصرار على تحقير هذه الاعلام الداعية لفرقتنا…
2 ـ لقد كان في الحجاز ـ قبل الاحتلال السعودي ـ معارضة سياسة بارزة معروفة ، وكان في الحجاز مجلس وزراء، ومجلس وطني، وكان فيها حزب اسمه "الحزب الوطني"، يمارس نشاطه السياسي العلني وهو الذي ارغم الملك حسين على التنازل عن العرش، رغم اختلافنا مع هذا الحزب، وكان في الحجاز:
سفراء وقناصل لكافة الدول وكانت لا تحرم على هؤلاء السفراء والقناصل ـ كما هو الآن ـ زيارة مكة مهما كان دينهم إذ كان للحجاز صفات الدولة المتقدمة رغم سوء الظروف في مستهل القرن العشرين، وكان الحجاز أو قطر عربي تبنى حركات التحرر الوحدوية ضد الحكم العثماني… ومن يتتبع مسيرة الاحتلال السعودي بانصاف يدرك ان الانكليز لم يخرجوا عبد العزيز آل سعود من الكويت "لتوحيد الجزيرة العربية كما يزعم البعض بل اخرجوه لضرب الوحدة العربية الكبرى حتّى ولو كانت تلك الوحدة "بقيادة ملكية" هي قيادة الحسين، خاصة بعد ان تمرد الحسين بن علي، ضد الارادة الانكليزية الصهيونية مثلما تمرد على الاتراك، ومن أبرز ما عرف عنا لحسين بن علي في تمرده ضد الانكليز بعد تعامل دام أربع سنوات ، رفضه المطلق لما يلي:
1 ـ رفض الحسين بن علي الارادة الانكليزية في تقسيم البلاد العربية واعتبر ان العرب امة واحدة في دولة واحدة بقيادته!.
2 ـ رفض الحسين طلبات الانكليز بالموافقة على إعطاء فلسطين لليهود …
في الوقت الذي قبل عبد العزيز آل سعود بكافة شروط الانكليز في تقسيم البلاد العربية واعطاء فلسطين لليهود وغير ذلك من شروط الحماية الانكليزية، الامر الذي جعل الانكليز يحاربون الشريف حسين وآل رشيد لكونهم رفضوا نفس الشروط وسخروا منها ولو لم يكن الامر كذلك لاصبح كل واحد منهم قائد "محمية" أو "امارة" على الاقل، وما كان للانكليز بقيادة فيلبي اسقاط امارة حائل بقوة المال والسلاح والشر والتزييف، ولو لم يكن عبد العزيز عميلا يهوديا ـ لا كسائر العملاء ـ لما عمّدوه واعتمدوه وبالتالي ضحوا حتّى بحليفهم السابق الشريف حسين واسقطوه وسمموه اخيراً في قبرص، كل ذلك ارضاء لعبد العزيز آل سعود.. ومع ان شعبنا كان يخالف الحكم الملكي في عهد الحسين بن علي وغيره من حكم الملوك والامراء حتّى قبل الإسلام، إلاّ ذلك النهج بالمقارنة مع حكم الاحتلال السعودي المتوحش كان وما يزال اكثر تقدمية ووحدوية من حكم الجشع السعودي الملكي المطلق "الثيوقراطي" كامل العيوب.
بل  لا مجال لمقارنة حكم الحسين وابنه علي، الحكم الملكي الدستوري بحكم الاسرة السعودية الحكم الملكي العائلي المطلق القائم على الاستبداد والاستعباد ومسخ اسم البلاد باسمهم العائلي السعودي ونهب الثروات نهبا جماً واكل التراث اكلا لما ـ في حكم داعر يسوده التمتع بالجواري والحريم والغلمان والقصور وشتى الملذات التي لا تخطر انواعها على بال الإنسان المتحضر، بالاضافة إلى ربط البلاد بسياسة المخابرات الانكليزية والحماية البريطانية ـ سابقا ـ ولما هزلت بريطانيا ربطوا بلادنا الان بالحماية الامريكية والسياسة الامريكية ومخابراتها المتمركزة في الداخلية وفي الطابق الثالث من وزارة الدفاع السعودية في الرياض بقيادة كيم روزفلت والجنرال ليهي وغيرهما من "الخبراء" الامريكان البالغ عددهم 45000 خبير لهم كامل السيطرة على مقاليد الأمور بدءا بالمساجد وتوجيه دفة الدين لصالح أمريكا وانتهاء بالحرس والجيش السعودي الموجود في الجزيرة وخارجها والتي تقوم سياستهم من خلال مخابراتهم على التجسس على الجيوش العربية وابعاد الجيش "السعودي" عن مواقع المواجهة لاسرائيل بهذه المليارات ـ المبذرة ليناضل الشعب ويتحرر من بقايا الاحتلال الصهيوني.
هذا التحرر الذي هو ـ في الواقع ـ تخشاه السعوديةـ حتّى ولو زعمت غير ذلك.

