القلب ينبض بحبك يأسدنا المفدى و سيدَّ الوطنِّ و سيد الرجال و عزَّ العّرُّبّ وَفَخَّرَّ الامَّةِ

Thursday 14 July 2011

تاريخ آل سعود الجزء الثالث

تاريخ آل سعود

الجزء الثالث

بداية نهاية سعود آل رشيد

بدأ المحرضون لعبد الله الطلال آل رشيد ضد ابن عمه سعود العبد العزيز آل رشيد لاغتياله والحلول محله دون أن يدرك عبد الله الطلال ان وراء هذا التحريض أيدي خفية انكليزية سعودية تريد الاطاحة بهذه العقبة (سعود الرشيد) ومن ثم تفريق قبيلة شمر، وذات يوم خرج سعود العبد العزيز آل رشيد بعد الظهر إلى جبال حائل في مكان اسمه "الغبران" وكان صائما، واصطحب معه عدد من مرافقيه وهم: سليمان العنبر ودرعان الدرعان وراشد الحسين والذعيت وسلامة الفريح ومهدي "أبو شرّين" بالاضافة إلى ابن عمه الفتى عبد الله المتعب آل رشيد البالغ من العمر 12 سنة (والذي اغتاله آل سعود فيما بعد عام 1946 .. فعرف عبد الله الطلال آل رشيد بخروج ابن عمه سعود فصمم على اغتياله، فلحق به في طريق الرحلة ورافقه حتّى المكان المقصود وهو "الغبران" في جبل طي، وكان يرافق ابن طلال خادمه إبراهيم المهوّس، وكانا مسلحين، أما الامير سعود آل رشيد فلم يكن معه وبعض رفاقه سوى سلاح الصيد، وكان الجميع ـ خيالة .. ووصل الجميع إلى الغبران، وجلس الامير سعود متكأ على صخرة بسفح الجبل وبالقرب منه الذعيت الذي قام يتمشى، وكذلك عبد الله المتعب الرشيد وعن يمنيه سليمان العنبر وعن يساره عبد الله الطلال الذي تأخر خلفه مسافة مترين وبجانب الطلال إبراهيم المهوس، وقد تفرق بقية المرافقين للتدرج بعيدا عن المكان غير مدركين لما سيحدث خلال دقائق!… وفي تلك اللحظات أخرج عبد الله الطلال برتقالة كانت معه ثم استأذن ابن عمه الامير ليضعها هدفا للرمي فوافق الامير سعود آل رشيد فصوب سعودا بندقيته نحو الهدف فأصابه بدقة، فوضعوا غيره فاستأذن ابن طلال لرمي الهدف!.
فرمى الهدف وأصابه بدقة.. وما أن صوب الامير سعود آل رشيد بندقيته ثانية نحو الهدف حتّى صوب عبد الله الطلال بندقيته من خلفه نحو الهدف أيضاً بحجة الاستعداد لرمي الهدف حالما يرمي الهدف سعود الرشيد، وحالما رمى سعود الرشيد الهدف ثانية أطلق عبد الله الطلال من بندقيته نحو هدفه!.. وكان هدفه هو: رأس ابن عمه الامير سعود الرشيد، فسقط سعود في عبّ سليمان العنبر الذي ضمه وهو يردد: خير!.. خير!.. ظنا منه أن بندقيته رفسته!.. ولكنه ما أن رفعه حتّى رأى الدم يتفجر من رأسه ومن عنقه!.. وفي تلك اللحظة أمطر ابن طلال سليمان العنبر بست رصاصات أصابت ثلاث منها جنبه وثلاث منها قدمه، فتظاهر ـ العنبر ـ بالموت وارتمى فوق ـ الفتى ـ عبد الله المتعب الرشيد خوفا من أن يقتله ابن طلال، وحينها قفز القاتل إلى صهوة حصانه كما وثب خادمه ـ المهوّس ـ إلى ظهر فرسه وأخذا يغيران في سباق مع الريح نحو حائل ـ بغية الاستيلاء على الحكم.. لقد سمع بقية المرافقين أصوات الرصاص، لكنهم حاروا في أمرها فالهدف ما يزال قائما في مكانه لم يصب..، وصعد الذعيت الربوة للتأكد، وإذا به يرى عمه سعودا ملقى وبجانبه سليمان العنبر، فأسرع الذعيت ليستفسر، فرفع سليمان العنبر رأسه وصاح فيه.. قتلوا عمك سعود. الحق ابن طلال واقتله.. اقتله.
فلحق به.. ووصل في نفس اللحظة مهدي أبو شرين، فأطلق الرصاص على ابن طلال وأصابه بقدمه فسقط من جواده فأسرع عليه الذعيت وأجهز عليه، ووجه ـ مهدي ـ فوهة بندقيته إلى المهوس ـ مرافق بن طلال ـ فارداه قتيلا..
واجتمع سليمان العنبر والذعيت ومهدي ودرعان وسلامة الفريح ومعهم ابن متعب وأتوا بسعود وبكوا عليه، فنهض سليمان وكان صاحب الكلمة فيهم وقال: ـ أترون البكاء مجديا الآن؟.
لقد قتلتم المجرمين المعتدين، فانظروا في مستقبلنا ومستقبل حائل..
فقال الذعيت: ما رأيك أنت؟
قال سليمان: أخشى أن يكون عمل ابن طلال نتيجة مؤامرة خطيرة لقلب الحكم في حائل، فشقيقه محمد بن طلال بالبلد، ولعله احتل قصر الامارة وأخذ البيعة، وأرى أن يمضى أحدكم إلى المدينة سرا ويكشف الامر، فان كان ابن طلال قد انتزع الحكم هربنا من وجهه بابن متعب حتّى إذا قوي ساعدنا عدنا إلى حائل لنسترد الامارة، والا كفى الله المؤمنين شر القتال.. ووافق الجميع على رأي سليمان وانتدبوا الذعيت.
ولبثوا مكانهم منتظرين يتدبرونه الامر حتّى رجع اليهم وأخبرهم ألا شئ في البلد، والناس لا يعلمون عن الحادث شيئا.
فرجعوا إلى حائل يشيعون جنازة القتيل، ونصبوا عبد الله ابن متعب العبد العزيز الرشيد أميرا عليهم. وكان قتل سعود في سنة 1338 هـ (1920).
عاش الفتى عبد الله المتعب وعمره (12 سنة) في مأساة الحكم الذي أخذ يسيّره العبيد، ورغم ذلك فان سيرة عبد الله ومظاهر حياته ونفسيته تشبه عمه سعود، وكان لين الجانب بالنسبة إلى أفراد آل رشيد وما فطروا عليه من الصرامة والعراك والقوة…
أشار عليه بعض المتنفذين بارسال رسالة إلى ابن السعود يخبره بما حدث ويقترح عليه حقنا للدماء توقيع معاهدة بينه وبينه، ورغم أن مجرد ارسال رسالة من هذا النوع لخصمه تعتبر مظهر ضعف منه.. إلا أن المتنفذين رأوا بهذه الرسالة اتاحة الفرصة له لتجميع جهوده المبعثرة.. فارتأى ابن السعود قبول الصلح، ليتسنى له هو الآخر انجاز الطبخة، انّما بشروط مجحفة اشترطها على ابن الرشيد لما زعمه أنه من أجل سلامة البلاد النجدية واستقلالها عن الاجانب أو المنتسبين إلى الاجانب وبغيرها لا يمكن القضاء على نفوذ كل أجنبي! والشروط كتبها جون فيلبي وهي:
1 ـ بقاء آل رشيد في الحكم.
2 ـ استقلالهم التام في جميع الشؤون الداخلية المتعلقة بشمر وحائل فقط.
3 ـ عدم السماح لهم بمعاملة دولة أجنبية أو عقد معاهدة أو الاتصال بها بحال من الاحوال!..
4 ـ أن يرجعوا إلى حكومة الرياض فيما يتعلق بالشؤون الخارجية جميعها.
5 ـ تتعهد حكومة الرياض ضمان سلامة حكومة حائل والقيام بالدفاع عنها إذا ما هوجمت من المعتدين!…
ولكن قصر الامارة رأى في الشروط قيودا وسدودا تقيّد حائل وتقيد الحاضرين والقادمين من حكامها.
وأقل ما يقال فيها انحطاط بكرامة من يقبل بها، لكونها الاقرار الواضح بالاستعمار السعودي الانكليزي.. وليست الشروط الثلاثة الاخيرة الا قيودا توضع في قدم حكومة حائل ـ فرفض القصر بكبرياء وصلف وأجاب في لهجة قاسية: أن حريته في ادارة شؤون الحكومة والبلاد لن يتنازل عنها مثقال ذرة لأحد مهما كان.
وسيدبر نفسه بنفسه، ويسير على النهج الذي يرتضيه والسياسة التي ترضيه.
فأشار جون فيلبي الذي كتب تلك الشروط الانفة الذكر ـ أشار بمهاجمة حائل، فجمع حوالي عشرة آلاف محارب وتقدم هذا الجمع اسما تحت قيادة عبد العزيز آل سعود أما الحقيقة فانه تحت قيادة جون فيلبي (فسار بهذا العدد الضخم يسيل في الصحراء حتّى وصل القصيم ونزل بها، وسيّر منها قوتين: إحداهما بقيادة محمد بن عبد الرحمن آل سعود ووجهتها إلى حائل وأمره بمهاجمتها وتطويقها وحصارها وقطع كل اتصال لها بالمدن والقرى ليسهل عليه احتلال المدينة، والثانية أمر عليها ابنه سعودا وأمره أن يمضي إلى شمر ويتخير وقتا ملائما للهجوم غرة حتّى لا يترك لها فرصة للتعبئة!)!..
أما عبد العزيز آل سعود فقد بقي ومعه مخططه ومستشاره جون فيلبي في القصيم بانتظار الغنيمة أو الهزيمة والهرب… فمضى ابنه سعود إلى شمر يقاتلها، وزحف محمد بجيشه الكثيف وطوق حائلاً وحاصرها حصاراً شديدا، وسلط عليها النيران كقطع الليل من أفواه المدافع والبنادق وشاغلهم بها ليل نهار.. فاحتار الفتى عبد الله المتعب، وجاء بعض المرجفين من الطابور الخامس في حائل إلى الأمير ابن متعب يطلبون إليه أن يعمل ما فيه خلاصهم! ليبعث إلى ابن سعود يجيبه إلى ما طلب سابقا ويعلمه قبول الصلح على الشروط التي اشترطها!.. وفشل عملاء آل سعود في حائل ـ الذين كانوا قد كاتبوا ابن السعود ليقوم بحصار المدينة…
فشلوا في جعل عبد الله المتعب يرضخ لأوامر ابن السعود وأخيرا استطاع هؤلاء اقناع عبد الله المتعب بارسال كتاب لابن السعود يطلب الصلح، هنالك رأى ابن سعود أن ابن الرشيد لم يرضخ لمطالبه إلا تحت تأثير الضغط ومتى زال عاد يعلن العداء فلم يقبل منه وخيره بين الحرب أو التسليم بلا قيد ولا شرط… فجمع الشعب في حائل وعرض عليهم الامر فاختاروا الحرب ورفض التسليم بإباء، فبقيت الجيوش السعودية بقيادة محمد آل سعود محاصرة حائل، ثم توحدت القيادة العامة وأصبحت في يد سعود بن عبد العزيز بن سعود، وانتقل محمد إلى شقيقه عبد العزيز في القصيم ورغم شدة الحصار والمجاعة فقد صمم أهل حائل الابطال على الدفاع والقتال حتّى الموت، وعدم تسليم بلادهم للعدو ما دام فيهم نفس يتردد… وطفق الامير ابن متعب ينظم الأمور استعدادا للقتال وفيما هو ذلك إذ قدم من الجوف ابن عمه محمد بن طلال زاعما انّه قادم إلى حائل للدفاع عنها وعن أمته ويشارك ابن عمه الجهاد، وأظهر له الود كما تظاهر أمامه بالخضوع والاستكانة فارجف المرجفون بعبد الله المتعب وقالوا له: ان قدوم ابن طلال إلى حائل في هذه الظروف لا يقصد منه الا تولي الحكم وسوف لن يوفر دمك وسيفعل بك ما فعله أخوه عبد الله بن طلال قاتل سعود بن عبد العزيز بن رشيد، فاحتاط للامر ووضع الحراس من مماليكه الذين يثق بهم، لكن شبح ابن عمه محمد بن طلال عدو آخر أشد فتكا من الأول لمعرفته المقتل ولن يخطئه عندما ينتهز غفلته فيقتله، أما العدو المحاصر فبينه وبينه شعب يقاتل وأسوار وأبراج لا يستطيع تخطيها.
وأما ابن عمه فكيف السبيل إلى اتقائه وهو داخل المدينة ومنزله قرب منزله، وربما غافل الحراس وفتك به أو سلط عليه أناسا غيره.
هكذا رأى من الاصلح أن يسجن ابن طلال، فسجنه إلا أن العبيد أطلقوه!.. وأحضروا كبار رجال حائل وقربوا ما بينه وبينه، وتعاهدوا على الدفاع عن البلاد، فمضى ابن طلال يجمع قبيلة شمر استعدادا للمعارك القادمة!.
فأزدادت شكوك عبد الله المتعب بابن عمه محمد الطلال وكان وراء هذه الشكوك من يذكيها…

اللجوء إلى العدو الحقيقي

غير أن عبد الله بن متعب رأى من الخير لنفسه أن يلتجئ إلى العدو الحقيقي (ابن سعود) ويسلم نفسه وحدها إليه ويدع مدينة حائل إلى أهلها يحمونها ولا يسلمها براً بقسمه إذ آلى على نفسه أنه لن يسلمها وفيه نفس يتردد وسيجد عند عدوه السلام والغنم إذا ذهب إليه طائعا!.
أما إذا مكث في المدينة فلا بد أن يعتدي عليه ابن عمه ويقتله.
هذا ما ظنه في أمره ولم يدر ما يصنع، فنادى سليمان العنبر، وخلا الاثنان فقال ابن متعب:
ـ يا سليمان، الحال مثلما ترى وأنا بين عدوين فلا أستطيع قتل ابن عمي لمجرد الظن ولا أستطيع انتظاره حتّى يقتلني!.. وأردف ابن متعب يقول: لقد انتقض بعض الناس علينا، وكتب بعضهم إلى ابن سعود، وأخشى من ابن طلال، فما ترى؟… فرد عليه سليمان العنبر يقول والله يا عم لو طلبت أن أخوض معك البحر لما تأخرت، فافصح عن قصدك فأنا طوع بنانك!.
ويقال أن عبد الله المتعب قال للعنبر أرى أن تمضي إلى ابن سعود ونسلمه أنفسنا ونترك البلد ينعي من بناه… فقال له العنبر:
ـ كما ترى … قال عبد الله المتعب: ــ أعد أمرك، فسنغادر المدينة في الفجر والملتقى في خارجها… فقال له العنبر: ـ كما ترى، وليوفقنا الله..
فمضى سليمان إلى داره كاسفا مشغول الفكر ونادى ابنه "غاطي" وقال له:
يابني سنمضي غدا إلى ابن سعود…
فأجاب غاطي: أتستشيرني يا أبي
قال: لا انّما أخبرك بالامر الذي نويناه على كل حال، فاستعد
قال غاطي: والامير.!؟
فأجاب سليمان: معنا!.. فقال غاطي: صحيح.؟!
قال سليمان: نعم… فتمتم غاطي… ثم قال: الله يكتب فيه خير!.
والتقى الامير عبد الله المتعب وبعض رجاله وهم : درعان، والذعيت، وعبد الله آل بجاد، وصقيه (مملوك الامير) بسليمان العنبر وابنه في الموعد فجرا، ومشوا يريدون ابن سعود، وكلهم يمشي على قدميه، وعلم أهل حائل في الضحى بأمر الهاربين فقرروا اللحاق بهم وردهم إلى المدينة، ولكنهم تركوهم ـ أخيرا وكتبوا إلى محمد بن طلال الذي كان في البر يجمع قبيلة شمر لقتال ابن السعود، فتوجه ابن طلال إلى حائل ودخلها وتولى الامارة وقد سعت إليه من نفسها.
لم يكن مع الهاربين زاد ولا ماء، فاشتد بهم العطش وأظلم الطريق والشائع أن هناك خطة سعودية لتهريب أمير حائل عبد الله المتعب، ويقود هذه الخطة سليمان العنبر، وانهم ركبوا الابل من حائل حتّى وصلوا مخيم آل سعود، لكن هناك حكاية يرويها آل سعود وقد نشرها أحمد عطار في كتابه، "صقر الجزيرة" الذي طبعه على نفقة الملك عبد العزيز آل سعود، تقول هذه الرواية السعودية (أنه حينما اشتد العطش بعبد الله المتعب وصحبه، قال أحدهم ـ وكان يعرف هذه الاماكن ـ ان هنا بئر خلف تلك التلول، فمشوا حتّى أتوا ووجدوا عليها بدوا كثيرا من جيوش ابن سعود يسقون، وسألوهم عن مقر "أميرهم" فدلهم أحدهم عليه وما كانوا يعلمون ان هؤلاء آل الرشيد وأشياعهم، ولو علموا لفتكوا بهم، فهؤلاء بدوا أجلاف غلاظ دأبهم الفتك والضراوة، وأهون ما عليهم سفك الدم… واستقبلهم الامير خير استقبال وأنزلهم في خير موضع، وبعث إلى الأمير سعود بن عبد العزيز السعود وكان القائد العام للجيوش السعودية يبشره بوصول ابن متعب ورجاله فبعث إليه أن أكرمهم وبلغهم التحية، فان رغبوا السعي إليه من توهم فليركبهم والا فليأخذ رأيهم، وألا يقصر في ارضائهم وتكريمهم…
ورأى ابن متعب ومن معه أن يبيتوا ليلتهم بموضعهم فهم في حالة لغوب وتعب وقرروا أن يمضوا إلى سعود صباحا.. وزادت ضجة البدو واجتمعوا حول خيمة آل الرشيد يرددون صيحات الضراوة يريدون أن يفتكوا بهم فخرج اليهم أميرهم ووبخهم وطردهم وأفهمهم أنهم "مسلمون" يوحدون الله وأنهم أصبحوا صبيان التوحيد اخوان من أطاع الله ودخلوا في طاعة ابن سعود!.) هكذا  تقول رواية آل سعود الاشرار في كتاب العطار!.. اخوان من أطاع الله!!
ومضوا من الفجر إلى الامير سعود بن آل سعود وكان نازلا بقعاء فاستقبلهم استقبالا فخما، وبعد أن أقاموا أياما رجع بهم سعود كأسرى إلى الرياض واستقبلهم والده… والحقيقة أن آل سعود قد استفادوا من تهريب عبد الله المتعب فأخذوا معلومات كافية عن الاوضاع في حائل خدمتهم!… إلا أن محمد الطلال أخذ يقاوم ابن السعود، وينقل العطار عن ابن السعود قوله:
( والحق أن محمد بن طلال كان حازما قويا بعيد المرمى، شجاعا مقداما شديد الايد والصلابة، فيه صفات من عبد العزيز بن متعب بن الرشيد القتيل بروضة مهنا، وليس في أمراء آل الرشيد الذي جلسوا على دست الحكم من يشبه هذين الاميرين في الشجاعة والقوة النفسية والبطولة ـ وهما عبد العزيز المتعب الرشيد ومحمد الطلال آل رشيد ـ وكان محمد بن طلال أعقل وأحصف، ولكن:
ما حيلة الرامي إذا التقت العدى             وأراد رمي السهم فانقطع الوتر!
هكذا كان الحال مع ابن طلال، فقد تولى محمد بن طلال والامر مدبر جد الادبار، والبناء واهي الأساس محطوم الجدار ولا يطيق الثقل الذي عليه، ولا يستطيع تداركه قبل الانهيار، ويحتاج إلى زمن طويل لاعادة البناء كما كان، وخصمه لا يعطيه الفرصة ولا يمكنه من البناء… وبالرغم من كل هذا فلم يفت في عضد محمد بن طلال بل وقف يدافع عن امارته بكل ما وهب من قوة وجلد حتّى أخذ.
ولو تولى الامر والحال هادئ والبلاد منظمة لكنا لها شأن كبير في الانشاء والتجديد).. ومع ذلك فان شمر وأهل حائل استطاعوا بالقيادة الصلبة لمحمد جحفلا عظيما يسترد بعض ما اقتطع من بلاده ويؤدب الخونة ووضع عصا الترحال في الجثامية ـ وهي على بعد 40 كم من حائل ـ ونزلها بجيشه وعسكر بها يتجهز من جديد لحرب جديد مع آل سعود.
ولقد ترامت أنباؤه إلى ابن سعود فبعث فيصل الدويش أحد شجعان العرب الاشداء على رأس سرية قوية ليحارب حتّى يأتيه بنفسه على رأس جنده!…
ومضى فيصل والتقى بابن طلال في الجثامية وتقاتلا قتالا شديدا لم ينتصر فيه فريق على الآخر وتعادلت كفتا الخصمين، واستمرت المناوشات مدة.
وعلى حين فجأة لم يشعر فيصل الدويش الا بابن طلال ينسحب إلى النيصية يتحصن بها، ولم يكن انسحابه عن هزيمة، انّما فكر في الامر دقيقا فوجد أن التحصن أجدر به، فقد أنبأته عيونه أن جيشا قادم من الرياض يتجه صوب الشمال وعليه عبد العزيز نفسه وبرسي كوكس وجون فيلبي، فخشي أن يقف سدا بينه وبين عاصمته ويقطع عليه خط الرجعة إليها.
إلا أن ابن سعود فاجأ ابن طلال في أول المحرم سنة 1340 هـ بأسلحة انكليزية هائلة وجنود من البدو والحضر قوامهم /30000/ مقاتل واضطر ابن طلال من أجل ذلك إلى التقهقر والتحصن بجبل "أجا" ثم التراجع إلى حائل في حين أن ابن سعود تقدم بجيشه وحاصر حائلا وضواحيها وحصونها الخارجية ووحد القيادة تحت أمرة السير برسي كوكس الذي كان يقود (جيش الاخوان المسلمين) بنفسه يرافقه جون فيلبي وعدد من ضباط الانكليز وأصدر "تعليماته" إلى قواد الجيش بتطويق حائل من جميع جهاتها وقطع الطرق عنها لئلا تتلقى المدد من الميرة والذخيرة فيسهل الاستيلاء عليها نهائيا تحت تأثير هذا الضغط الشديد والتجويع…
فركز جون فيلبي مدافعه على تل مرتفع تخويفا وأخذ يطلق قذائفها على السور أحيانا، ثم رتب قواته وجهزها ليهاجم البلدة هجوما عنيفا وأحاط جميع جوانبها بالمدافع لهدم السور وضرب المدينة، وبدأ الذين كانوا يراسلون ابن السعود ممن كانوا يسمون أنفسهم "كبار الجماعة" بدأوا يرجفون في المدينة، وذهبوا إلى ابن طلال يشرحون له الامر!.
ملمحين إليه بالتنازل لابن السعود. فلم يرض أن يتنازل لخصمه، وأصر على الكفاح والذياد فاشتد غضب العملاء عليه حين رأوا اصراره ونفروا منه ولكن لا حول لهم ولا قوة وقد أمر البطل باعتقال بعضهم وقبض على الامر بيد من حديد وأخذ يقاتل مع الشعب، والحقيقة "ان حصار حائل قد كشف " للاخوان المسلمين "البدو" كذب الدعاية الانكليزية السعودية التي تقول ان (شمر وأهل حائل كفرة لا يؤمنون بالله!) وذلك حينما رأى البدو المآذن وسمعوا أصوات المؤذنين يردون نداء الصلاة (الله أكبر الله أكبر) فثاروا على ابن سعود والسير برسي كوكس وفيلبي، لكنهم وعدوهم بالانتظار يومين فقط!.
لان أصحابهم في داخل حائل وعدوا بادخالهم دون معرفة ابن طلال وأهل البلاد… ويقول أحمد عبد الغفور عطار في كتابه السعودي (صقر الجزيرة) الذي أخذ عبد العزيز آل سعود يمليه عليه طيلة سنة يقعد ـ العطار ـ تحت قدمي الملك ليدون ما يقوله، يقول في الصفحة 327 (ولقد حاول السير برسي كوكس أثناء حصار حائل التوسط بين ابن طلال وابن السعود لكن ابن طلال رفض وساطة السير برسي كوكس في الصلح بينهما) وصمم ابن طلال على مقاومة آل سعود والانكليز، وقال لبرسي كوكس (أيها الانكليز انكم تكفروننا وأنتم كفرة… ولولا سلاحكم وقيادتكم فلن يصل عبيدكم آل سعود إلى حدود حائل.. اننا إذا سلمنا من الخونة في الداخل، فسننجح في هزيمتكم أو نموت بكرامة) والخونة الذين يقصدهم ابن طلال هم الذين كانوا يراسلون الانكليز وابن السعود، وهم الذين اقتادوا جيوش ابن السعود والانكليز من النيصية إلى الوسيطاء بين جبل طي وحائل غربا ليسهل دخوله من الجبهة الغربية الجنوبية… ومرة أخرى، تقدم عدد من "كبار الجماعة" وفد مقدمتهم إبراهيم السالم وحمد الشويعر ونصحوا  ابن طلال (بأن ينقذ نفسه وعاصمته ورعيته من البلاء المحدق وان يستسلم ويسلم البلاد لآل سعود).. فرفض البطل محمد الطلال بكل شهامة ـ رغم كل الظروف ـ رفض أن يستسلم!… فخرج إبراهيم السالم وحمد الشويعر وعدد آخر سيأتي ذكرهم ممن كانوا على صلة قديمة مع ابن السعود (وكان يعدهم ويمنيهم ويغريهم بتسليمهم حكم البلاد وأكبر المناصب في سلطنته بعد سقوط حائل بيده) خرج إبراهيم السالم السبهان وحمد الشويعر ومن معهما من عند ابن طلال وكتبوا رسالة لعبد العزيز آل سعود يقولان فيها: (ان ابن طلال في حالة نفسية غريبة لا يجدي معها التفاهم وهو عازم على قتالك ومعه من يفضلون الموت على دخولك للبلاد، وفي حال نجاحه وفشلك سوف يكون مصيرنا الموت… سيقتلنا لانه اكتشفنا جميعا اننا معك وهو يعد الآن سيفه لرقابنا، وما عليكم الا أن ترسلوا لنا قوة من جهة الزيارة[1] لتنطلق من هذا المكان لفتح حائل واستلامها) .. وما أن استلم عبد العزيز آل سعود رسالة إبراهيم السالم وحمد الشويعر المرسلة له مع عبيد الملسماني وهو يقيم في الوسيطا واطلع عليها برسي كوكس وجون فيلبي وبقية "الخبراء" العرب ـ حتّى أقروا ارسال قوة مكونة من ألفي رجل تحت قيادة عبد العزيز بن تركي وسعود الكبير ـ ابن عم ابن سعود ـ وسلطان بن بجاد، فاستقبلها مندوبون عن إبراهيم السالم وحمد الشويعر في الزيارة
لتتسلل داخل مدينة حائل فتحدث بتسللها الضغط الاخير على ابن طلال… وفي هذا الاثناء تقدم عبد العزيز بن إبراهيم ـ وهو عميل سعودي اشتهر بالاجرام ـ وكان يظهر الصداقة لابن طلال بينما هو يعمل لحساب آل سعود ـ تقدم " ينصح" ابن طلال بالاستسلام، فدار بينهما نقاش حاد انتهى باقناع ابن طلال ـ كما يزعم ابن إبراهيم ـ بقوله (قال لي ابن طلال اكتب خطاباً إلى ابن سعود بما تريد وأنا أوقعه)… ويقول العميل ابن إبراهيم ـ (انني قلت لابن طلال: ـ ومع من تبعث بالخطاب؟.. فقال: معك) ـ فقال ابن إبراهيم ـ (قلت له ان كنت أنا الرسول فلا حاجة إلى الخطاب!.
انما أعطني خاتمك المنقوش عليه اسمك ليكون شاهدا على التفويض فأعطاني الخاتم ونصحته بأن يثبت على كلامه وأن لا يستسلم "للمفسدين" الذين يريدون حرب ابن السعود!)… وفي الحال غادره ابن إبراهيم ليقابل الطابور الثاني إبراهيم السالم وحمد الشويعر فأخبرهما فاستبشرا!.. ومن ثم تحرك ابن إبراهيم لمقابلة عبد العزيز آل سعود والسير برسي كوكس وجون فيلبي في ضاحية حائل بالوسيطا، فعرض عليهم خاتم ابن طلال!.
ووافق عبد العزيز آل سعود وكوكس وفيلبي على شروط ابن طلال وقد اتفقت هذه الشروط مع ما سبق أن اتفق عليه عبد العزيز آل سعود والذين راسلوه من "الوجهاء" وفي مقدمتهم إبراهيم السالم السبهان وحمد الشويعر وهي كما يلي:
1 ـ أن لا يولى على حائل أحد من غير أهل حائل يعرفونه ويرتضونه، ويكون لهم الخيار باستبداله بغيره حينما يرون منه ما يوجب تغييره..
2 ـ أن لا يخرج الحاكم عن حدود الشريعة السمحاء.
3 ـ أن يقوم أهل البلد بتشكيل مجلس شورى من أعيان البلد.
4 ـ أن لا تصادر أراضي حائل وشمر والرعية للاسرة السعودية أو لأي فرد من أتباعها.
5 ـ أن لا يحدث أي سوء لمحمد الطلال وجميع أفراد أسرته وأصحابه وأهل حائل وشمر وكافة أفراد رعيته وأتباعه ـ والمماليك ـ وكل خصم أو صديق في معيتهم وكل محارب وغير محارب، وأن يترك ما مضى وألا يلتفت إلى الوراء، وأن يعيش ابن طلال وأسرته بعد استسلامهم معززين مكرمين وفي حالة يرضونها…
فنقل عبد العزيز بن إبراهيم ومعه عبد العزيز بن مساعد الجلوي هذه الاتفاقية الموقعة من عبد العزيز آل سعود إلى محمد الطلال والى إبراهيم السالم وحمد الشويعر وجمعوا جمعاً كبيرا من الناس وقرأوها عليهم للتهدئة.. وبعد هذا سلم ابن طلال نفسه وأسرته إلى ابن مساعد واتجه بهم إلى حيث يقيم عبد العزيز آل سعود وبرسي كوكس وجون فيلبي وجموع حراسه وجنوده الذين قالوا: (انهم كانوا يتوقعون الفشل في دخول حائل لو لم يمكنهم من الدخول جماعة من أهل حائل وفي مقدمتهم إبراهيم السالم وحمد الشويعر)…
وفي رأيي: أنه لا إبراهيم السالم ولا حمد الشويعر ولا غيرهما يستطيع منع انهيار حكم حائل، فالحكم بطبيعته قد انهار، وحينما ينهار أي جسم من الاجسام فلا محالة من أن يأكله الدود أو آل سعود واليهود…

تحفز آل سعود و"صحابتهم" لدخول حائل

وبدأ عبد العزيز آل سعود وبرسي كوكس وجون فيلبي وقادة "الاخوان" يتحفزون للدخول إلى حائل والخوف والترقب ظاهر على وجوههم لانهم حتّى ذلك الوقت كانوا يعتقدون أن كل ما جرى مجرد خدعة من ابن طلال للايقاع بهم.
وقال ناصر الدوخي أحد المقاتلين مع ابن السعود: (لقد كنا نستعد للرحيل عن ضواحي حائل وان عبد العزيز بن سعود كان يتوقع تطويقه، ولو أن هناك مقاومة حدثت في اليومين السابقين لدخول ابن السعود إلى حائل لهربنا، لكن جميع "المناظر" مراكز الحراسة والدفاع عن حائل قطعت عنها المؤن والذخيرة من الداخل واستدعى كل من فيها من قبل الذين كانوا يتعاملون مع ابن سعود في حائل).. ويقول فهد المشاري أحد المسؤولين عن مراكز الحراسة في حائل: (لقد خلصت ذخيرتي وجماعتي فطلب مني إبراهيم السالم السبهان ـ بصفته المسؤول عنا ـ التوجه إلى مدينة حائل ومقابلته لاستلام  ذخيرة، وحينما دخلت بيته وجدت ـ سعود العرافة آل سعود ـ في بيته ـ فقلت هذه خيانة كبرى: كيف تدخلون سعود العرافة، آل سعود في حائل ونحن ما زلنا نقاتل هؤلاء الاعداء؟.
فقال: "إنها ليست خيانة انها حقن دماء"!. قلت: والله لو أن في بطن بندقيتي "أم خمس" رصاص لافرغته في رؤوسكم ولكن لا شئ فيها!..).. قد تكون غلطة من هؤلاء لا خيانة وان ما فعلوه في مراسلة ابن السعود ما هو الا مجرد "اجتهاد منهم" وانها ليست خيانة في نظرهم، لكن الخيانة وليدة الأخطاء وخطأ واحد يمهد الطريق إلى خيانة كبرى… خاصة فيما يتعلق بمصائر الاوطان…

دخول ابن السعود وبرسي كوكس وفيلبي إلى حائل

ودخل ابن السعود "وصحابته" برسي كوكس وجون فيلبي وقد لبسوا "العبي" العربية.. وأسدل الستار السعودي على ـ حائل ـ وكانت أوخم "دخلة" لنهاية كفاح دام مئات السنين وكانت بداية احتلال في يوم مشؤوم هو يوم 29 صفر 1340 هـ الموافق 2 نوفمبر 1922 م.
وقد ولدت بعد العام بعام واحد ونظر لي أهلي كما ينظرون أهل حائل "لمواليد السقوط" سقوط حائل … نظرة عدم استحسان، وكأنهم يريدون أن لا تلد بطون النساء أحداً بعد سقوط حائل بيد الاعداء!…

مواليد السقوط

ولذلك نرى الشيوخ من أهالي حائل يؤرخون مواليد ما قبل هذا اليوم المشؤوم " يوم سقوط حائل" بيوم السقوط، وما قبل السقوط، وما بعد السقوط، فالذين ولدوا ما قبل سقوط حائل ينظر لهم نظرة استحسان وهم الذين كان لهم شرف الدفاع "اللهم إلا أولئك الذين تعاملوا مع ابن السعود"… أما الذين ولدوا بعد السقوط فهم في نظر الشيوخ أقل شأنا مما يجب .. وعندما يعيب الشيوخ أي عمل أو قول من أعمال أو أقوال الشباب فانه يزدرونه بقولهم (أو هـ… لا يلام هذا الفتى لأنه من مواليد السقوط)! أي أنه لم يقدم لموطنه شيئا من التضحيات ولا غرابة منه إذاً أن يقول أو يفعل مالا يرضى عنه!!.. كما نرى أن كبار السن من أهالي حائل يتشاءمون من شهر (صفر) من بدايته إلى نهايته!.
لكونه شهر الاحتلال السعودي… وكانت جدتي حسنا السعيد تجمع معظم نساء حيّنا يوم كل خميس وخاصة النساء اللاتي قتل آل سعود أولادهن وذويهن ـ وتلقي فيهن محاضرات ، أذكر منها قولها: (أنحس الاشهر الملعونة هو شهر صفر، في هذا الشهر تقوم القيامة ويفنى العالم في هذا الشهر!…. في هذا الشهر سالت الدماء غزيرة من أهلنا وأحباب قلوبنا.. في هذا الشهر تولى بلادنا اليهود آل سعود!).. ثم تختتم جدتي كل محاضرة من محاضراتها مهما اختلفت بدعوة النساء إلى رفع أيديهن إلى السماء والدعاء على آل سعود بالدعاء التالي: (اللهم انصرنا على اليهود آل سعود… اللهم لا تجعلنا نموت قبل أن نرى يوم ذهابهم آمين يا رب العالمين!..) .. وهناك عماتي ـ رقية وسلمى ولطفية ـ وقد قتل آل سعود اخوتهن: عبد الله وسليمان وعيسى السعيد في معركة النيصية، فلا تقل احداهن شأنا "في الدعاء"! واثارة الناس ضد آل سعود!.