احتلال المدينة

تحرك الجند السعودي ـ بقادته الفعليين من الخبراء الضباط الانكليز ـ بقيادة جيسم لارسن، المسؤول التنفيذي للخطط الحربية "ويجيئ في المرتبة الثانية بعد جون فيلبي" فاشيع عنهم "انهم خدم الدين والمّلة وانهم اسلموا بعد تطهيرهم في جدة"!…
إلا أن القيادة الظاهرية لهذا الجند قد أوكلت لكل من صالح بن عذل ووكيله إبراهيم النشمي، فحاصرت القوات السعودية "المدينة المنورة" من كل جهاتها وقطعوا عنها كل امداد، وبدأوا بنهب الابل والاغنام وقتل كل من تقع عيونهم عليه لا تمييز في ذلك بين ذكر وامرأة وطفل… فنقلت جريدة "المُقطم" المصرية عن وكالة رويتر التي نقلت عنها الصحف الفرنسية أيضاً استغاثة من قائد حامية المدينة جاء فيها: "ان بلد الرسول معرض للخطر، ان ضريح النبي تضربه المدافع السعودية الانكليزية.
اننا نستغيث بالعالم الإسلامي وبالعالم المتحضر.. ان الوهابيين الوحوش اخذوا يطلقون النار على أهل المدينة بلا انقطاع وبلا تمييز ولم يبالوا بكرامة المدينة ولا بقداستها منتهكين بذلك حرمة الله بمثوى الرسول عليه الصلاة والسلام ـ 20/7/1975 م"!…
فتحركت الاحتجاجات من مصر والشام والعراق والهند وافريقيا.. وارسل الملك فؤاد برقية إلى عبد العزيز في 11 صفر 1344 هـ (3 /8/1925 م) تقول:
"عظمة السلطان عبد العزيز سلطان نجد"
"ان الحرب القائمة حول المدينة المنورة قد اقلقت خواطر المسلمين قاطبة لما عساه يحدث من تأثيرها في الاماكن النبوية المقدسة التي نجلّها، ونحافظ على آثارها الكريمة، ولا يخفى على عظمتكم ما لهذه الأماكن من الحرمة التي توجب ان تكون بعيدة عن كل اذى رغم ما يقتضيه أي نزاع أو خلافه".
وتسلم الملك فؤاد في 13 صفر 1344 هـ (1 سبتمبر 1925م) برقية من الملك علي بن الحسين، جاء فيها:
"صاحب الجلالة فؤاد الأول ملك مصر المعظم "!"
"اهدي جلالتكم اعظم الشكر على غيرتكم، ولا يستكثر ذلك من سليل محمد على الكبير الذي سبقت له خدمة هذه الديار المباركة من قبل في مثل هذه الكارثة نفسها مادة ومعنى.
فقضى بذلك على اجداد هؤلاء الوحوش السعوديين.
"ونبرأ إلى الله ان يكون احد منا ـ نحن ابناء الحرمين الشريفين ـ اراد القتال أو أخذ على الاستمرار في سواء ذلك في مكة المكرمة أو المدينة المنورة ونسجل على المتسبب السعودي مسؤولية ما تهدم فيها من الآثار وما لا يزال يصيبها من اذى كجعل القبة الخضراء النبوية هدفا للرصاص وسائر قبب وقبور آل البيت بالبقيع وتخريب مسجد سيدنا حمزة وهدم ضريحه الشريف طبقا للاساس الذي قام عليه المذهب الوهابي المعلوم!".
وطال الحصار ولم يجد من أبناء المدينة من يناصره من العملاء لكنهم زعموا أن أحد العملاء واسمه "مصطفى عبد العال" المرسل لابن السعود برسالة نيابة عن كبار اهل المدينة يطلبون منه فيها احتلال بلادهم!..
كذا… وقد قتل ابن السعود هذا المواطن فيما بعد، بعد أن فنّد المواطن عبد العال الكذبة السعودية.
وفيما يلي النص الحرفي للكذبة:
(وعندما كان ابن سعود في بحرة قدم إليه احد المدنيين واسمه "مصطفى عبد العال" برسالة من كبار اهل المدينة وحكومتها يعرضون فيها تسلم المدينة إلى السلطان بشرط ان يؤمّن اهلها وموظفيها وكل من بها ويؤمن اموالهم وبألاّ يتسلمها إلا أحد أفراد آل سعود.
فاجاب بالقبول وأمر ابنه محمداً بتسلم المدينة المنورة وكان في الرابعة عشرة من عمره وغادر مكة إليها في 23 ربيع الثاني 1344 يرافقه خاصة ابيه وكبار آل سعود ولكن الحامية ابت التسليم لانها كانت تنتظر المدد من جدة في الايام القريبة فما كان من الامير الصغير الا ان يشدد الحصار عليها ليضطر الحامية إلى التسليم)!..
إذاً فقد يكون "عبد العال" قد اتصل وقد لا يكون اتصل، لكنه من المؤكد أن الشعب في المدينة قد رفض الاحتلال السعودي، بدليل ما ينقله العطار في كتابه عن ابن السعود، حيث يقول: (وأهل هلال جمادى الاولى فلم يبق عند الحامية إلا شئ يسير من الزاد فأبرقت في اليوم الخامس من هذا الشهر للملك علي برقية تقول له فيها: الذي يهمنا الأرزاق للجند وعدتمونا بارسال الدراهم المتيسرة بالطيارة، إلى الآن ما رأينا اثراً لها.
دبروا وارسلوا لنا دراهماً ولو ببيع احدى البواخر فترون منا ما يسركم)!…
ويتضح من هذه البرقية ان الشعب غير منظم وانه لا يقاوم لكنه يرفض الاحتلال السعودي، وان الاعتماد على حامية لا يتجاوز عدد افرادها عن 200 شخص فقط.
(وأبرقت الحامية في الثالث عشر من جمادى الاولى إلى الملك علي أيضاً تقول له: "انقضى الامر ولم يبق في اليد حيلة، الجنود ما عندم ارزاق الا لثلاثة أيام إذا لم تصل الطيارة غداً الظهر سنفاوض العدو")..
فاجيب قائد الحامية ومن معه في نفسه بان الطائرة ستأتيهم غدا فابرقوا إليه في 14/5/44 بان من الواجب مجئ الطائرة ففي ذلك فوق مهمتها الاساسية ارهاب للعدو وتقوية لمعنوية الجيش…
فتلقت الحامية الجواب بان ارسال الطائرة قبل عشرة أيام متعذر لعدم وجود البنزين!…
مرت الايام الثلاثة فنفذت مؤونة الحامية ومع ذلك صبر الجنود ثلاثة أيام أخرى.
ثم تلقى الملك علي برقية من الحامية ووكيل الامارة في 17 جمادى الاولى وفيها "نريد تأمين معيشة الجند منذ ثلاثة أيام حرم الطعام، ان اليوم هو آخر عهدنا، دبرونا اليوم إلى المساء وإلا نسلم عليكم"!…
فأجابهم الملك علي يطلب اليهم الصبر!.
ولكن صبرهم نفذ… ولم يجد قائد الحامية عبد المجيد ومدير الخط الحديدي "عزت" الا أن يفاوضا الاعداء ومالهما في اليد حيلة وقد نفذت الذخيرة والزاد!.
فذهبا ورئيس ديوان الامارة عبد الله عمير، صباح الجمعة إلى الطفل ـ 14 سنة ـ الامير محمد بن عبد العزيز ابن عبد الرحمن وقدما له كتابا يطلبان منه أن يجيبهم إلى مقابلته، فبعث اليهما بالموافقة ومثل عبد المجيد وعزت أمام الامير الطفل محمد، وفاوضاه!.
في "التسليم على شرط اعطاء الامان لجميع الجنود والضباط والاهلين واعلان عفو عام عما مضى عن كل أحد بالمدينة، وفي قبالة ذلك تسلم المدينة إليه!."..
ان عمر الامير محمد الآن أكثر من 70 سنة وعقله لا يستوعب أو يدرك أي نوع من أنواع التركيز على أي مسألة من المسائل عدا المسألة الجنسية، فكيف به يستطيع التركيز وعمره 14 سنة على عقد مثل هذه الاتفاقية السياسية لكن جون فيلبي هو الذي عقد الاتفاقية في صباح السبت 19 جمادى الاولى 1344 هـ(5/ ديسمبر/1925م) وسلمت المدينة المنورة في نفس اليوم بعد حصار دام عشرة أشهر وفتحت أبوابها فدخل الامير ناصر بن سعود وعبد الله الفضل بقسم من الجنود مع عزت وتسلموا قلعة سلع وما فيها من ذخائر وعتاد، ووضعت فيها قوة عسكرية سعودية ثم تسلموا دور الحكومة والمراكز العسكرية والملكية.
وفي صباح الاحد دخلها الامير محمد "ابن السلطان" عبد العزيز وجنوده.
واستمر الامير محمد أكثر من 66 سنة ـ وما زال ـ يتقاضى مرتباته الضخمة ـ كأمين للمدينة ـ علما أنه لم يحكمها إلا ليوم واحد هو يوم الاحتلال ، إذ حكمها بعض الخدم بضعة أشهر، ومن ثم حكمها الجلاد ابن إبراهيم يعاونه لفترة يسن الرواف، فارتكب ابن إبراهيم ابشع الجرائم بأهل المدينة وباديتها والفلاحين، فقطع أدي وأرجل النساء والاطفال وقطع الرؤوس، وبطش "بالنخاولة" وهم فئة من الفلاحين تخصصوا بزراعة النخيل والاشراف عليها في المدينة خاصة، ومن اسم النخيل اشتق اسمهم "النخاولة" ولكونهم فلاحين والفلاح إنسان عامل شريف عمل الاحتلال السعودي لتعميق الهوة الاجتماعية بينهم وبين المواطنين: إلى الحد الذي صدقه بعض السذج وزعم أن النخولي أو "النخيلي" إنسان يختلف عن البشر، ولكون النخاولة من أبناء الشيعة أيضاً أساء الاحتلال السعود اليهم كثيرا، وكره آل سعود وتجار دينهم للشيعة ناتج عن صراعات نضالية قديمة بينهم وبين آل سعود…
وما زالت المدينة مزرعة يتوارثها أمراء آل سعود…

كيف أرغم الانكليز الملك علي

على التنازل لسلطانهم العزيز عبد العزيز؟

لقد فتح الانكليز أبواب كل شئ لعبد العزيز. وكما يقول "العطار" نقلا عن عبد العزيز في كتابه "صقر الجزيرة":
"بعد احتلال المدينة لم يبق للشريف أي شئ… الموانئ تحت قبضتنا.. والذخائر كثيرة والجنود تزداد أعدادهم، والمال يصرف لنا بسخاء ونصرفه بسخاء، والانكليز ما قصروا"!.
أجل… الانكليز ما قصروا… ومماليك الانكليز ما قصروا أيضاً.