وأول مرة دخلت السجن السعودي كانت مع جدتي وعمري سبع سنوات

ووقتها كنت أتأثر بكل ما تقوله جدتي من حكايات عن جرائم آل سعود وكانت جدتي جريئة في مقارعة الرجعية أكثر بكثير من معظم الرجال… فلا زلت أذكر ما فعلته جدتي بخادم الملك عبد العزيز آل سعود رغم كونها تحت حكمه وفي أوج جبروته، وكان عمري لا يتجاوز سن السابعة ـ حسب ظني[2]ـ حينما طرق بابنا بشدة دلت على أن الطارق من خدم "الشيوخ" ـ أي الحكومة ـ فلخدم الحكمة طرقات يعرفون بها تحدث من صوتها الرعب للناس وتدل على فظاظة الحكم وعنجهيته، ومن تلك الطرقات عرفت جدتي أن الطارق هو خادم "الحكومة" لكنها لم تشأ قطع صلاتها، فتلك الصلاة كانت زائدة عن الصلوات الخمس مخصصة للدعاء بزوال حكم آل سعود وصب جام اللعنات ضدهم أثناء الصلاة.
ولم تستعجل جدتي بل أنهت صلاة "الدعاء" المعتادة تلك، وكان الباب لا زال يقرع بشدة، ففتحت الباب وإذا بها أمام وجه (ابن مصيبح) خادم الملك، بيده السيف وباليد الاخرى زنبيل "قفة" يحتوي على قرابة الخمس كيلات من القمح "تصدق" الملك عبد العزيز علينا كما تصدق بمثلها لغيرنا وبمناسبة زيارته "المقدسة" لحائل… وقدم الخادم تلك القفة لجدتي بسخرية قال فيها (لماذا لا تفتحي الباب؟..). قالت (انني أصلي).. قال الخادم (لماذا هذه الصلاة والوقت ليس وقت صلاة؟!) .. قالت جدتي: (ان هذه الصلاة هي صلاة الضحى وهي مخصصة للدعاء عليكم وعلى حكمكم بالزوال الذي قاتلنا بتهمة "أننا كفرة مشركين ولا نعرف الصلاة" والآن تمنعنا عن الصلاة!).
فرد الخادم وقال: (لولا أن عمرك أكثر من ستين سنة كنت قطعت رأسك!).. قالت جدتي: (يا كلب اليهود.. ايش تبغي الآن؟!).. قال الخادم بغضب شديد: (خذي هذه الصدقة من طويل العمر، وادعي له بالعز وطول العمر بدل ما تدعي عليه وهو الذي ما نسي أحداً فيكم رغم أنكم أعداء الله ورسوله!).. قالت جدتي بسخرية غاضبة: (طويل عمر!.
ادعي لطويل العمر؟!… وما زلنا أعداء الله ورسوله؟!) ثم تراجعت جدتي إلى الوراء قليلا وأمسكت بعروتي القفة وفتلتها وأومأت بها بشدة وسرعة وقذفت بها وجه (ابن مصيبح) خادم الاحتلال السعودي فضربته ضربة جعلت خادم "الشيوخ" يدور حول نفسه ويسقط سيفه على الأرض. وكانت تلك الضربة قوية رغم كبر سن جدتي، فتطاير القمح بحيث لم تلتق  حبة واختها في نفس الطريق!.. بهت الخادم من تلك المفاجأة غير المتوقعة من تلك العجوز التي لم تكتف "بالدعاء" والضرب بل أمسكت بسيفه لتضربه به، لو لم يستخلصه منها وهي تصرخ ممسكة بثيابه تمزقها وتصب جام لعناتها المتواصلة عليه وعلى سيده الملك عبد العزيز ووكيله في حائل عبد العزيز بن مساعد الجلوي، متسائلة بعد ذلك بقولها: (هل تريد يا خادم الظلم مني أخذ هذا القمح كصدقة من سارق كبير؟.
أم أخذه كدية لدماء عبد الله العيسى وعيسى السعيد وابني الذي قطعتم رجله في معركة  النيصية مع بقية الاهل والجيران وأبناء بلادي الذين قتلتموهم بتهمة الكفر والالحاد لأنهم دافعوا عن الوطن؟ أم آخذها كفدية لاحتلاكم الوسخ للوطن؟.. اذهب فما زالت دماء الالاف في النيصية والجثامية والوقيد والصفيح وسلمى واجا باقية لم تنس تلعنكم، اذهب وقل لسيدك الطاغوت عبد العزيز ان حسناء ورقية وسلمى وبقية عجائز حائل ونساء حائل أكثر ذاكرة من بعض الرجال الذين باعوا وطنهم بينما استمات رجالنا دفاعا عنه وماتوا دونه).. قال لها الخادم: (ألا تخافي من عقبى كلامك هذا؟).
فازدادت حنقا وهي تهتف باصقة بوجهه: (ماذا بقي لنا حتّى نخافكم يا مجرمين؟ رح راحت روحك وروح من أرسلك يا عبيد جون وكوكس) تقصد (جون فيلبي وبرسي كوكس).. ثم أطبقت الباب بوجهه.. وبعد ساعتين من ذهاب خادم الاحتلال السعودي، عاد ومعه خمسة خدم أجلاف مثله فاقتادوا جدتي وأنا معها إلى قصر ابن مساعد حيث أمطرها بأقصى المسبات ثم أمر بسجنها وأنا معها، فدخلنا السجن وهو عبارة عن غرفة نتنة قذرة فيها (حطبة) مصيدة توضع بها أقدام السجناء، الا أنه في المساء أفرج عنا بواسطة بعض الجماعة، ثم أعادونا مرة ثانية إلى ابن مساعد ليودعنا بلعناته القذرة وتهديداته لجدتي حيث اتهمنا هذه المرة بتهمة خطيرة وهي (تحريض الله سبحانه وتعالى على ولاة الأمور الصالحين!).
فردت جدتي عليه بقولها: (ان لعناتك ترجع عليك.. ونحن ندرك أنكم تملكون الموت والحياة، لكنه لا فرق بين الموت والحياة عندنا فالموت أفضل لنا من وجوهكم بعد ما حل بنا ـ بعد ذهاب أعز أهالينا… وأنا العجوز لا أملك غير دعوات رب العالمين بزوالكم).. فدفعها الخدم وأنا معها من الدرج، وذهبنا حتّى وصلنا بيتنا فوجدناه مليئ بالرجال والنساء ينتظرون عودتنا بالاكبار والتقدير.. وكانت كلماتها تلك دروسي الاولى في مقاومة آل سعود فتطورت تلك الدروس إلى وعي أشمل لمشاكل الشعب كله والوطن والامة والانسانية التي لا ننفصل عنها..
ومن يتلقى أولى دروسه من امرأة لن ينساها ـ خاصة ان كانت تلك المرأة أما أو جدة ـ فللام والجدة من قوة التأثير ما ليس للمعلم.. والأم والجدة ان صلحتا صلح النسل وان فسدتا فسد النسل… ومواقف جدتي تلك التي كانت أشرف من مواقف جامعة الدول العربية في محاربة الرجعية والاستعمار تذكرني بما قرأته عن الشعب الاسبرطي الذي عاش قبل ميلاد السيد المسيح وكانت له بطولات عظيمة مدهشة ولم يكن خلف تلك العظمة والبطولات غير النساء.. كان وراء تلك البطولات تربية أمهات) أولئك الرجال وقوة تأثيرهن في تلك الامة.. مما دفع حكامهم حينما عرفوا ماللام من قوة تأثير إلى سن ذلك القانون الفريد من نوعه حيث نص هذا القانون (على ان كل مرتكب ذنب لا يعاقب.
بل تعاقب والدته) إلى حد أن نص هذا القانون: (على جلب والدة المذنب إلى الساحة العامة للمدينة وجلدها أمام الناس جزاء لسوء تربيتها لابنها أو بنتها) مما زاد حرص كل أم مهملة لتحسين تربية أطفالها وجعل كل ـ ابن امرأة ـ يحسب ألف حسان لتمتدح أمه ولكيلا تجلد أمام ـ أم خطيبته ـ وحبيبته وأصحابه فيسجل التاريخ عار أمه التي تساهلت في تربية ابنها وطنيا فتساهل هو في حقوق شعبه وأمته … وبذلك أصبح الجميع أبطالا.. لا شك أن في ذلك القانون من الإجحاف ما يتنافي وعصرنا هذا فيما لو أراد أي حاكم تطبيقه الا أن ما أتمناه هو أن تكون هنالك قوة شعبية تتمكن من تطبيق هذا القانون بأمهات الحكام العرب لعلنا نجد مهم من لا يهادن الرجعية كما لم تهادنها جدتي التي كانت أكثر شجاعة من معظم الحكام، حيث لم تهادن جدتي الرجعية ولم مرة ولم تقبل من الرجعية أي عون، ورغم تأييدي لنظريات جدتي في آل سعود وفي معظم الحكام الا أنني لا أؤيد ظنها بأن ما وقع في حائل وقراها من مجازر سعودية رهيبة يقع لسواها.. فما من منطقة في بلادنا قد نجت من مظالم الطغيان، وهناك مظالم ومجازر سعودية أخرى ارتكبها حكم الطغيان في أماكن أخرى كثيرة من الجزيرة العربية… إلا أن ما وقع في حائل شئ رهيب يحتاج وحده إلى كتب كثيرة، وما نكتبه الان ما هو الا أمثلة تذكرنا بسقوط حائل، وتذكرنا بمظالم آل سعود في حائل، وتذكرنا بمشاريع آل سعود في حائل!، تلك المشاريع "العظيمة" التي قد أولاها آل سعود بالغ اهتمامهم تمشيا بوصية والدهم في السلب والنهب والقتل، ووالدهم في السلب والنهب والقتل، ووالدهم عبد العزيز هو صاحب مشروع (أخذناها بالسيف) بل صاحب أول مشروع طبقه في اول يوم لسقوط حائل حيث لم يخلو بيت من البيوت الا وفقد منه ستة أشخاص أو ثلاثة أو واحد على الاقل…

حينما دخل عبد العزيز وكوكس وفيلبي حائل

في اليوم الذي دخل فيه عبد العزيز آل سعود "وصحابته" حائل تقدم عبد العزيز آل سعود "وصحابته" حائل تقدم عبد العزيز آل سعود المنحل "بمشروع حيوي جداً!!".. فما هذا المشروع؟.. المشروع كان زواجه ـ اكراها ـ وشبيه بالاكراه ـ بمجموعة من النساء من ضمنها بعض نساء آل رشيد .. وبالطريقة السعودية المعروفة.. وهي الاغتصاب باسم الكتاب والسنة!.. تعبيرا عن فرحته في يوم كان كله حزن ومصيبة بسقوط القتلى.. وسقوط الوطن وسقوط الكرامة وكانت تلك أول صدمة لمن تآمروا مع ابن السعود وأحلوه في حائل خلسة وغدرا.. لكن واحدة من النساء التي أراد اغتصابهن لم تتحمل أن يوجه لها هذا الحيوان السعودي المتوحش تلك الاهانة ولم تقبل بمرور لحظات سروره الماجن دون الثأر لكرامتها وكرامة شعبها ولو بأي طريقة من الطريق وحسب المستطاع… فزفّت إليه العروس اغتصابا… وكانت قد اخفت مخرزا بيدها… وما أن حاول الحيوان السعودي الاقتراب منها حتّى أغمدت مخرزها في عينه تصرخ: "لن تقرب مني أيها الملعون".. وهكذا فقد عبد العزيز آل سعود عينه.

فلسطين في عيني!

وهي العين التي أشار باصبعه عليها عندما جاءه وفد فلسطين عام 1947 طالبا قطع البترول عن الغرب والصهاينة للضغط على أمريكا!!! ـ وقال عبد العزيز قولته المشهورة (انني أحافظ على فلسطين في عيني … ولن تضيع فلسطين الا إذا ضاعت عيني هذه!) وضاعت فلسطين كما ضاعت عين عبد العزيز.. وعندما قيل لعبد العزيز بعد ضياع فلسطين، لقد ضاعت فلسطين التي تعهدتها بعينك، قال: لن أكون أول من أضاع فلسطين ولا آخرهم… أما عن المرأة الشمرية التي أضاعت عين الطاغية عبد العزيز فلم يجرؤ هذا الطاغية على أن يمسسها بسوء لشعوره بالذنب والجريمة ولخشيته من تسرب الخبر... وقد اعتبرها اهانة له في هذا اليوم "من امرأة عربية شمرية" أرادت الاخذ بثأر رجالها عندما خانهم بعض الرجال بقصد ساذج أو خبيث بل أشاع هذا الطاغية ان ما حدث لعينه لم يكن الا (نظرة من عين حسود أصابته بعينه لهذا الانتصار!!) فسرح المرأة فورا… ولا أقول طلقها لأنه ليس بينه وبينها عقد زواج كما هو الحال في كل زيجات آل سعود (ألا يجوز أن يقال أنهم بهذا أولاد زنا؟).. أما عن أهمية سقوط حائل بيد الاحتلال الانكلو سعودي.. فقد قال السير برسي كوكس (لقد انتهى عهد الرعب وشغلنا الشاغل ـ انتهت حائل وقبائل اسمها شمر لم نحس قبل سقوطها بالاطمئنان… حقا لقد كان عبد العزيز المتعب الرشيد مستهترا حينما قال له بعض أصدقائه بعد أن استولى ابن السعود على القصيم: دعنا نقاتل ابن السعود ونهاجمه فنحن قوة وابن السعود لا زال ضعيفا قبل أن يمده الانكليز ويصبح في عيونهم شيئا، فكان رد عبد العزيز ابن الرشيد ساخرا من الناصحين بقوله ـ ابن سعود أرنب مجحِره ـ ابن سعود لا يمكن أن يفلت من يدي، أي أن ابن السعود أرنب في جحرها وما دامت الارنب في جحرها فهي مضمونة للصياد وسأصطادها متى شئت!. وكان قد اصطاده ابن السعود)..

بعض الاسماء من آلاف الشهداء

وها هي الآن أسماء بعض الآلاف الذين استشهدوا في مجازر النيصيّة والجُثامية والصفيح والوقيد وضواحي حائل وسهالها وراحوا ضحية الواجب الوطني ـ والغدر الانكليزي السعودي الآثم، ومنهم: الشهيد فهد سليمان العيسى، والشهيد فهد العْبِدَه، والشهيد صالح العيد، والشهيد عبد الله العيسى السعيد، وعيسى العيسى السعيد (رصاصة حطمت فخذه وتوفي منها فيما بعد بالعراق) والشهيد حمد العلي السعيد، وسليمان السيعد، وعنبر العنبر وسليمان النودلي ومجول العيد الزويميل وشائع الملق وعبده الفائز ودعسان الهمزاني وسعود المطيلق ومرجان بلال المرجان (أشعلوا فيه النار هو وسبعين شخصا معه) وصالح الضبعان (ورفاقه ثلاثون شخصا مثلوا بهم حتّى ثيابهم) ومهدي البلال، (والعودي وأولاده ـ وجماعته وعددهم 47 شهيدا جمعوهم وأحرقوهم بالنار) والشهداء دعيع وطاهر، ومهدي أبو شرين وسلامة وشقيقه ناصر العنبر وجابر الشعلان وحماد الشعلان وعثمان المشاري ومسفر المتعب ومنديل المهوس وفهيد المنيع وفالح الحيص وعامر وغانم الكوش ومرشد المسلط وعبد المحسن الشومر (وجماعته مائة وستون أحرقوهم بالنار أحياء) وابراهيم العريفي (ومائتان وثلاثة وأربعون معه قتلوهم وسرقوا ثيابهم وأحرقوهم) هؤلاء ممن استشهدوا في مجزرة النيصية، أما الذين استشهدوا في مجزرة الجثامية فمنهم الشهداء: رعاف الغلث وفرج السعود وساطي المسيعيد وثاري البجيدي وعلي العايد وفهد السعيد وسالم الطالب وفهد الهشال وجروان الاحمد وسليمان المهدوس وفرج الجيش وابراهيم السهيل وعلي الجميعة وابراهيم الصلحاني وخلف النعيم وعبد الله البريك، وغيرهم من الآلاف الذين سيكتب الشعب أسماءهم العربية في سجل الصديقين والخلود مع (400 ألف شهيد) من أبناءه في كافة أنحاء الجزيرة العربية قتلهم الآثمون السعوديون والانكليز في معارك تربة والطائف والجوف والحفر والحجاز ونجد ومن معظم القبائل.. كما شردوا من شعب الجزيرة العربية ما يزيد عن المليون ونصف مليون مواطن إلى أنحاء آسيا وافريقيا وكافة البلاد العربية.. وهناك بطولة استشهاد لا ينساها شعبنا.. تلك هي بطولة استشهاد القائد البطل ضاري بن طواله رئيس عشيرة (الأسلم) من قبيل شمر.. لقد نزح ضاري بن طواله مع من نزحوا من عشائر شمر عن حائل لخلاف بينه وبين سعود آل رشيد، ولكن ضاري بن طواله ما أن علم بحصار حائل من قبل السعوديين حتّى توجه من الكويت إلى حائل رغم ما بينه وبين آل رشيد من خلاف جعل ابن الرشيد يهدد ضاري بن طوالة بالقتل… توجه البطل ضاري بن طوالة ليدافع عن حائل، وأخذ واخوته يحارب كل من في طريقه من السعوديين وأتباعهم حتّى وصل إلى يا طب (30 كم تقريبا شرقي حائل) وهو يقاتل الخونة بشدة.
وفي ياطب أطلق عليه أحد عملاء الانكليز السعوديين الذين رافقوه رصاصة غادرة أردته قتيلا.. ولم ينس حتّى وهو يلفظ أنفاسه الطاهرة أن يوصي قومه بمواصلة القتال في سبيل الوطن.. وكانت آخر كلمات هتف بها البطل واختلطت بحشرجات روحه الطاهرة قوله المأثور: (هذا هو عذري منك يا حائل.
هل تقبلين بهذا العذر؟. أنني مت دفاعا عنك ولم أخونك ولم اتركك وحيدة ولو لم يقتلني هذا الشقي اليوم في حماك لكتب لي الموت غدا في جوفك فو الله لن أقف على قدم من بعد سقوطك ولن أحيا بعد ان يتسلمك الاعداء وان تركتك غضبا على حاكمك فلم أتركك غضبا عليك) فلتعش يا ضاري بن طوالة البطل مع الشهداء والصديقين خالدا شهيدا..
ولم تكن قصة هذا البطل هي الفريدة من نوعها على ابناء شعبنا.. فكم من جندي باسل شجاع استشهد.. أما من نجا من المجاهدين في حائل، فلم يستسلموا للطغيان السعودي، بل ذهبوا إلى الحجاز ليشاركوا شعبنا هناك شرف الجهاد.
ونذكر منهم البطل الشهيد صالح السعد الله الذي لم يستسلم للسعوديين فهرب من حائل إلى الحجاز ليشن هجمات فدائية على مخيمات ومدافع الانكليز وابن السعود في الرغامة بجدة حتّى استشهد البطل هناك بعد أن شن هجمة من هجماته المتعددة على مخيم ابن السعود نهارا حينما ألقى بقنبلة من يده على شخص اسمه صالح الذعيت كان زميلا لصالح السعد الله في الجهاد وهرب مع الامير عبد الله المتعب الرشيد قبل سقوط حائل فبقي مع ابن السعود وقد اتهمه صالح العبد الله أن الذعيت قد أصبح يحارب مع ابن السعود ضد شعبنا في الحجاز رغم أن الذعيت هو الذي سبق له قطع رأس الكابتن شكسبير قائد جيش الاخوان السعوديين.. فهجم صالح السعد الله على صالح الذعيت مقتحما تحصينات الانكليز وابن السعود وتحدت مع الذعيت وجها لوجه بقوله: (انا صالح السعد الله يالذعيت هل تذكر جهادك الأول: هل تذكر أنك أنت الذي هجمت بسيفك على مدفع الانكليزي شكسبير قائد جيش ابن سعود وذبحته في معركة جراب التي هزمنا فيها جيش العدو الانكليزي عبد العزيز بن سعود؟..
اخس يالذعيت يا بياع بلاده.. ولكن خذها ثمنا لخيانتك يالذعيت).. فألقى عليه قنبلة مزقت أحشاءه.. ثم راح البطل صالح السعد الله يهرول ويحمي مؤخرته بعض رفاقه… ولكن رصاصة سعودية غادرة لحقت به من الخلف فأردته قتيلا.. واستشهد البطل ولم ترفع جثته من الأرض التي سقطت عليها مدة تزيد على شهر، حتّى أنها تيبست دون أن تدور أو تلحق بها عفونة.. أما قبائل شمر المجاهدة فقد هاجر منها قرابة الخمسين ألفا إلى العراق وسوريا والاردن.. أما ابن السعود فقد خان كل عهوده ومواثيقه "ولحس" تلك المعاهدة التي وقعها هو والمتآمرين معه بقصد أو غير قصد.. ولكنه وضع الشيخ إبراهيم السالم السبهان حاكما على حائل إلى حين.

وخان عبد العزيز آل سعود عهده ومعاهداته

بعد أن قال عبد العزيز آل سعود في كلمة ألقاها في حشد من أهل حائل: (أنا لا أريد أن أنصب عليكم من لا ترضونه ـ يا أهل حائل وشمر ـ وقد قال لي البعض نصّب علينا أحد أفراد أسرتك لكني أقسمت أن لا يحكمكم أحد من أفراد أسرتي لأنني غير آمن أن أولي عليكم احدا منا والسبب قد لا تستطيعون شكواه الينا فيما لو ظلمكم وأخل بهذه الشروط بيننا وبينكم أو ارتكب أي ذنب لأننا ندّعي أننا أخذناكم بالسيف، فالحقيقة أنه لو ما تفاهم عقلاءكم لطالت الحرب بيننا وبينكم وربما ننجح بدخول حائل وربما لا ننجح، ولكن هذه ارادة الله!.. وقد وافقنا على كل طلباتكم وهذا هو إبراهيم السالم منكم وفيكم اطلبوا منه ما تريدون وما ترونه نافع وهو سيوصل الامر الينا)!.. الخ.. فلا تعجب لهذه الحيل والخداع السعودي.. فالاحتلال السعودي ما قام الا على الحيل والخداع وما زال الخداع شريعته.

وفجر عبد العزيز بقسمه ونقض اتفاقيته مع أهل حائل وتبعته ذريته من بعده

وما هي الا مدة قصيرة جدا حتّى عزل ـ ابن السعود ـ "صاحبه الحائلي" إبراهيم السالم السبهان واستبدله بابن عمه جزار منطقة حائل الشهير عبد العزيز بن مساعد الجلوي الذي أخذ يسوم الشعب وقبائل شمر والمواطنين سوء العذاب والارهاب ويسرق خيرات الأرض وحقوق الفلاحين والبادية والمواطنين ويعتبر أن الأرض كلها ملكه قد أقطعه اياه ابن عمه عبد العزيز آل سعود ، وكذلك البراري كلها حماه لا ترعى به إلا أغنامه وابله وخيوله التي صادرها من القبائل والمواطنين، والويل لمن يمر من البشر في هذه الأرض التي سماها "حماه".. وخابت آمال الذين دخلوا ابن السعود إلى حائل ظانين انّه سيورثهم الأرض ومن عليها!.. وقد نلتمس العذر لهؤلاء "الرجال" الذين سلموا "أمهم" حائل لابن السعود وعلوجه بغفلة من اهل حائل، وقد زعم هؤلاء الذين "قادوا" ابن السعود (انّه سيبدل صحاريها بجنات تجري من تحتها الانهار..) ولكن حائل لا زالت كما كانت عليه من ظلم وتأخر وأمراض وابن مساعد وآل سعود.. ولن يغير ما فيها من وباء الا  وجه الاشتراكية الاكرم بقيام ثورة عربية جمهورية، وقد اثبت التاريخ ان الشعب في حال لم يرضخ لطغيان عائلة آل سعود، فكم مرة ثار وثارت قبائله ثورات هزت قوائم عرش الظلم رغم أنه لم يكتب لها النجاح لأنها لم تتجاوب معها بقية الأقاليم والقبائل.

ثورة غُريّب العفري

من هذه الثورات، ثورة الشهيد البطل غريب العفري الشمري الذي أعجز الطغيان السعودي وجزاره عبد العزيز بن مساعد الجلوي مدة من الزمن رغم أنه لم يكن مع هذا البطل الا شقيقه دغيليب وخمسة من ثوار شمر الاحرار، وقد وقع في كمين نصبه له عدد كبير من خدم ابن مساعد فشدوا وثاقه وساروا به ليلا حتّى شارفوا على مدينة حائل وعندها اطمأنوا فناموا وتركوا البطل الذي لم ينم، وبينما هم يغطون في نومهم لحق بهم شقيقه دغيليب العفري الذي كان يرقبهم ويتتبع خطاهم، وقطع قيد أخيه وقاما معا بتجميع سلاح خدم ابن مساعد ولما انتهيا من تجميع السلاح كله صرخ فيهم "غريب" قائلا: (أنتم تنامون لأنكم لا تذكرون لكم بلدا يحتلها آل سعود.. وتنامون لانكم خدم للمعتدين آل سعود.. أما أنا فلا أنام، وان نمت أحلم ببلادي وأفيق على هذا الحلم الذي يفزعني ولهذا أصبحت شجاعا أستطيع أخذ أسلحتكم منكم بالايمان القوي، أما أنتم فلا تستطيعون استعادة أسلحتكم مني وأنتم جمع غفير لانكم خدم الاعداء كما قلت، خدم الطغاة الذين يركضون بلا هدف خلف ثائر مثلي لتسليمه لاسيادهم مقابل أجر تافه يدفعه لهم الطغاة.
لهذا تنامون وان نمتم فلا حلم لكم الا "بالشرهة" والاجرة التي سيدفعها لكم ابن مساعد مقابل القاءكم القبض على ثائر شريف.
لكني لن أترككم تقبضون أجركم كثمن لرأسي الثمين ولن أقتلكم رغم أنكم تريدون قتلي، فاذهبوا إلى سيدكم وأخبروه.. اذهبوا بلا سلاح وبلا ابل تركبونها..) بعد ذلك ساقهم بعيدا بعد أن طلب من كل واحد منهم أن يربط يدي زميله إلى ظهره وتركهم.. وراح هو وشقيقه في سبيلهما الثوري.. أما الخدم فراحوا إلى الجلاد ابن مساعد الذي حلق ذقونهم وسود وجوههم كعقاب لهم وجلدهم وأعادهم لمطاردة الثائر مرة أخرى مع عدد أكبر منهم بقيادة ناصر بن دوخي، ومع ذلك فلم يتمكنوا من اصطياد البطل، رغم أنهم طوقوه من كل جانب الا بعد أن انتهى ما معه وشقيقه من ذخيرة حيث أصيب شقيقه ذغيليب وتمكن من الهرب أما غريب فقد اقتادوه الزبانية إلى جزار حائل ابن مساعد.
فأرسله مكبلا بالسلاسل إلى ساحة السوق، وكان البطل يسير بين المواطنين وهو يدرك أنه يتجه للقاء الموت، لكنه كان يبتسم بكل شجاعة وايمان فالتفت إلى الخدم الذين ضايقوه وقال: (لا تفرحوا يا خدم المجرمين فان لي جماعة سيأخذون بثأري)!… وكان يعني "بجماعته" جموع الشعب التي كانت تنظر له باعجاب بينما هو مقيد بالحديد!، وكنت آنذاك صغير السن، أقف بين ذلك الجمع الكبير الذي شاهد اطلاق الرصاص في رأس هذا البطل، لكننا ماذا نملك غير ترديد اللعنات على آل سعود بأصوات عالية مع كل رصاصة تنطلق صوب رأسه وصدره الشجاع وراح البطل غريّب العفري شهيد شعبه، هذا الشعب ـ الشهيد ـ الذي قدم الالاف من أمثال غريب العفري، ممن خلقوا في نفوسنا ثورة منذ سني الرضاع الاولى.
لن تنطفي نارها حتّى تحرق الظالمين ويسود شرع الاشتراكية العظيم.. والشعب في حائل لا يكن لعهد الحريم أي احترام فعندما توفي الطاغية عبد العزيز واستورث ابنه سعود الشعب والارض والعرش من بعده وأخذ يدور على كل المناطق مخادعا الشعب بطلب "البيعة" منه لم يبايعه الشعب وانما بايعه نوع معين من المتزلفين.. ولم أنس تبرم الشعب في حائل عام 1373 ـ 1954 بمثل هذه "البيعة" التي جاء سعود يطلبها منهم!، وكنت وقتها منفيا من الظهران إلى حائل بعد أن قام العمال باضرابهم الشهير بتاريخ 167 اكتوبر عام 1953 مطالبين باخراجنا من سجن العبيد حيث لم يرجع العمال إلى العمل ولم يتوقفوا عن الاضراب الا بعد الافراج عنا.. وبعد أن أفرج عنا أخذت علينا تعهدات بأمر الملك سعود بواسطة ـ عبد الله بن عيسى وكيل الامن العام الذي أخذ هذا التعهد علي ـ ونصه: (أنا الموقع فلان.. أتعهد للدولة بأنني لن أخرج من خلف سور حائل وان خرجت من منفاي هذا فإنما أهدر دمي وأحل للحكومة قتلي)!.. فأمرني وكيل الامن العام في الظهران بتوقيع هذا التعهد والحديد ما زال بيديّ والقيد برجلي كما وقعه بقية الاخوة فوقعته وضحكت وقلت: ـ ان هذا التوقيع أو عدمه سوف لن يمنع العصابة السعودية من قتلي إذا أرادت وانما هو احتياط شكلي اتخذ للافراج عنا والتخلص منا بعد موقف العمال الابطال، والذي أضحكني هو ما ذكر بهذا التعهد السعودي: "سور" حائل فرجال هذه العصابة لم يعرفوا أن هذا السور قد هدم منذ أول يوم للاحتلال السعودي المشؤوم.. وقد أخبرت وكيل الامن العام عبد الله بن عيسى بذلك وقلت له: (ان هذه الدولة التي أخذت علينا تعهد الموت جاهلة في بلادنا وخبرتها عتيقة!).. ووصلت إلى حائل مقيد اليدين بتاريخ 10 نوفمبر عام 1953.
وفي الطريق بلغنا نبأ وفاة الطاغية عبد العزيز من الاذاعة في ضحى 9 نوفمبر 1953.
ولم أخف سروري بهذا النبأ ولم أترحم على الطاغية طبعا وانما جهرت باللعنات عليه أمام جمع من شعبنا احتشد في مدينة بريدة حول السيارة التي نقلتنا إلى حائل.. وبلغنا أن الملك سعود سيقدم إلى حائل لاخذ "البيعة" له بعد والده ورأى بعض الاخوة أن أعد كلمة البلاد ـ أي كلمة الشعب ـ لا لقائها أمام  الملك، وأعددت الكلمة.
وعلم حاكم حائل جزار الشعب عبد العزيز بن مساعد الجلوي بذلك فاستدعاني لمقابلته، وقابلته في قصره وطلب مني أن أعرض الكلمة عليه فعرضت كلمة موجزة لم يفهم منها شيئا لانه لا يفهم (أي شئ خلف القتل والارهاب وتجميع صفائح الذهب وممارسة النكاح وامتلاك الجواري والعبدات) فقال لي: (يجب أن تحذف منها كلمات الفقر والجهل والمرض)!.. وأردف يقول: ـ
(ولا تلقيها باسم الشعب والعمال وأهالي حائل وانما باسم، الامير ابن مساعد والامارة، ويكون القاؤها في قصر الامارة عندما يزورنا الملك في القصر فهذه كلمة زينة!) قلت له: لا ـ طال عمرك: بعض أبناء الشعب طلبوا مني القاء الكلمة باسم الشعب وسوف ألقيها باسمه أما كلمة الامارة فهناك من يلقبها غيري..
ولما رأى الطاغية ابن مساعد اصراري ردَّ علي وهو يهز رأسه غير معجب بمعصيتي له بقوله (بهواك بكيفك) قلت: هذا هو كيفي، وانسحبت منه، وفي يوم 10/12/1953 وصل ركب الملك سعود إلى حائل وشيد له السرادق في جنوب حائل في مكان اسمه "نقرة قفار" فألقيت كلمة أمامه لم ينتبه لما جاء فيها نظرا لكثرة الضوضاء وازدحام الخدم حوله وعدم وجود مكبر للصوت ونظرا لقلقه وخوفه ولأنه "متعب" كما يقول.. وتحرك ركبه حيث ضربت الخيام لخدمه وأتباعه في مكان اسمه "الوسيطاء" غربي حائل وأصدر أوامره باحضار عدد من الحريم إلى قصره المتنقل معه أينما حل وارتحل والمسمى باسم (الصالون) وأحيانا باسم (الحمام).. وتزوج تلك الليلة بثلاث من النساء على الطريقة السعودية المعروفة.
وفي يوم 11/ 12/1953 وجهت له دعوة من قبيل مدرسة حائل، وقمت باعداد تمثيلية بعنوان: الفقر والجهل والمرض ـ لتمثيلها أمامه غير أن الاوامر أتت قبيل وصوله بالغاء هذه التمثيلية… وفي الساعة الواحدة ظهرا وصل الملك إلى المدرسة المذكورة وحضر جمع غفير من أبناء حائل بالاضافة إلى من حضر معه من أخوته وجزاريه وخدمه ومنهم عبد العزيز بن مساعد.
فألقى الزملاء بعض كلمات الترحيب أمامه. وما أن جاء دوري في الكلام حتّى أمر خدمه بايقاف ما تبقى لأن "جلالته" كما يقولون "متعب" ويريد انهاء هذا الحفل، وحاولت أن ألقيها ولكنني منعت من قبل العقيد المرحوم محمد الذيب ياوره الخاص، فدفعت الذيب بيدي وتقدمت للملك وقلت: ان لدي "كلمة يا طويل العمر" وقد منعني حرسك من القائها بحجة أنك متعب وشعبنا في حائل يعلم أنك لم تأت هنا للسياحة وشم الهواء وانما جئت لأخذ البيعة وفي هذه الكلمة التي منعت من القائها أشياء مهمة عن البيعة يجب سماعها لأنك كنت متعب يوم المجئ ولم تسمعها… وكان الملك قد أعطى الاوامر لقيامه… و تحرك بالفعل من مقعده لترك المكان ولكنه عاد للقعود ثانية وقال (تفضل تفضل ألقها) وهذا نصها:

كلمة الشعب

(باسم الله الحق، باسم العمال المعذبين، باسم الفلاحين الذين أصبحوا فريسة للمرابين… باسم الجنود الظافرين، باسم البدو المشردين، باسم الشعب العظيم، الشعب الذي حرم من نور العلم طويلا يا طويل العمر!!.
يا سعود بن عبد العزيز.. دعني أناديك باسمك المجرد من الجلال والجلالة (فزخرف القول غرورا) والذي لا يجله شعبه لا تجله الالقاب الزائفة بل ولا يجله الله أبدا!!.
ان رضى الشعب هو رضى الله!.. ولن يرضى الله سبحانه لمن لا يرضى عنه شعبه لذا، أقول لك… يا سعود؟.. هل تجشمت مصاعب الطرقات الخربة الوعرة ذاهبا إلى الحجاز وتهامة جنوبا عائدا إلى الجوف وحائل في أقصى الشمال متجها إلى القصيم ونجد، والاحساء والقطيف والجبيل في سواحل الخليج العربي شرقا.
أقول: هل تجشمت هذه المصاعب والطرقات الوعرة الخربية "يا وريث الملك من أبيه" بقصد الدعاية لنفسك أم الترفيه عن نفسك؟، إذ ليس في مئات المدن والقرى والصحاري التي مررت بها الا الفقراء الذين رأيتهم ـ يمدون أيديهم المقطوعة والموشكة على القطع ـ يمدونها اليك ضارعين من الفقر والجوع والمرض والجهل اللعين… وكان بامكانك أن تقطع هذه المسافات بالطائرات، لكنك قطعتها بالسيارات… ولهذا نحاول اقناع أنفسنا: بأنك جئت حسب الظن بقصد الاطلاع على ما يلاقيه شعبنا في كل أنحاء بلادنا المنكوبة المرزوءة بالظلم والعراء والمرض والشقاء والفقر والبطالة وخراب الديار، وعرفت أنت بنفسك بعد أن تكسر العديد من سياراتك بهذه الرحلة أنه لا يوجد طريق واحد معبد في البلاد كما تعرف أنت أنه لا يوجد علاج ولا معالج ولا ماء نظيف صحي ولا دواء ولا عمل ولا مساكن تليق بالانسان وكرامة الإنسان.
وهذا ما جعلك تسكن في الخيام في كل مدينة تحل بها بما فيها حائل، لعدم وجود ما يصلح لسكناك كملك من مساكن شعبنا الحقيرة… وكنت قد أعددت مع أخوة لي من الطلاب تمثيلية بعنوان: "فقر وظلم وجهل ومرض"، لا عرض أمامك بطرق تمثيلية هذه المهازل والجرائم التي يلاقيها كل شعبنا حضره وباديته الكريمة من جراء الادواء الاربعة اللعينة… الجهل .. والمرض.. والفقر والحكم الباطل الذي خلق الاربعة وغيرها، وفي النهاية أعرض كيف يكون القضاء على هذه الادواء وأسبابها وأبيّن أخيرا أنه لا طريقة للقضاء على هذه الامراض اللعينة ومسببيها إلا السيف… أي الثورة على هذه الادواء.. وأدعوك يا سعود ان شئت إلى أن (تقوم بهذه الثورة أنت) رغم علمي اليقين على من لا يعيش الالم تحقيق الامل… كنت أريد أن أعرض عليك يا سعود هذا في تمثيلية الفقر والجهل والمرض والظلم لعلك تضحك فتتذكر فتبكي ـ ولكن التمثيلية ألغيت في آخر لحظة لانك مرهق ـ كما قيل لي ـ بالاضافة إلى عرض هذه عليك علانية وبهذه الجدية، فصديقك من صدقك.. بالامس الأول كنت قد ألقيت كلمة البلاد وقلت فيها بعض ما أقوله الآن وكان مطلعها موجه: باسم حائل قراها وباديتها.. باسم العمال المشردين… باسم الشعب العظيم، غير أنك لم تسمعها جيدا لكثرة ضوضاء المكان.. ولقد عجبت عندما نودي علي يوم أمس في قصر الامارة ليدفع لي مبلع 500 ريال سعودي ويدفع للخطباء الآخرين 200 ريال ولما سألت عن السبب لدفع هذه المبالغ قيل لي انها ثمن الخطب!..
أما أنا فرفضتها بالطبع رفضا لا عودة فيه وقلت: ان كلام الشعب لا يباع ولا يشترى وانما ينفذ بالقول والعمل، ولو أردنا الدراهم لعشنا كما يعيش أصحاب الملايين بما عرض علينا من مقاولات في شركة أرامكو، لكننا كنا ننفق مرتباتنا كلها على الحركة ولمصلحة العمال وكنا نبقى بلا طعام الا ما يتفضل به اخوتنا العمال علينا باطعامنا مما يأكلون ولهذا فقد شردنا وعذبنا وسرحنا من العمل وقيدت أيدينا وأرجلنا وأعناقنا في مقبرة سجن العبيد وصدر أمركم باعدامنا ـ كما بلغنا ذلك من وكيل الامن العام في الظهران ـ .. لو لم تحدث معجزة الافراج عنا نتيجة اضراب العمال الذين لم يجعلوا لهم من مطلب سوى اخراجنا من السجن، حتّى أن العمال قد سجنوا سجنا جماعيا خلف الاسلاك الشائكة في وهج الشمس المحرقة وقطع عنهم الماء ومنع الطعام ثم سمح لهم أخيرا بالطعام ـ ولكنه طعام السم يا سعود ـ هل لاتصدق؟.
لقد وضع لهم السم في طعام ذلك المطعم المسمى (مطعم أبو ربع ريال) ومات سبعة عشر من العمال، وقد أسعف الباقون بغسيل بطونهم، وادعت شركة أرامكو الاستعمارية أنه حدث لهم تسمم غير مقصود لأن قدور الاكل غير نظيفة!، ولكنه تأكد من أقوال أحد الاطباء العرب الفلسطينيين الذين يعملون لدى شركة أرامكو نفسها وكشفوا، ضمن الاطباء الذين كشفوا على حالة العمال المتسممين، أن التسمم حادث عن سم حقيقي عثروا على بقيته وثبت هذا وعلى أتم استعداد لأن أثبت لكم كل ما أقول… ولا غرابة، فهذا جزء مما يلاقيه عصب الحياة وأشرف خلق الله: العمال..
العمال الذين هم الشعب كله.. العمال الذين أخرجوا هذا البترول وما يتبع البترول من نعيم لينعم به غيرهم، أما هم فلهم السم الزعاف.. انني أحدثك يا سعود بما حدث وما سيحدث إذا استمرت الحال كما هي عليه الآن.. لقد انتهى عهد والدكم عبد العزيز المظلم وجاء عهدكم الزاهر كما يقال… كان كل من يرفع يده أو رجله باشارة عدل أو يحرك لسانه أو طرفه بشهادة حق فقد رأسه أو يده أو رجله باشارة عدل أو يحرك لسانه أو طرفه بشهادة حق يفقد رأسه أو يده أو رجله أو لسانه أو عينه اما بمغريات المال واما بالسيف المميت..
وإذا حدث لكم "المبايعة" مكان والدكم فلا يعني ان هذه "المبايعة" هي: استبدال عهد مظلم بعهد مظلم.. لهذا نرجوا أن يكون عهدكم الجديد زاهراً ـ كما يقولون ـ لأنه ما من أحد منا زار بلدان العالم أكثر منكم ولعلكم بهذه الزيارات قد عرفتم أو سمعتم أو رأيتم كيف تحكم بلدان هذا العالم وتساس.. بل ان هناك بلدانا أخذت استقلالها قريبا أو أنشئت من عدم، فأصبحت أكثر من بلادنا تقدما وازدهارا وتحررا وحرية واسلاما!..
ولهذا نريد من عهدكم أن يكون زاهرا!.. ولا يمكن لأي عهد أن يزدهر ما لم يقر بحقوق الشعب، كافة حقوق الشعب، ويتسلم لاشعب ادارة بلاده بنفسه وعقله وأيدي أبناءه المخلصين، ولمن يحقق هذه المطالب.. يمنح شعبنا الثقة ـ لا ـ البيعة ـ فالبيعة عادة لا تأتي الا عن طريق البيع والشراء.. والبيع والشراء لا يذكر ـ الا ويذكر إلى جانبه العبيد ـ والمال خراب الذمم… أما الثقة فتمنح بناء على ما يلي:
1 ـ شهادة حسن السيرة والسلوك القويم للشخص الذي يمنحه الشعب ثقته ليكون لها أهلا…
2 ـ ايمان من يُمنح الثقة بالمثل العالية والمبادئ الإنسانية العادلة التي جاء بها الرسول والانبياء.
وبعد هذا نطرح فيما يلي: مطالب شعبنا التي بموجبها يمنح الثقة لمن هو أهلها ليكون الشعب وحده هو المسؤول عن حكم نفسه بنفسه..
1 ـ اقامة مجلس للشعب أي "برلمان" حر ينتخب الشعب أعضاءه انتخابا حراً ممن رضي الشعب عنهم.
2 ـ يضع أعضاء هذا البرلمان الحر بعد انتخابهم دستورا للبلاد تحكم البلاد بموجبه ولن يشذ هذا الدستور عما جاء به القرآن الكريم والاحاديث النبوية الصحيحة وروح العدل الذي دعا بها رسل الحرية والانسانية..
3 ـ يسن هذا البرلمان الشعبي كل القوانين والمراسيم والتشريعيات التي ستلغى بموجبها جريمة بيع وشراء الإنسان للانسان، جريمة تجارة الرقيق الذي لا يوجد في أي بلد من بلدان العالم كما يوجد في بلاد كان شعبها فيما مضى قد حرر الإنسان من عبودية في ثلاثة ارباع العالم.. انها بلادنا وشعبنا يا طويل العمر؟…
 4 ـ يسن ممثلو الشعب في مجلس الشعب قانونا يحرم جريمة قطع الايدي والارجل فهذه الجريمة لا تطبق إلا بحق العمال والفلاحين والجنود والعاطلين عن العمل من أبناء البادية المعذبين ومن لا يجدون لقمة العيش، والمضحك أن من يطبقها هم الذين ينص القرآن الكريم على أن تُطبق بحقهم.. أنهم اللصوص الكبار الذين اصبحوا حكاما.
5 ـ تلغى عقوبة جلد المواطنين بالطرقات وغير الطرقات وتستبدل بالاعمال والتعليم والتهذيب مكان التعذيب، وتحال السجون إلى مدارس لا يدخلها إلا من تثبت تهمته بعد مذكرة توقيف عدلية وبعد التأكدات اللازمة والتحقيق النزيه بأنه يستحق حكم القضاء…
6 ـ يصدر قانون عمالي ينص بانتخاب نقابات عمالية نزيهة يجمعها اتحاد عمالي واحد نزيه يكون هو المسؤول أمام الحكومة ويتولى الدفاع عن حقوق العمال المهدورة التي ستبقى مهدورة بدونه إلى الابد.
7 ـ الغاء اتفاقية قاعدة الظهران الذرية والاستغناء عن الجيوش الامريكية الاجنبية بجيش عربي قوي مسلح باقوى واحدث انواع الاسلحة يحمي البلاد التي لا يمكن أن تحميها قوى الاجانب والاعداء الذين باعوا واضاعوا فلسطين العربية والتي لا يمكن لها أن تعود الا بقوة العرب ووحدة سلاحهم وأرواحهم.
8 ـ انشاء صناعة خفيفة وثقيلة في كل أنحاء البلاد والبحث عن المعادن وإدخال أبناء البادية في هذه المصانع.
فأبناء البادية يكونون 60 بالمائة من مجموع الشعب كله ويلاقون من العذاب أقسى ألوانه.
9 ـ انشاء بنوك زراعية لاستصلاح الاراضي البور واقامة المزارع وتسليمها لجموع الفلاحين الذين هم واقعون تحت انياب الوحوش من تجار الربا، وتوطين قسم من أبناء البادية المعذبون في هذه الاراضي ليفلحوها.. أما القسم الآخر فيصبحون في المصانع عمالا.
10 ـ اصدار قانون يفرض التجنيد الاجباري فرضا على كل مواطن (ولا أقول كل مواطن ومواطنة لأن هذا القول سابق لأوانه في مثل وضعنا الحاضر) ليصبح الشعب كله مسلح أمام الاعداء وليس في هذا ما يخالف تعاليم النبي العربي محمد بن عبد الله كما يفتي البعض وهذا ما فرضه علينا الدين.
11 ـ اصدار قانون يفرض التعليم الاجباري على كل ذكر وانثى في كل مراحل التعليم فهذا ما فرضه النبي محمد علينا فرضا: (طلب العلم فرض على كل مسلم ومسلمة).
12 ـ اصدار قانون ينص على اطلاق الحريات الديموقراطية ومنها حرية الصحافة والاجتماع والتعبير ومنع العدوان على حريات الآخرين.
13 ـ اعادة العمال المسرحين إلى أعمالهم، ونحن منهم وعدم تسريح أحد من العمال لكيلا يكون علاة على هذا المجتمع.. وعدم نفي أحد أو أسقاط الجنسية عن أحد.
وعلى مثل هذه الاسس المشروعة في الشرائع العادلة ووثيقة حقوق الإنسان يمنح الشعب ثقة الشعب ـ لا يبعيها ـ للحاكم الذي يحافظ على هذه الثقة ولا يبيعها هو أيضاً…
هذا هو الرأي الآني للعمال المشردين يا سعود، رأي الفلاحين المعذبين ورأي الجنود ورأي سكان الصحراء من ابناء البادية الذي سبق لبعضهم أن قاتل إلى جانب هذا الحكم السعودي ولا زال يطحنهم ظلمه البغيض، وأخيرا، مرحبا بك في بلد الكرام المضياف ـ حائل الجميلة العظيمة ـ حائل بلد الشجعان، حائل الجزء الذي يلاقي ما يلاقيه غيره من بقية أجزاء الوطن من مظالم وفقر وجهل ومرض عّم انحاء الجزيرة العربية كلها ولا قضاء عليه إلا بحدوث معجزة… زلزلة تزلزل الماضي والحاضر.. فيحيا من يحيى عن بينة ويهلك من هلك عن بينة وتبنى البلاد من جديد لتعيش في جنة المستقبل … جنة المساواة… جنة الكفاية والعدل… جنة يتساوى فيها الناس في خيرات بلادهم، في كل ما في باطن الأرض وما عليها وما فوقها لكيلا يعيش من لا يعمل عالة على من يعمل، بينما العدل هو أن لا يعيش من يعيش عالة على كدّ الآخرين.. كما تقول الآية: (وان ليس للانسان إلا ما سعى وان سعيه سوف يرى ثم يجزاه الجزاء الاوفى)… والسلام على من اتبع الهدى.
(11/12/1953 م) الساعة السادسة عصرا بالتوقيت المحلي