انقلاب تحسين الفقير

ولقد شعر عدد من العرب، من رجال الشريف علي .. أن عليا لم يعد يصلح وان الحصار الانكليزي قد أحكم قبضته من البحر، والحصار السعودي قد أحكم وحشيته من البر، وان "الشريف علي" بوضعه الركيك أصبحت نهايته قريبة.
وانه مع ذلك وقبل ذلك كان يسمع من عملاء الانكليز وآل سعود دسائسهم، بل انّه كان يسمع حتّى نصائح جون فيلبي… فتحركوا للقيام بانقلاب واعلان "الجمهورية العربية" من الحجاز، واحياء ذلك المد "الوحدوي العربي القومي الشعبي" الذي توقف، والعودة من جديد لاحياء الثورة العربية بشكل شعبي، والاستعانة بالاتحاد السوفييتي ضد عملاء بريطانيا وتدخل بريطانيا المفضوح…
وقد رأى هؤلاء العرب أن يكون قائد الانقلاب وزير الحربية تحسين الفقير ووزير البحرية عراف الادلبي، وأن يشارك في الحكومة عدد من قواد الجيش الهاشمي… ويقال ان الشريف حسين بن علي قد اطلع وهو في منفاه في العقبة على هذه الخطة الانقلابية فباركها ضد ابنه وقال: "ان أي انقلاب عربي يحافظ على الخط العربي للحجاز أفضل مليون مرة من احتلال الوحوش السعوديين للحجاز"..
لكن خطتهم تلك كشفها الانكليز…
وفي 29 جمادى الاولى 1344 هـ بدأت البوارج الانكليزية الراسية في بحر جدة تقصف بمدفعيتها في كل اتجاه في جدة… وحشدت في اليوم نفسه أكثر من 40.000 جندي سعودي.
وفي نفس اليوم نشط عملاء السعودية في الحجاز، وبدأوا يضغطون على "علي" وبدأ القنصل الانكليزي يضغط أكثر على "علي" للتنازل لابن السعود.
وفقد "علي" السيطرة على نفسه… فاتجه في مساء نفس ذلك اليوم الثلاثاء 29 جمادى الاولى1344 ليعرض على المعتمد البريطاني "التوسط في تنازله مقابل الشروط اللاحقة"…
وفي نفس ذلك المساء أبرق المعتمد البريطاني إلى حكومته يبشرها بانتصار سلطانهم عبد العزيز ويأخذ رأيها في الشروط التي عرضها الشريف علي..
وفي الليلة نفسها "أذنت له المخابرات الانكليزية بالوساطة ضمن الشروط"… وكان عبد العزيز في مكة فأبلغه المعتمد البريطاني أن يخرج من مكة ليقابل رسوله في الطريق بين مكة وجدة في اليوم التالي عبد العزيز بل أرسل له أحد موظفي دار الاعتماد البريطانية واسمه "منشئ احسان الله" الذي التقى بعبد العزيز في مكان اسمه ـ بحره ـ بالقرب من جدة وقدم له الكتاب الذي جاء فيه ما يلي:
جدة في 16 ديسمبر 1925م
حضرة السلطان عبد العزيز بن عبد الرحمن الفيصل السعود سلطان نجد.
"بانتظارك لمقابلتي بالرغامة غدا يوم الخميس قبل الظهر أو بعد ذلك بأسرع ما يمكن"…
نائب معتمد وقنصل بريطانيا العظمى
وكيل قنصل
جوردن
وأجابه "سلطان نجد!." بما يلي:
الرغامة في 30 جمادى الاولى 1344 هـ
من عبد العزيز بن عبد الرحمن الفيصل
إلى سعادة المعتمد البريطاني المستر جوردن المفخم
"تحية وسلاما:
أتشرف بأن أخبر سعادتكم بأني تناولت كتابكم المؤرخ في 16 ديسمبر سنة 1925 وفهمت ما تضمنه … حالا حضرنا في "العرضي" لمقابلة سعادتكم في المحل الذي يخبركم عنه "منشئ احسان الله" هذا وتقبلوا فائق احتراماتي".
الختم السلطاني السعودي
عبد العزيز سلطان نجد
وفي اليوم التالي في الساعة الرابعة بعد الظهر التقى المعتمد البريطاني بالعزيز عبد العزيز وأبلغه شروط تنازل الشريف علي التي أخذها المعتمد البريطاني جوردن نيابة عن عبد العزيز آل سعود "سلطان المسلمين"… وأهمها ما يلي:

الشروط التي وضعها قنصل بريطانيا نيابة عن عبد العزيز

"تنازل الملك علي ومبارحته الحجاز وتسليم جدة وتسليم أسرى الحرب الموجودين عنده، وتسليم جميع الاسلحة والمهمات الحربية من بنادق ورشاشات وطائرات ومدافع وغيرها في الحال بدون اتلاف شئ منها، وتسليم البواخر التي باسم الحجاز وهي" الطويل، والرقمتين، ورشدى، ورضوى" لابن سعود على أن تصير كلها ملكا له (!)، والتعهد من قبل علي ومن قبل ضباطه وأهالي جدة بألا يبيعوا شيئا من أملاك الحكومة ثابتا أو منقولاً، وألا يرهنوا أو يخربوا أو يتصرفوا في شئ من ذلك وألا يأخذ الملك علي شيئا غير أمتعته الشخصية بما في ذلك سيارته وخيوله وسجاجيده"!…
"ويتعهد ابن سعود مقابل ذلك منح العفو العام للموظفين الملكيين والعسكريين "والشرفاء" وكل أهالي جدة والعرب والسكان والقبائل ويضمن سلامتهم الشخصية وسلامة أموالهم وأن يرحل كافة الضباط والعساكر الراغبين في العودة إلى أوطانهم وأن يعطيهم المصاريف اللازمة لهم ولسفرهم.
وان يوزع عليهم مبلغ خمسة آلاف جنيه بنسبة معتدلة، وأن يبقى جميع موظفي الحكومة الملكيين في مراكزهم ممن يجد فيه الكفاءة في تأدية واجبه بأمانة،  ويتعهد ابن سعود ـ أيضاً ـ بأن ينمح آل الحسين جمع ممتلكاتهم الشخصية في الحجاز، وبأن يمنح جميع السكان والضباط والجنود الموجودين بينبع الحقوق والامتيازات الممنوحة لزملائهم في جدة ما عدا النقود"!..
وفي عصر يوم الخميس 1 جمادى الثانية 1344 وقع السلطان ابن سعود هذه الاتفاقية وفي الساعة السادسة ليلا من نفس الماء وقع عليها الملك علي واعتبرت نافذة من ذلك الوقت.
واحتفل المعتمد البريطاني وعبد العزيز تلك الليلة بالانتصار الانكليزي السعودي…
ومضت أيام الجمعة والسبت والاحد في هدوء واطمئنان!، وأخذ الجنود والضباط فيها يستعدون للتسليم، وفي الساعة الرابعة من صباح الاحد 4 جمادي الثانية استقل الشريف علي بن الحسين زورقا بخاريا إلى البارجة البريطانية (كورن فلاور) التي استقله إلى عدن فالعراق، ثم لحق به الشريف شاكر وكاتبه عبد الله رشيد وبعض خدمه ولبث بها حتّى يحين موعد الرحيل.
وقبيل أن يغادر الشريف علي رصيف ميناء جدة بدقائق وزع منشورا على الشعب يذكر فيه اخلاصه وجهاده وحياته!.. ومنه ما يلي:

جيشي "الباسل" وشعبي الكريم!!

"إلى جيشي الباسل وشعبي الكريم:
"اني أحمد الله كثيرا، وأشكره، شكرا جزيلا في السراء والضراء.
منذ تشرفت بالقدوم إلى هذه البلاد المقدسة مع جلالة والدي وأنا أعتبر نفسي فردا من أفرادها العاملين لخدمة وطني حتّى جاء اليوم الذي تنازل فيه فكلفتموني بتولي الامر بعده في ذلك اليوم العصيب والخطب الجسيم والعدو على الابواب..
ولديه من القوات والمعدات والدعم البريطاني ما ليس لدينا... واصررتم كل الاصرار رغما عن ارادتي حتّى قبلته مستعينا بالله مستمدا منه العون والتوفيق مشمرا عن ساعد الجد مرتديا رداء الثبات والصبر، وأحضرت كلما استطعت مما رأيتموه من جند وأسلحة، وسهرت الليالي الطوال، وصابرت هذه الحرب وصرتم يا أهل هذه البلاد معي على الكوارث، وشاركتموني في ويلاتها ومشاقها وخسائرها مما جعلني مدينا لكم إلى الممات حتّى نفذ ما كان في اليد من المال مما أملكه ومما أعنتموني أنتم ووالدي، وهلك كل ما في القدرة والمستطاع فها أنا اليوم مضطر لان أصرح لكم بأنني رجحت الانسحاب من الحرب ودخلت في مفاوضة تضمن السلام وتصون الحقوق لكم جميعا فكونوا على علم واني أرجوكم تطبيق كل ما جرى عليه القرار وتنفيذه حفظا للسكينة والحقوق العامة والشخصية، واني أرجو لكم مستقبلا حميدا، وأرجوكم الصفح عن الزلات والخطأ والهفوات وأشكركم من صميم فؤادي على ثباتكم الشريف ووقوفكم الحميد وتضامنكم الحسن.
"وقد شكلت حكومة مؤقتة أهلية للنظر في الأمور يرأسها القائمقام الشيخ عبد الله زينل مع بقاء جميع كبار الموظفين الاهليين.
"اني أستودعكم الله لعينه التي لا  تنام…"الخ.
وفي مساء الاحد عاد المعتمد البريطاني إلى الرغامة وأخبر "عظمة السلطان" أن الشريف عليا قد أقام بالبارجة البريطانية وانه قرر السفر إلى عدن ومنها إلى العراق.
وفي صباح الاثنين قدم إلى مقر ابن سعود المعتمد البريطاني ومعه رئيس الحكومة المؤقتة القائمقام عبد الله زينل ورئيس القوة العسكرية الضابط صادق بك وقدمهما إلى "السلطان عبد العزيز" فكان مجلسه حافلا بالضيوف ورجال الخاصة.
وبعد أن استقر بهما لمقام قال المعتمد البريطاني: انّه يقدم إلى السلطان بصورة رسمية رئيس الملكية ورئيس العسكرية ليكونا مسؤولين أمامه، فشكره ابن سعود وأثنى على عمله وجهوده.

إستسلم وسلِّم وإسلم واستلم تسلَم

بهذا تسلمت بريطانيا الحجاز من الحسين وابنه علي، فسلمته إلى عميلها عبد العزيز آل سعود، يدا بيد.
أليست هذه عمالة مفضوحة؟.. وهل من عمالة أكبر من هذه العمالة السعودية؟.
إذاً .. فلماذا "آل سعود" لا يدعمون العملاء خدمة للصهاينة ووفاء بالدين؟!.
وجزاء بالمثل؟!.
وبعد هذا التسلم والاستلام، رجع المعتمد البريطاني "جوردن" وبقي الرئيسان "يتذاكران" مع ابن سعود في الترتيب الذي يرى من أجل ضبط ممتلكات الحكومة والاشياء التابعة لها!…
وحرص ابن السعود على الممتلكات وشدد عليها أكثر مما حرص على المواطنين… وبدأت وفود المتزلفين للسلطان، وفي مقدمتهم محمد نصيف المعروف باسم الوهابي" وقاسم زينل ورجال ديوان الملك علي وكبار موظفي حكومته.
وفي صباح يوم الثلاثاء 6 جمادى الثانية أمر بن سعود كل من يوسف يس وخالد "بك" الحكيم، وحسن "بك" وفقي، وعبد العزيز العتيقي بدخول جدة وتسلم المهمات الحربية والعسكرية وترتيبها والنظر في الحالة "الامنية" فتوجهوا بسيارة "السلطان" ودخلوا جدة في الساعة الثالثة والنصف، وفي هذه الساعة كانت البارجة التي تقل الملك علي تتهيأ للرحيل وقد ذهب لتوديعه قناصل الدول وبعض "الوجهاء" وجواسيس السعودية للتأكد من سفره…
وفي الساعة الرابعة كانت البارجة تغادر مياه جدة.
ويومها أقيمت لعبد العزيز، الاحتفالات بالقندرة، وبقي عبد العزيز فيها بقية يومه وليلته، وافترس بعض الفتيات من "أشراف الحجاز" والوجهاء باسم الزواج…
والقندرة هذه ـ للايضاح ـ ليست حذاء يليق "بجلال" المناسبة بل هي حيّ من أحياء جدة، ما زال اسمه الكندرة…
وفي صباح الخميس 8 جمادى الثانية ـ 24 ديسمبر1925 دخل "السلطان" على "عروس البحر" جدة ونزل في بيت كبير العملاء المدعو محمد نصيف وتقدم إليه بقايا المتزلفين فرحين مستبشرين وهنأوه بزواجه وعرضوا عليه خدماتهم لنخس "أجمل البنات من خيار العائلات" وتمنوا له "طول العمر" والسعادة والتلذذ والمتعة الحسية والجنسية…
ولقد وردت كلمات: "التلذذ والمتعة والسعادة الحسية" في خطاباتهم!..
وألقى الفتى الجميل حصين بن محمد نصيف "كلمة المادحين في سلوك الفاتحين" وقال: اننا نفديك بالروح يا من واسيت الجروح".
وبدأ "براز" الكلمات يأخذ مجراه الطبيعي في مجاري النفاق القذرة، وسمع عبد العزيز في الحجاز ما لم يسمعه طيلة حياته في نجد… من أهل نجد.
الذين ثاروا عليه بعد هذه المدائح الوقحة التي مهد بها العملاء في الحجاز بتتويجه "ملكا للحجاز ونجد"!… والشعب في الحجاز يبرأ من أقوال العملاء…