غضب الملك وأفتى باعدامي

كان هذا هو النص الحرفي لكلمة الشعب التي ألقيتها أمام الملك سعود في حفل مدرسة حائل ـ ولا داعي لاعادة نشر الخطاب الأول الذي ألقيته قبل هذا بيوم واحد هو يوم وصول الملك سعود لحائل نظراً لما بين هذا وذلك من تشابه، وهذا الخطاب كان سبب تعرفي بالضابط الحر محمد الذيب رئيس حرس الملك الخاص الذي اغتاله ـ آل فهد ـ عام 1959 في المانيا الغربية بحقنة لم تكن الاولى من نوعها وانما سبقتها محاولات أخرى كان قد اطلعني الشهيد الذيب عليها وقد التقينا في طهران مرارا وفي الرياض ومنها ثلاث مرات في بيت الشهيد الحر عبد الرحمن الشمراني، وكان الذيب هو الذي ابلغني بالامر الملكي الصادر بقتلي ليلة 11/6/ 1956، واختفيت من غرفتي بينما واصلت الاتصالات بالعمال حتّى اضطررت لمغادرة البلاد يوم 18/6/1956.
فاعود الآن إلى يوم 11/12/ 1953 وموقف الملك سعود من تلك الكلمة سالفة الذكر…
لم يتركني الملك أتممها.. بل أخذ يصرخ بقوله (كفى كفى أنتم مجرمين أنتم مجرمين أنتم مفسدين) وتلا الآية القرآنية كإيذان بقتلي: (إنّما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يقتّلوا أو يصلبوا أو تقطّع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض) ولكنني لم الق له بالا فقد استمريت في قراءة كلمتي رافعا صوتي إلى أعلى موجاته متجاهلا قول الملك رغم سماعي له جيدا لحرصي على اكمال كلمتي إلى النهاية لانني لو توقفت فسأعطي الملك فرصة لمغادرة المكان ومقاطعته للكلمة، وقد بلغت بي الاحاسيس وقتها أن الملك سيقتلي فاردت أن ابّين للناس: على أي شئ يُقتل مثلي وبذلك اكشف لبعض المخدوعين عن جنون ملوك آل سعود وغدرهم، وكيف أن أحدهم حين يستولي على المُلك اغتصابا ويعتبره ارثا لأخوته ثم يأتي الملك المغتصب الجديد ليضحك على السذج طالبا منهم البيعة!.. أي بيعة هذه؟.. وقد قلتها له قلت: (لا بيعة ولا شراء.. بل ثقة الشعب يمنحها لمن يخدم الشعب لا لمن يخدمه الشعب)!… وبلغ بي شعور اللامبالاة حينما اشرأبت اعناق الحاضرين تتوقع ما يحدث لي من الملك فأعطاني بعضهم اشارات بالسكوت! فتماديت ليعرف الناس ما فعلت وما قلت، ولكي لا أعطي فرصة للملك أن يزيّف ما قلته بالدجل السعودي المعروف حينما ألقيت الخطاب أمام الملك في حضور الجموع المجتمعة في مدرسة حائل، وكنت قد رفضت مشورة واحد من أقرب حراس الملك المقربين عندما عرف الحارس بكلمتي قبل أن القيها نصحني بعدم القاء الكلمة في مكان عام وقال: "انّه سيهئ لي فرصة الاجتماع بالملك في مخيمه ـ بالوسيطا ـ فألقي الكلمة أمام الملك بحيث لا يحضر الا الوسيط وعدد قليل من الحرس وطلب مني أن أخفف اللهجة واستبدل الشدة بتأييدنا للملك وطلب عفوه واعادتنا إلى العمل في الظهران والسماح لنا بمغادرة المنفى، وأن لا أعرض في كلمتي مثل هذه المطالب العامة" ولكني قلت للاخ الحارس المقرب (صالح علي السالم): لا يا عزيزي.. انّه سيأمر بقتلي لو تكلمت معه في خلوته ويلفق أي تهمة يراها ضدي، ولهذا سأقولها في أي ميدان أجده أوسع جمهرة من غيره..
وبالفعل وجدت الفرصة سانحة في مدرسة حائل.. وربما لم يستطع قتلي لان الناس قد عرفوا ما أريد.. أو لانه رغم ظلمه وطيشه كان أعقل وأعدل أخوته الذين تبعوه وما زالوا يتوارثون الحكم اغتصابا من بعده.. لكن الملك سعود لم يخف غيظه، بل قاطع خطابي بصراحة أمام الناس كما قلت، ولما لم أعره سمعا ولا طاعة أمر "ياوره" العقيد محمد الذيب بقوله: (خذها.. خذ الورقة منه) وكرر قوله لي أمام الناس: (أنتم مجرمين.. انّما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون ويسعون ويسعون) وعلق لسناه على "ويسعون" فجاء إلى جانبه مبعوث من الجامع الازهر كان يدرس في مدرسة حائل ولقنه بقية الآية وهو يبتسم.. أما المرحوم الذيب "ياور" الملك فقد تمكن من سحب الورقة من يديّ وسلمتها له حفاظا على عدم تمزقها بين يدي ويديه.. وعندما وقفت أمام وجه الملك وقلت له متسائلا: (من هم الذين يحاربون الله ورسوله؟!
ان الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا ويجب أن يقتلوا ويصلبوا وينفوا من الأرض إلى غير رجعة، ليسوا العمال الشرفاء وانما هم أولئك الذين نزلت بحقهم الاية الكريمة وأمثالهم من هم افسد ممن حاربوا النبي محمد بن عبد الله سابقا ـ انهم الامريكان في الظهران أعوان إسرائيل وأعوانهم اليهود وأذنابهم في هذه البلاد.
والهيئة الملكية التي أرسلتموها لنا بحجة إنصافنا من شركة أرامكو الاستعمارية ولكنهم ارتشوا من أرامكو وألقوا بنا في غياهب السجن مما دعا العمال للاضراب مطالبين بالافراج عنا ومنع اعدامنا، ثم أفرج عنا لكننا نفينا بعيدا عن مناطق نفوذ الامريكان. والذين يقتلون الفضيلة هم الواجب قتلهم.
والذين يأكلون الحق ويزيفون الدين هم المفروض تقطيع أيديهم وأرجلهم.
أنني أقول الحق وبعد هذا لا يهمني أن تقتلني يا سعود)!.. ولم يتركني حتّى أتوقف عن كلامي بل سحب عباءته التي سقطت حينما وقف غاضبا وأمسك بيد حاكم حائل الجزار ـ عبد العزيز بن مساعد بن جلوي آل سعود ـ ووقفا معا وسعود يردد: (هذا الحفل زين لكن خرّبه ابن سعيد)!.. ومشيت خلفه، ولكن أخاه الامير محمد بن عبد العزيز أمسك بيدي، وعرفني بنفسه وعلى ابن عمه فيصل بن سعد وقال: (أنصحك أن لا تتبع الملك انني أخاف أن يقتلك لانها أول مرة يقف فيها مواطن أمام ملك بهذه المطالب ويتكلم بهذا الكلم أمام الناس.
وأنا معكم وأشهد أنكم على حق وأن قضيتكم راحت وأضاعها الدولار، وثق أنني سأقف معكم ولكن أترك الملك يروح، وتعال لي الليلة بعد المغرب في القصر الذي أسكن فيه.
تعرفه؟ أنا أسكن في قصر نوره).. قلت له سآتي اليك الليلة.. قلتها وأنا أعلم أن كل ما يقوله الامير محمد لا يخرج عن كونه دجلا من دجل الامراء ولم يقصد الا سكوتي واسكاتي، أما الذين حضروا ذلك الحفل فقليل منهم اتهمني بالجنون (لانه لا يتكلم مثل هذا الكلام الا  فاقد العقل!) كما قالوا، فقلت لهم: كم نحن بحاجة إلى، ولو قلة من، المجانين يرفعون عن "عقلاء" الذلة عار المذلة.. وكم تمنيت لو أصيب كل شعبنا بالجنون الثوري الذي سبق وان اتهم به النبي محمد ويسار صحابته وكل الانبياء… أما قسم منهم فقال "انني جرئ" وقسم أيدني بلا تحفظ. أما أنا فلم أقدم على ذلك ـ حسب شعوري ـ ذلك الوقت الا بدافع من حبي للوطن وألمي الشديد ان أحيا في بلد يسوده أقذر حكم عرفه التاريخ الوسيط والحديث.. ولا يهمني بعد ذلك من يتهمني بالجنون أو الجرة أو يؤيدني فكلهم من "عقلاء" الملذات ما داموا لا يعملون لدحر الطغاة.. وقد كنت أبحث عن الموت باسمى طرقه… أما الامير محمد بن عبد العزيز فلم يخف "تأييده" لي لدى كل من قابله من أهالي حائل ـ ربما لادراكه أن الاكثرية تؤيد ما قلته وهي ضد آل سعود قاطبة، ورحت تلك الليلة إلى الامير محمد فوجدته يجلس في سطح القصر ولديه عدد من الامراء قدمني لهم "بشئ من الثناء" وطلب مني (أن أكتب تقريراً له في كل ما نريد!) وقدم لي الورق والقلم فكتبت بخط يدي كل ما يريده العمال والفلاحون والجيش والشعب كله واحتفظت بصورة منه..
وقبل أن أسلمه تلك المطالب الوطنية قرأتها عليه ليستوعبها فقال لي الامير محمد: (اني مسافر اليوم مع الملك وسأقدمها للملك سعود وسأقف إلى جانب هذه المطالب!) وأضاف: (ولكنني أطلب منك أن تتوجه إلى الرياض لتكون قريبا منا وتسكن في ضيافتي عندي في قصري وسأقوم بكل ما تريدون)!.. ولكن كل هذه الاقوال ذهبت مع غيرها من أقوال الامراء الكاذبة… وكانت هناك دعاية وهمية يرددها السذج آنذاك عن "طيبة وديمقراطية" هؤلاء الامراء، أمثال الامير محمد([3]) ، وسلطان وفيصل وأولاده وطلال ومشتقاته لان هؤلاء الامراء التجار الكبار اعتبروا الكلام لا يصرّفها أمثالهم الا على الشعب المستهلك الوحيد لبضاعتهم الكاسدة باظهار عطفهم الزائف على "الوطن والوطنيين" حتّى أن الامير عبد الله الفيصل عندما ذهبت إليه شاكيا الوضع الفاسد بصفته كان وزيرا للداخلية استنكر معي ما يلاقيه العمال من ظلم واضطهاد من جراء الحكم الفاسد وشركاته وطلب منها أن نحني رؤوسنا كما قال "للعاصفة حتّى تمر ويأتي والده فيصل" وأظهر ميولا نحونا بل طلب منا اغتيال الملك سعود، كما سيأتي في كل مكان آخر.. بل وسلم لي تقريرا جاء له به (طلعت وفاء) المدير السابق للامن العام (الذي اغتاله "الفهد" فيما بعد وقيل انّه انتحر في لبنان وكان يعارضهم لاحالتهم اياه على المعاش) قدم هذا التقرير وأنا عنده، وكان قد كتبه "جون فيلبي" عن تاريخ هذه العائلة السعودية وأوضح جون فيلبي دوره الكامل في خلق هذه العائلة وتكوينها وحملها وفصالها وكيف أنشأها الانكليز وقال فيلبي: (ان الفضل في ذلك يرجع إلى فيلبي أولا والسير برسي كوكس ثانيا) ولقد سلم لي عبد الله الفيصل وزير الداخلية السابق هذا التقرير ربما دون أن يقرأه قائلا: (خذ هذا واقرأه فقد ينفعكم وقل لي رأيك فيما يكتب فينا وأعده اليّ).. وبالفعل فان هذا التقرير قد "نفعنا" ولكني لم أعيده إليه ولم "أقل له رأيي فيه" وانما نشرت معظم فصوله في هذا الكتاب.. ولما قرأته قلت لنفس: سوف لن أعيد هذا التقرير مرة أخرى إلى من لا يعرف قيمة هذا التقرير اللهم الا إذا طلبه مني، ولكنه لم يطلبه مني فقد نسيه الامير المحروم "من كثرة الحرمان" وكان جون فيلبي قد أعلن غضبته على سعود وعائلته "لما عاملوه به من جفاء كفرانا بفضل خالقهم" عندما وجدوا أن النفيعة الامريكية أحسن مذاقا وأجدى نفعا من نفيعة الانكليز.
وكان جون فيلبي يشعر بمرارة لابعاد من قبل سعود تفنيذاً لرغبة الامريكان، وكان فيلبي قد وسط بينه وبين سعود حسين العويني العميل السعودي المعروف الذي ألحقه جون فيلبي "في عضوية مجلس الربع السعودي" التابع لعبد العزيز ـ ورشحه السعوديون لرئاسة وزارء لبنان مرارا … وقد صب جون فيلبي جام غضبه على سعود وأفراد عائلته الذين تنكروا كما يقول فيلبي (لأصدق صديق لوالدهم، تنكروا لمن حكم مكة من أول يوم دخلناها ولمدة 37 يوما حكما مباشراً حتّى روضها وحكم الجزيرة العربية 40 عاما حكما غير مباشر ـ عندما ـ كان كل الحكام يسيرون بأمري ويستعطفوا مني كلمة صالحة في حقهم أرسلها في تقرير إلى لندن لطلب العون والمال والسلاح والحماية وقد صليت بالناس إماما في الحرم المكي وصليت بوالدكم اماما عندما تتهمونني الآن فقط بأنني غير مسلم.
ان والدكم كان يأتمر بأوامري ولا يرى بعد رأي أي رأي. أنني مواطن عربي الآن ولو كان والدكم حيا لما سمح لكم بهذا التطاول علي الذي هو تطاول على والدكم في الحقيقة، لو كان أخي عبد العزيز بن سعود في الوجود لما رضي بابعاد والدكم عبد الله فيلبي، لو كان والدكم عبد العزيز حيا لقال لكم من أنتم يا أبنائي الذين تتجرأون على منشئ دولتنا الحاج عبد الله فيلبي ومربيكم أنتم بالذات وقد قالها أخي عبد العزيز بالفعل عندما انتقده عدد من مشايخ القبائل والدين "لتقريبه لعبد الله فيلبي والاخذ برأيه لأنه انكليزي" قال عبد العزيز: "هل تذكرون أولا من نحن وأين نحن وكيف كنا لولا عبد الله فيلبي والانكليز؟".
ورد عبد العزيز على نفسه قائلا: "كنا مطرودين نعيش على فضلات صحون آل صباح في الكويت لولا الانكليز ومواقف الاخ عبد الله فيلبي الصديق الصدوق الذي لا يمكن أن ننسى فضائله علينا فإذا تنكرون علي أخذ مشورة عبد الله فيليبي لانه انكليزي فأحب أن أذكركم أن كل ما تأكلونه الآن هو من عند الله وعند الانكليز والسلاح الذي معكم من الانكليز والريالات التي في جيوبكم سكها لنا الانكليز والذهب الانكليزي الذي معكم هو صنع الانكليز وثيابكم وعمائمكم من غزل الانكليز ولكنكم الآن تسبون المظهر وتنسون الجوهر.. هذا ما قاله والدكم عبد العزيز عني.. وكنت أصلي إلى جانب والدكم خلف إمامه الخاص، وكان أمامه إماما متعصبا ضد الانكليز "الكفار" مما أثار غضب والدكم عبد العزيز أثناء الصلاة حينما قرأ هذا الامام الآية القرانية القائلة: "ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار" فتوقع عبد العزيز أن إمامه كان يعني "بالذين ظلموا" عبد الله فيلبي والانكليز الموجودين معنا آنذاك فتقدم عبد العزيز بعصبية نحو إمامه واجتذبه أثناء صلاته ورماه أرضا، ثم تقدمنا في الصلاة بنفسه وتلا الآية التالية: "قل يا أيها الكافرون لا أعبد ما تعبدون ولا أنا عابد ما عبدتم لكم دينكم ولي دين"… هذا هو والدكم عبد العزيز ولكن المغريات الامريكية أغرتكم بزخرفها عن أصدقاءكم الاولين الحقيقيين، لكن أملي بالامير فيصل قوي أن يعيد النظر ويتمسك بسياسة والده القديمة!.)[4]
هذا هو جزء من التقرير والرسالة اللذين كتبهما جون فيلبي بتاريخ 14/6/ 1954 من بيروت، أما الاجزاء الاخرى فقد استفدت منها في أماكن أخرى من هذا الكتاب.. وعندما قابلت عبد الله الفيصل مرة أخرى بعد أن سلمني ذلك التقرير، توقعت أن يسألني عنه، لكنه لم يسأل وانما طلب أن أركب معه بسيارته وذلك عشية 22/6/ 1954 وأخذ يؤشر لي على بعض عماراته في جدة ويقول: "ان هذه كلها من المرحوم جدي البطل عبد العزيز الذي يعزني كثيرا أما سعود فوجه فقر" وأردف قائلا: "أنا أعرف أنكم تعملون للثورة وان الثورة ستقوم لا محالة مهما أخذنا احتياطاتنا ضدها ولكن المؤسف أن الثوار سوف لن يميزوا بين سعود الفاسد المجنون وبين الوطني المخلص عبد الله الفيصل أو والده فيصل هذه هي مشكلة الثوار:، قلت للامير عبد الله: "صحيح أنه لا يمكن التمييز بينك ووالدك وبين سعود وأولاده وبقية العائلة لان ساعة الثورة ليست ساعة تمييز وانما هي ساعة اصدار حكم وابادة حكام ولكن لماذا لا تثورون على أنفسكم أنتم ليمزكم الثوار الحقيقيون؟!".
قال: ألا يوجد من العمال من يخصلنا من سعود وظلمه؟" قلت: "ان المسألة هي التخلص من النظام الفاسد ونحن لا نؤمن بالاغتيالات الفردية ولم نقرها بعد ولو اقريناها لكان بامكاننا التخلص من سعود وأمثاله".. قال الامير: "تعالى لي مرة أخرى لنتحدث أكثر فأنا الآن معزوم على العشاء لدى "ابن زقر" وها هو بيته ولا أريد أن تدخل معي عنده فقد يكون عندهم من ينقل الكلام لسعود فاتهم بمناصرة العمال"… وتركت الامير لأسافر إلى الرياض، وفي الرياض اتصلت مرة بالوزير الامير سلطان وزير الدفاع حاليا فعرضت عليه بصفته وزيرا ما يلاقيه العمال من طغيان، فأركبني معه في سيارته حيث كان متجها من بيته إلى مجلس الوزراء ومر بي ما بين أكواخ بالية وقصور عالية تقع كلها متلاصقة ومتقابلة في جنوب الرياض وكأنما هي تبارز بعضها، فأخذ الامير سلطان يؤشر لي بيده على القصور والاكواخ وهو يقول: (انظر إلى أصحاب هذه الاكواخ كيف يموتون وانظر إلى أصحاب هذه القصور كيف يعيشون.
أصحاب هذه الاكواخ هم الشعب وأصحاب هذه القصور هم قلة من مستغلي الشعب.
فأين الإسلام عنهم؟)!… وتابع الامير قوله التجاري قائلا: (لو أن الإسلام قد طبق حقا لسكن أصحاب هذه الاكواخ فيه هذه القصور ولما استحق أصحاب هذه القصور أن يسكنوا حتّى في هذه الاكواخ لكن الإسلام أصبح غريبا وأصبح أمثالكم عندما يطالب بحقه المشروع وعندما يطالب بايجاد عمل له من أجل أن يعيش ويعيش أولاده ويستر عورات أهله من العار يتهم بأنه شيوعي خطير.
كيف اتهموكم بالشيوعية؟).. قلت: (الذين اتهمونا بالشيوعية هم ركائز الخيانة والاستعمار، اذاعة إسرائيل حينما سجنا عام 1953 أذاعت "بأننا شيوعيين" واذاعة صوت أمريكا أذاعت "بأننا شيوعيين" ووزعت شركة أرامكو تزعم "أننا شيوعيين" وأشاعت أرامكو وأذنابها من الحكام "بأننا شيوعيين" كما كتبت الهيئة الملكية التي أرسلها سعود لنا بأنني شيوعي وذلك عندما لعنتها في مطار الظهران ونسفت "المنضدة" في وجوههم عندما قال لي أحد أعضائها "نسيب السباعي" ان الله أمركم باطاعة ولاة الأمور كما يقول: "أطيعوا الله والرسول وأولي الامر منكم" ـ ومن ولاة أمركم الامريكان!.. وهذا هو مصدر اتهامنا بالشيوعية، رغم أننا لم نعمل ساعة للشيوعية ولم نطالب لحظة بالشيوعية وانما كان مطالبنا وطنية وعمالية وقومية ودينية بل وجزء من هذه المطالب يتجه آنذاك مباشرة ـ بمضمونه ـ لايجاد "رأسمالية وطنية" في البلاد أي لتحويل هذه الاموال "التي سرقها أصحاب القصور من أصحاب الاكواخ" لانشاء صناعات ومصانع ومؤسسات وطنية أول ما يستفيد منها أصحاب رؤوس الاموال واللصوص أنفهسم وبالتالي تنقذ أصحاب الاكواخ من الموت البطئ والمرض القاتل والجهل المقيت، بدلا من تهريب هذه الاموال إلى الخارج "هذا ما قالته ألسنتنا أما نحن فالحقيقة اننا أخطر من الشيوعيين!).. قال الامير: كيف؟.. قلت اننا "عمريين" نؤمن بمبدأ عمر بن الخطاب الذي حاسب الشعب بموجبه عمر بن الخطاب نفسه ـ وهو عمر بن الخطاب ـ حاسبه على نصف بوصة زائدة في أسفل ثوب عمر بن الخطاب ـ حتّى أثبت عمر ـ بان ذلك الثوب لم يكن ثوبه وانما هو ثوب ابنه عبد الله استعاره منه لاداء صلاة الجمعة، وهذا المبدأ "العُمري" الذي طبق منذ مئات الاعوام في أرضنا المظلومة هذه لم يطبق حتّى الان في بلد الشيوعية وانما طبق في الجزيرة العربية قبل أن يعرف الناس الشيوعية، نعم.. لقد طبق قانون عمر القائل: (متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً؟) وكذلك قانون علي بن أبي طالب القائل (ما جاع فقير إلاّ بما متع به غني) وإذا كنت تؤمن يا صاحب السمو بما تقول "عن حق أصحاب الاكواخ في باطل سكان القصور" فاعمل بما تقول وستجد أن بامكانك تحقيق شئ من الإسلام!.. ولا أقول كل الإسلام!).. قال الامير سلطان: (انني مثلكم ليس بيدي تحقيق شئ مما قلت)!.. قلت: (أن لديكم حصانة ـ أميرية ملكية ـ أما أنا فأنا أقاوم كل القوى الشريرة: الامريكان، وشركة أرامكو والرأسماليين وكل أجهزة الحكم ضدي وليس معي حتّى أصحاب هذه الاكواخ النائمين، لكنني مع هؤلاء الذين لا يجدون حتّى الاكواخ ومن يعيشون على براميل الزبالة عند أبواب القصور!)… قال الامير : (هل تعلم أنني اتهمت بالشيوعية؟… وأنهم يقولون عني الامير الاحمر؟!.. وانني موضوع في القائمة السوداء؟!).. قلت بتهكم واضح على هذا الكذب: (يجوز؟.. جائز جداً انك أمير أحمر فعلاً!).. وتركت الامير ليدخل مجلس الوزراء السعودي فتعلن صحف البلاط واذاعته بعد ذلك: (ان مجلس الوزراء قد عقد جلسته الهامة ونظر في الأمور المدرجة في جدول اعماله) بل جدول اهماله…
هذا هو نوع من أقوال امراء التهريج أولاد عبد العزيز الطاغية الذي أوصاهم قبل موته في تعريفه للسياسة (انها السياسة يا أولادي هي قل مالا تفعل وافعل ما لاتقول)!… وسار معظم أولاد الحرام على هذه السياسة.. اللهم إلا مشعل وزير الدفاع سابقا أو "برميل اللحم" الذي قال لي عندما قابلته في فندق البساتين بجدة وقلت له: (انني اريد دخول الكلية العسكرية) قال: لماذا؟.. قلت: لأخدم وطني!… قال: (أنا أعرف ما هي خدمة وطنك علينا… ان أحسن شئ للوطن هو تقطيع رؤوسكم.
ولو كان الامر بيدي لوضعتكم في فم الطوب) أي لو كان الامر بيده لما قتلنا الا بوضعنا في داخل مدفع؟… قلت له: سلامتك… أي طوب تعني؟… وعيار كم؟.. قال: أنتم أهل الاضطرابات؟… ومضى في حال سبيله غير الرشيد… أما مفتي القصور السعودية محمد بن إبراهيم فقد قال: (أنه لا دخل لي في السياسة وقضية العمال هي قضية سياسية لا يجوز لعلماء الدين الخوض فيها أما عن قولك عن ابعاد العمال العرب بواسطة الامريكان واحلال العمال الاجانب مكانهم فهذا جائز شرعاً فديننا لا يبيح أن يعمل المسلم تحت امرة الامريكاني الكافر) قلت: (اننا لم نذهب إلى أمريكا وانما الامريكان جاءوا لبلادنا فما هي الفتوى التي تبيح سرقتهم لزيت بلادنا وخيراتها؟) قال: (الامريكان يصلحون في الأرض ولا يفسدون، وقد عمروا ارضنا بعد أن كانت خرابا) قلت: (ان الامريكان يفسدون الأرض والضمائر معا وقد استأجروا من قضاة الدين عندهم كقضاة شرعيين للفتاوى، واحد في الرياض براتب قدره 12 الف ريال في جدة وواحد في الظهران كل منهما براتب قدره 6000 ريال).
فقاطعني قائلا: (إذا ثبت ما تقول فان هذا يدخل ضمن الوظيفة والاجر مقابل العمل المشروط أي وظفوا هؤلاء العلماء وهذا جائز شرعا وجزى الله الامريكان خيرا) قلت: (الامريكان جزاهم الله خيرا؟!) قال: (نعم..) قلت: (انك تقول: أنه لا يجوز للعمال العرب العمل لدى الامريكان فكيف يجوز أن يعمل رجال الدين لدى الامريكان ونحن نعلم أن هذه الدراهم لا تدفع لهم إلا للفتاوى ضد العمال ومع ذلك يجزي الله الامريكان خيرا؟!…) فغضب وقال: (البلد كلها عائشة على الامريكان.. قم … قم. قد قلت لك أنه لا دخل لي في السياسة..).
قلت هذا للمفتي وأنا أعلم أن محمد بن إبراهيم هو صاحب المرتب البالغ 12 الف ريال شهريا الذي كان يدفع له من شركة أرامكو عن طريق مكتب العلاقات الحكومية "كوفر نمنت رليشن" كمرتب خصص للافتاء في الشؤون العمالية، وقلت للمفتي: (سبق أن أفتى قاضي الظهران بقوله "الامريكان قد أحييوا أرضنا والحديث الشريف يقول من أحيا أرضا ميتة فهي له: فما رأيك بهذا المفتي؟).
فبدا الغضب على وجهه لكنه سكت وحاول عمل شئ ضدي.. وخرجت من عنده… ولا أريد أن أسترسل في سرد بقية قصتي مع آل سعود وتجار دينهم جميعا ـ فالقصة "غصة" شعب طويلة لا نهاية لها أبدا إلا بنهايتهم جميعا حينما يُطبّق الدين الصحيح في يوم تشرق فيه شمس الثورة الجمهورية ويتحرر الشعب بالحرية والاشتراكية العلمية والوحدة العربية… وانما اوردت بعض القصة التي جرت معي لافنّد كذب هؤلاء المرتزقة الذين التفّوا حول بعضا لامراء وبدأوا يبثون لهم دعاية كاذبة عن ديقراطيتهم المزعومة وبايعوهم، بينما الشعب المسحوق "المسعدن" الممسوخ اسما ورأيا ووطنا ودينا لم يبايع!… بل كيف "يبايع" من لا يملك الرأي الحر ومن يؤخذ بالظن والشبهات؟!.. والامراء الذين تحدثت عنهم هم الذين يحكمون الآن ويتحكمون… ولو أنهم استفتوا الشعب على ثقته فيهم لما منح الشعب ثقته أبدا إلا لمن يقتلهم جميعا للقضاء على من اندسوا على الإسلام لتخريب الإسلام… ففعلوا أسوأ مما فعله معاوية وزبانية الرأسمالية والاقطاع والخداع الاوائل.. في نكبة الجوف ضد: علي…