احتجاجات عالمية إسلامية ترفض اعلان الملكية السعودية في الحجاز

لقد أحدث اعلان عبد العزيز نفسه "ملكا على البلاد المقدسة" ضجة كبرى في العالم الإسلامي عامة وغضب شديد في مصر والهند بوجه خاص وأعرب حتّى المستشار السعودي حافظ وهبة عن الرفض لأعلان الملكية السعودية في الحجاز كما ورد في رسالته…
ونتيجة لذلك لم ير عبد العزيز بدا من دعوة المسلمين إلى عقد المؤتمر الموعود في الحجاز… فوجهت الدعوة باسمه إلى عدد من الاقطار وحضرت بعثات عربية إسلامية ومنها بعثة برئاسة الشيخ محمد الاحمدي الظواهري شيخ الازهر آنذاك ومحمد المسيري مدير ادارة الحج بوزارة الداخلية المصرية، والاستاذ محمد توفيق قنصل مصر بجدة… وألقيت كلمة باسم الملك عبد العزيز، ألقاها حافظ وهبة… راح يلعن فيها الحسين بن علي ويقول (انّه وضع البلاد المقدسة تحت السيطرة الاجنبية غير الإسلامية)!.
وراح حافظ وهبة يتهم الشعب في الحجاز ويزعم (بأن أبناء الحجاز هم الذين يتهمون النجديين بالكفر، وانما كل إنسان يرى أعمال السعوديين الإجرامية يجزم مؤمنا انها لم تنتج إلا عن أعرق الفجار فجرا وأكفر الكفار كفرا بكل القيم.. واستطرد عضو مجلس الربع حافظ وهبة في خطاب العرش للمؤتمر قائلا: (اننا نقر أن يكون حكما مستقلا في الحجاز يمارس فيه الناس الاستفتاء في اختياركم حاكم الحجاز…
ونحن لا نقصد بانقاذ الحجاز من حكامه الاولين أن نتملك الحجاز أو نتسلط عليه بالمعنى الذي كان معهوداً فيه) ثم راح حافظ وهبة يخبط… ويكذب على رؤوس الاشهاد… ويقول: (أيها الخوة انكم تشاهدون بأعينكم وتسمعون بأذانكم ممن سبقكم إلى هذه الديار: أن الامن العام في جميع بلاد الحجاز، حتّى بين الحرمين الشريفين، بدرجة الكمال، التي لم يعرف لها مثيل ولا ما يقرب منها منذ قرون كثيرة بل لا يوجد ما يفوقها في أرقى دول الدنيا نظاما وقوة، ولله الفضل والمنة.
ففي بحبوحة هذا الامن والحرية التي لا تتقيد إلا بأحكام الشرع، أدعوكم إلى الائتمار والتشاور في كل ما ترون من مصالح الحجاز وتطهيره من البدع والخرافات والفواحش والمنكرات التي كانت فاشية فيه بدون نكير! وباستقلاله المطلق، وسلامته من كل نفوذ أجنبي الخ…
وما أن سكت حافظ وهبة عن الدجل والزيف الانكلو سعودي… حتّى وقف الشيخ شوكت علي شيخ المسلمين في الهند، ليلقي كلمته ـ الهامة فعلاً ـ باسم المسلمين في الهند، وجاء فيها:
(ليس بوسعي الموافقة على الضرائب التي يفرضها السعوديون على الحجاج الذين يحضرون لأداء فريضة الحج لا للسياحة والقول الهزل، وليس بوسعي أن أبيح أن تكون الحجاز تحت سيطرة ملكية مهما كان نوعها، وإذا كان ما تقولونه صادقاً عن اعطاء الحجاز استقلاله في ظل الانتخابات فليكن هذا برعاية مؤتمرنا هذا، واني لست مستعدا لمنح هذه الحكومة السعودية غير المشروعة شهادة حسن حال وسلوك لما رأيناه بأعيننا، واني أقول مثلما قاله الأخ شعيب أن الحاج يريد أن يرى قبلة الإسلام طاهرة ويراه يحصل على حريته)، وقال: (وقد لا يأتي إلى الحجاز حجاج، فالحجاج يتضررون من الحالة الحاضرة والحجاز يتضرر أيضاً، ويجب أن لا ننسى أن الحاج لا يأتي إلى هنا إلا لغرض ديني) وقال الشيخ شوكت علي: (ان هذه الحكومة السعودية لم تحصل على استحقاق الشكر).
ووقف يوسف يس المندوب السعودي قائلا بيت الشعر العربي القديم المعبّر عن عدم رضاه وسادته عن شيخ الإسلام في الهند:
وعين الرضا عن كل عيب كليلة            كما أن عين السخط تبدي المساويا
ثم قال: ان هذه الاعتراضات تكررت من كل الوفود في كل موضع وفي كل مناسبة فأرجو أن لا نسمع شيئا من هذا بعده وإذا كان أمر مساعدة الهنود متوقفا على ما نراه وإذا كان اسعاد الحجاز متوقفا على مساعدة الهنود فلسنا بحاجة).
هكذا تكلم هذا القواد وبكل وقاحة، اقول، قواد، لأن وارده من الرقيق بلغ أكثر من 700 جارية… وبذلك استحق لقب المستشار الأول.
وقال أحد أعضاء وفد سوريا ردا على يوسف يس: (ان البلاد المقدسة حتّى بعد تتويج سيدك نفسه ملكا لم تعد لك ولا لسيدك ولا لبريطانيا التي سلمتكم أرضنا الطاهرة، ان الأرض هي ارض عربية أولا وهي أرض إسلامية ثانيا، ونحن في مؤتمر إسلامي عقد اما لمنحكم الثقة وإلا لا ثقة، والحقيقة أن الثقة فيكم معدومة).
وتكهرب الجو، وحاول أحد الهنود تلطيفه بإلقاء بعض الثناء على ابن السعود ولكن أعضاء المؤتمر أسكتوه وقطعوا حديثه باقعاده وقام الشيخ الظواهري رئيس البعثة المصرية بالقاء كلمة ارتجالية قال فيها: (سأقول بصراحة وأرجو أن لا يتالم أحد.
كم قال القائلون أن السعوديين يكفّرونكم وكنا نشك في بعض ما يقال.
ولقد رأيت بعيني هنا أمراً آلم نفسي… فقد كنت بالحرم أمرّ خلف المقام بعد الطواف فشاهدت جماعة يلتفون حول شخص مصري ويقولون له بعنف شديد وقسوة "أأنت قلت يا رسول الله؟!" هنا خاف الشخص في نفسه وأنكر ـ أنه قال يا رسول الله! ـ وانكمش وذعر إلى درجة أفاضت عيني من الدمع وقد جاءني بعد ذلك ومعه كثيرون من المصريين يقولون لي: "أرأيت كيف ينكرون علينا قولنا يا رسول الله ويدعوننا إلى الكفر؟!" فهّدأت روع من جاءني وقلت لا تفزعوا حتّى يتبين الحق!.
وأنا أناشدكم الله ورسوله ـ وإذا قلت ورسوله فلا أريد أن يعترض علّي معترض لأن هذا هو اعتقادي!).. وقال: (والحجاز مركز عام لاهل القبلة[3]جميعا يفد عليه المسلمون من كل فج على اختلاف مذاهبهم الفقهية والكلامية ليقضوا مناسكهم ولهذا يقرر المؤتمر أن يؤدي الحجاج عبادتهم ومناسكهم ولا يمنعوا منها أبدا ولا تمس كرامتهم)…
ولما رأى السعوديون أن كل أعضاء المؤتمر قد وقفوا ضدهم وأدانوا الاحتلال السعودي، بالجرم المشهود والافعال المنكرة حاولوا أن يخرجوا في هذا المؤتمر من يخفف من تلك الصفعات التي وجهها اليهم أعضاء المؤتمر العالمي الإسلامي في مكة…، فاتفقوا مع أحد الباكستانيين على جملة من الكلام مقابل صفقة مالية فوقف يشكر أعضاء المؤتمر على جهودهم واجتهادهم ويدعوهم للصلح والتسامح ثم تدرج رويداً رويداً إلى كيل الشكر والثناء والمديح للملك الغاصب عبد العزيز بن سعود وقال: (ان ابن السعود باعتباره حاكماً للحجاز فان له سيادة نوعية على العالم الإسلامي أجمع) فنهض الشيخ الظواهري مقاطعا كلامه بقوله: (نحن لا نقرك على قولك هذا) ثم أعلن الهنود والجميع بأنهم براء من كلام هذا الرجل الشاذ وأنه لم يخبرهم بما قاله من منكر!… وانتهى المؤتمر بمثل ما افتتح به من رفض مطلق لحكم الاحتلال السعودي… فأقام ابن السعود وليمة للمؤتمرين وحاول أن يخدعهم بكثرة الطعام ومعسول الكلام… ولكن الجميع أعربوا له أنهم على علم بأنه سوف لن ينفذ أي قرار من قرارات المؤتمر وأنه ما دعاهم إلا تستراً على أعماله الفاحشة وتضييعاً للوقت ليتمكن من السيطرة على الاراضي المقدسة بقوة الاحتلال السعودي، وقال الشيخ الظواهري: (انني أريد أن أتكلم لك يا عبد العزيز في شئ مهم وهو أننا زرنا اليوم المآثر والمقابر فرأينا ما فتت أكبادنا وأسال دموعنا ومالا يقره دين ولا شرف ولا انسانية.
فقد رأينا الكلاب ترتع وتبول على أرض مسها جسم النبي العربي عليه السلام وهدمتم كل آثار هذا النبي ومآثر جهاده في سبيل اعلاء شريعة العدل والسماحة والمساواة والحرية وأصبحت كل هذه المآثر قاعا بلقعا تتكاثر فيه الكلاب وقلنا: لا شك أن حاكم فعل هذا باسم الدين هو من الدين براء، بل هو لم يأت إلا لخراب الدين وقواعده واسسه وكل ما يدل على تاريخه، يا عبد العزيز…
ان من كان قبلكم من الفاتحين المسلمين كانوا يحولون معابد غير الله إلى مساجد ومنابر لحرية الرأي ومهما قلتم في أسباب هدمكم لمآثر النبوة والرسالة الإنسانية فلن يبلغ إلى مرتبة إلى مرتبة التصديق).
وهنا ألقى عبد العزيز باشارة إلى بعض حاشيته الذين أخذوا يحثوه على القيام، وقطع الحديث.. فقان بكل قلّة أدب، مما أغاظ الحاضرين… ثم أرسل إلى الوفود بهذا الخطاب الذي كتبه جون فيلبي وحافظ وهبة وينتقد فيه أعضاء المؤتمر من جهة، ومن جهة يكيل الوعود بالعمل للبلاد والحريات والبناء التي لم يفعل منها آل سعود أي شئ حتّى الآن!..

النص الحرفي لخطاب عبد العزيز

المترجم باسمه من الانكليزية للعربية، وثيقة عار في وجهه

يقول الخطاب: لا أريد أن أتدخل في أعمالكم ولا أقيد حرية المؤتمر في البحث كما وعدت بذلك في خطاب الافتتاح (!) ولكني أريد أن ألفت نظركم الكريم إلى بعض الأمور بصفتي زعيماً من زعماء الإسلام الذين ألقيت اليهم مقاليد أمور هذه البلاد.
ان الدعوة التي وجهتها إلى ملوك المسلمين وامرائهم وشعوبهم والتي عليها أوفدت الحكومات والشعوب ممثليها تنحصر في اسعاد هذه البلاد وانهاضها من كبوتها وجعلها في المستوى اللائق بكرامة المسلمين دينياً وعلمياً وأدبيا.
ولقد كنت أنتظر من حضراتكم كما ينتظر اخوانكم المسلمون في كل مكان أن تخطوا خطوات واسعة في هذا السبيل ولكن يظهر أننا نحاول القيام بكل شئ في أول مؤتمر إسلامي وأخشى أن حرصنا على القيام بكل شئ يجعلنا نفقد كل شئ… وأفضل شئ التدرج في السير!
اني وان لم أحضر مجلسكم واقف على مباحثاتكم بالتفصيل فاني على اتصال دائم روحي بكم "!" ويهمنا جدا أن تنجحوا حتّى تبرهنوا للعالم أن المسلمين أهل للحياة وانهم يجب أن يأخذوا قسطهم من الحياة في هذا الوجود وان دينهم لا يحول دون رقيهم وأنهم وان اختلفوا في الاراء والافكار فهم أمام المصلحة العامة كتلة واحدة لا تنفذ إليها الاغراض والاهواء "!"
أيها الاخوان:
اني لا أريد علوا في الأرض ولا فسادا ولكن اريد الرجوع بالمسلمين إلى عهدهم الأول عهد السعادة والقوة.
عهد الصحابة والتابعين ومن تبعهم باحسان!.
لا شئ يجمع القلوب ويوحدها سوى جعل أهدافنا تبعاً لما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم ولا بقعة في الأرض تصلح لهذا الغرض سوى هذه البقعة الطاهرة التي منها بزغ شمس الإسلام ولذا فاني أرى أن تكون الكلمة العليا والرأي النافذ لجميع العلماء المحققين الذين لا تأخذهم في الحق لومة لائم وان جميع البلدان الإسلامية مملوءة بالعلماء أولو البصيرة والخبرة فلترسل كل امة منهم جماعة ليقوموا بالوعظ والارشاد وتقرير ما يجب تقريره في هذه البلاد.
كلنا يعلم أن هذه البلاد ينقصها شئ عظيم من الاصلاح دنيا ودينا فشاركونا في ذلك نشكركم ويشتد ساعدنا بكم.
أما إذا تركنا نسير وحدنا والوقوف موقف الناقد العاذل فذلك لا يليق بالاخوة الإسلامية!..
أيها الاخوان:
انا لا نكره أحدا على اعتناق مذهب معين أو السير في طريق معين في الدين فذلك موكول أمره لعلماء الدين وحملة الشريعة.
ولكني لا أقبل بحال من الاحوال التظاهر بالبدع والخرافات التي لا يعتبرها الشرع وتأباها الفطرة السليمة.
لا يسأل أحد عن مذهبه أو عقيدته، ولكن لا يصح أن يتظاهر أحد بما يخالف اجماع المسلمين أو يثير فتنة عمياء بين المسلمين، وخير لنا أن ننظر إلى صالح المسلمين.
ونترك هذه الأمور الجزئية للعلماء فهم أحرص منا على ذلك!!.
أيها الاخوان:
أرجو أن لا تضيع الفرصة الباقية قبل أن تستفيد البلاد المقدسة منكم حتّى يجئ الحج القادم ويشعر المسلمون الوافدون أنكم قمتم بواجبكم نحو هذه البلاد!
وبهذه المناسبة اقدم لكم خطتنا السياسية لهذه البلاد لترشدونا إذ أخطأنا وتؤيدونا ان أصبنا:
1 ) اننا لا نقبل أي تدخل أجنبي في هذه البلاد الطاهرة أيا كان نوعه!
2 ) اننا لا نقبل امتيازات لاحد دون، أحد بل جميع الوافدين لهذه البلاد يجب أن يخضعوا للشريعة الإسلامية!
3 ) ان البلاد الحجازية يجب أن يوضع لها نظام حيادي خاص.
لا تحارب ولا تحارب، ويجب أن يضمن هذا الحياد جميع الحكومات الإسلامية المستقلة!
4 ) النظر في مسائل الصدقات والمبررات التي ترد من سائر الاقطار العربية الاسلامية ووجوب صرفها وانتفاع البلاد المقدسة منها!
هذا ما أحببت تقديمه اليكم والله يتولانا برعايته يوفقنا جميعا لما فيه خير الإسلام والمسلمين!…
وهكذا تملص عبد العزيز من رفض سيطرته الملكية، ومطالبة المؤتمر باقامة حكم جمهوري ديمقراطي محايد في الحجاز، واكتفى بارسال هذا الخطاب التافه السعودي… وفيما يلي المذكرة التي قدمها أعضاء المؤتمر وكانت من وضع الوفد المصري وشيخه الظواهري:

نص مذكرة الشيخ الظواهري شيخ الأزهر

قد عرض الملك عبد العزيز بأن المؤتمر وقف من حكومته موقف الناقد العاذل!.
وعقيدتنا أن جميع أعضاء المؤتمر ما كانوا يقصدون إلا إسعاد الحجاز وان قلوبهم كانت ممتلئة بالاخلاص.
ولقد أعرب الملك عن الرغبة في ترك المسائل الدينية للعلماء، وظاهر أن ذلك لا يمكن أن يكون لعلماء مذهب واحد ولا لعلماء المذاهب على أن يجتمعوا من سائر الاقطار بمكة للتناظر والمجادلة وايقاظ التعصب المذهبي.
انّما الممكن أن يكون ذلك لعلماء كل المذاهب على أن يرشد كل فريق اتباع مذهبه إلى حكم الله في ذلك المذهب وارشاد الحكومة الحجازية إلى ما هو من مواضع الوفاق وما هو من مواضع الخلاف وهذا هو ما قرره المؤتمر في هذا الشأن قبل أن يصل إليه كتاب الملك.
ولقد قال أنه لا يقبل بحال من الاحوال التظاهر بالبدع والخرافات التي لا يعتبرها الشرع وتأباها الفطر السليمة.
وهذا قول حق إذا كان المراد به ما يقرره جميع علماء المذاهب الإسلامية انّه من البدع والخرافات.
أما ما يقول فريق من العلماء أنه منها ويقول فريق آخر أنه ليس منها فلا تمكن الموافقة على أنه مدلول هذه الفقرة.
وقد قال الملك عبد العزيز أنه لا يسأل أحدا عن مذهبه ولكن لا يصح أن يتظاهر أحد بما يخالف اجماع المسلمين أو يثير فتنة عمياء وهذه الكلمة الاخيرة (أو يثير فتنة عمياء) واسعة النطاق غير محددة فقد يفهم قوم أن من التظاهر بما يثير فتنة عمياء التظاهر بمنع الناس من أمور جائزة في مذاهبهم وقد يفهم آخرون أن من ذلك، التظاهر بفعل ما تبيحه المذاهب متى كان ممنوعا في مذهب آخر ولا شك أن في تطبيق هذا المبدأ خطرا كبيرا قد ندرك مغزاه من الحادثة الآتية:
سأل سائل أمامنا الشيخ ابن بلهيد كبير العلماء السعوديين وقاضي القضاة عن سبب منع شرب الدخان فقال "نحن لا نمنعه لانه حرام ولا لانه حلال فنحن نعلم أن فيه خلافا بين العلماء وانما نمنعه لأن السعوديين إذا رأوا من يشربه ذبحوه"!
فهل هذا هو الذي يعنيه "جلالة" ابن السعود بهذه الفقرة؟! وهل يريد السعوديون أن يحكّموا البدو في كل من يفد على الحجاز بمثل هذه العلة.
وهل مثل هذا التصريح الفتوى في مصلحة السعوديين وفي مصلحة الحجاز نفسه؟. وهل مع هذا يمكن أن يأمن الناس في حرم الله حيث يأمن الحيوان والنبات ويكون الحاج في خطر الذبح أن خالف مشيئة آل سعود ولو في شرب سيجارة!.. ومن هم الاحق بالمقاومة والردع، أولئك الذين يذبحون شارب الدخان أم أولئك  الذين يفعلون ما تبيحه مذاهبهم الإسلامية لا يضر أي إنسان!.
وقال عبد العزيز: "وخير لنا أن ننظر إلى مصالح المسلمين ونترك هذه الأمور الجزئية للعلماء" وقد كنا نود أن يراعي هذا المبدأ من أول الامر فلا تهدم المآثر وغيرها حتّى يرى علماء المذاهب الإسلامية رأيهم فيها!.
ولقد بين عبد العزيز خطته السياسية وطلب الارشاد ان كان ثمة خطأ ولو اتيح لنا أن نفحص هذه الخطة ونبين نتيجة الفحص لبيناها كالآتي:
قال في البند الأول "اننا لا نقبل أي تدخل أجنبي في هذه البلاد الطاهرة أيا كان نوعه" وكلمة "الاجنبي" هذه مجملة… فإذا كان المراد بها هم أعداء العرب والاسلام، فذلك ما يؤيده فيه كل العالم الإسلامي.
إلا أن تطبيق ذلك مع الجمع بين "سلطنة نجد ومملكة الحجاز" يحتاج إلى دراسة المعاهدات التي عقدها ابن السعود مع الدول الاجنبية والانكليز بالذات خشية أن يكون فيها يا حمل اقرار الجمع اقراراً بوجه من الوجوه التدخل الذي نهى عنه في هذا البند! فمثلا إذا فرض ان لدولة أجنبية حق التدخل في تعيين سلطان نجد من بين آل سعود كان معنى ذلك أن لهذه الدولة حق التدخل في تعيين ملك الحجاز ما دام سلطان نجد هو ملك الحجاز!.
وإذا كان المراد "بالاجنبي" من ليس من أهل الحجاز وان كان مسلماً فلا ندري كيف يمكن اقرار ذلك والحجاز لجميع المسلمين!.
ولا ندري كيف ساغ حينئذ تدخل ابن السعود والانكليز في نجد والاراضي المقدسة باسم الدين وهم من الاجانب!.
وقال عبد العزيز في البند الثاني "اننا لا نقبل امتيازاً لأحد دون أحد بل جميع الوافدين لهذه البلاد يجب أن يخضعوا للشريعة الإسلامية"! فإذا كان معنى هذا منع ما يسمى في العرف السياسي بالامتيازات الاجنبية فذلك ما نوافقه فيه ولكنا في الوقت نفسه نتساءل عما يعنيه بالشريعة الإسلامية التي يجب أن يخضع لها كل من يدخل الحجاز فإذا كان المراد هو الشريعة في مذهب آل سعود فهناك الخطر الشديد على قاصدي الحجاز وقاطنيه فان مما تجيزه المذاهب الإسلامية ما يعده السعوديون شركا أو دون الشرك بقليل ومعنى هذا أن يكون عمل المسلم بمذهبه مما يعرّض لعقوبة الاعدام أو الضرب أو غير ذلك من وجوه التعذيب الشرعي السعودي.
أما إذا كان المراد الخضوع للشريعة بأوسع معانيها فذلك ما تؤيده فيه كل التأييد ولكن ذلك بمقتضى:
أولا: سن قانون شرعي يوافق عليه المسلمون على اختلاف مذاهبهم.
ثانيا: اقامة قضاة يثق بهم العالم الإسلامي وإلا لم يكن هناك أي ضمان للارواح والاموال خصوصاً بعدما حدث من السعوديين عندما استحلوا دماء أهل الطائف وأموالهم وغير أهل الطائف من أجل مذاهبهم السعودية في بعض الأمور التي دفعهم الانكليز إليها…
وقال عبد العزيز في البند الثالث "ان بلاد الحجاز يجب أن يوضع لها نظام حيادي خاص لا تحارب ولا تحارب، ويجب أن يضمن هذا الحياد جميع الحكومات الإسلامية المستقلة".
وهذا الاقتراح انّما يفهم إذا كان على وجه يشمل مسألة الحجاز كلها.
يستوي في ذلك الحاكم وطريقة الحكم فهو على هذا التقرير يمكن قبوله على الطريقة الآتية:
أولا: أن يكون انتخاب الحاكم بواسطة الحكومات الإسلامية المستقلة إلى مدة معينة.
ثانيا: أن يدخل في هذا الضمان كل الحكومات المجاورة للحجاز.
ثالثا: إذا وقع خلاف بين الحجاز وأحد مجاوريه كان حله بواسطة الحكومات الضامنة.
رابعا: لا ينتخب لحكم الحجاز أحد من آل الامارة أو الملك في الحكومات المجاورة حتّى لا توجد سبيل إلى المطامع.
وهناك طريقة أخرى وهي أن ينعقد مؤتمر الحكومات الإسلامية المستقلة فيضع نظاماً وافياً لطريقة الحكم ثم ينتدب هذا المؤتمر واحدة من هذه الدول لتنفيذه على أن تكون مسؤولة أمام هذا المؤتمر تقدم تقريرها إليه في كل عام وعلى أن يراعى في وضع النظام رغبات الشعوب الإسلامية وأن يكون الانتداب إلى مدة معينة، ولا مانع من تجديده لنفس تلك الدولة وهذا هو الذي ينبغي أن يكون أساس المؤتمر الحجازي السنوي.
لقد تبين في المؤتمر الأول الذي انعقد هذا العام رغبات الشعوب، فلنعقد المؤتمر الثاني من مندوبي الحكومات الإسلامية لتنفيذ رغبات الشعوب ووضعها في القالب الدولي الحكومي.
أما إذا كانت مسألة الحاكم لا دخل للدول الضامنة فيها وأن معنى هذا البند أن عليهم أن يعترفوا بحكومة "جلالة ابن السعود" في الحجاز وأن يضمنوا له هذا الملك فتلك مسألة تحتاج إلى امعان النظر قبل اقرار هذا الاقتراح.
وقد جعل "جلالته" الركن الرابع من خطته السياسية النظر في أمر الصدقات والمبّررات التي ترد من سائر الاقطار الإسلامية ووجوه صرفها وانتفاع البلاد المقدسة منها.
وأول ما يستوقف النظر جعل هذه المسألة الجزئية ركناً من أركان الخطة السياسية على أن الصدقات والمبررات التي يرغب صاحبها في توزيعها على وجه خاص بنفسه أو بنائه لا سبيل إلى اقرار تدخل الحكومة فيها بل أمرها موكول إلى محض ارادة المتصدق.
لذلك لم نفهم معنى لذكر هذا البند كركن من الخطة السياسية بل نرى أن ذكره قد يغل أيدي المتصدقين الذين لا يريدون أن يتحكم أحد في صدقاتهم.[4]
كان هذا هو رد أعضاء المؤتمر الإسلامي على خطاب عبد العزيز…
وهكذا فند الشيخ الظواهري والوفد المصري جميع بنود خطاب عبد العزيز آل سعود وكل وجوه الاحتمالات وأبدى رأيه فيه بل وتعرض أيضاً لنظام الحكم في الجزيرة العربية وعدم أحقية ابن السعود فيه شرعا…