احتلال الجوف

والجوف قبل كل شئ هو (دومة الجندل) المكان التاريخي الذي عقد فيه المؤتمر الشهير بين أنصار علي بن أبي طالب يرأسهم الساذج أبو موسى الاشعري بينما أنصار معاوية اللعين يرأسهم الرأسمالي الماكر عمرو بن العاص.
وقد سمي هذا المكان التاريخي (دومة الجندل) باسم ـ الجوف ـ فيما بعد لأنه يقع في منخفض (500) قدم تقريبا عما حوله من سطح الصحراء.. وتتكون الجوف من: الجوف العاصمة، وسكاكا، والطوير، وجاوه، وعدد من القرى، والمناطق التابعة لها، ومزارع الفواكه والنخيل كثيرة جدا في هذه المنطقة التاريخية وممتازة جداً ومنها نخل ـ الحلوة ـ الشهيرة في البلاد.
وموقع الجوف الجغرافي مهم في استراتيجيته فهو يقع في شمال الجزيرة العربية على الطريق المباشر للاردن، فلسطين، سوريا، والجوف قريبة من العقبة والعراق أيضاً، وقد اشتهر شعبنا في الجوف بعناده وشجاعته وكفاحه بوجه آل سعود وغيرهم… وما سردنا النبذة التاريخية هذه عن الجوف وما حدث في الجوف ـ سابقا ـ من خداع "معاوية" لأبي موسى الاشعري ورهطه إلا لنقارن بينه وبين ما حدث في الجوف حينما قام جون فيلبي وعبد العزيز آل سعود بخداع بعض "الزعماء" في الجوف كغيرهم من زعماء شعب الجزيرة العربية الذين خدعوا بالدعوة السعودية الكاذبة باسم الإسلام وكانت دعوة من نسيج انكليزي سعودي اطلقت في بداية القرن العشرين زاعمة أن ابن السعود قد ارسل كمبعوث للعناية الالهية لا كمبعوث للمكتب الهندي الانكليزي، وقيل يومها انّه حامل لواء الإسلام لتوحيد البلاد.. وجعل الامر شورى فيما بين الناس والناس سواسية كأسنان المشط!… وانخدع شعبنا "بأسنان المشط" هذه، فظن البعض أنه المشط العربي الذي نص عليه الرسول العربي محمد، لا المشط "الانكلوا امريكاني" المتفاوت الاسنان… فاجتمع شعبنا في الجوف وقرر "زعماؤه" ارسال وفد منهم إلى عبد العزيز بن السعود باسم الشعب في الجوف حاملين رسالة جاء فيها:
(بسم الله الرحمن الرحيم… من أهالي عموم الجوف وقبائله إلى عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود… السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أما بعد فان بلادنا قد اصبحت لاتطيق الظلم على رحابتها. ولهذا فالاخوة الذين يحملون هذه الرسالة مندوبين عن أهالي الجوف يبلغونكم ترحيبا بكم لتكون الجوف تحت حكم الله وحكم الدعوة الإسلامية التي تدعون إليها لسن شريعة العدل بين كافة الناس وتوحيد البلاد وأخذ حق الظالم من المظلوم.
وتطبيق حكم الشورى، وكما تقول بانك ستبقى خادماً لهذه الشريعة وأمة محمد وان حكام البلاد سيكونون منها حسب اختيار الامة لهم فنحن نختار هؤلاء المندوبين عنا للمفاوضة معكم والايام بيننا والسلام على من اتبع الهدى)!… هدى!..
كان هذا موجز لنص الرسالة التي بعث بها المجتمعون في الجوب إلى ابن السعود.. وقد حملها كل من: حمد بن مويشير (من زعماء المعاقلة بمقاطعة الجوف) ومنصور الباسط (من زعماء القرشة بمقاطعة الجوف) وعيد الضميري (من زعماء المطر بمقاطعة الجوف) وعلي الطريف (من زعماء القرشة بمقاطعة الجوف) واتصل هذا الوفد بابن السعود وبدأ التفاوض معه فوجدوه كما عبر أحدهم عنه بقوله عن الخداع السعودي متمثلا في بيت الشعر العربي:
(ان الحيايا وان لانت ملامسها              عند التقلب في انيابها العطب)
وبالطبع وافق عبد العزيز ـ الذي كان جون فيلبي يقبع عن يمينه ـ على كل شروطهم وعقدوا معه معاهدة كانت كل موادها توحي في البداية أنها لصالح الشعب في الجوف، ولكن: خلفها مصيدة غادر (يتمسكن حتّى يتمكن) ومع كل ما أبداه عبد العزيز بن السعود من لين الجانب… إلا أن الوفد الشعبي قد عاد من لدنه ولديه بعض الشكوك من تصرفات ابن السعود ومن ملاحظاتهم (انّه يخضع للانكليز الذين يقعدون إلى جانبه)!… ورغم جسامة هذه الملاحظة إلا أنهم تغاضوا عن ملاحظاتهم تلك وصرفوا النظر عن شكوكهم معللين ذلك بأنه (عارض يزول، وما دام ابن السعود قد وقّع المعاهدة فتوقيع الرجال شرف يوضع على الرأس ولا يداس!.
وما دام أنه قد قبل كل هذه الشروط ونحن الذين فاتحناه بها وعنينا إليه فلنتفق فيما بيننا على أنه مخلص في عهده)!… واتفقوا… وهكذا أرسل معهم مندوبا سعوديا من عنده يدعى (عساف الحسين) وبهذه المعاهدة "الحيلة" قدر للظلم السعودي أن يسود  الجوف.. وكما قلنا: تمسكن الغادر ابن السعود لشعب الجوف حتّى تمكن من الجوف، وتنكر بعدها لعهوده ومعاهداته وايمانه ومواثيقه الغلاظ… وراح يردد "انشودته" المفضلة التي ما زال يرددها من بعده أولاده (أخذناكم بحد السيف)!… وما زالوا يصبغون سيوفهم في رقاب وأيدي وأرجل الشعب ويسومونهم سوء العذاب، ومنذ ذلك الحين، وحتى بعد تدفق مليارات البترول، وما زال آل سعود يرسلون أذنابهم من (الخراصين) لجمع ضرائبهم الفاحشة من البادية والفلاحين والمواطنين لانفاقها على شهواتهم السعودية… ومن هذه الضرائب التي فرضوها على شعبنا ليس في الجوف فقط وانما في كافة أنحاء الجزيرة العربية: ضريبة الزكاة!… ضريبة الجهاد في سبيل الله!… ضريبة حماية الاعراض!… ضريبة المكوس والجمارك… ثم.. ضريبة فلسطين والدفاع عنها!.. بعد أن باعها آل سعود… وأخيرا.. ضريبة مرضى السل!.. والذين يقومون بجباية هذه الضرائب مجموعة من الجهلة الاميين واللصوص الذين يستولون على ربع ما يجبونه من الشعب، أما الربع الثاني فلحكام المناطق، وأما النصف الآخر فللعائلة السعودية، تأخذه من الفقراء لتنفقه في "جهاد الحريم الاكبر" وتشتري به ملهياتها ومسكراتها وملذاتها وشهواتها الحيوانية السعودية.. وكثيرا ما يصادر (الخراصون) أراضي الفلاحين ونخيلهم ومزارعهم وابل واغنام أبناء البادية بحجة (أنهم أخفوا شيئا مما أوجب الله عليه دفع الزكاة لآل سعود)!.. مما جعل أكثرية من الشعب تعيش على هامش الحياة في الفقر المدقع والمرض المفزع والجهل المفجع والارهاب المروع، ولكن مع كل هذا لم يفقد شعبنا احساسه في كرامته وانسانيته وعروبته وشجاعته، فانتفض شعبنا في الجوف بوجه الظلمة الاثمين السعوديين سلالة بني القينقاع واجتمع في يوم 23/5/1940 وقرر الشعب ما يلي:
1 ـ أن ابن السعود خائنا.
2 ـ ان ابن السعود نكث مواثيقه.
3 ـ ان ابن السعود بغى وعلى الباغي اللعنة.
4 ـ أن ابن السعود طغى وجهنم للطاغين.
ولكنه يجب أولا ارسال مندوبين عن الشعب لمعرفة رأي ابن السعود في هذه الجرائم التي تمارس باسمه في حقنا وعرضها عليه لنرى هل له إطلاع عليها أم أنها تدار من خلف ظهره وتسمى بإسمه، فان كان لا يعلم بها فعلينا أن نعلمه. وان كان فما هذا إلا انذار منا لنقضه الاتفاق والوعود ومن انذار فقد اعذر!…
وعلى هذا الأساس رأى شعبنا في الجوف أن يرسل مندوبين عنه إلى عبد العزيز آل سعود بالرياض واستقر الرأي بأن يكلف بهذه المهمة كل من : الشيخ حجاج بن دايس (زعيم خذما) والشيخ معزي بن دهام (زعيم العقلية بالقريات) ووصلا الرياض واجتمعا بالطاغية عبد العزيز " وكعادته الثعلبية" رحب بهما وهو يكتم غيظ نيته السعودية اليهودية في صدره وتظاهر بأكرامهما بينما كان يخفي لهما اللؤم… ونادى على واحد من عبيده فوسوس له… ثم… ثم طلب القهوة العربية كعادته… وأردف قائلا: (زد لنا الزعفران)!.
ولم يكن الزعفران إلى اشارة بين العبد وسيده عبد العزيز… وجاءت القهوة التي لم تكن عربية!.
(وانما يهودية).. لقد وضع فيها (سما) نعم وضع السم في القهوة… وهذه ليست عادة غريبة عليه… فقد قتل بهذه الطريقة المئات من رؤساء العشائر والمجاهدين... فتخلص منهم باحقر اسلوب عرفه الصهاينة… فاشار إلى "العبد" بأن يسكب للشيخين فقط قائلا (والله وتالله ان لكم محبة خاصة في قلبي لانكم دائما تظهرون الحق… ووالله وتالله انني أكره من يسكت على الظلم… ووالله وتالله ما سكت على الظلم إلا شيطان أخرس!) وهكذا يقسم الغادر الاثيم!.. فارتشف الشيخ حجاج بن دايس القهوة.. أما الشيخ معزي بن دهام فقد تنبه للخطة واستغل فرصة التهاء الطاغية "بالايمان الغلاظ" وانصراف "العبد" ساكب القهوة لسكب عدد من قهوته السعودية إلى زميله الذي لم يكن يظن أن النذالة ستبلغ بابن السعود هذا الحد البشع… فألقى الشيخ معزي بن دهام بالقهوة إلى جانب مقعده في غفلة من الاذناب وأشار بيده للعبد "أنه قد اكتفى" أما الطاغية فقد اطمأن لهذا العمل.. وودعهما وهو يكرر عهوده وأيمانه بأنه على عهده ولم يخنه ولكنه لا يستطيع الالمام بكل الأمور هذه وانه "الخادم للرعية" وأنه سوف يحذر أمير الجوف الحاكم آنذاك ولن يتكرر ما حصل!.. ثم ودعهما.. وفي الطريق لقي الشيخ حجاج بن دايس حتفه "بالسم" السعودي بينما نجا الآخر الشيخ معزي بن دهام..
ومع أن الشعب في الجوف قد اكتشف هذه الخطة الملعونة إلا أنه صبر على أحر من الجمر ليرى ماذا يفعل ابن السعود بمواعيده وايمانه... ولكنه لم يفعل شيئاً إلا زيادة المظالم… ومرت الايام والطغيان السعودي يزداد مع الايام  غدراً وطغياناً… ومرة أخرى حرر شعبنا في الجوف ايقاد مندوبين عنه لابن سعود" ممن عرفوا بالصلابة وقوة البأس ومنهم: رجاء ابن مويشير، ومسعر البلهيد، وكبريت الدرعان، وصنيتان الدرعان، ومخلف المانع، ومتروك الخلف، ومرعيد الدنوني، ونويديس بن خفلية السهيّان، ومناور بن هايس، وسهيّان الشكر، وثلج البطي، وغيرهم من المؤمنين… وقابل ذلك الوفد عبد العزيز بن سعود وعرضوا عليه مشاعر الشعب نحوه ونقمته عليه وعلى حكمه وحكامه، لكنهم رفضوا هذه المرة شرب "القهوة" أو أكل أي شئ معه أو لديه، وأفهموه أنهم أقسموا على عدم أكل أو شرب أي شئ لاعتباره ناكث عهد، ولم يحقق أي  مطلب شعبي.. ومرة أخرى أخذ يكرر الطاغية أيمانه ويؤكد (أنه سيرسل تلك الساعة من ينوب عنه ليحقق كل ما يطلبون ولن يتم إلا كل ما يرضيكم وما لا يرضيكم سيزول!.) وعاد الوفد إلى الجوف بين مصدّق ومكّذب وما أن وصلوا حتّى وجدوا أن ابن السعود قد أرسل للجوف لوائين من "جيش الاخوان" المتوحش وكان قد أعاد تشكيله من جديدة لثاني مرة عام 1947، 1948 بعد أن ألغاه في السابق عندما كونته المخابرات الانكليزية بقيادة شكسبير وجون فيلبي في مطلع القرن العشرين لكن هذا الجيش ثار ضد آل سعود بقيادة فيصل الدويش فالغاه كما قلنا وأعاد تشكيله عام 1947، ومنذ ذلك العام "والجيش الحافي" يزداد[5]، وبدأ
ذلك الجيش  الحافي يشن هجمات النهب والسلب والسرقة.. وقام عبد العزيز بعزل شيوخ القبائل والزعماء المؤمنين واستبدلهم بغيرهم وأخذ يستعمل سلاح غدر جديد… سلاح (الفتنة) التي أخذ يثيرها أذنابه بين القبائل والشعب في كل المناطق… سائرا بالمثل اللئيم الذي علمه له أسياده الانكليز (فرق تسد) فساد هذا الفساد.. لكن إلى حين… فمات عبد العزيز وخلفه ابنه سعود، ولم ينخدع شعبنا في الجوف بابن الطاغية لأيمانه عن خبرة أنه لا يمكن للفأرة أن تلد إلا فارة أو فاراً، أي لا يمكن أن يخلف عبد العزيز إلا ذريته الطغاة الذين لحقوا به.. وكان الخصام بين المواطنين قد بلغ أشده من جراء فتنة التفرقة التي أوجدها الطاغية عبد العزيز.. ولكن المواطنين قد أحلوا الوئام مكان التفرقة وأجمعوا أمرهم (على أن لا يبايعوا سعوداً عند قدومه إلى الجوف لأخذ البيعة) ووصل سعود الذي أعلن نفسه ملكا بوفاة والده عام 1373 ـ 1953 م وجاء ليأخذ البيعة من المواطنين.. لكنه لم يجد من يقابله إلا حاكم السعودي على الجوف والاذناب، أما الشعب فقد داهمه في الصباح الباكر بمظاهرة عدائية كبرى قبل أن يقوم من مخدعه المتنقل معه (وهو عبارة عن صالون كبير تجره سيارة كبيرة، مكيف بالهواء مليء بالخمور والحريم) وما كان من سعود بعد تلك المظاهرة إلا أن أمر أتباعه بحزم أمتعتهم والحفاظ على حريمه وخموره!… ولاذ بالهرب من الجوف إلى غير رجعة… وترك على الجوف حاكما من خونة السعوديين ومنذ ذلك التاريخ وشعبنا في الجوف يعاني صنوف القهر والنهب والاستبداد…