الملك عبد العزيز يسحب خطابه

وقد شاع أمر هذه المذكرة في المؤتمر بين الوفود المختلفة قبل عرضها رسميا وأقروها ووافقوا جميعا على ما جاء فيها الا وفد السعوديين كان ساخطا وناقماً عليها.
فهي في نظرهم مذكرة جريئة من شأنها لو أقرها المؤتمر أن تقوض السياسة التي ارتآها وأعلنها عبد العزيز ليحكم البلاد بمقتضاها!.
وقال الوفد السعودي (انّه وان كان حقا ان عبد العزيز في خطابه للمؤتمر قد طلب من المسلمين أن يرشدوه في شأن هذه السياسة ويبينوا له أوجه الخطأ منها الا أن أحدا من حاشية الملك أو من الوفد السعودي لم يكن يتوقع "إرشاد!" شاملا من هذا النوع أو تبيانا للخطأ بمثل هذا التفصيل!) فهو في نظرهم ارشاد معطل لمصالحهم هادم لآمالهم.
ولهذا فقد عقد أعضاء الوفد السعودي النية فيما بينهم على منع المؤتمر من نظر مذكرة الشيخ الظاهري هذه.
ورأوا أن أفضل طريق لذلك أن يتقدموا للشيخ الظواهري نفسه بالرجاء أن لا يتقدم بهاز
ثم وسطوا عنده الشيخ رشيد رضا فانضم اليهم في الرجاء.
ولكن الشيخ الظواهري اقترح عليهم اقتراحا آخر هو أن يسحب الملك خطابه. وعندئذ لا يكون هناك مجال للرد عليه فحصل ذلك فعلا فسحب الملك عبد العزيز خطابه من المؤتمر بعد أن وزع وقرأوه رسيما في المؤتمر!.
وهكذا انكشف العهر السعودي باسم الإسلام!.
وفي رأي أن ما طلبه الوفد المصري من ابن السعود لسحب خطابه كان عين الصواب، إذ أنه كشفه على حقيقته، وأظهر كذبه، وأنه لا وطن له ولا دين ولا ضمير ولو أن فيه ذرة من ذلك لما سحب ما كتبه خطياً من وعود وعهود!.
وبعد ذلك سافرت الوفود وهي واثقة ان الحجاز قد وقع بين يدي أسرة فاجرة مخربة بعثها الانكليز من جديد لتعمل لحساب إسرائيل وله ولكل عدو للعرب مبين… وبهذه الطريقة أصبح عبد العزيز اليهودي يحمل لقب (سلطان نجد وملك الحجاز) وأصبح يتحدث عن الأمن المزعوم في البلاد!، والأمن الذي يعنيه هذا الدجال، هو: وضعه (لمهدي بك) وكيلا لاعماله في الحجاز.
ومهدي بك هذا يهودي جاء به جون فيلبي من العراق للتجسس وأقام في المدينة المنورة بحجة أنه "مجاور للنبي" وهو جاسوس للانكليز فنقله جون فيلبي ليكون مديرا "للامن العام" في الحجاز وأسرف في تقطيع الاظافر وحرق الجلود بالنار وتقطيع الايدي والارجل البريئة وبربط المواطنين من أقدامهم وتعليقهم بالسقف منكسي الرؤوس حتّى يموتوا بهذه الطريقة السعودية الصهيونية كما حدث للشهيد (موسى عبد العال) على أبسط تهمة لا تمت حتّى للسياسة بصلة... فقد زعم أن أقاربه قد اشتكوه في قضية تتعلق بالارث لكن القاضي السعودي حكم لصالح أقاربه فأرسل عبد العال برقية للطاغية عبد العزيز يطلب انصافه ولكن الطاغية أرسل بالرد التالي (نكسوه) فنكس هذا المواطن على رأسه حتّى مات (مشنوقا من قدميه) والذي نفذ أمر عبد العزيز الوحشي هو فيصل بن عبد العزيز (نائب والده على الحجاز) وابن عمه اليهودي (مهدي بك) الذي كان يخفي أصله اليهودي بهذه "البيكويّة".. أما في الطائف فقد نصب مجرما آخرا يدعى عبد العزيز بن إبراهيم فكانت أحسن متعة عنده مناظر قطع الانوف والايدي والارجل والرقاب حيث لا يمر يوم واحد إلا وقد علق رزماً منها، بلا أدنى جريمة، كل ذلك بأمر من عبد العزيز ونائبه ابنه فيصل وجون فيلبي بحجة "استتباب الامن" كما يزعمون، وهكذا يعتبر هؤلاء الوحوش الفجار أن "الامن" هو انتهاك الحرمات واختطاف الغلمان والفتيات واشباع الشهوات وسرقة أموال الشعب وقتل حرياته، ودفن المواطنين أحياء في قبور يسمونها السجون، وصلبهم "في الحطبة" على ظهورهم فلا يستطيعون حراكا ولا يطعمون طعاما ولا ماء حتّى يموتون موتا بطيئا، والامن السعودي هو، اقتياد المواطنين وبيعهم وشرائهم عبيدا، وطرح الإنسان أرضا ليجلس اثنان على رأسه أو يدوسون رأسه بنعالهم، ويجلس اثنان على قدميه ثم يجلد حتّى يتمزق جلده، والامن هو الزواج بالآلاف ـ بطريقة لا شرعية ـ والتناسل بالآلاف بطريقة لا شرعية ـ هذا هو الامن السعودي الذي عجزت أمريكا وانكلترا عن تطبيقه في بلادهما وحققته عصابة همجية أطلق عليها الانكليز والامريكان لقب "الحكومة السعودية" انّه لشئ عجاب أن تستبدل المفاهيم وتسمى الوحشية أمنا!… ولا شئ من الامن في البلاد، ولا وجود للطمأنينة في الشعب، ولا أثر للحرية الخاصة والعامة، ولا شريعة إلا التعذيب والارهاب وعصي الخيزران وسعف النخل الاخضر وما مر ذكره من ارهاب وعذاب يعجز عن ذكره الكتاب…

مجزرة بني مالك

هذه أمثلة قليلة عن أمنهم المزعوم، ومثال آخر: ان مجزرة بني مالك تفضح "الامن" السعودي المزعوم، فما حدث لقبيلة (بني مالك) عام 1343 هـ احدى قبائل الحجاز العظيمة شئ رهيب… فقد بدأ عبد العزيز وعصابته يفرضون الضرائب والاتاوات والجزاءات باسم حق الله واسم الزكاة على الابل والاغنام والارض والماء والطرقات (وحماية الاعراض) !.. كما يقولون وكما ذكرنا في موضع آخر، وأخذوا يرسلون ـ الجباة ـ الخراصين ـ لجميع الاموال والنساء لعبد العزيز وعصابته فوصل خمسة من جنود رجل الخيانة إلى مواقع قبيلة بني مالك وحلوا ضيوفا على بيت عبد الله بن فاضل رئيس القبيلة، فقام ابن فاضل بإكرامهم ووفر لهم ما لم يتوفر له ولقبيلته من طعام ومنام، وذبح لهم الخراف، ولكن لا كرامة للئيم، فلم يكتف الخمسة السعوديون بهذا الكرم العربي ولا بما أرسلوا لسلبه من أرزاق أفراد هذا الشعب، بل حاولوا سلب عدد من نساء القبيلة كهدايا لعبد العزيز ـ كما قالوا ـ .
فحاول البطل ابن فاضل أن يقنع رسل عبد العزيز بالتي هي أحسن وقال لهم: هذا يعتبر عيبا في العرف العربي!… ولكنهم أصروا على العيب نفسه!.. واعتدوا على رئيس القبيلة بالضرب.
فما كان منه الا أن أدى واجبه نحو وطنه وقبيلته وشعبه وشرفه بقتل المجرمين شر قتلة متحملا كل ما سيأتيه من ملك الشر الذي هو أقوى منه وهو يردد "النار ولا العار".
وما أن علم عبد الانكليز ابن سعود بمقتل رسله المجرمين حتّى جهز حملة قوامها عشرون ألفا "لتأديب قبيلة بني مالك" المؤمنة المجاهدة وأباح تجار دينه دماءها وأموالها وأعراضها، وانقسمت تلك الحملة إلى قسمين، قسم يقوده محمد بن سحمي العاصمي القحطاني وقد سلكت طريق تهامة نحو وادي بني مالك وقسم يقوده إبراهيم النشمي وسلكت طريق الحجاز نحو الوادي المذكور فأحاطوا بهم… فحلت تلك الحملة بواديهم الاخضر (وادي مهور) فأحرقته بالنار وقطعت أشجاره وهو من أخصب أودية الطائف في الحجاز وأبادت قراه ومن فيها وقتلت نحو أربعة آلاف من الرجال والنساء والاطفال وشردت ما تبقى من القبيلة وقوامها يزيد عن العشرة آلاف نسمة، واستولت على عدد من النساء والصبيان وردمت الآبار ودفنت الجداول وأهلكت المزارع، وقد وصف أحد الكتاب ما حل بهذه القبيلة من مأساة بقوله: (واكتسى الوادي بأدغال موحشة[5] بدلا من أنسه، وصار مأوى للقردة والبوم بعد قطانه، وأبيدت زهاء ستين قرية لم يبق منها إلا الاطلال فتوهمت اني أمر باقليم حلت به كارثة من كوارث الطبيعة عفت آثاره ومحت معالمه ومضت عليه بعدها ألوف السنين حتّى جاء من يكشفه وينقب عما أبقته الكارثة من رسومه واطلاله)!!

وتخريبهم لمكة

وما فعلوه في قبيلة بني مالك وبلادها فعلوه أيضاً مع قبيلة الأشراف في وادي فاطمة فقد استولوا على أراضيهم وهدموا آبارهم وأهلكوا أشجار الوادي وقتلوا منهم العديد، ولم يكتفوا بهدم بيوت حكام الحجاز السابقين بل انهم أمعنوا في هدم معظم بيوت المواطنين وكان دافعهم لهذا، هدفين: الهدف الأول هو التخريب لإرهاب الشعب الذي يعرفون كرهه لهم، والثاني: هو البحث عن الأموال لتوهمهم أن المواطنين قد أخفوا أموالهم في جدران البيوت فأخذوا يحفزون أسس البيوت حتّى ينهار البيت!… وقد استقر بعض الوحوش السعوديين في ثكنة ـ جرول ـ وكانت أجمل ثكنات الحجاز وأكبرها فاقتلعوا جميع أبوابها ونوافذها وجعلوا منها وقودا ولم يبق منها سوى سقف الثكنة لانه كان من الإسمنت المسلح.
وكذلك فعلوا في قصر ـ الشيبي ـ بالابطح، وكانت العصابة السعودية تدفع جنودها كلما توقفوا على التخريب… وهكذا فعلوا بسكة حديد الحجاز، الممتدة من الشام حتّى المدينة المنورة ليقطعوا أي اتصال بين الجزيرة العربية وبلاد الشام!.. ولا زال الخط الحديدي الحجازي خربا رغم كل المحاولات التي بذلت من الشعب السوري وحكوماته المتتالية… لخشية السعوديين أن يحصل تقارب بين بعض البلاد العربية ويحتك الشعب العربي ببعضه فيتولد الشرر الثوري من هذا الاحتكاك، وكذلك بالنسبة لخط حديد الظهران، فقد كان مقررا أن يعبر هذا الخط من الظهران إلى نجد والحجاز، ولكن شركة أرامكو الاستعمارية المكلفة ببنائه رأت أن يتوقف في الرياض فقط، وقالت إن هذا هو أمر الملك، فالملك لا يريد أن يسهل اتصال شعب الجزيرة ببعضه وأن لا تتقارب بينه المسافات!..


[1] "صقر الجزيرة" الجزء الثاني.
[2] يوسف يس من سوريا واشتهر باستيراد الرقيق.
والدملوجي من العراق، وكلاهما عميلين للانكليز، وهكذا يزعم ابن السعود انهما يمثلان نجدا في الحجاز.
وهكذا تعلم أولاد عبد العزيز من والدهم عن الكذب عن مجالس الشورى، والديمقراطية ومنهم آل فهد…
[3] انظر: "الازهر والسياسة" للشيخ الظواهري. و"عشرون عاما في جزيرة العرب، للمستشار السعودي حافظ وهبة.
[4]  انظر: كتاب "السياسة والازهر" للشيخ الظواهري.
[5] كتاب "جزيرة العرب تتهم حكامها".

No comments:

Post a Comment