كيف (حل) الاحتلال السعودي في القصيم؟…

ما من شك أن شعبنا في القصيم قد كره أولئك الحكام الذين حكموه قبل حكم ـ الاحتلال السعودي ـ بحكمهم الرجعي الذي لا يقوم إلا على جمع الزكاة من المواطنين والغنائم لانفاقها على الحروب الأهلية، إلا أن شعبنا في القصيم لم يرحب أيضا بحكم آل سعود المؤيد من الانكليز أبدا… لكنهم احتلوا القصيم عنوة واغتصابا.
احتلوه بقوة ودعم وتخطيط الانكليز وباثارة الفتن وبالغدر وبالدجل باسم الدين وبدفع الرشوات لتجار الدين ولبعض العائلات الكبيرة في القصيم، فأفتوا بتكفير أي حاكم لا يعمل تحت امرة حكم عبد العزيز آل سعود.. إلا أن صالح بن حسن آل المهنى حاكم بريدة آنذاك قد طعن في صحة تلك الفتوى السعودية… ولما رأى (مجلس الربع) الانكلو ـ سعودي تصميم ابن مهنى على مقاومة النفوذ السعودي الانكليزي، أرسل "مجلس الربع" كتابا باسم عبد العزيز آل سعود يطمئن فيه ابن مهنى بأنهم لا ينشدون إلا صداقته فقط وهم لا يطلبون منه مقاومة ابن الرشيد وانما يرجون منه عدم مقاومة ابن السعود فرد ابن مهنى عليهم قائلا: (انّه لايريد تدخلا في شؤون بلاده وسيحارب كل من يتدخل أما من يريد الصداقة فباب الصداقة مفتوح لكل من يريد الصداقة صادقا)… وبعد أن وصلت هذه الرسالة اشار جون فيلبي (رئيس مجلس المستشارين) على عبد العزيز بن سعود بقوله: (ما دام ابن مهنى يدّعي أن باب الصداقة مفتوح لكل من يريد الصداقة صادقا فلنرسل له بصندوق من الذهب كعربون للصداقة ومن ثم اطلب منه أن يزوجك باخته لتبرهن له أنك تريد دخول الصداقة صادقا من بابها الواسع باب المصاهرة)! فكتب مجلس الربع الرسالة باسم ابن السعود إلى ابن مهنى وأرفق بها عربون الصداقة ـ صندوق الذهب ـ فاستجاب ابن مهنى لطلب ابن السعود الذي توجه ومجلس الربع ومجموعة من جيشه إلى بريدة… وباختصار… تزوج اخت ابن مهنى… وبذلك أصبح صهره العزيز عبد العزيز!.
وأصبح عدو الامس "رحيم" اليوم.. ما دام أن العود قد أصبح من أهل البيت و"حمام الدار" فلابد اذن من أن يسود جو الامان ويطمئن كل واحد للآخر… فالمثل الشعبي يقول (كن نسيبا ولا تكن ابن عم) أي أن الصهر أقرب قرابة من ابن العم… وبعد شهر واحد فقط… انقلب (اليهودي) إلى أصله الغّدار.. إذ اتفق مجلس الربع مع كبار تجار الدين وبعض كبار الجماعة على الخطة… فوجه عبد العزيز بن السعود الدعوة لشركاءه من تجار الدين والجماعة.. وكانت الدعوة في بيت نسيبه طبعا ولابد لنسيبه من حضورها… وكانت بداية النهاية عندما أبلغ ابن السعود "نسيبه" ابن مهنى زاعما له: (أن لديه معلومات مؤكدة بأن ابن الرشيد قد توجه إلى غزوك يا نسيبي بعد أن علم أنك قد زوجتني أختك معتقدا أننا قد أصبحنا نتآمر عليه الآن، فأنا والانكليز سنبذل كل ما بوسعنا لصد العدوان عنك…. ولهذا لابد من توجيه الدعوة إلى مشايخ الدين وكبار الجماعة للتشاور معهم، وهم فلان وفلان وفلان، الخ) فانطلت تلك الحيلة (السعودية الانكليزية) على الرجل الطيب ابن مهنى حينما وجه الدعوة للمجموعة التي اقترحها "نسيبه" لذلك الاجتماع الهام!… اما عن "النسيب" عبد العزيز ابن السعود فقد أحضر مجموعة سعودية مسلحة من جنده يثق بها كل الثقة يرافقها "الحاج شيخ المشايخ والطرق عبد الله جون فيلبي"… وما أن تم الاجتماع وكمل العدد حتّى صوبت البنادق صوب رأس "النسيب" ابن مهنى … ولم يكن للرجل من حيلة غير الاستسلام وهو يردد (نسيبي؟!… كيف يا نسيبي تعمل هذا مع أخو زوجتك؟… لماذا هذا الغدر؟… ما هذه شيم الرجال.. أين العيش والملح والشرف والقرابة والصداقة والعهود؟!.. ليست هذه طرق العرب)!.. ولم يمكن رد سليل القينقاع إلا قوله الوقح: (حط الشرف وشيم الرجال والصداقة والنسب والحسب في دبرك… أنا ما تزوجت أختك إلا لهذا اليوم… اقتلوه!) إلا أن جون فيلبي قد أشار بعدم قتله في بيته… وأقترح أن يشدوا وثاقه ويحملوه بعيدا بحجة أنهم سيأخذونه إلى الرياض ونقله مع أولاده وأولاد أخيه السبعة لقتلهم في مكان بعيد، فغضب وهاج شعبنا في القصيم لهذا الغدر بحاكمهم… فحاول ابن السعود أن يتحاشى تلك النقمة الشعبية ضده إلى حين… فأعلن في البلد بواسطة تجار دينه الباطل وبعض كبار البلد: (أن ابن مهنى قد باع البلاد لابن الرشيد وابن الرشيد "كافر" كما تعلمون ولهذا خلعنا ابن مهنى وأرسلناه هو وأولاده إلى ابن الرشيد صديقه العزيز في حائل ومع ذلك سنحافظ على حياته حتّى يصل إلى حائل ومن أراد أن يراه فليشاهده وهو في طريقه إلى حائل)!… لكنه من ناحية أخرى أوعز ابن السعود للحاكم المخلوع ابن مهنى بأنه إذا أراد سلامة نفسه وأولاده فعليه أن يجيب إذا سئل (بأنه هو الذي أراد السفر من تلقاء نفسه إلى حائل ليلجأ إلى ابن الرشيد!…)
ولهذا وجد ابن مهنى نفسه مضطرا للتصريح بما لقن به كذبا من قبل "العدو النسيب" لعدد من أبناء الشعب عندما اعترضوا طريقه وطرحوا عليه الاسئلة (لماذا السفر؟ نحن سننقذك؟).. وما أن علم شعبنا في مدينة عنيزة بذلك حتّى خرج جمع كبير بقيادة "ابن يحيى" حاكم عنيزة آنذاك ـ وهو صديق لابن مهنى ـ بغية مناصرته واستلامه ليقيم في عنيزة إذا أراد، وفي الطريق، اعترض ذلك الجمع طريق ابن مهنى وطلب من حراسه "السعوديين" تسليمه لأهالي عنيزة ليبقى عندهم… لكن الحراس السعوديين ردوا على أهالي عنيزة قائلين: (انها رغبة ابن مهنى نفسه بالتوجه إلى حائل ليقيم عند صاحبه ابن الرشيد)!… فسألوا ابن مهنى الذي أجاب بما هو مرغم على قوله (صحيح… صحيح سأبقى عند ابن الرشيد)! عند هذا تراجع جمع أهالي عنيزة وتركوه لحراسة الغلاظ… وما أن ابتعدوا قليلا عنهم حتّى أناخ الحراس الابل وقتلوا ابن مهنى وقتلوا أولاده وأولاد أخيه السبعة!.
وكان من بين الاولاد طفل صغير لا يتجاوز سن الرابعة قتله الوحوش بعد أن قتلوا والده وأخوته الستة رغم كونه طفل صغير لا يفقه شيئا من أمور الحياة!! هذه عينه من وحشية آل سعود…
وعاد ابن السعود.. ثم قتل خمسمائة ـ رأس ـ من رؤوس المعارضين له في (بريدة) كان بعضهم من مشايخ (الصالحين) امثال القاضي الجليل الشيخ إبراهيم بن عمر الذي طلب منه ابن السعود (أن يفتي له بتكفير المعارضين في الجزيرة العربية ومنهم أهل حائل وكل من يقف ضد الانكليز والسعوديين) فرد القاضي ابن عمر قائلا (لا يمكن أن أقول انهم كفرة والدين يقول من كفّر مؤمنا فقد كفر!… وحتى لو كانوا كفرة فالقرآن الكريم يقول لا اكراه في الدين.. وأنت لست نبيا يا ابن السعود… ومحمد عليه السلام أخبرنا بقوله: لا نبيا بعدي.. أما عن الاتراك فكل ما أفتي به حولهم فهو: اننا لا نقبل تدخلهم في بلادنا ونحن ضدهم ولا تنسى أننا حاربناهم يوم كنت أنت ووالدك عبد الرحمن تتلقى معونتهم إلى أن قطعوها أخيرا بعد تعاملكم مع الانكليز… وأنا لا أريد أن أكفّر ابناء ديني ووطني لصالح الانكليز… وأعرف أنه ليس لديك من السلاح والمال ما يعينك لتحارب به وانما السلاح والمال هما سلاح ومال الانكليز… يدفعونه لك لتحارب به المسلمين… وبعد: كيف تريد مني تكفير أهل نجد وأهل الحجاز وأهل الجوف وعسير واليمن وتكفير العرب المسلمين وأنا أرى الانكليز أمامي الآن يسوقونك لحرب المسلمين)!… ونزل هذا القول كالصاعقة على رأس عبد العزيز آل سعود وسادته الانكليز حيث امروا بحفر حفرة عميقة وربطوا يدي القاضي الجليل إلى ظهره وأخذوا يجرونه من لحيته حتّى أوقفوه على شفى الحفرة وقال له عبد العزيز: (هذا قبرك، إذا كفّرت اعداءنا نجوت من الموت وان رفضت فسندفنك فيه حيا) فأجاب ابن عمر بقوله (أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وأن الموت حق والظلم باطل، ولن أكفر إلا المعتدين الانكليز ومن يركن لهم من الظالمين السعوديين…) عند ذلك قذفوا به في الحفرة وأحرقوه بالنار ثم أهالوا عليه التراب وهو حيا… وبهذه الطريقة السعودية القذرة استشهد القاضي الجليل ابن عمر… وكذلك القاضي الشيخ إبراهيم بن جاسر، فقد طلب السعوديون منه نفس المطلب (تكفير العرب المؤمنين والمسلمين في نجد والحجاز والجوف والاحساء وعسير واليمن) ممن قاوموا الظلم الاستعماري والسعودي ولما رفض ابن جاسر تنفيذ باطل أقوالهم الانكلو سعودية نفوه إلى الكويت ومات في المنفى… كما قتلوا عدد من الشعراء… منهم ابن صغير وابن سكران…
وكذلك الحال في عنيزة… نفس الاسلوب… نفس الفتن… فقد كان آخر من حكم مدينة عنيزة (آل يحيى) ينازعهم في الحكم آل سليم، وآل سليم من مؤيدي آل سعود، ولهذا ناصرهم آل سعود بالمال والسلاح واستولوا على عنيزة وقتلوا عدداً من آل يحيى الذين حاربوا الانكليز والسعوديين وذهب بقيتهم للاقامة في حائل وأخضعوا عنيزة للنفوذ السعودي ولا زال آل سليم يحكمون عنيزة كموظفين للحكم السعودي، لكن شعبنا العظيم في عنيزة لم يخضع ابدا منذ أول يوم احتل فيه الظلم السعودي عنيزة حتّى الآن، فقد حدثت في عنيزة انتفاضات عديدة ضد غشامة حكم السعوديين المنحل، وقد وقف علماء الدين ورجالها الاحرار وقوف المؤمنين الصامدين للدفاع عن أرضهم، ولم تخرج من أفواه علماء الدين في عنيزة أية فتوى باطلة لتكفير العرب المؤمنين اشقاءهم أو تكفير المسلمين!.
ومثالا على هذا ذلك الموقف المشهود الذي وقفه الشيخ الجليل صالح العثماني القاضي، بوجوه هؤلاء الآثمين المشعوذين السعوديين ولهذا اصدروا الفتاوى الفاجرة بتكفيره وأمر عبد العزيز الطاغية جنده الفاسد بضرب الشيخ صالح القاضي بعصيهم على سرته وهم يرددون: (هذه الكرش المليئة بالكفر في حاجة إلى بقرها وتطهيرها من الكفر والندقة)!.. وكان الشيخ صالح القاضي هو امام الجامع الكبير في عنيزة، لكن عبد العزيز بن السعود كان يخرج من عنيزة يوم الجمعة تاركا الصلاة خلف هذا الرجل الذي كان يصلي خلفه كل أهل البلد (إلا عبد العزيز آل سعود) الذي يغادر عنيزة قبل صلاة الجمعة بقليل ليصلي خلف جون فيلبي (أو الحاج عبد الله فيلبي كما سمى نفسه لغاية في نفسه) وكان عبد العزيز بن سعود يظن أنه سيضايق الشيخ صالح القاضي "بهجره" له وتحريمه الصلاة خلفه!
(وأدائها خلف جون فيلبي)، إلا أن ابن السعود قد اضطر أخيرا لمقابلة الشيخ القاضي والاعتذار منه لغاية في نفسه، لكن القاضي لم يقبل عذره قائلا (عذرك مردود يابن سعود، وسرّتي هذه التي تريدون تطهيرها من الكفر كما يقول جندك لم تعتاد على أكل المحرمات، وأنا لا أتشرف بأن يصلّي خلفي من يخضع للإنكليز ويطلب مني تكفير العرب المسلمين)!.
ورغم هذا الجواب القاسي فان عبد العزيز الطاغية لم يمسه بسوء مباشر سوى المضايقات السعودية، نظرا لوقوف الشعب البطل في عنيزة إلى صف القاضي…
ولم تكن هذه فقط مواقف شعبنا في عنيزة بوجه الطغيان السعودي، فقد كانت له مواقف مشرفة وانتفاضات شعبية وطلابية تعبر عن سخط الشعب على أوضاعه الفاسدة السعودية المقلوبة… وكذلك مواقف شعبنا وطلابه في بريدة وانتفاضاته الشعبية والطلابية، نذكر منها على سبيل المثال انتفاضة الطلبة عام 1957 حينما طوقوا قصر الامير السعودي الحاكم في بريدة محمد بن بتال ورجموه بالحجارة وهم يهتفون بسقوط الحكم الظالم وتجار دينه الذين يطلق عليهم زوراً اسم (هيئت الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) وما هم إلا عكس التسمية تماما… وقد قامت تلك الانتفاضة الطلابية احتجاجا على ما قامت به هيئة (الامر بالمنكر والنهي عن المعروف) في بريدة من جلد بعض الطلبة بحجة أنهم (يركبون احصّين ابليس، ويمشون خارج بيوتهم بين العشاوين)!.
وترجمة هذا الكلام "البومي" يعني: أن الطلبة يركبون عجلة "البايسكل" ويخرجون من بيوتهم في فترة ما بين المغرب والعشاء!، وركوب المواطنين للدرجات حرام، لكن ركوب رجال الدين والامراء واللصوص للسيارات الفخمة المسروقة من حقوق العمال والفلاحين وأبناء البادية الجياع مباح، وهم لا يريدون أن يخرج الشعب ليلا، وكفاية على شعبنا نهاره السعودي المظلم، لأن من يخرج في الليل ربما قد يفعل شيئا ضد عهد آل سعود الدامس، والشعب كله يعيش في حالة طوارئ دائمة ومنع تجول باستمرار وما زالت حالة الطوارئ مطبقة في عدد من مناطق ما يسمى بالسعودية منذ عام 1901 حتّى يومنا هذا، إذ يحرم على المواطنين السير في الشوارع أو السهر في البيوت ما بعد الساعة التاسعة ليلا…
وهذا يرجع إلى خوف الاحتلال السعودي من التجمعات… ولا زال آل سعود ـ يعدون شعبنا عداً ـ بواسطة تجار دينهم، وبعبارة أوضح، مطلوب من كل مواطن أن يثبت وجوده في المسجد الذي يقع في حيّه وذلك فجر كل يوم (الساعة 3.5 صباحا) وحرق الثياب والجلد في الشوارع والسجن لمن لا يثبت وجوده… ولعلك لم تسمع: ـ أيها الإنسان البعيد عنا ـ بكلمة (نائب) … وان سمعتها، فلا يبدر لذهنك أنه قد أصبح لدينا (مجلس أمة… أو مجلس شعب.. او مجلس نواب) وأن هناك (نواباً) يمثلون شعبنا في هذا المجلس!..
حاشا، وكلا، أن يمثل شعبنا تمثيلا حقيقا طالما وجدت عائلة آل سعود، في الوجود… انّما النواب ـ يا صاحبي هنا ـ هم: (اعضاء هيئة الامر بالمنكر والنهي عن المعروف).
… ونعود الآن لايجاز الحديث عما حدث لطلاب بريدة بعد تطويقهم لقصر الامير ابن بتال وقذفه بالحجارة، لقد أرسل الملك السعودي طائرتين امريكيتين محملتين بالعصي والعبيد، فاختطفوا الطلاب من مساكنهم، والهبوا جلودهم ضربا حتّى أغمى عليهم.
وبعد ذلك حملوهم بالطائرة بين الحياة والموت.
وما كان موقف فيصل ولي العهد ورئيس الوزراء آنذاك إلا كموقف الملك سعود ولم يكن موقف آل فهد وبغايا آل سعود ـ إلا كموقف فيصل ـ من تهديد ذويهم وتأييد مخازي تجار الدين السعودي أعداء الشعب كله على ما اقترفوه من جرائم وما يقترفون من فجور بدافع من حكم آل سعود..
وما حدث في بريدة وعنيزة حدث ما يشبهه في وادي الدواسر، وفي المجمعة، في الزلفي، وفي الرس وفي سدير والافلاج والحريق والحوطة، وفي شقرا وكافة بلاد الوشم ونجد كلها.
وحدث في المدينة وفي مناطق كثيرة من الحجاز وعسير والاحساء والقطيف والجبيل ـ ومناطق الظهران ـ لكن مثل هذه الانتفاضات وحدها لا تكتفي للاطاحة بأخس احتلال سعودي عميل… ان العمل التنظيمي والجبهوي هو الحل السليم للاطاحة بهذا العار..


[1] الزيارة، نخيل يقع في جنوب حائل يملك القسم الاكبر منه إبراهيم السالم وقد اطلق عليه اسم جبله، وهناك قسم من النخيل يملكه الشويعر وهو محاذ للزيارة.
وفي هذه الاماكن عسكر جنود ابن سعود باتفاق مع المترفين أو ما يعرف باسم البرجوازية الآن…
[2] لا وجود لسجلات القيود آنذاك، وحتى الآن في معظم المناطق. فسجلات القيود كانت تعتمد على تحديدها بحوادث شهيرة معينة، كقولهم: عام الطاعون، عام الجدري. عام السقوط، الخ…
( [3] ) هو شقيق الملك الحالي خالد بن عبد العزيز وهو من أكبر أولاد عبد العزيز ومن أشرهم سابقا إذ كان يطلق الناس عليه (أبو الشرين) فاشتهر بحبه للملايين والادمان الجنسي والكحولي.
[4] والمعروف أن فيصل قد تدرب في عدد من الدورات في المركز الرئيسي للمخابرات البريطانية في لندن على يد فيلبي الذي سافر معه وهناك عدد من الصور يظهر فيها فيصل يقوده جون فيلبي إلى المركز (انظر اليوبيل العربي ـ الطبعة الاولى ـ لجون فيلبي).
[5] تحول اسم هذا الجيش فيما بعد إلى اسم "الجيش الحافي" و" الجيش الابيض" نظرا لسير جنده حافي الاقدام، بثيابه الفضاضة والعمائم البيضاء… ثم حولوه إلى ما يسمى بـ "الحرس الوطني" الملكي…

No comments:

Post a Comment